سعت الحكومات إلى توسيع نطاق خدماتها الرقمية ومواكبة التطورات التكنولوجية لتحسين جودة حياة الأفراد وتسهيل وصولهم إلى الخدمات والاستفادة منها بأقل وقت وتكلفة، وسلطت جائحة "كوفيد-19" الضوء على أهمية الخدمات الحكومية الرقمية، وعززت مكانتها كأولوية دائمة، وتوسّع نطاق تلك الخدمات ليشمل المشاركة البسيطة للمعلومات حول الوباء، وإطلاق الاختبار والتتبع والامتثال للحجر الصحي والتوعية والتوجيه.
ومن جهة أخرى، يُعد التحول الرقمي في الخدمات الحكومية عاملاً أساسياً لمكافحة الفساد، وزيادة الشفافية، ورفع مستوى المشاركة العامة التي من شأنها تعزيز مستوى الثقة بالحكومات ومساعدتها على تلبية توقعات الجمهور، وإبداء المرونة والكفاءة من خلال التحرك بوتيرة أسرع وموارد أقل.
فوائد التحول الرقمي
يتمثل التحول الرقمي في توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات داخل الهيئات والمؤسسات، بما يضمن تحسين الكفاءة التشغيلية وتوفير التكلفة والجهد وتقديم الخدمات للجمهور بسهولة وأعلى جودة، وقد يكون للتحول الرقمي أثراً إيجابياً على الشمول المالي والاجتماعي، والقضاء على الفقر، وزيادة فرص الحصول على خدمات رعاية صحية وتعليمية عالية الجودة، فضلاً عن الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وبحسب دراسة أجرتها شركة ماكنزي (McKinsey & Company) عام 2016 بعنوان: الشرق الأوسط الرقمي: تحويل المنطقة إلى صدارة اقتصاد رقمي (Digital Middle East: Transforming The Region into a Leading Digital Economy) يمكن أن يساهم توحيد السوق الرقمي في منطقة الشرق الأوسط بنحو 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك في ظل توقعات بتسجيل 160 مليون مستخدم رقمي محتمل بحلول عام 2025.
وبالنظر إلى المكاسب التي تحققها الدول العربية من التحولات الرقمية، رصد "صندوق النقد العربي" في دراسة بعنوان: الاقتصاد الرقمي في الدول العربية: الواقع والتحديات، بعض هذه المكاسب ومنها على سبيل المثال، خفض تكلفة إنجاز الخدمات الحكومية بنسبة 88% في البحرين، وتطوّر مساهمة القطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي للبحرين لتصل إلى 17%، وتركزت خطط التحول الرقمي في سلطنة عُمان وقطر على القطاعات الداعمة للتنويع الاقتصادي، فيما كان تركيز مصر والسودان والصومال على خدمات الدفع الرقمي، ما ساهم بزيادة الشمول المالي في هذه الدول، إذ أدى التحول الرقمي إلى زيادة نسبة مستخدمي الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول إلى 72% من إجمالي سكان الصومال.
تجارب عربية في مجال الخدمات الحكومية الرقمية
أدركت الدول العربية ضرورة التحول الرقمي في المؤسسات بما يساعد في تطوير الخدمات للمستفيدين وتحسينها باستمرار، وفيما يلي تجارب كلِ من الإمارات والسعودية وقطر والأردن في تقديم الخدمات الحكومية الرقمية.
الإمارات
تعد دولة الإمارات السباقة في مجال إدخال الأتمتة إلى أنظمتها الحكومية، حيث بدأت تقديم بعض خدماتها الإلكترونية مثل إطلاق الدرهم الإلكتروني عام 2001، والحكومة الإلكترونية عام 2011، ومبادرة الحكومة الذكية عام 2013، وغيرها من خطوات التحول الرقمي في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات.
وحجزت الإمارات المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الرضا العام عن خدمات الحكومة الرقمية، بحسب دراسة أجرتها مجموعة بوسطن الاستشارية (Boston Consulting Group) عام 2020 بعنوان: الخدمات الحكومية الرقمية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي: استثمار الفرص المتاحة لكسب ثقة المواطنين ورضاهم (Digital Government in The GCC: Accelerating Citizen Trust)، إذ بلغت درجة الرضا 76% مقارنةً بمتوسطات الدول المتقدمة 64%، والدول النامية بنسبة 58%، وأبدى المشاركون الإماراتيون رضاهم عن التوجهات الحكومية الحالية لتقديم الخدمات الحكومية بصورةٍ رقمية، إذ أكد 61% من الإماراتيين المشاركين في الدراسة استفادتهم مرة واحدة أسبوعياً على الأقل من الخدمات الحكومية عبر قنوات رقمية متعددة، بما يفوق المتوسط العالمي البالغ 47%.
