كانت 4 مبادئ أساسية في نجاح الصندوق التضامني للاستجابة لجائحة كوفيد-19، وهو مشروع مشترك بين مؤسسة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية تمثل هدفه في جمع تبرعات بمئات ملايين الدولارات من أجل مساعدة دول العالم على الصمود في وجه الجائحة.
في المراحل الأولى من جائحة كوفيد-19 في عام 2020، كان عاملو قطاع الرعاية الصحية في مختلف أنحاء العالم بحاجة ماسة إلى معدات الحماية الشخصية وأدوات اختبار الإصابة بالفيروس وغيرها من الإمدادات الأساسية، وفي الوقت ذاته كانت سلاسل التوريد والمصانع المركزة على إمدادات الرعاية الصحية في العالم والتي كان من الممكن أن تلبي هذه الحاجة مقيدة بسبب الاضطرابات التي ولّدها انتشار الفيروس إلى جانب عجزها عن زيادة حجم إنتاجها بالسرعة الكافية.
أدركت منظمة الصحة العالمية التي تقود جهود استجابة قطاع الصحة العالمي لجائحة كوفيد-19 أن التغلب على هذه التحديات يتطلب حلولاً عاجلة وشاملة ومرنة ومكلفة للغاية، ويعلم المخضرمون الذين واجهوا عدة كوارث من قبل أن القدرة على الحصول على تمويل كبير يمكن إنفاقه بمرونة هي الخط الفاصل بين الحياة والموت.
لكن تسببت عدة عوامل بالحدّ من هذه القدرة؛ تعتمد منظمة الصحة العالمية مثل كثير من المنظمات الدولية على الدعم الحكومي المعروف ببطء توزيع الأموال وتقييد سبل استخدامها، كما أنه في مراحل انتشار الجائحة الأولى كانت الأولوية لدى الحكومات هي مواجهة الأزمات الصحية في دولها، وهي محقة في ذلك ولكنه استهلك مواردها ولم يبق ما تشاركه مع الدول الأخرى، والعامل الأخير هو أنه حتى وإن أرادت منظمة الصحة العالمية الاستعانة بمصادر تمويل بديلة فهي تفتقر إلى البنية الأساسية التي تسمح لها بتلقي تبرعات كبيرة من كيانات غير الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
لذا كانت منظمة الصحة العالمية بحاجة إلى التوصل إلى طريقة سريعة لإشراك من تعتبرهم عادة متبرعين غير تقليديين مثل ملايين الأفراد والمؤسسات الخيرية والشركات التي تملك الإمكانية والرغبة لدعم المنظمة في استجابتها للجائحة.
شارِك في الصندوق التضامني للاستجابة لجائحة كوفيد-19. جمع المشروع الذي قادته منظمة الأمم المتحدة وأتاحته شراكتها التي عقدتها قبل 20 عاماً مع منظمة الصحة العالمية أكثر من 247 مليون دولار قدمها نحو 665 ألف متبرع من 190 دولة، علماً أنه تمكن من جمع ما يزيد على 200 مليون دولار منها في أول شهرين من إنشائه.
قدّمت تجربة إنشاء هذا الصندوق وتشغيله دروساً كثيرة للمؤسسات التي تبحث عن طريقة سريعة لسدّ فجوات الدعم المالي لإنتاج السلع العامة وتوزيعها في أثناء أي أزمة عالمية. وكما هو الحال في أي عمل تعاوني معقد، كان علينا الاتفاق على وسيلة لحشد الدعم على مستوى العالم وإدارة المصادر المالية ومراقبة تقدمنا وتقييم أدائنا، وإلى جانب كل ذلك ضمان النزاهة والفاعلية والسرعة والاتساق والتقاسم العادل للمخاطر في تنفيذ المشروع. حرصنا على ألا تخصص التبرعات لأغراض معينة، لأن الغاية الكلية من هذا المشروع هي منح منظمة الصحة العالمية المرونة في إنفاق الأموال في حالات الطوارئ، وما أن أنجزنا كل هذه الخطوات بدأنا سباقاً مع الزمن للتعاون مع مجموعة متنوعة من الجهات التي تتبرع بالأموال والجهات التي تتلقاها. استخلصنا من هذه التجربة أربعة دروس رئيسة ستساعد المؤسسات الخيرية في الاستعداد بما يكفي لمواجهة أي كارثة عالمية مستقبلية.
