زاد اهتمام الدول العربية بالتعليم والتدريب المهني خلال السنوات الأخيرة وذلك لمواكبة الاستراتيجيات والخطط التنموية التي تركز على الاستدامة، وتفوقت المملكة العربية السعودية على مثيلاتها في هذا الإطار، إذ تصدّرت دول العالم في نسبة الطلبة الملتحقين بالتعليم ما بعد الثانوي غير الجامعي في برامج مهنية وتقنية، بحسب مؤشر المعرفة العالمي 2022 الصادر عن مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وتعمل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في السعودية على التوسع في الطاقة الاستيعابية سنوياً بالكليات والمعاهد التابعة لها، بما يتماشى مع رؤية 2030، إذ تمكنت المؤسسة في عام 2022 من استقطاب أكثر من 30% من خريجي الثانوية، متجاوزة بذلك النسبة المستهدفة 26%. وذلك عبر تنظيم عدة برامج وفعاليات، منها، التوسع في برامج التدريب المبتدئة بالتوظيف، وتقديم برامج وتخصصات تلائم احتياجات سوق العمل الحالي والمستقبلي بالمملكة، وكذلك التوسع في مجالات تدريب المرأة وتطوير البرامج المقدمة لها.
وفي الإمارات، يحظى قطاع التعليم والتدريب المهني باهتمام كبير، في إطار تركيز مئوية 2071 على خلق جيل من الكفاءات المؤهلة والقادرة على المنافسة في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، وإعداد الكوادر الوطنية الماهرة لشغل المهن المستقبلية والتخصصات الجديدة بما يساعد في تحسين دخل الفرد وخفض نسب البطالة.
أما مصر، فيمثل التعليم الصناعي نسبة 50% من إجمالي التعليم الفني، وتقدم مدارس التعليم الفني المزدوج تدريباً عملياً للطلاب في المصانع بغرض التأهيل الكامل لحاجات سوق العمل، وتركز استراتيجية وزارة التجارة والصناعة على التعليم والتدريب الفني والمهني لمواكبة رؤية 2030 وتطوير قطاع الصناعة ليقود عملية النمو الشامل والمستدام.
تدريب في خدمة سوق العمل
تركز خبرات التعلم التي يوفرها التعليم والتدريب المهني على إمداد الشباب بالمهارات اللازمة قبل الانضمام إلى سوق العمل، أو على تدريب الموظفين لتوسيع مهاراتهم في أثناء العمل، أو على فتح مجالات جديدة للتوظيف لمن هم خارج نطاق العمل.
وكل هذا يصب في صالح التنمية المستدامة، إذ يساعد التعليم والتدريب المهني على تسريع الانتقال إلى اقتصاد المعرفة القائم على المهارات التي يحتاجها سوق العمل، وتحسين معدلات الإنتاج والتوظيف وخلق ميزة تنافسية للدول من خلال تطوير رأس المال البشري.
تحديات تطوير قطاع التعليم والتدريب المهني
على الرغم من تزايد الاهتمام بالتعليم والتدريب المهني في تحقيق التنمية المستدامة، فإن القطاع يواجه تحديات تقف في وجه رفع مستواه وتحدّ من دوره في دعم توجهات العمل المستقبلية. أبرزها:
- يؤدي الافتقار إلى التكامل بين الاقتصاد الرسمي وأنظمة التعليم والتدريب المهني إلى زيادة صعوبة الانتقال من التعلم إلى العمل، فعلى الرغم من تخريج 450 ألف طالب في التعليم الفني بمصر سنوياً، فإن معظمهم خارج قوة العمل، أو يعملون في القطاع غير الرسمي وفي ظروف عمل غير لائقة.
- بحسب دراسة بعنوان: "دور التعليم التقني في تلبية احتياجات سوق العمل"، يتراجع دور التعليم والتدريب المهني أيضاً بسبب سوء تجهيز المدارس، وغياب أو ضعف التنسيق والتعاون بين مؤسسات التعليم المهني والقطاعات المعنية، وكذلك عدم وجود لوائح وتشريعات تنظم المواءمة بين مخرجات هذا النوع من التعليم واحتياجات سوق العمل.
- لا تزال جاذبية التعليم التقني والمهني للشباب في المنطقة العربية منخفضة مقارنةً بالتعليم العام. على الرغم من أن معدل البطالة بين خريجي التعليم التقني والمهني في المنطقة العربية تبلغ 15% مقارنةً بمعدل البطالة بين خريجي الجامعات البالغ 30%، فإن الوظائف التي التحق بها خريجو التعليم المهني لم تكن مُرضية بالنسبة لهم، ويعود ذلك إلى انتشار النظرة الاجتماعية السلبية للتعليم التقني والمهني وربطه بالفشل الأكاديمي، إذ يرسخ الأهل في أذهان أبنائهم أن مستقبلهم يجب أن يرتبط بتخصصات مثل الطب والهندسة التي تمثل قس رأيهم قيماً اجتماعية أعلى من التخصصات المهنية والفنية.
- عدم وجود خطة لتطوير المناهج قائمة على الدمج بين أنواع التعليم المختلفة، وقادرة على تخريج كوادر فنية وتقنية تغطي المشاريع المستقبلية وتوفر الكادر المتخصص.
حلول لتطوير التدريب المهني بالمنطقة العربية
لكن يمكن مواجهة هذه التحديات من خلال إعداد استراتيجية وطنية للتعليم المهني تساعد على توظيف المواهب والاستفادة من قدراتها، ووضع خطط إجرائية لمتابعة أثر التدريب على المدى البعيد، وزيادة نسبة المتدربين المستهدفين من برامج التدريب المهني، وإعادة النظر بالتخصصات المهنية وتطوير المناهج والبرامج الدراسية، وتوفير مصادر تمويل مستدامة، وتطوير التشريعات الناظمة للقطاع من أجل تحقيق التكامل بين المؤسسات.
كما يمكن الاستفادة من التجارب السويسرية في تطوير نظام التعليم والتدريب المهني، والتي تعتمد نظام تعليمي مزدوج أو تعليم مهني مزدوج المسار يجمع بين الجانبين النظري والتطبيقي، إذ يقضي الطالب يوماً أو يومان في المدرسة وباقي أيام الأسبوع يتلقى تدريباً مهنياً في مكان العمل، ما يسمح بانتقال صحي للحياة العملية وتراجع معدلات البطالة والتخفيف من عبء التدريب على أصحاب الأعمال عند توظيفهم.
ويُعزى نجاح نموذج التعليم والتدريب المهني السويسري أيضاً إلى هيكل المحتوى التدريبي الموجه نحو الكفاءة لتطوير كل من المعرفة النظرية والمهارات العملية.