وتحرص دولة الإمارات أيضاً على تحسين تجربة المستخدمين للخدمات الحكومية، لذا أطلقت حكومة دبي الذكية مؤشر السعادة لقياس مدى رضا المستخدمين عن الخدمات الرقمية الحكومية وإلزام الجهات التي لا تحقق مستوى رضا المستخدمين المطلوب بوضع خطط للتحسين.
ومن منصات وتطبيقات الخدمات الحكومية في الإمارات:
- تطبيق الهوية الرقمية: أُطلق عام 2018 خلال فعاليات معرض جيتكس للتقنية، ويتيح للمواطنين والمقيمين الوصول إلى أكثر من 6 آلاف خدمة حكومية، باستخدام حساب موحد، والتوقيع على الوثائق والمعاملات ومصادقتها رقمياً، ويسمح للمستخدمين أيضاً بطلب نسخة رقمية لوثائق رسمية واستخدامها لطلب خدمات أخرى.
- منصة تم: أطلقتها حكومة أبوظبي لتكون بمثابة مركز خدمات ذكي يغطي 12 قطاعاً في الإمارة.
- تطبيق سنيار: أول تطبيق ذكي على مستوى الدولة للعنونة والإرشاد المكاني، أطلقته وزارة التغير المناخي والبيئة؛ بهدف تسهيل الاستدلال على العناوين بطرق تختصر الوقت والمسافات.
- منصة باشر: منصة رقمية لتسجيل الشركات وترخيصها في غضون 15 دقائق فقط.
المملكة العربية السعودية
تركز اهتمام المملكة العربية السعودية على دعم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فحصلت على المرتبة 29 ضمن مؤشر الأمم المتحدة لتطور الحكومة الإلكترونية لعام 2020، كما جاءت في المرتبة 27 عالمياً والمرتبة الثامنة على مستوى دول مجموعة العشرين، وهي مجموعة اقتصادية تضم أكبر 19 دولة صناعياً بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، في فئة البنية التحتية الرقمية.
وعملت السعودية على زيادة اعتماد التعاملات الإلكترونية الحكومية عبر تخصيص عدة برامج ومبادرات لتحويل الحكومة إلى إلكترونية، وذلك بهدف رفع كفاءة الاقتصاد الوطني، وأنشأت هيئة الحكومة الرقمية عام 2021 لتنظيم أعمال الحكومة الرقمية وتمكين المواطنين من استخدام الخدمات الحكومية بطريقة آمنة ومتكاملة وسهلة.
وأتاحت المملكة عبر المنصة الوطنية الموحدة للمواطنين والمقيمين ورجال الأعمال والزائرين إمكانية الحصول على أكثر من ألفي خدمة إلكترونية تقدمها الحكومة السعودية وهيئاتها، وتساهم المنصة أيضاً في نشر الأخبار والفعاليات والأحداث في المملكة.
وفي عام 2005، أطلقت حكومة السعودية برنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية يسر الذي يهدف إلى رفع كفاءة القطاع الحكومي وإنتاجيته عن طريق تقديم خدمات إلكترونية سهلة وميسرة لجمهور المستفيدين من المواطنين والمقيمين والزوار وأصحاب الأعمال، ليعمل على تمكين تطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية، وتقليل المركزية بأكبر قدر ممكن.
وبدورها، أطلقت وزارة الداخلية السعودية منصة أبشر لتتيح للمواطنين والمقيمين إجراء المعاملات الخاصة بهم دون الحاجة إلى مراجعة الإدارات، إذ تربط المنصة بين القطاعات الحكومية إلكترونياً، وتقدم أكثر من 200 خدمة إلكترونية لنحو 21 مليون مشترك.
وفيما يخص قطاع العقارات، دشنت وزارة الإسكان السعودية منصة إيجار لتسهيل عملية تسجيل عقود الإيجار على المستخدمين في أنحاء المملكة كافة.
