كيف تسخر الشركات رؤوس أموالها لتنمية المجتمع وإثرائه؟

استراتيجيات الترسيخ
shutterstock.com/IR Stone
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

خلال العقد الماضي، أولى القطاع الاجتماعي اهتماماً متنامياً لدور “المؤسسات الراسخة” في تعزيز صحة المجتمع ورفاهه. والمؤسسات الراسخة هي “مؤسسات كبرى لا تهدف للربح عادةً وتكون وثيقة الصّلة بمجتمعاتها، ومن أمثلتها الجامعات أو المراكز الطبية” كما يعرّفها تقرير لمؤسسة ناشونال أكاديميز (National Academies) نشر مؤخراً، ويرى أن “إمكانيّات هذه المؤسسات الاقتصادية والفكرية والبشرية تضعها في موقع فريد يؤهّلها لتحسين المجتمع المحيط بها وإثرائه”.

ففي حين أن التنمية الاقتصادية التقليدية تفترض أن فوائد التنمية سوف تصل إلى جميع السكان، فإن عملية بناء رفاه المجتمع توظف الأصول المتاحة داخل المجتمع المحلي وتعتمد عليها لبناء أنظمة بيئية مستدامة تعزز المساواة وتوفر فائدة مباشرة للسكان المحليين”.

إن مؤسسة ديموكراسي كولابوراتيف (Democracy Collaborative)، التي تُدعى اختصاراً (DC)، ونظراً لأنها تمثل صوتاً رائداً في وضع المفاهيم حول المؤسسات والشبكات الراسخة وتطويرها، فقد بلورت ما يعنيه أن تكون هذا النوع من “الأصول المُتاحة”. على وجه التحديد، شجعت ديموكراسي كولابوراتيف المؤسسات الراسخة على متابعة ما تسميه “استراتيجيات الترسيخ”، وهي جهود ممنهجة للرفع من سلطة المؤسسة لتحسين ظروف المعيشة المحلية. والأساليب الثلاثة الأكثر شيوعاً للترسيخ هي: تعيين الموظفين محلياً، والحصول على الإمدادات محلياً، والاستثمار محلياً.

ماذا عن الشركات؟ هل يُمكن لشركة كبيرة أداء الوظيفة ذاتها؟ تعد المراكز الطبية والجامعات مناسبة تماماً من الناحية النموذجية لأداء هذا الدور، ولكن نظراً لأنه أصبح أكثر شيوعاً أن يُطلب من الشركات الاضطّلاع بدور بنّاء أكثر في مجتمعاتها، فإن الاقتراح بأن تصبح الشركات مؤسسات راسخة، أو أن يُعترف بها على أنها كذلك، قد أصبح أيضاً أكثر شيوعاً.

إنه طلب جيد بالنظر إلى الطريقة التي تُحفز بها تسمية المؤسسات الراسخة “المراكز الطبية والتعليمية” الكبيرة على رؤية نفسها كمحركات للتقدم المحلي. إلا أن الجامعات والمراكز الطبية كانت دائماً أكثر توجهاً نحو الصالح العام. لكن هل من المعقول اعتبار مؤسسات تتوخى بشكل صريح جني الأرباح مؤسسات راسخة؟ وهل يُمكن لمصطلح “المؤسسة الراسخة” أن يُعبر عن شركة ما بطرائق لا يُمكن لأي تسمية أخرى فعلها؟ فمعلوم أن الشركات وعبر أدبيّاتها المكتوبة نحتت بالفعل مكتبة موسعة من المصطلحات حول المسؤولية الاجتماعية للشركات، والقيم المشتركة، والاستثمار المؤثر، والنمو الدامج وما إلى ذلك، ناهيك عن الممارسات التقليدية بشكل أكبر المتصلة بالعطاء الخيري.

