بناء القوى الأهلية في مجال العمل الخيري

7 دقائق
القوى الأهلية
shutterstock.com/SL-Photography

اطّلعنا على هذا ⁧⁩البحث⁧⁩، ولاحظنا أنه لم يطرأ على الدعم الخيري الموجه إلى مناطق الهنود الحمر والمؤسسات التي يقودونها أي تغيير على مدى عقود، بينما أصبح عمل المؤسسات الخيرية يعتمد بدرجة هائلة على المؤسسات أو المؤسسات الوسيطة التي يقودها سكان غير أصليين لتنفيذ أولوياتها واستراتيجياتها. لكن إذا كانت الأولويات والاستراتيجيات دخيلة على المجتمع وليست نابعة منه فستكرس المؤسسات الخيرية عملها لخدمة مصالحها الخاصة وترضى بانعزالها عن الشعوب والمجتمعات الأصلية وتراخيها في مسؤوليتها تجاهها ومن دون الاهتمام بتعميق فهمها لسيادة قبائلها أو إبداء الاحترام لها. في الواقع، يرى كثير من خبراء العمل الخيري أن هذه المسألة "شديدة التعقيد"، وأن هذا النهج رديء وليس جاداً، لاسيما عند مقارنته بالعدد الهائل من القوانين الفيدرالية وقوانين العمل الخيرية المفروضة على السكان الأصليين الذين يسعون إلى تنمية مجتمعاتهم.

عملت على مدى أعوام طويلة في مؤسسات لا ربحية وقبلية وخيرية، وعملت موظفة ومستشارة في مؤسسات خيرية كبيرة وصغيرة، وشاركت في عدد كبير من المجالس الاستشارية للأميركيين الأصليين. كان كل ذلك عملاً له قيمته وأهميته، لكن "الاستشارة" هي أهم ما فيه؛ فهذه المجالس هي المكان والفرصة الملائمين لتقديم المشورة للمؤسسة (أو المؤسسات) التي تعمل بقيادة أوروبية أميركية حول أفضل الطرق لخدمة الشعوب الأصلية، لكن أدوار المستشارين لا ترقى عادة إلى المشاركة الفعلية في سلطة صنع القرار أو أداء دور عضو في مجلس الإدارة أو قائد أعلى.

تتبنى معظم مناهج تطوير المؤسسات غير الربحية وتنمية التمويل وجمع التبرعات مبادئ التنوع والمساواة والشمول ضمن مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية؛ لكن على الرغم من أن الجهات المانحة تستخدم هذه المبادئ معياراً لتقييم أفضل الممارسات في المؤسسات اللا ربحية فهذا لا يعني أنها تطبق نفس المبادئ على مؤسساتها وممارساتها. وعلى نحو مماثل، تشجع برامج التدريب التقليدية على تنمية التمويل والمؤسسات غير الربحية على حضور أصحاب الخبرات المالية والثروات ودمجهم في مجالس الإدارة، ما يعني غالباً تعيين حليف من غير السكان الأصليين يشارك في عملية صنع القرار، ثم يتقاسم الحلفاء من غير السكان الأصليين سلطة صنع القرار فيما يتعلق بخدمة مجتمعات السكان الأصليين أو تزويدهم بالموارد أو التأثير فيهم.

لكن العكس ليس صحيحاً بالنسبة للسكان الأصليين في مجال المؤسسات الخيرية، حتى وإن كانوا قد خاضوا تجارب فعلية واكتسبوا الحكمة والمعرفة والخبرة العملية والمؤهلات اللازمة التي تجعلهم قادرين على المشاركة في سلطة صنع القرار فيما يتعلق بالموارد الخيرية الوفيرة، بل تجعل مشاركتهم ضرورية. إن اختلال التوازن في عملية صنع القرار والسلطة هو جوهر العنصرية المؤسسية والهيكلية ويرسخ المعايير المزدوجة الواضحة.