قطر
تعمل دولة قطر منذ عدة سنوات على توظيف التكنولوجيا لتطوير خدمات الحكومة الرقمية وتلبية احتياجات العملاء، واستطاعت حجز المرتبة الثانية عربياً في مؤشر نضوج الخدمات الحكومية الإلكترونية والنقالة 2020 الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، الإسكوا، وجاءت في صدارة استخدام الخدمات الرقمية ورضا المستخدم عنها، ووصولها للجمهور.
وتتطلع قطر إلى تقديم خدمات حكومية رقمية بسيطة وآمنة وذات جودة عالية وتسهيل الوصول إلى أكثر من 1200 خدمة عبر برنامج حكومة قطر الرقمية، ولتسهيل الوصول إلى تلك الخدمات عبر بيانات دخول موحدة؛ اعتمدت 17 جهة حكومية نظام التوثيق الوطني، توثيق، الذي يعمل على التحقق من الهوية الرقمية ويوفر خدمة التوقيع الرقمي.
وتُعد منصة حكومي من المنصات المبتكرة في مجال الخدمات الحكومية، إذ تمثل بوابة المرور الرسمية للخدمات الحكومية كافة، وتوفر المعلومات العامة عن دولة قطر التي تهم المواطنين والمقيمين والزوار، فيما يسهل تطبيق مطراش الوصول إلى خدمات وزارة الداخلية مثل دفع تصاريح الخروج، والاستفسار عن المخالفات المرورية، وتجديد تأشيرات الإقامة، ودفع الرسوم والغرامات وغيرها من الخدمات، أما تطبيق عون، فيساعد المواطنين والمقيمين في الحصول على خدمات وزارة البلدية والبيئة، ومنها سحب سيارات مهملة، وطلب مكافحة الحشرات، وطلب خدمات قطع الأشجار، وطلب خدمات التنظيف، وطلب رخصة البناء وغيرها، وبدورها أطلقت وزارة العدل تطبيق صك خدمات التسجيل العقاري وإيصالها للمستفيدين بسرعة.
وتستهدف استراتيجية الحكومة الرقمية في قطر 2021-2026 توظيف أفضل ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الحكومة الرقمية، وإنشاء مبادرات متخصصة باستخدام الذكاء الاصطناعي وخدمات رقمية ذكية تعمل على تحسين حياة الأفراد والشركات.
الأردن
يسير الأردن بخطى ثابتة نحو التحول الرقمي وتطوير التعاملات الإلكترونية الحكومية، بهدف الحد من البيروقراطية، واختصار الوقت وتسهيل المعاملات، وجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية، إذ بلغت نسبة التحول الرقمي في الخدمات الحكومية 16.8% بواقع 413 خدمة رقمية تقدمها 26 مؤسسة حكومية من إجمالي 2460 خدمة حكومية.
مؤخراً، أطلقت الحكومة الأردنية الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي والخطة التنفيذية 2021-2025 التي تتركز على عدة محاور منها البنية التحتية الداعمة للتحول الرقمي، وخدمة المواطن، والمنصات الداعمة، والأمن السيبراني، والدفع الإلكتروني، ولتحقيق هذه الاستراتيجية، رصدت لمشروع الحكومة الإلكترونية نحو 13.5 مليون دينار في موازنة العام 2021.
وفي هذا الإطار، أطلقت الأردن تطبيقات ومنصات تغطي خدمات الحكومة الرقمية في قطاعات مثل الصحة والتجارة والصناعة والرعاية الاجتماعية، منها، تطبيق سند الذي يوفر بوابة دخول موحدة لما يزيد عن 200 خدمة إلكترونية تقدمها 11 وزارة ومؤسسة حكومية، وتجاوز عدد مستخدميه 90 ألف شخص، ومنصة بخدمتكم التي تضم 95 جهة حكومية وتعمل لتعزيز التواصل مع المواطنين وإتاحة الفرصة لهم لتقديم الأسئلة والاقتراحات والشكاوى والإبلاغ عن أيّ مخالفات، وتلقت المنصة في مرحلتها التجريبية 5891 طلباً ما بين شكوى وإبلاغ عن مخالفات واقتراح وثناء.
ختاماً، تستفيد الحكومات من إقبال الأفراد على استخدام الوسائل الرقمية لإنجاح تجربتها الرقمية وتقديم أفضل الخدمات بأقل تكلفة وجهد، ما يؤثر بالضرورة على رفاه المجتمع.