الحجة هنا هي أن إضافة مصطلح “المؤسسة الراسخة” إلى باقة المصطلحات السالفة الذكر يُمكن أن يؤدي بالشركات  إلى التركيز على إمكانية تحقيق فوائد محلية (بدلاً من التركيز على جني فوائد عالمية)، بالإضافة إلى تشجيع مقاربة ممنهجة تتسم بتشتت الجهود وعدم استمرارها في أغلب الأحيان. ولهذا السبب بالتحديد يقوم الممولون والقائمون على عقد الاجتماعات بتطبيق مفهوم المؤسسات الراسخة في قطاع الأعمال،  لتحقيق هذا النوع من الفوائد. فعلى سبيل المثال، قامت مؤسسة روبرت وود جونسون (Robert Wood Johnson Foundation) مؤخراً بتقديم سلسلة من المنح لدراسة موضوع الشركات الراسخة. ونتيجة لذلك، حدثت ثورة من الأنشطة البحثية، من ضمنها أبحاث حملت عناوين “وضع المفاهيم وتحديد الأعمال التجارية الراسخة” (Conceptualizing and Defining Anchor Businesses) و “الشركات الراسخة في الولايات المتحدة” (Anchor Businesses in the United States). وهذه الأوراق البحثية هي الأحدث في سلسلة تعود إلى عام 2008 على الأقل، عندما اقترح مركز نيتر (Netter) للشراكات المجتمعية أن الشركات الكبيرة (مثل شركات الأدوية وشركات التكنولوجيا) يُمكن أن تكون شركات راسخة في الأحياء الحضرية.

لكن مناقشة الأعمال التجارية باعتبارها مؤسسات راسخة أمر يتطلب معالجة الفوارق الدقيقة التي لا تكاد تُدرك. قد لا توجد هناك إجابة بسيطة بنعم أو لا، أو لعلّ الإجابة تكون نعم ولا معاً. بمعنى آخر، لا يُمكن للشركات أن تكون مؤسسات راسخة بنفس الطريقة التي تكونها المؤسسات العامة أو غير الربحية التقليدية؛ حيث أن بقاء الشركة في مكان واحد لفترة طويلة الأمد أمر يصعب تأكيده، على عكس ذاك النوع من “رأس المال الثابت” الذي تمثله الجامعات أو المراكز الطبية. إلا أن هذا الأمر لا يعني بالضرورة عدم تمكن الشركات من اتّباع استراتيجيات الترسيخ؛ أي الجهود المقصودة لتوظيف رؤوس الأموال بأشكالها المتنوعة في سبيل الفائدة المحلية.

الشركات ليست مؤسسات راسخة ولا بأس في ذلك

إن الخصائص الأساسية للمؤسسات الراسخة هي كونها كبيرة وقائمة على المكان، أي أنها كبيرة بما يكفي ليكون لها تأثير فعلي منهجي على المجتمعات التي تقوم ضمنها. هذا التعريف يترك الاحتمالات مفتوحة حول إمكان أن يكون للمؤسسات الراسخة أثر إيجابي أو سلبي على المجتمع المحلي. وفي غياب اتفاق، ظلت مؤسسة ديموكراسي كولابوراتيف ترى أنه إما أن تكون مؤسسة ما راسخة أو لا تكون، وتعتبر أنه لا يمكن لمؤسسة ما أن تسعى إلى أن تصبح مؤسسة راسخة. بعبارة أخرى، فإن مفهوم المؤسسة الراسخة ليس مفهوماً معيارياً؛ حيث أن هناك الكثير من المؤسسات الراسخة التي تؤثر استراتيجياً في مجتمعاتها بشكل ضئيل (أو لا تؤثر فيها مطلقاً).