وفي حين يسأل معظم قادة المؤسسات الخيرية عن ماهية العنصرية المنهجية، فبإمكانهم النظر إلى البنى التنظيمية ضمن مؤسساتهم ومركز سلطة صنع القرار فيها. لا تقتصر أنظمة سيادة العرق الأبيض على حضور الجماعات الإرهابية المحلية وانتشارها، مثل منظمة "كو كلكس كلان" (Ku Klux Klan) وغيرها من المجموعات المتطرفة، ولا يزال مفهوما العمل الخيري والمجمع الصناعي غير الربحي قائمين على نموذج أندرو كارنيغي في كتابه "إنجيل الثروة" (The Gospel of Wealth)، وهو نموذج من "العطاء الخيري" الذي يعتمد على الأثرياء البيض الذين يتخذون قرارات حول ما يعود بالفائدة على الفقراء وأصحاب البشرة الملونة. لكن الثروة المالية التي تعتمد المؤسسات الخيرية عليها نشأت من استغلال أراضي السكان الأصليين وأصحاب البشرة الملونة الآخرين ومواردهم وأجسادهم وتهميشها، وحتى عندما يسعى القطاع الخيري إلى "فعل الخير" أو "التغيير"، فمن النادر أن يشارك أفراد من السكان الأصليين في فرق المؤسسات الخيرية، وتندر مشاركتهم في مجالس الإدارة بدرجة أكبر.

على الرغم من التناقضات والتفاوتات في هذا القطاع فقد كرس الكثير منا سنوات لتعليم الممولين والمانحين، ومع ذلك لا يزال التغيير الحقيقي على مستوى الاستثمار الخيري في مناطق الهنود الحمر بعيد المنال. لا تزال مناطق الهنود الحمر والقضايا والمؤسسات التي يقودها السكان الأصليون تعاني نقصاً في التمويل ورأس المال والاستثمار إلى جانب التقليل من قدرها، ولنقل صراحة إن مفهوم تعليم المانحين والممولين بحد ذاته قائم على سيادة العرق الأبيض لأن صناعة القرار يجب أن تبقى في يد الأثرياء البيض حسب اعتقاد كارنيغي، وسيستمر القطاع الخيري في التمسك بهذا المفهوم ما لم نتصدى له بحزم ونفككه ونعيد بناءه من جديد.

لهذا وعلى الرغم من أهمية الحلفاء والمستشارين في عملنا، فدعم قوتنا وقدرتنا على القيادة والمشاركة في عملية صنع القرار بوصفنا سكاناً أصليين أهم بكثير. وإن لم نفعل ذلك فسنواجه خطورة تحول المؤسسات والمبادرات التي سعينا بجد لبنائها على مدى زمن طويل إلى مجرد انعكاس أو امتداد للأنظمة التي نريد تغييرها.

عندما نشير إلى الأراضي والأصول التي جمعتها المؤسسات الخيرية، فإننا نتحدث عن الموارد التي اغتُصبت من خلال السياسات والممارسات عديمة الضمير، مثلما حدث عندما كان قانون التخصيص العام في عام 1887 (المعروف باسم قانون دوز) سبباً في ⁧⁩إلغاء ملكية الهنود الحمر أو سيطرتهم على 36 مليون فدان تقريباً⁧⁩. سيصبح استمرار سوء الإدارة الفيدرالية للأراضي المتبقية أساس التسوية الناتجة عن دعوى ⁧كوبيل ضد سالازار⁧⁩ القضائية التي صدر الحكم النهائي فيها عام 2009 بعد 13 عاماً من المنازعات القضائية، والتي تحققت بفضل شجاعة بطلة قبيلة بلاك فيت، إلويز كوبيل، وبصيرتها. لكن نظام ثروة كاملاً نشأ من أصول يملكها السكان الأصليون ويستفيد منها السكان غير الأصليين ويقررون ما هو مناسب وضروري لازدهار مجتمعاتنا؛ هذا هو تعريف امتياز العرق الأبيض، ولا بد من تغييره أيضاً.

تقوم حركة ⁧لاند باك (LANDBACK movement) على علاقتنا بالأرض واسترجاعها، فمن الضروري إعادة كامل الثروة إلى أيدي السكان الأصليين ووضعها تحت سيطرتهم بصورة مطلقة، واتخاذ أي إجراء أقل من ذلك ليس أكثر من مجرد محاولة هامشية لتحقيق مفهومي العدالة والإنصاف اللذين ما زالت المؤسسات الخيرية والمؤسسات اللا ربحية تعاني صعوبة كبيرة في استيعابهما وتنفيذهما، إذ إنها تتستر ببيانات رسالة المؤسسة وقيمها، وبيانات الإقرار بالأراضي والمجاملات وعباراتها المبتذلة لإخفاء عجزها عن إحداث أي تغييرات سلوكية أو إجرائية حقيقية.

