5 سمات لأفضل مجالس الإدارة في القطاع غير الربحي

متلازمة المؤسس
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

القطاع غير الربحي مدين للغاية للذين شعروا بحاجات مجتمعاتهم واندفعوا إلى تأسيس مؤسسات غير ربحية لتلبية تلك الحاجات. ويتبادر إلى الذهن سريعاً العديد من المؤسسين المؤثرين الذين قدموا ابتكارات غيّرت العالم. لكن المفارقة في هذا السياق أننا نلصق بمؤسسي المؤسسات غير الربحية على غرار هيستر برين مرضاً مزمناً نطلق عليه “متلازمة المؤسس”. وتشمل أعراضه صناعة القرارات على نحو استبدادي، وعدم تقبل للأفكار الجديدة، والقيادة المرتكزة على الغرور الشخصي. رأيت هذه السمات في العديد من المؤسسين الذين عملت معهم مدربة تنفيذية وخبيرة في حوكمة المؤسسات الكبيرة والصغيرة. كما رأيتها في العديد من الرؤساء التنفيذيين الذين عملت معهم والذين جاؤوا بعد هؤلاء المؤسسين. هذه السمات المتجذرة في شخصية هؤلاء الرواد المتميزين هي التي تجعلهم ناجحين.

يمثل هؤلاء المؤسسون رصيداً هائلاً لمؤسساتهم. والسؤال هنا: متى يتحول هذه الرصيد إلى عبء على المؤسسة؟ ولماذا؟ في كثير من الأحيان يكون المسبب الأكثر تأثيراً موجوداً في هيكل المؤسسة نفسها، وتحديداً في مجلس الإدارة. ويبدأ حين يُشكَّل مجلس الإدارة أول مرة.

لدى الكثير من مجالس الإدارة فهماً سطحياً لدورها في قيادة المؤسسة وإدارتها. يظهر أحدث استقصاء أجرته مؤسسة بوردسورس (BoardSource) لمجالس إدارة المؤسسات غير الربحية، أن 55.2% من أعضاء مجالس الإدارة يقضون وقتاً قليلاً أو لا يقضون أي وقت على الإطلاق في فهم دورهم الحيوي في المؤسسة. والجملة التي أسمعها من العديد من أعضاء مجلس الإدارة الذين أعمل معهم في مؤسسة ننبروفيت ليدرشيب لاب (Nonprofit Leadership Lab) هي كالآتي: “كان تعييني في مجلس الإدارة لدعم قيادة المؤسسة في المقام الأول”. ربما يكون الممول مستعداً للتبرع بالمال، ولكن المؤسسة بحاجة إلى الحصول على صفة مؤسسة غير ربحية لبدء تلقيه. يتطلب طلب التمويل ما لا يقل عن ثلاثة أعضاء من مجلس الإدارة، ولاختصار الوقت يلجأ المؤسس إلى أصدقائه وزملائه الذين يتمنون له النجاح، ويوافقون على ذكر أسمائهم في الطلب لدعم قيادة المؤسسة الناشئة.

تعد تلك الطريقة شائعة لإنشاء مجلس إدارة تأسيسي، ولكنها تؤسس لعقلية رئيسية في المجلس أحب أن أطلق عليها مجلس “افسح المجال لفراخ البط”. تشير هذه الجملة إلى عنوان كتاب للأطفال للكاتب روبرت مكلوسكي الذي قرأه الكثير منا مرات عدة. يسير المؤسس ويتبعه أعضاء مجلس الإدارة كفراخ البطة مباشرة، كما تسير البطة إلى بحيرة متنزه بوسطن كومنز في الكتاب.

في هذه اللحظة تُزرع بذور متلازمة المؤسس، ليس بسبب المؤسس بل بسبب الهيكلية التي بُنيت حوله على نحو سطحي وغير مدروس. وتستمر هذه الحال لعقود من الزمن، ويلتحق المزيد من فراخ البط (أعضاء مجلس الإدارة) تباعاً، وتختارهم البطة الأم (المؤسس) مباشرة.

ومن الأهمية بمكان أن تفهم مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية التي يقودها المؤسسون هذه الآلية، إذ تقع مسؤولية استدامة المؤسسة على المدى الطويل على عاتقهم. يجب أن يبدأ قطاعنا بالنظر إلى المؤسسة غير الربحية المزدهرة على أنها مؤسسة تقدّر الشراكة، وليس هناك ما هو أكثر أهمية من العلاقة بين مجلس الإدارة والموظفين، وعلى وجه الخصوص العلاقة بين قائد طاقم الموظفين ورئيس مجلس الإدارة. تخيّل المؤسسة غير الربحية طائرة ذات محركين، ويجب على كل “محرك”، أي مجلس الإدارة والموظفين، العمل جيداً وعلى نحو مستقل عن المحرك الآخر وبالشراكة معه، إذ يتعاون رئيس مجلس الإدارة وقائد الموظفين في قمرة الطيارين على قيادة رحلة المؤسسة.