في دوائر الرعاية الصحية والدوائر التعليمية العليا، بالطبع، اتخذ المصطلح قوة معيارية، حتى لو لم يكن مخططاً في الأصل أن يحدث ذلك. إن تعريف مؤسستك كمؤسسة راسخة يعبر عن وعيها الاجتماعي واستعدادها لاتخاذ إجراءات تغيير داخلية في سبيل تحقيق الفائدة للمجتمعات المحلية. إحدى النتائج هي أن شبكة الرعاية الصحية الراسخة (Healthcare Anchor Network)، وهي تعاون وطني لأنظمة الرعاية الصحية الرائدة، تكبر قاعدة العضوية فيها على نحو مستمر، كما هو الحال مع مستوى الطموح حول استراتيجيات الترسيخ بشكل عام: في حين كان التركيز في السابق ينصب مباشرةً على التوظيف والشراء والاستثمار، فقد تم مؤخراً تصور المؤسسات الراسخة على أنها تؤدي أدواراً إضافية – منها تنمية الإسكان المحلي ميسور التكلفة، وإنشاء البنية التحتية، والتعاون النشط مع المجتمع. وبينما يتم الاحتفاء بالمؤسسات الراسخة على نحو متزايد، تسعى بعض المنشآت الأخرى حتماً إلى محاكاة مناهجها.

تحب العديد من الشركات أن تسوّق لعملها على أنه متجذر في حي محلي أو يخدمه، بدءاً من شركات الإسكان الربحية التي تمتلك مواقع بناء منتشرة في حي أو مدينة بأكملها، إلى شركات الطاقة ذات الاستثمارات العميقة في البنية التحتية الضخمة في منطقة بأكملها. فمثلاً صحيفة محلية مثل ذا بوسطن غلوب (The Boston Globe)، والتي يرتبط عملها طبيعياً بمحيطها المباشر تبدو أنها تعطي انطباعاً بأنها موضع ثقة، أو أنه يُتوّقعُ منها كشركة الالتزام تجاه المجتمع المحلي على المدى الطويل. فإذا كان أفراد المجتمع يتطلعون إلى تحسين جودة الهواء أو جاهزية الأطفال في مرحلة ما قبل الروضة، فإن هذا النوع من الشركات قد يبدو شريكاً جاهزاً لبذل جهود طويلة الأمد مثل هذه.

إلا أن هناك فرقاً مهماً بين أن يكون عمل الشركة متجذراً في مجتمع ما، وأن تكون الشركة بحد ذاتها متجذرة في هذا المجتمع. على سبيل المثال، قد تكون المؤسسة متمركزة في بوسطن بمعنى أنها تمتلك موظفين أو متاجر أو حتى عمليات مكتبية هناك، لكن مقر المؤسسة نفسها قد يكون في مكان آخر غير بوسطن. أو قد تمتلك شركة تطوير عقارية مساحات كبيرة من الأراضي في مدينة ما، أو قد تقوم إحدى الصحف بنشر الأخبار المحلية، ولكن قد يكون مقرها الرئيسي في ولاية أو دولة أخرى، وكذلك أولوياتها. وحتى إذا كان المقر الرئيسي لهذه الشركات في بوسطن الآن، فلا يوجد ما يؤكد أنها لن تنتقل في المستقبل، وستأخذ أصول الشركة معها؛ مثل إعلان شركة سميث آند ويسون (Smith and Wesson) مؤخراً أنها ستنقل مقرها الرئيسي خارج ماساتشوستس (بسبب سعي الولاية لحظر الأسلحة)، وحتى أصحاب الأعمال التجارية الملتزمون حقاً بنطاقهم المحلي يُمكن أن تشتري أعمالهم شركات أخرى. مثل شركة أثينا هيلث (Athena Health) التي كان مقرها في بوسطن حتى استولت عليها شركات أسهم خاصة في نيويورك وكاليفورنيا في عام 2019، ومنذ ذلك الحين، فقد اشترتها عدة شركات أسهم خاصة أخرى.