ولّى زمان ذلك، وأصبحنا نعيش في زمن ثوري تحويلي على الصعيدين الاجتماعي والبيئي. فنحن لم نعد نطلب التغيير أو نستجديه الآن، بل نعمل على تنفيذه، ونطالب بفهم وتقدير أشمل لحق السكان الأصليين بامتلاك القوة وحق مجتمعاتهم بتقرير مصيرها بنفسها.

تتمثل مهمة مؤسسة إن دي إن كوليكتف (NDN Collective) في بناء السلطة الجماعية للشعوب الأصلية ومجتمعاتها كي نمارس حقنا الطبيعي في تقرير المصير وإنشاء عالم مبني على أسس العدالة والمساواة للكوكب وجميع شعوبه. وعلى اعتبارنا صناعاً للتغيير فنحن ملتزمون بالعمل لتحقيق زيادة كبيرة في الاستثمار الخيري في المؤسسات التي يقودها السكان الأصليون وتمثيل نموذج يحتذى به في تطبيق عقلية الوفرة، كما أننا ندمج ثقافتنا وشعائرنا في عملنا، ونظهر احترامنا وتقديرنا لشيوخنا وماضينا مع الأخذ بزمام مستقبلنا. نؤمن بحق الشعوب الأصلية في تقرير مصيرها ونؤمن بعبقريتها وبراعتها، ونستثمر في كل ذلك وندعمه ونسعى للتوصل إلى حلول مستدامة وتحقيق الترابط بين جميع الأمور. نسعى من خلال نهجنا في تقديم التبرعات إلى دعم هذه القيم وتحقيق التقدم فيها وفي المبادئ والاستراتيجيات الرئيسة الثلاثة الآتية:

الدفاع:⁩ يجب أن نواصل الدفاع عن شعبنا ومجتمعاتنا في مواجهة استغلال الموارد السلبي الذي يسمم الشعوب ويلوث المياه ويدمر الأرض ويساهم في التغير المناخي وينتهك حقوق الإنسان، ومن الضروري القيام بذلك عن طريق تنظيم مجتمعاتنا وإيصال صوتنا والاستعانة بمجموعة متنوعة من الأساليب كي نتمكن من تغيير الأنظمة السياسية والمالية التي تؤثر في مجتمعاتنا.

التطوير: يجب أن نواصل تطوير مجتمعات السكان الأصليين بأسلوب متجدد ومستدام استناداً إلى قيمنا وارتباطنا بالأرض والثقافة والهوية، كما يجب علينا تلبية احتياجات الجيل الحالي من دون سلب الأجيال القادمة قدرتهم على تلبية احتياجاتهم، ونحن نقوم بذلك من خلال تطوير مجتمع متجدد والاستثمار في الطاقة المتجددة وتطوير المشاريع الاجتماعية.

التحرر:⁩ يجب أن نستمر في تحرير عقولنا ومجتمعاتنا وسيادتنا، فتحرير مجتمعاتنا وشعبنا مرتبط مباشرة بقدرتنا على الازدهار؛ من خلال إحياء شعائر شعوبنا الأصلية وثقافتنا ولغاتنا وأساليب حياتنا سنواصل تعزيز هويتنا والتحرر من الأنظمة القمعية التي تمنعنا من تحقيق النمو الشافي والتواصل مع الروح التي تمثّل جوهر ثقافتنا.

ستقدم مؤسسة إن دي إن كوليكتف في عام 2021 فرصاً للحصول على التبرعات الخاصة بتقرير المجتمع لمصيره، وهي تهدف إلى تعزيز الاستدامة المالية الطويلة الأمد للمؤسسات التي يقودها السكان الأصليون والاستفادة منها، وهي تشمل دعم رأس المال والاستثمارات. سيشكل هذا النوع من التمويل المقدم لمؤسسات السكان الأصليين المسار الذي لطالما اعتُبر سليماً للشركات الناشئة وشركات القطاع الخاص، وسيكون بمثابة نقطة تحول للمؤسسات المجتمعية والشعبية ومن ضمنها المؤسسات التي تتعامل مع المشكلات والأثر عن قرب أكثر.