من السهل أن نلمس مدى الاختلاف الكبير بين هذا النموذج ونموذج مجلس التابعين (فراخ البط). بالنسبة إلى أعضاء مجلس الإدارة الذين يتبعون قادة مؤسسين، قد يكون من المستحيل تقريباً تصور كيف يمكن لمجلس الإدارة أن يغير هذه الآلية،

لكن التغيير ممكن. ولكي تضمن مجالس الإدارة استدامة مؤسساتها على المدى الطويل، ليس أمامها خيار سوى قيادة عملية تحول في العقلية. يتطلب الوصول إلى نقطة التحول المطلوبة عملاً جماعياً، فلن يستطيع عضو واحد في مجلس الإدارة السباحة ضد التيار لتغيير ثقافة مجلس الإدارة. يجب أن يتوافر لدى هذه المجموعة شغف برسالة المؤسسة يتغلب على الولاء للمؤسس الفرد، وعليها أن تستعد لخوض نقاشات صعبة. سيمثل تحدي المؤسس مهمة صعبة وغير معتادة، ولكنها ضرورية لتأدية واجباتهم بصفتهم أعضاء في مجلس الإدارة.

وفي حال توافرت تلك الشروط، إليك 5 استراتيجيات عملية يجب على مجلس الإدارة اتباعها للانتقال إلى مجلس إدارة يعمل بالشراكة مع المؤسس.

1. توضيح وظائف أعضاء مجلس الإدارة ومسؤولياتهم

كانت ليان شاستين المديرة التنفيذية المؤسِّسة لمسرح أطفال نيو داي (New Day Children’s Theatre). وكانت تتمتع بسمات المؤسس القوية، وتعتبر استدامة مؤسستها إرثاً لها. أدرك رئيس مجلس الإدارة الجديد قرب موعد تقاعد ليان، وكان ذلك حافزاً للبدء بالتغيير الذي تحتاج إليه المؤسسة. قدمت شركتي الاستشارية ورشة عمل لمجلس الإدارة حول هذا الموضوع بالذات، وهو كيف يجب على مجلس الإدارة أن يقود بالتعاون مع المدير التنفيذي. تحدثنا مطولاً عن قيادة مجلس الإدارة في أثناء فترة مغادرة المؤسسين، وأدرك أعضاء مجلس الإدارة أنهم محرك أساسي في طائرة مسرح نيو داي النفاثة ذات المحركين. لم يحدث ذلك التحول بين عشية وضحاها، وبالتأكيد كانت ثمة تحديات. ومع ذلك، من الأهمية بمكان أن يفهم جميع أعضاء مجلس الإدارة الحاليين التحديات الفريدة التي تواجههم في عملية القيادة إلى جانب المؤسس، ومدى أهمية إتمام العملية بالطريقة الصحيحة. عندما يفهم مجلس الإدارة أهمية التغيير، يتولد لديه المزيد من التحفيز لإجراء التحولات الضرورية.

2. عمليات التعيين المدروسة

على مدار 25 عاماً، قادت رؤية مايكل ماكيلروي مؤسسة برودواي إنسبريراشونال فويسيز “بي آي في” (BIV – Broadway Inspirational Voices)، وهي مجموعة متنوعة من فناني برودواي المُتحدين لتغيير الحياة من خلال قوة الموسيقى والخدمة. كانوا سابقاً ضمن برنامج برودواي كيرز/إكويتي فايتس إيدز (Broadway Cares/Equity Fights Aids)، وقد أنشأ مايكل مؤسسة بي آي في لتكون مؤسسته الخاصة في عام 1999.

عملتُ مدربة لمؤسسة بي آي في لمساعدتها في إدارة التغيير اللازم لضمان استدامتها بعد تنحي مايكل في النهاية. وبدأنا هذا العمل بتغيير أساسي في تعيينات أعضاء مجلس الإدارة. كانت التعيينات مهمة مايكل منذ نشأة المؤسسة، وكان يختار المرشحين ويقود العملية برمتها. ومن خلال تعاوننا، ساعدنا لجنة حوكمة مجلس الإدارة على فهم أن التعيين من اختصاص مجلس الإدارة (مع مشاركة مايكل الكاملة بالعثور على مرشحين). وكان أحد التحولات الكبيرة تعيين رئيس مشارك لمجلس الإدارة لاستكمال مهارات الرئيس الحالي (مع تركيز أكبر على الرسالة). انضم رئيس مشارك يتمتع بخبرة كبيرة في حوكمة المؤسسات غير الربحية إلى الرئيس الحالي، وقد سمح هذا المزيج بإحداث تحول كبير في فهم مجلس الإدارة للحاجة إلى تحمل مسؤولية عملية تعيين مدروسة وتنفيذها، خاصة في أثناء رحيل المؤسس. قاد تحويل السلطة النهائي مؤسسة بي آي في إلى اتباع برنامج كوز ليد، وهو برنامج تابع لمؤسسة كوز استراتيجي بارتنرز (Cause Strategy Partners)، وإلى تعيين روب أكتون رئيساً مشاركاً. يتمتع روب بخبرة عميقة في إدارة المؤسسات غير الربحية ونال احترام مجلس الإدارة ومايكل وفريقه. شارك روب رئاسة مجلس الإدارة إلى جانب شيلي ويليامز، وهو مدير معروف في برودواي وصديق مقرب من مايكل. وكان مزيجاً مثالياً من الممارسات المثلى وإدارة العلاقات، وقد سمح هذا المزيج لبي آي في بتأسيس عملية تعيين جديدة تحت مسؤولية مجلس الإدارة. واصل مايكل تحديد المرشحين المحتملين الذين لم يعيّنهم مجلس الإدارة على نحو مباشر، بل درسهم بعناية في سياق أولويات التوظيف.

3. تبنّي تقييم الأداء بطريقة 360 درجة

يجب على مجلس الإدارة الفعال أن يتبنى تحمّل المسؤولية الفعلي عن الأداء الوظيفي. المؤشر الرئيسي لمجلس الإدارة “التابع” هو عدم تقديمه تقييماً صادقاً لأداء المؤسس. بالنسبة إلى المؤسسين، من الضروري للغاية أن يشمل ذلك التقييم السنوي الموظفين. يحتاج المؤسسون الذين يتمتعون بالكاريزما والحماسة إلى تطوير مهارات إدارية قوية توفر للموظفين قدراً كبيرة من التفويض والاستقلالية. سيسمح تقييم الأداء بطريقة 360 درجة لمجلس الإدارة رؤية الفرص المتاحة للمؤسس للتطور في هذا المجال.

4. الاشتراك في التخطيط الرسمي لخلافة المؤسس

الكلمة الأساسية في هذا العنوان هي “الرسمي”. المناقشات المدروسة حول رحيل المؤسس تبحث في موضوع حساس، وهذا هو المهم. تحتاج جميع مجالس الإدارة إلى إجراء النقاشات الصعبة حول استمرار ازدهار المؤسسة بعد رحيل المؤسس. وفي كثير من الأحيان، يُعد مجلس الإدارة الاستراتيجيات لضمان وجود دور للمؤسس بعد التنحي بأي وسيلة كانت. اسمحوا لي أن أقدم لكم نصيحة قاسية: إذا كنتم، يا أعضاء مجلس الإدارة، تعتقدون أن المؤسسة لن تستمر دون مؤسسها، فأعيدوا قراءة هذه المقالة وابدؤوا العمل.

5. الاستثمار في الإثراء المستمر لمجلس الإدارة

استخدم القراءة لإثراء مجلس الإدارة (وتعزيز روح الفريق). إذ يتطلب التحول إلى مجلس إدارة يؤدي مهمة “الطيار المشارك” من أعضاء مجلس الإدارة صقل مهاراتهم الشخصية. إليك ثلاثة مصادر ممتازة لمجالس الإدارة تتناول هذا التغيير: كتاب “العقلية” لكارول دويك؛ وكتاب “محادثات صعبة” لدوغلاس ستون وبروس باتون وشيلا هين؛ وكتاب “المحادثات الشرسة” لسوزان سكوت.

إذا أدرك أعضاء مجالس إدارات المؤسسات غير الربحية مدى أهمية وظائفهم، فسيستثمرون المزيد من الوقت والجهد ليتقنوها بامتياز، وسيكون التأثير الذي قد يحدث في قطاعنا كبيراً بما لا يقاس. وينطبق ذلك تحديداً على مجالس إدارات المؤسسات التي يقودها المؤسسون. ليس من المفيد الوقوف مكتوفي الأيدي وإلقاء اللوم على المؤسسين بسبب السمات التي جعلتهم أبطالاً، دعونا نركز اهتمامنا على بناء مجالس إدارة قوية لدرجة تؤدي فيها دور الشركاء الحقيقيين في العمل.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.