لدى أصحاب الأعمال التجارية التزامات قانونية للتصرف وفق ما يصب في مصلحة مؤسساتهم، ومصالح الشركاء المساهمين أينما كان ذلك ممكناً. وقد تتعارض هذه الالتزامات مع الالتزامات غير القانونية التي قد تقدمها الشركات لبيئة جغرافية محددة. بالمختصر، فإن أي رأسمال توظفه الشركات لخدمة الجهود الاجتماعية يواجه دائماً خطر السحب وإعادة التوجيه نحو استخدامات مؤسسية تقليدية أخرى، أو حتى نحو انتقال الشركة خارج هذا المجتمع بالكامل. قد تكون هذه المخاطرة كبيرة بالنسبة لبعض الشركات – مثل الشركات التكنولوجية الناشئة التي تبحث باستمرار عن من يشتريها – وقد تكون المخاطرة أصغر بالنسبة للبعض الآخر، مثل المزارع التي توارثتها عائلة واحدة لزمن طويل، إلا أنها تبقى دائماً خطراً يجب أخذه بعين الاعتبار. وبالمقابل، على الرغم من إن المؤسسات غير الربحية قد تُغلق أبوابها، إلا أن خطر انسحابها من التزاماتها الاجتماعية (أو خطر مغادرتها لمجتمع ما) يكاد يكون معدوماً، وهذا ليس فقط بسبب مهمتها ولكن بسبب ضعها الضريبي. بينما يمكن أن تواجه الشركات قيوداً قانونية على التزاماتها المحلية تجاه المجتمع، يمكن أن تواجه المؤسسات غير الربحية عقوبات قانونية إذا انحرفت عن التزاماتها.

الحجم، وهو المعيار الثاني لتكون المؤسسة مؤسسة راسخة، يعمل كوكيل للسلطة في النقاشات التقليدية حول المؤسسات الراسخة. ولكن في حالة الشركات، لا يتناسب هذا المعيار جيداً مع المعايير القائمة على المكان، فمن المرجح غالباً أن تكون الشركات الصغيرة عضوا في المجتمع المحلي منذ فترة طويلة. عندما سألنا الأشخاص في جميع أنحاء بوسطن – وخاصةً الأشخاص من المجتمعات المهمشة التي يُقصد ضمنياً أن تخدمها المؤسسات الراسخة – لتحديد ما اعتبروه شركات راسخة، كان أول ما تبادر إلى أذهانهم هي الشركات الصغيرة. وإن ما كان يميز هذه الشركات هو الشعور العام بأن “الحي لن يكون كما هو بدونها”. حيث تكرر ذكر متاجر البقالة المستقلة والمقاهي التي يمتلكها سكان محليون والمكتبات. ولكن كلما “توسعت” الشركات أكثر، قل احتمال بقائها متجذّرة في جهود التطوير المعتمدة على المكان. على سبيل الدعابة، عندما بحثنا في منطقة بوسطن الكبرى عن الشركات الكبيرة بناء على عدد الموظفين المحليين، أو إجمالي الإيرادات، أو التبرعات الخيرية السنوية، وجدنا أنفسنا نتابع مواقع الشركات الدولية (وأحياناً متعددة الجنسيات) غير المرتبطة كثيراً ببوسطن. كان لبعض هذه المؤسسات سجلات رائعة في العمل الاجتماعي، ولكن نادراً ما كانت جهودها تركز على المجتمع المحلي. وهذا كان قائماً حتى عندما كانت مقراتها الرئيسية في بوسطن.

يُمكن للشركات اتباع استراتيجيات الترسيخ

على الرغم من ذلك، فقد شكّل اتسّاع الالتزامات التي تعهدت بها بعض الشركات تجاه مجتمع بوسطن وعمقها مفاجأة سارّة لنا. لهذا السبب، نشعر بالارتياح عند الحديث عن الشركات التي تتبع استراتيجيات ثابتة حيث تكون جهودهم لتحسين الرفاه المحلي جهوداً منهجية. إن الطبيعة الشمولية لنهج الشركة هي ما يميز اتباع استراتيجية ترسيخ عن الجهود الأكثر تشتتاً أو الجهود التي تحدث لمرة واحدة التي يمكن تصنيفها على أنها من ممارسات المسؤولية الاجتماعية للشركات، أو صافي المبيعات المزدوج، أو كنشاط من نوع القيمة المشتركة.

إن ما يؤلف استراتيجية الترسيخ هو الجهود المتناسقة لنشر رأس المال المُتاح بشكل استراتيجي داخل الشركة لصالح المجتمع المحلي (انظر أدناه). مثل شركة تقدم مساعدة على الدفعات المقدمة (رأس المال المالي) لمساعدة الموظفين على شراء المنازل محلياً. أو شركة تشجع الموظفين على التطوع بوقتهم (رأس المال البشري) مع المؤسسات غير الربحية المحلية. بالطبع، قد يكون من الصعب رسم الخط الفاصل بين ما (أو من) الموجود “داخل” الشركة وما (أو من) الموجود “في المجتمع المحلي” بشكل تجريدي. ولكن مع الممارسة، وجدنا هذا المفهوم مفيداً. مرة أخرى، فإن أياً من هذه الإجراءات بمفردها لا تشكل إستراتيجية ترسيخ فعلية. فإن ما يحدد استراتيجيات الترسيخ هو استعداد القيادة لإلقاء نظرة شاملة على أنواع رأس المال الذي تمتلكه مؤسساتها والتفكير بشكل خلاق حول كيفية وضع رؤوس الأموال هذه في خدمة المجتمع المحلي.

وإليكم بعض الأمثلة على كيفية قيام الشركات بنشر رأس المال بشكل استراتيجي كجزء من إستراتيجية الترسيخ:

  • رأس المال البشري: التوظيف محلياً وبشكل شامل، وتقديم مزايا صحية إضافية (مثل إجازة عائلية مدفوعة الأجر)، وتوفير إجازة تطوع للموظفين.
  • رأس المال المالي: إنشاء منح للمؤسسات المجتمعية والشركات الصغيرة والطلاب و (أو) السكان المعرضين للخطر أو التبرع لهم لاتخاذ إجراءات محلية، والقيام باستثمارات طويلة الأجل قائمة على المكان، وشراء الإمدادات محلياً و / أو إشراك موردين متنوعين، وتقديم المزايا المالية للموظفين (مثل المساعدة في الدفعات الأولى).
  • رأس المال السياسي: المشاركة في الاجتماعات البلدية، واجتماعات مجالس المدارس، والمجالس التشريعية للولايات للدفاع عن مصالح المجتمع المحلي، وتقديم تعليقات عامة عندما يطلب صانعو السياسات اقتراحات عامة.
  • رأس المال المادي: التبرع أو إنتاج الإمدادات لتلبية الاحتياجات المحلية ذات الأولوية، وتقديم التبرعات أو الدعم بالمساحات للخدمات المطلوبة.
  • رأس المال الاجتماعي: الاستفادة من العلاقات الفردية والتنظيمية الحالية لتنفيذ المبادرات الإستراتيجية.