1. احرص على جعل عملية تقديم التبرعات يسيرة ومرنة
كان الصندوق التضامني للاستجابة لجائحة كوفيد-19 الوسيلة الأولى والوحيدة لإتاحة فرص مساهمة متماثلة لجميع المتبرعين من مؤسسات وأفراد ومؤسسات القطاع الخاص، كما ساعد تصميم الصندوق البسيط واليسير شريحة واسعة من المتبرعين على المساهمة كيفما أرادوا؛ إذ يمكنهم إظهار دعمهم بصفة فردية أو جماعية ضمن مجموعات. كما استعنّا بشركاء ائتمانيين في عدة بلدان حول العالم ليتيحوا تواصل الصندوق مع الشعوب على اختلاف لغاتها. لقد تعمّدنا اتباع نهج مرن وسهل الاستخدام إذ علمنا جميعنا أنه في أي حالة طوارئ يتم جمع الجزء الأكبر من التبرعات في أول ثلاثة أو أربعة أشهر، لذلك كان لا بدّ من تقليل معوّقات تقديم التبرعات التي تبطئ عملية توفير الإمدادات الطبية وغيرها من الاحتياجات العاجلة.
2. الاستفادة من القطاع التكنولوجي والأدوات الرقمية
ساهمت الشركات التكنولوجية الناشئة وقطاع الاتصالات بنحو ثلث التبرعات التي قُدّمت للصندوق في الفترة الأولى، ومن أسباب أهمية مشاركتها أنها تألف بيئات العمل سريعة التغير وتستطيع حلّ مشكلات العملاء في جميع أنحاء العالم، كما أنها نقلت إلينا الاستعداد لإجراء التجارب، وهو أمر كان ذا أهمية حيوية، وساعدت خبراتها الهائلة في التكنولوجيا الرقمية على جعل جمع التبرعات عن طريق الإنترنت أسهل.
كانت شركتا فيسبوك وجوجل من أول المشاركين، فمنحتا الصندوق مصداقية ووسعتا مجال انتشاره عبر منصاتهما، وحذت شركات أمازون باي وتويتش وتيك توك ووي تشات حذوهما، كما استعانت الشركات غير التقنية مثل رالف لورين وأديداس وتارغت بالتكنولوجيا الرقمية لتساعد عملاءها على التبرع عند دفع ثمن مشترياتهم التي يشترونها عبر الإنترنت.
بفضل هذه الجهود جمع الصندوق 100 مليون دولار في أول أسبوعين من إطلاقه، وبعد 6 أسابيع تجاوز هذا المبلغ الضعف. أدت مساندة شركات التكنولوجيا الرائدة لنا واستخدامنا للتكنولوجيا إلى تحقيق هذا النجاح.
3. احرص على التواصل المبكّر والدائم
لضمان أن ينشر الناس خبر إطلاق صندوق التمويل، أردنا أن يُعرَف بسهولة استخدامه ونهجه التعاوني وشفافية نتائجه، ولذلك كان التواصل بالغ الأهمية في بناء هذه السمعة.
أجرينا مكالمات أسبوعية مع المتبرعين لاطلاعهم على المستجدات حول طرق إنفاق تبرعاتهم، وهي تشمل القصص الواقعية التي تكشف الآثار الملموسة لتبرعاتهم في حياة الناس اليومية، واستعرضنا برامج التبرع الفردية على مواقع إلكترونية ذات علامة تجارية مشتركة صُممت خصيصاً لهذا الغرض، وأنشأنا مركز اتصالات لضمان اتباع المبادئ التوجيهية الثابتة في الترويج للعلامة التجارية، مثل علامة الوسم المشتركة (#COVID19Fund).
أدّت وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً دوراً مهماً، إذ كانت إحدى الوسائل القليلة المتاحة للتواصل مع الناس نظراً لقيود التباعد الاجتماعي، ووفرت منصة مرنة وسهلة لمشاركة المعلومات وتنظيم الفعاليات الافتراضية التي تضم مجموعة واسعة من الناس. نحن ندرك أن المؤسسات التي يمكنها التواصل مع المشاهير مباشرة قليلة، وقد أدت شراكاتنا مع هذه المؤسسات إلى رفع الوعي بصندوق التمويل بدرجة هائلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ عقد المشاهير حوارات على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتويتر ويوتيوب أدت إلى استقطاب مشاركين جدد إلى الأعمال الخيرية المؤسسية، لا سيما المشاركين الأصغر سناً. خذ مثلاً المغنية تايلور سويفت التي روجت صندوق التمويل أمام الملايين من متابعيها على منصة إنستغرام، وحثّت المغنية ريتا أورا متابعيها على منصة إنستغرام على التبرع لصندوق التمويل وشراء البضائع التي صُنعت لدعم تمويله، كما أقامت المغنية ليدي غاغا في شهر أبريل/نيسان من عام 2020 حفلاً موسيقياً إلكترونياً عبر الإنترنت بعنوان "عالم واحد: معاً في المنزل"، وشاركت في تنظيمه منظمة الصحة العالمية ومؤسَّسة غلوبال سيتيزين (Global Citizen)، ووصل إلى عشرات الملايين من المشاهدين وسجل رقماً قياسياً جديداً بجمع أكبر مبلغ من التبرعات المخصصة للأعمال الخيرية من مهرجان موسيقي إلكتروني يقام عن بُعد.
4. احرص على استخدام الصندوق المتجدد
ما أن جمعنا التبرعات كان علينا الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن من الكفاءة والإنصاف للمسارعة في إعادة بناء سلاسل توريد معدات الحماية الشخصية وغيرها من المستلزمات الضرورية للاستجابة للجائحة، ويشمل ذلك إنشاء أداة مالية لشراء الإمدادات على نطاق واسع؛ وهي إدارة ربط سلاسل التوريد العالمية للاستجابة لجائحة كوفيد-19، وقد جمعت هذه الأداة 100 مليون دولار من الصندوق التضامني بالدرجة الأولى. وقدم بنك الاستثمار الأوروبي ومؤسسة بيل وميليندا غيتس فاونديشن (Bill and Melinda Gates Foundation) عن طريقها رأسمال إضافي لضمان الحصول على التمويل الميسر على شكل قروض، وأدى ذلك إلى زيادة القوة الشرائية لتلك الأداة في اللحظات الحرجة. تستطيع منظمة الصحة العالمية وشركاؤها، مثل برنامج الغذاء العالمي، استخدام هذه الأداة لشراء معدات الحماية الشخصية وغيرها من الإمدادات بكفاءة، وتستطيع الدول استخدام هذه الإمدادات بحسب حاجتها مع التوقع من الدول الغنية سداد قيمة السلع التي حصلت عليها، وعندما تدفع إحدى الدول قيمة الإمدادات التي حصلت عليها تُستخدَم هذه الأموال مباشرة لشراء المزيد من الإمدادات ومنحها لدول محتاجة أخرى. تمكنت منظمة الصحة العالمية بواسطة هذه الأداة من شراء أكثر من 270 مليون قطعة من معدات الحماية الشخصية دعمت بها 173 دولة في عام 2020.
الأزمة التالية
إن جمع التبرعات على عجل في خضم حالة طبية طارئة أمر معقَّد، وقد حقق الصندوق الذي انتقل بعد ذلك إلى مؤسَّسة منظمة الصحة العالمية الجديدة، نمواً سريعاً وغير متوقع، ما أتاح فرصة كبيرة لجميع المعنيين من مدراء التمويل والشركاء المتعاونين والمتبرعين وغيرهم للتعلم المستمر والكبير. كان من واجبنا جميعاً أن نتقبل المجهول ونتبنى الأسلوب الارتجالي، فقد تمثل التحدي تارة في توفير الموارد التي تمكّن البلدان من بناء أنظمة لتتبع احتكاك الناس بالمصابين بالفيروس، وتمثل تارة أخرى في مكافحة المعلومات المضللة عن الجائحة، لكن عندما يشارك الجميع في المواجهة كما فعلوا في مواجهة جائحة كوفيد-19 يصبح النجاح ممكناً وجلياً أيضاً.
عندما تحل الأزمة العالمية التالية، آمل أن تكون الدروس التي تعلمناها والمتمثلة في تيسير تقديم التبرعات وتبني التكنولوجيا والتواصل بطرق مبتكرة وعلى نطاق واسع ووضع بنى تنظيمية ذكية لصناديق التمويل، وسيلة لتيسير جمع الموارد التي سيحتاج العالم إليها وتوزيعها.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.