الجدوى التجارية للاستثمار في المواهب في القطاع غير الربحي

4 دقائق
الاستثمار في المواهب
Shutterstock.com/Andrii Yalanskyi

يُعرف القطاع غير الربحي بقلة استثماره في المواهب؛ حيث أدى الحرص على التزام الحد الأدنى من النفقات العامة إلى تقييد الإنفاق على رأس المال البشري، بدءاً من تدني التعويضات وصولاً إلى نقص التدريب؛ فقد أحصت مؤسسة ذا فاونديشن سنتر (The Foundation Center) ما أنفقه القطاع غير الربحي في عام 2011 على تنمية المهارات القيادية بمبلغ يقارب 400 مليون دولار، أي ما يعادل 0.03% فقط من الإنفاق الإجمالي السنوي للقطاع الذي يبلغ 1.5 تريليون دولار، ما يعادل إنفاق 29 دولاراً على الفرد في القطاع غير الربحي مقابل 120 دولاراً في القطاع الخاص. كما أدّت المؤسسات الخيرية دوراً في ذلك إذ خصصت ما لا يزيد عن 1% فقط سنوياً لمبادرات تنمية المهارات القيادية في المؤسسات المستفيدة في العقدين الماضيين.

لكننا نشهد مؤخراً تحوّلاً في القطاع يعكس ما نؤمن به نحن في مؤسسة برو إنسباير (ProInspire)؛ وهو أن الاستثمار في المواهب هو الاستثمار في قدرة المؤسسات غير الربحية على تحقيق رسالتها وتلبية الحاجات الاجتماعية المتزايدة.

بدأت هذه الفكرة تحظى باهتمام متزايد من الجهات الممولة للقطاع غير الربحي، والمهنيين وقادة الفكر على حد سواء، إذ تتمثل فيها الحاجة إلى الاستثمار في المواهب ومجموعة الأدلة المتزايدة التي توثّق قيمتها في التأثير الاجتماعي المتزايد.

الحاجة إلى توفير فرص تنمية المواهب حاضرة في المستويَين الفردي والمؤسساتي على حد سواء.

أجرت مؤسسة ذا بريدجسبان غروب (The Bridgespan Group)  استقصاءً شمل أكثر من 500 مهنيّ في المؤسسات غير الربحية، وتبين فيه أن تنمية المهارات القيادية والتخطيط لتعاقب الموظفين هما أهم نقاط ضعفها التنظيمية بمعدل أكبر من 2 إلى 1.

أجرت مؤسسة برو إنسباير استقصاءً في عام 2013، قال فيه 93% من المدراء إنهم يؤمنون أن التدريب القيادي أو الإداري سيزيد من كفاءتهم، ووضح 50% منهم أنهم تنقصهم المعرفة والخبرة والموارد اللازمة للنجاح في مناصبهم الحالية.

تحوّل برنامج "جائزة القيادة المرنة" (Flexible Leadership Award program) التابع لصندوق إيفلين ووولتر هاس جونيور (The Evelyn and Walter Haas, Jr. Fund)، من برنامج تجريبي محلي إلى برنامج يقدّم دعماً طويل الأمد للقيادة، ويصمم حسب الطلب لأكثر من 50 مؤسسة. وقدم الصندوق بين عاميّ 2005 و 2012 منحاً بقيمة 21.6 مليون دولار للمبادرات القيادية.

نعلم أن الاستثمار في تنمية المواهب لن يشهد زيادة كبيرة نتيجة لازدياد الطلب عليه فحسب، بل يجب أن يرتبط بالنتائج المؤسسية بصيغة ملموسة قابلة للقياس. غير أن حساب العائد على الاستثمار هو محاولة معقدة ومكلفة، ولا يتوفر كثير من النقاط المرجعية للبيانات التي توضّح هذا العائد. لعل أحد أبرز الأمثلة هو مؤسسة بويز آند غرلز كلاب أوف أميركا (Boys and Girls Club of America -BCGA) التي استعانت بمؤسسة ماكنزي آند كو (.McKinsey & Co) لتحديد تأثير الصفات القيادية الأربع الأهم في تحقيق رسالتها وقياسها، وشارك أكثر من 650 قائداً من 250 مؤسسة محلية في برامج تنمية تهدف إلى غرس هذه السمات، ثم قارنت المؤسسة الخيرية أداء المؤسسات المحلية التابعة المشارِكة بأداء مجموعة الضبط، فماذا كانت النتيجة؟ تفوقت المؤسسات المحلية التابعة على مجموعة الضبط في جمع التبرعات وتسجيل الأعضاء الجدد والاحتفاظ بالموظفين. وفي الواقع، كانت الزيادة في الإيرادات المكتسَبة من برنامج تنمية المهارات القيادية تفوق كلفته بنحو 4-5 أضعاف، فلا شك إذاً في أن ذلك يُعدّ نجاحاً على جميع المقاييس.