وبينما نظل حذرين بشأن إمطار الشركات بالثناءات غير المبررة، فقد أدرك فريقنا أن هناك أدواراً في الجهود المجتمعية لتحسين الرفاه المحلي والتي يمكن للشركات وحدها أن تشغلها أو أنها تشغلها بشكل أفضل. على سبيل المثال، غالباً ما تتمتع الشركات بالقدرة على توزيع مبالغ كبيرة من الأموال غير المقيدة بسرعة أكبر بكثير من المؤسسات الخيرية الحكومية وحتى المؤسسات غير الربحية (وهو موضوع سمعناه مراراً وتكراراً في أفكار الناس حول كيفية استجابة مجتمع بوسطن لجائحة كوفيد-19). حيث أشار العديد من الأشخاص الذين تحدثنا إليهم إلى مجتمع الشركات على أنه لعب دوراً فعالاً للغاية في تقديم الدعم المالي للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه وفي أقرب وقت ممكن. كما أن الشركات غالباً ما تكون ذات شأن في المجتمع، في السراء والضراء، ما يُمكنها من جذب الانتباه، وحشد الشركات المحلية الأخرى، وإضفاء المصداقية على المبادرات التي تدعمها. فسواء في بوسطن أو في أماكن أخرى، كان انخراط مجتمع الشركات في الاستدامة البيئية بمثابة حدث غيّر قواعد اللعبة. وفي بوسطن على وجه التحديد، استحوذ مجتمع الشركات على مساعي التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة كمسألة محورية، حيث قام 70 من الرؤساء التنفيذيين وقادة الشركات بتوحيد قواهم للدعوة إلى تغيير السياسات الحكومية والفيدرالية بالإضافة إلى رفع مستوى أفضل الممارسات لتقوم الشركات نفسها بتنفيذها. بينما تتمتع الشركات الصغيرة بدورها بقدرة فريدة على الاستفادة من رأس المال الاجتماعي. فغالباً ما يكون أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة وموظفوهم أعضاءً قديمين في المجتمعات التي يعملون فيها، ما يسمح لهم بإنشاء علاقات قوية مع العملاء المحليين يُمكنهم الاستفادة منها لدعم جهود التنظيم والحشد والمناصرة.

في حين أن الأمر قد يبدو وكأنه تمرين دلالي بحت للتمييز بين المؤسسات الراسخة واستراتيجيات الترسيخ، فإننا نجد أن هذا التمييز يسمح لنا بتجنب تشتيت مصطلح “المؤسسة الراسخة” دون داعٍ مع الاعتراف بالشركات التي تشارك منهجياً في تنمية المجتمعات المحلية وتطويرها. وقد تكون هناك فائدة أخرى؛ حيث أن البحث في مفهوم المؤسسة الراسخة زرع لدى فريقنا شكاً صحياً ليس فقط حول قدرة قطاع الشركات على اتباع مبدأ الترسيخ، ولكن أيضاً حول الافتراضات التي لدينا عن الإحسان الموثوق به من جانب الجهات الفاعلة غير الربحية (الخيرية) التي يشملها قانون 501c3. وقد توصلنا إلى تقدير مدى ندرة وجود أي مؤسسة كبيرة قائمة على المكان في اقتصاد السوق الحديث، فمثلاً لم تعد مايو كلينيك (Mayo Clinic) تعمل فقط في روتشستر بولاية مينيسوتا، ولكن أيضاً في جاكسونفيل بفلوريدا، وفينيكس بأريزونا، وأيضاً ترينتي هيلث (Trinity Health) التي تم تأسيسها عام 2000 كنظام مستقر في الغالب في الغرب الأوسط، أصبحت تشغل الآن 92 مشفى في 22 ولاية. أصبحت شركات التأمين الكبرى، فضلاً عن مقدمي الخدمات الكبار، الذين يمتدون على مساحات واسعة بمثابة القاعدة المتعارف عليها. هل ينبغي اعتبار المستشفيات والأنظمة الصحية غير الهادفة للربح مؤسسات راسخة في ضوء تركيزها الإقليمي والوطني المتزايد؟ قد يكون البعض محقاً في اتهام الشركات بتخزين الموارد داخل منشآتها وبكونها دائماً قادرة على الابتعاد عن جهود المجتمع لتحسين الرفاه. ولكن ما لم نستكشف الاستراتيجيات الثابتة التي من خلالها ترسخ المؤسسة نفسها وتبني الثروة بشكل منهجي في مجتمعها المحلي، فقد يكون هذا التشكيك نفسه مبرراً ليشمل المؤسسات الراسخة “التقليدية” أيضاً.

قامت مؤسسة روبرت وود جونسون (Robert Wood Johnson Foundation) بتوفير الدعم لكتابة هذا المقال. وإن وجهات النظر المذكورة هنا لا تُعبر بالضرورة عن وجهات نظر المؤسسة.