هل يُمكن الاعتماد على المجتمعات المحلية لتصور مستقبلها؟

5 دقيقة
المجتمعات
(الرسم التوضيحي: آي ستوك/أكينبوستانسي) 
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خذ نفساً عميقاً وتخيل العالم بعد 10 أو 20 أو حتى 30 عاماً من الآن، ماذا ترى؟ عندها، ليس غريباً أن نتخيل كوكباً بائساً مدمراً بسبب عجزنا عن رعاية بيئتنا وبعضنا لبعض. سينجر المرء سريعاً إلى مزلق رؤية ذلك المستقبل بعد قراءة الكثير من الروايات أو مشاهدة الكثير من الأفلام التي تظهر مجتمعاً من متعددي الأعراق يتنافسون للعثور على موطئ قدم في عالم تسوده ندرة الموارد والمنافسة الشديدة عليها.

علينا ألّا نقسو على أنفسنا ونتجاوز تلك الرؤية المحدودة، وندعو الجميع إلى فعل الأمر نفسه. دعونا نأخذ خطوة صغيرة إلى الأمام ونحلم بعالم رائع متعدد الأعراق يلبي احتياجات جميع الناس، ولا نعتبر ذلك العالم رؤية طوباوية، بل احتمالاً ممكناً وحقيقياً جداً.

فكر بالعالم كما صوره فيلم “بلاك بانثر: واكاندا فوريفر”، حيث يقدم لنا المخرج رايان كوغلر رؤية لما هو ممكن عندما نبعد سردياتنا عن وجهة النظر التي تجعل أصحاب البشرة البيضاء والذكور محوراً لها، وألّا نعتبر بعضنا بعضاً أشراراً في سردياتنا الخاصة، بل شركاء ملتزمين بالحفاظ على بعضنا لبعض وحماية بعضنا لبعض وحماية القوة التي يمتلكها كل مجتمع على حدة والقوة الجماعية لهذه المجتمعات.

تُظهر القصص على غرار “واكاندا فوريفير” مستوى العنف الذي سببه الاستعمار والغزو والإبادة الجماعية عبر الأجيال، وكيف يمكننا التغلب عليه. يشجعنا الفيلم على رؤية مملكة تالوكان التي تقع تحت الماء وتستند إلى ثقافة شعوب المايا والأزتيك الأصلية، رؤية مجتمع ممكن التحقق على الرغم من العقبات التي يواجهها هذا المجتمع الخيالي للاستمرار.

عندما نفكر في مستقبل التكنولوجيا والابتكار الاجتماعي، يجب أن نفكر بطريقة جديدة، تماماً كما هي الحال في الفيلم، ونؤمن بمستقبل يتمتع فيه الجميع بالموهبة والبصيرة والموارد لبناء مشاريع مستدامة ومفيدة للجميع. نحن بحاجة إلى تصور عالم مبني على الوفرة يرفض فكرة استمرار تجاهل ذوي البشرة السمراء والشعوب الأصلية في الأميركيتين.

يركز هذا التحول في الرؤية على فهم دور السلطة والطبقات الاجتماعية في تشكيل المجتمع بالإضافة إلى فهم دور التمييز المنهجي في خلق هوياتنا العرقية. ففي نهاية المطاف، وكما يشير العديد من روايات الديستوبيا (أدب يصور مجتمعاً فاسداً يحكمه الشر المطلق)، تدور التحديات حول من يسيطر على الموارد وتنافس المجتمعات المنظمة على السلطة.

استحداث رؤية جديدة مجرد بداية، علينا أن نسأل أنفسنا ما الذي تعنيه لنا هذه التصورات الخيالية حول مستقبلنا، وبخاصة الذين يشغلون مناصب تمكّنهم من التأثير في الموارد الخيرية للمجتمعات الملونة. أولاً، تعني اغتنام الفرص لإنشاء مساحات في مجتمعاتنا والمؤسسات التي نخدمها لتحديد مستقبل نصنعه بأيدينا، يكون لنا ومن أجلنا جميعاً، حيث يرتبط تقدم مجتمع واحد وتحرره ارتباطاً وثيقاً بحقوق المجتمعات الأخرى وسلامتها ورفاهتها، وبخاصة مجتمعات أصحاب البشرة السمراء والشعوب الأصلية.

من مسؤوليتنا أن نتخذ موقفاً استباقياً تجاه التركيز على السرديات الضارة المتقاطعة وكشف زيف الفكرة الخاطئة التي تقول إن الابتكار والإبداع يأتيان فقط من الذين تتوافر لهم أحدث التكنولوجيا أو يمكنهم فهمها أو من المقربين إلى مراكز الابتكار والسلطة. إن طاقة الفيبرانيوم الخاصة بنا، وهي الطاقة المشتركة التي يحملها الواكاندانز والتالوكانيلز في الفيلم، تكمن في طريقة إنشائنا للعالم المترابط الذي نحاول صنعه. يجب أن تستند نُهجنا على الكلمات الحكيمة للروائية الأميركية أوكتافيا بتلر حيث قالت: “لا يوجد حل وحيد لجميع مشكلاتنا المستقبلية، لا توجد عصا سحرية، ثمة الآلاف من الحلول على أقل تقدير، ويمكنك أن تمثل أحدها إن أردت”.

تبني عقلية ونهج إنهاء الاستعمار

علينا أولاً أن نفهم جيداً ما يعنيه إنهاء الاستعمار، في أذهاننا ثم في عملنا. وكما أوضح الكاتب الأميركي الكيني موكوما وا نغوغي، فإن “إنهاء الاستعمار عمل شخصي بقدر ما هو سياسي“. في المجال الأدبي، يرى نغوغي أنه ينبغي لنا ترجمة الأدب الإفريقي إلى لغات إفريقية أخرى، بدلاً من اللغات الاستعمارية مثل الإنجليزية لتحدي الوضع الراهن.

وفي مجال العمل الخيري، هناك أيضاً طرق يمكننا من خلالها استخدام اللغة لتحدي العقلية الاستعمارية وهياكل السلطة الهرمية، وعقلية الندرة التي تبعدنا عن الصالح العام. على سبيل المثال، بعد تفشي فيروس كوفيد-19، ركزت حملتنا هيب غيف تيراس ماياس (HIPGive Tierras Mayas) على تعزيز القدرة على التحمل والتنمية في المجتمعات الريفية في شبه جزيرة يوكاتان. أنشأ فريقنا مواد توعية ترويجية بلغتي المايا والتزوتزيل، وهما لغتان من لغات المايا، وليس باللغة الإسبانية فقط. وشمل ذلك ترجمة مواقع الويب بالإضافة إلى الإعلانات التجارية الإذاعية في جميع أنحاء شبه الجزيرة للترويج للمنصة وإتاحة الفرصة لجمع الأموال للبرامج المحلية عبر منصة هيب غيف (HIPGive). كما أمضينا بعض الوقت في ولاية تشياباس المكسيكية وأجزاء أخرى من ولاية يوكاتان لفهم احتياجات مجتمعات السكان الأصليين على نحو أفضل. وسنوسع هذا العام نطاق انتشارنا اللغوي ليشمل التواصل بلغات تزيتزال وإس تشول.

أحد الأمثلة الأخرى عن العمل الخيري الأكثر شمولاً هو برنامج يساعد مجتمعات السكان الأصليين في منطقة الأمازون على تعلم برمجة الطائرات من دون طيار وتصنيعها وإصلاحها وتشغيلها لمكافحة إزالة الغابات والعنف في المنطقة. شاركت 6 قبائل أمازونية في دورة تدريبية بلغتاها الأصلية حول تشغيل الطائرات من دون طيار يديرها صندوق الحياة البرية العالمي (World Wildlife Fund)، وجمعية كانيندي إثنو إنفايرومنتال ديفينس (Kanindé Ethno-Environmental Defense Association).

تنمية الثروة الجماعية لمجتمعاتنا

على عكس واكاندا وتالوكان اللذين يمتلكان موارد غير محدودة، لا تملك غالبية مجتمعات ذوي البشرة الملونة الموارد اللازمة للتوقف عن العمل والحلم في إعادة تصور عالم يناسبنا جميعاً. ثمة ما يقرب من 60 مليون شخص من أصول لاتينية في الولايات المتحدة، وهم يشكلون ما يقرب من 20% من السكان، ومع ذلك، يعيشون في المتوسط ضمن أسر تتمتع بصافي ثروة وسطي يقدر بنحو 53,000 دولار، وهو رقم يقارب رُبع وسطي ثروة الأسر غير اللاتينية.

ومع استمرار نمو أعدادهم، ينبغي أن تنمو كذلك ثروتهم الجماعية. يبدأ ذلك باستحداث المزيد من الفرص للمجتمعات اللاتينية للمشاركة في اقتصاد الشركات الناشئة والنجاح فيه. أنشأت مؤسسة هيسبانيكس إن فيلانثروبي (Hispanics in Philanthropy) برنامج إنيسيو فينتشرز (Inicio Ventures) الذي يأخذ ذلك في الحسبان، لتزويد رواد الأعمال اللاتينيين بالتمويل والدعم وإثبات أن الابتكار يتسارع عندما تتاح لكل شخص فرصة للتعبير عن عبقريته.

نعتقد أيضاً وجود حاجة مُلحة لإشراك المزيد من الأشخاص من المجتمع اللاتيني في العمل الخيري لكي يُعد مفتوحاً لمشاركة الجميع، وليس لقلة من الأثرياء فحسب. بقيادة فريق هيب غيف النسائي في مكسيكو سيتي، أنشأنا منصة ديجيتال غيفينغ سيركلز (Digital Giving Circles) التي توفر التحليلات وخدمة العملاء وورش عمل بناء القدرات ولوحات المعلومات باللغتين الإنجليزية والإسبانية، وحيث نمتلك بياناتنا الخاصة.

تعزيز الابتكار من داخل مجتمعاتنا

من المهم أن نستند إلى قيمنا العائلية والجماعية والتاريخية المشتركة لنوحد مجتمعاتنا ونحدد اتجاه عطائنا. سيرشدنا ذلك إلى طرق لصياغة حلول مبتكرة لتحدياتنا الأكثر إلحاحاً. أحد المجالات التي تتيح لنا ذلك هو نهجنا تجاه العدالة المناخية والبيئية.

تدعو مجموعات عدة في مختلف أنحاء الأميركيتين إلى ما يطلقون عليه “الزراعة التجديدية”. لكن هذه الممارسات أقدم من تلك الحركات وهي تستند إلى المعرفة التي تنتقل عبر أجيال من الذين اعتنوا بالأرض والنباتات والحيوانات، ويعدّونها نهجاً شاملاً غنياً بالتواصل والحب يحقق رفاهية المجتمع. تشتمل هذه الممارسات الزراعية البيئية على أبعاد ثقافية واجتماعية تعكس تحمّل المسؤولية تجاه الأرض والناس، وتعكس أفكار “الحياة الجيدة” التي تحترمها الثقافات في جميع أنحاء أميركا الوسطى والجنوبية منذ آلاف السنين.

ولتحقيق هذه الرؤية لمستقبلنا -الشامل المتعدد الأعراق للأجيال القادمة- يتعين علينا أن نعمل على نحو جماعي، وليس بعضنا ضد بعض. الابتكارات التي ندعو إليها في مجتمع اللاتينيين لا تستند بالضرورة إلى التكنولوجيا أو الأدوات الحديثة، بل إلى الاستلهام من حكمة أسلافهم للعثور على الحلول. وكما تذكّرنا الكاتبة أدريان ماري براون، “من الضروري تجديد حبنا للاطلاع، واهتمامنا الحقيقي بالآراء المختلفة وبالأشخاص الذين لم نتعرف عليهم بعد، هل يمكننا اعتبارهم جزءاً منا؟”.  

يركز فيلم “واكاندا فوريفر” على حب الاطلاع هذا حتى يفهم أهلها أن بقاء ثقافتهم يستند إلى الحب فيما بينهم. علينا أن نركز حب الاطلاع هذا والحب وحكمة الأجداد لتغيير وجهات نظرنا حول نوع المجتمعات التي نريد رؤيتها بعد 10 أو 20 أو 50 عاماً من الآن. عندما نفسح المجال لإعادة تصور ما نريد، يمكننا إدراك الأطر والسياسات والأنظمة وتفكيكها التي تشكل عقبات أمام تحقيق الواقع الذي نريده.

والآن، أغمض عينيك مرة أخرى، وخذ نفساً عميقاً، واحلم معنا بهذا المستقبل. افتح عينيك واكتشف الدور الذي يمكنك تأديته وكيف يمكنك مواءمة مواردك للمساعدة على تحقيق هذه الرؤية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.