يعرض برنامج "جائزة القيادة المرنة" المذكور أعلاه قصة نجاح أخرى؛ ففي فترته التجريبية (بين عامَي 2005 و2010)، تمكنت 93% من المؤسسات المشارِكة فيه من تلبية أهدافها في تحقيق رسالتها، أو حتى التفوق عليها، كما شهدت 13 من بين 14 مؤسسة زيادة في الميزانية بمتوسِط قدره 64%.

لاحظنا من خلال عملنا مع المؤسسات غير الربحية في مؤسسة برو إنسباير، أن كثيراً منها لا يستثمر في تأهيل وتطوير الموظفين بما يكفي، إذ تخطط هذه المؤسسات لتعيين موظفين جدد قبل 6-12 شهراً مقدماً، بينما تغفل غالباً عن تقديم فرص التطوير المهني والنمو الوظيفي لموظفيها الحاليين إلى أن يفوت الأوان؛ أي عندما تحتاج المؤسسة إلى شغل دور ما وتدرك عدم توفُّر مرشحين داخليين مناسبين، أو عندما يغادر الموظفون المؤسسة بسبب توقف نموّهم المهني. تبيّن أبحاثنا إمكانية تطبيق المؤسسات مزيجاً من الاستراتيجيات لتلبية الاحتياجات المختلفة وفقاً لميزانيتها، وتمثّل مؤسستا كوميونيتيز إن سكولز (Communities in Schools) و غلوبال غيفنغ (GlobalGiving) مثالَين مهمين على منح الأولوية والدعم لتنمية الموظفين الحاليين.

تحرص مؤسسة كوميونيتيز إن سكولز المحلية الاتحادية التي تضم نحو 50 موظفاً محلياً وبميزانية تبلغ 19 مليون دولار، على منح الأولوية للتطوير المهني. حيث تخصص المؤسسة جزءاً من الميزانية لكل موظف بغرض التطوير المهني، ثم يناقش الموظفون تطوّرهم وأداءهم ومسارهم المهني واحتياجاتهم في أثناء اجتماعات المراجعة السنوية مع مدرائهم. يقول المدير دان كاردينالي: "نحن نؤمن أن الاستثمار في موظفي مؤسستنا سيمكّنها من تحقيق نتائجَ عظيمة، وبالتالي مساعدة الطلاب على الإنجاز في المدارس".

أما مؤسسة غلوبال غيفنغ، وهي موقع إلكتروني خيري لجمع التبرعات يقع مقرّها في العاصمة واشنطن، فتضم 30 موظفاً، وتعمل بميزانية تقدر بنحو 4 ملايين دولار، وجعلت الاستثمار في مواردها البشرية جزءاً لا يتجزأ من قيمها؛ إذ استخدمت أداة إلكترونية للتقييم تخصص مبلغ 1200 دولاراً لكل موظف في صندوق التطوير الوظيفي السنوي، وتتتبع المقاييس المتعلقة بالمواهب. آتت هذه الجهود ثمارها، إذ أصبح حجم التبرعات التي تديرها أكبر 4 مرات من من حجمها قبل 5 أعوام مع نمو تدريجي في عدد موظفيها وميزانيتها.

تبين قصص النجاح هذه أن الوقت قد حان لتغيير نظرتنا تجاه استثمار المؤسسات غير الربحية في المواهب. بدلاً من النظر إلى الإنفاق على هذا القطاع على أنه منافسة بين النفقات العامة والخدمات المباشرة تنتهي بخسارة أحدهما، يجدر بنا أن نعيد صياغته على اعتباره صفقة مربحة للجميع؛ فكل دولار نستثمره في تنمية المواهب يولّد تأثيراً أكثر كفاءة وفعالية. يمكننا تعزيز تأثيرنا الجماعي بزيادة تركيزنا على الاستثمار في المواهب بدعم مؤسسات التمويل والمؤسسات والأفراد الفاعلين ضمن القطاع.

اقرأ أيضاً: الاستثمار الخيري في الفن والابتكار

 يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي