"لا شك أن الأمم تتطور وتنمو إذا عمل كل جيل على تطوير الجيل الذي يليه وتنميته"؛ هكذا اختصر الباحث القيادي الشهير جون سي ماكسويل في هذا الاقتباس معاني كثيرة عن القيادة المستدامة. إذ أكد أن بناء جيل قوي معرفياً يجب أن يكون محاطاً ببيئة صديقة ومستدامة لكي تتعاقب عليها الأجيال وتزدهر. لذلك، القيادة المستدامة تعتبر موضوعاً مهماً ومتزايداً في عالم الأعمال، إذ تدرك الشركات الحاجة إلى تحقيق توازن بين الربحية وكل من المسؤولية الاجتماعية والبيئية. وأصبحت الشركات الرائدة الآن توضح أن الاستدامة يمكن أن تكون مصدراً للميزة التنافسية، وأن النجاح على المدى الطويل يتطلب التزاماً بالممارسات المستدامة.
في هذا المقال، سنتحدث عن معنى القيادة المستدامة، وأولويات القيادة المستدامة، وصفات القادة المستدامين. بعد ذلك سيتم تسليط الضوء على شركة المراعي كمثال حي على تطبيق نماذج وأعمال قيادية مستدامة بهذا الصدد في المنطقة.
معنى أسلوب القيادة المستدامة
هو أسلوب قيادي يركز على تحقيق نجاح طويل الأمد مع مراعاة رفاهية البيئة والمجتمع والمؤسسة. يدرك القادة الذين يتبنون أسلوب القيادة المستدامة أن قراراتهم لها تأثير على البيئة من حولهم ويسعون إلى اتخاذ قرارات مسؤولة وأخلاقية. هكذا عرّف خبير القيادة، كلارك مرفي، القيادة المستدامة في كتابه الشهير "القيادة المستدامة".
أولويات أسلوب القيادة المستدامة
يرى الخبير كلارك مرفي أن أسلوب القيادة المستدامة يعطي الأولوية لاستخدام المنتجات المستدامة والموارد المتجددة والصديقة للبيئة. ويركز من خلاله القادة على تقليل النفايات وتعزيز التكنولوجيا الموفرة للطاقة. وإعطاء الأولوية للمسؤولية الاجتماعية إذ يدعمون موظفيهم وعملاءهم ومجتمعاتهم من خلال تعزيز الأجور والمزايا العادلة، والاستثمار في تدريب الموظفين وتطويرهم، ودعم الشركات المحلية والمؤسسات الخيرية.
مزايا القيادة المستدامة
الشفافية والتواصل عاملان مهمان لدى القادة المستدامين يتحققان من خلال الاستماع إلى كل الآراء والتعليقات في جميع المستويات. القادة من هذا النوع هم أيضاً منفتحون وصادقون مع أصحاب المصلحة (مجتمع، أفراد، موظفين مستثمرين، مؤسسات. إلخ) بشأن أهداف الاستدامة والتقدم. كل هذه الجهود تحتاج إلى بث روح التعاون والمساعدة من جميع أصحاب المصلحة لأجل خلق مستقبل أكثر استدامة وصحة والعمل على ربط مصالح البيئة والمجتمع والمؤسسةبعضها ببعض. هكذا لخص مرفي بعضاً من مزايا القيادة المستدامة.
القيادة المستدامة في شركة المراعي السعودية
إحدى الشركات التي أظهرت التزاماً قوياً بالقيادة المستدامة هي شركة المراعي السعودية، الرائدة في إنتاج الأغذية والمشروبات في الشرق الأوسط. جعلت شركة المراعي الاستدامة جزءاً أساسياً من استراتيجيتها التجارية، ونفذت العديد من المبادرات لتحسين بصمتيها البيئية والاجتماعية منها الاستثمار في الطاقة المتجددة.
ففي عام 2019، أكملت الشركة تركيب محطة طاقة شمسية بقوة 3.36 ميغاواط في منشآتها في محافظة الخرج السعودية. من المتوقع أن تولد هذه المحطة نحو 5.8 غيغاواط من الطاقة النظيفة سنوياً، ما يقلل من بصمتها الكربونية بمقدار 3,300 طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً. كما قامت شركة المراعي بتركيب لوحات شمسية على أسطح مزارعها للحد من اعتمادها على الوقود الأحفوري وتخفيض تكاليف الطاقة.
بالإضافة إلى المبادرات المتعلقة بالطاقة المتجددة، نفذت شركة المراعي أيضاً العديد من البرامج لتحسين كفاءة المياه والحفاظ عليها. استثمرت الشركة في التكنولوجيا للحد من استخدام المياه في مزارعها الحيوانية ومصانعها، ونفذت أنظمة إعادة التدوير للمياه لتقليل النفايات والحفاظ على الموارد. كما تعاونت شركة المراعي مع المزارعين المحليين لتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة، وطورت برنامجاً لتقديم التدريب والدعم للمزارعين الصغار.
يمتد التزام شركة المراعي بالقيادة المستدامة إلى ما هو أبعد من المبادرات البيئية، إذ نفذت الشركة أيضاً العديد من البرامج لدعم موظفيها والمجتمعات المحلية التي تعمل فيها. أسست الشركة برنامجاً شاملاً لصحة الموظفين، وتوفر الرعاية الصحية والتعليم والدعم المالي (برنامج الصحة والسلامة). كما طورت شركة المراعي برنامجاً لتعزيز ريادة الأعمال والتنمية الاقتصادية في المجتمعات الريفية، وتقديم التدريب والموارد لمساعدة الأعمال الصغيرة على النمو والازدهار والسعي لتنمية قيادات من المواطنين.
تعد شركة المراعي مثالاً رائداً على الشركات التي اعتمدت القيادة المستدامة جزءاً أساسياً من استراتيجيتها التجارية تماشياً مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 التي يُعد موضوع الاستدامة والحياد الصفري جزءاً لا يتجزأ منها. المراعي ركزت على الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتحسين كفاءة المياه، ودعم المزارعين المحليين، وتعزيز صحة الموظفين، أظهرت شركة المراعي أن الاستدامة يمكن أن تكون مصدراً للميزة التنافسية، وأن النجاح على المدى الطويل يتطلب التزاماً بكل من المسؤولية الاجتماعية والبيئية. كل هذا يتم الإعلان عنه بطريقة احترافية وشفافة في التقارير السنوية للاستدامة في الشركة.
القيادة المستدامة مفهوم عميق يشمل كل ما يصبُّ في مصلحة خلق مناخ صحي وبيئة خالية من التلوث والانبعاثات، وهذا لن يتم إذا لم يركز القادة على إيجاد منتجات وخدمات صديقة للبيئة مثل الاستفادة من الطاقة الشمسية المتاحة والشاسعة في الخليج والوطن العربي، وكذلك إعادة تدوير النفايات وتكثيف المركبات الكهربائية وغيرها. إن الأمثلة في هذا الصدد لا حصر لها ولكن الهدف كان تسليط الضوء على أسلوب قيادي قد يكون الدارج حالياً أو في المستقبل القريب بسبب التداعيات المناخية ومطالبات المجتمع الدولي لحث الجهود من أجل غدٍ أفضل.