يُبنى نهج مؤسسة إن دي إن كوليكتف في تقديم التبرعات على مبدأ التبادلية والمساعدة المتبادلة التي قد تشمل الشراكة الفكرية وموارد بناء القدرات، فالعلاقة هي جوهر هذا النهج، إذ تشجع التغيير المنهجي الذي يحمل فيه أفراد الشعب الأكثر تضرراً مسؤولية متبادلة فيما بينهم، ويجب أن يحدد المجتمع بنفسه الخطوات التي يجب اتخاذها من أجل منحه قدرة حقيقية على تقرير مصيره، وهو نهج يشجع على التفكير على نحو حر وإبداعي وابتكاري لإحداث تغيير طويل الأمد. كما تبدي مؤسسة إن دي إن كوليكتف التزاماً راسخاً تجاه التمسك والارتقاء بمبادئ التنمية المجتمعية والاقتصادية المتجددة التي تركز على كوكب الأرض. وبما أن التزام المؤسسة تجاه إنشاء ⁧وضع طبيعي جديد أفضل⁩ هو أيضاً جزء من قدرة المجتمع على تقرير مصيره ومرونته واستدامته، فهي تسعى لدعم قبائل الشعوب الأصلية ومجتمعاتها ومؤسساتها التي تلتزم أيضاً تقديم حلول مبتكرة ومستدامة بدرجة أكبر، وهي تبدي التزاماً راسخاً بدعم سيادة السكان الأصليين وحقهم في تقرير مصيرهم على نحو يدعم العدالة والمساواة للبشر والكوكب على حد سواء، وتشكل هذه المبادئ والاستراتيجيات الأساسية المتمثلة في ⁧الدفاع والتطوير والتحرر⁩ المنظور الذي تُبنى العلاقات من خلاله.

سيكون بإمكان المؤسسات التي يقودها السكان الأصليون وتدافع عن الشعوب الأصلية والأرض وتطويرها و(أو) تحريرها الحصول على التبرعات الضخمة والدعم المستمر على مدى عدة أعوام، وذلك يشمل قبائل الهنود الحمر وشعوب السكان الأصليين في كندا والمؤسسات غير الربحية التي يقودها السكان الأصليون في جزيرة ترتل (أو أميركا الشمالية بحسب تسمية السكان الأصليين لها) وخارجها وتمتد عبر أميركا الشمالية وحدود ما بعد الاستعمار في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. تعرّف مؤسسة إن دي إن كوليكتف المؤسسات التي يقودها السكان الأصليون بأنها المؤسسات أو الكيانات التي تتألف مجالس إدارتها أو هيئات اتخاذ القرار فيها من السكان الأصليين بالكامل، ويكون 70% على الأقل من موظفيها من السكان الأصليين أيضاً (في البداية، قد تختار المؤسسة التي تقل تركيبتها عن تلك القيم تقديم طلب للحصول على المِنح، لكنها ستكون مطالبة بمشاركة خططها لتطوير فريق قيادي وهيئة صنع القرار مؤلفين من السكان الأصليين بالكامل وتعزيزهما).

التركيز على المجتمع

من المهم إدراك أن تنمية المجتمع تتم عبر منظور أجنبي استعماري، ونحن شديدو الحذر في استخدام اللغة الاصطلاحية الأكاديمية أو المتعلقة بالأعمال الخيرية المتعلقة بكل من "التوسع" و"التكرار"، فالعمل المجتمعي معقَّد ودقيق وينبع من المجتمع نفسه، ومن الممكن ألا تكون الجهود أو المبادرات أو المؤسسات الناجحة في أحد المجتمعات فعالة في مجتمع آخر، وبالتالي من أجل احترام حق المجتمع في تقرير مصيره بحقّ يجب دعم جهود كل مجتمع ضمن ظروفه وبطريقته الخاصة. ولا نعني بذلك أنه لا يمكن مشاركة الأفكار القيمة والدروس المستفادة من تجارب مجتمع ما مع المجتمعات الأخرى، لكن يجب أن تكون محاولة تطبيق هذه الأفكار والدروس قائمة على دراسة عميقة لظروف المجتمع ونقاط قوته والمصاعب التي تواجهه والعلاقات القائمة فيه، والأهم من ذلك هو أن المجتمع يدلنا على أفضل ما يتوافق مع أهدافه وأولوياته ويناسبها.

هذا مطلوب منا لأننا نعيش في زمن ثوري تحويلي يجعلنا مضطرين بالفعل إلى وضع تصور جديد كلياً عن مستقبلنا، ورؤية مؤسستنا إن دي إن كوليكتف تشملنا جميعاً؛

متّحدون أكثر من أي وقت مضى، ننهض معاً جنباً إلى جنب لتزويد جميع الشعوب الأصلية بما يلزمها لترسم مستقبلنا. نبني عالماً تسوده العدالة والمساواة للكوكب وجميع البشر باتباع نهج شامل لإنشاء البنية التحتية والتمويل والمناصرة وبناء الحركات والعمل الخيري.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي