تعرفوا على كيفية الاستفادة من الأدلة

7 دقائق
استخدام الأدلة

قد تعتمد الأوراق البحثية حول البرامج الاجتماعية المبتكرة على عمليات جمع أدلة مضنية ومكلفة، ولكن ما الفائدة منها إذا لم يتم استخدامها، ناهيك عن عدم قراءتها؟ وفق دراسة أجريت عام 2014 من قبل البنك الدولي، فإن حوالي ثلث التقارير المتوفرة على موقعه بصيغة "بي دي اف" (PDF) لم يقم أحد بتنزيلها ولو مرة واحدة.

وقد أحرزت مؤسسات البحث الدولية بعض التقدم في سبيل ضمان أن توليد الأدلة يتجاوز نطاق نشر التقارير والدراسات ويصل عوضاً عن ذلك إلى صناع القرار ويبقيهم على اطلاع بما يحدث. على مدى السنوات الثماني عشرة الماضية، تطورت استراتيجيتنا المؤسسية في إينوفيشن فور بوفرتي أكشن (Innovations for Poverty Action. IPA)، من التركيز على توليد الأدلة فقط إلى أن أصبحت تمثل فهماً ينمو بشكل خطي من توليد الأدلة إلى نشر هذه المعلومات، وفي نهاية المطاف إلى نهج ثابت وتكراري لتطوير الأبحاث بشكل مشترك بين الباحثين والمستخدمين النهائيين للبحث.

تحدد استراتيجيتنا في صميمها الفرص الصحيحة لاستخدام الأدلة من أجل التأثير وتحفيز تغيير حقيقي، كما تبني شراكة مع المستخدمين النهائيين للإجابة عن أسئلتهم، وتستخدم مجموعة من أدوات البحث التي تذهب لما هو أبعد من تقييمات التأثير، وتدعم الباحثين المحليين وصناع القرار، وتستثمر في توسيع الاستفادة من البيانات المحلية لضمان استدامة التعلم في المستقبل. نحن لم نعد مجرد مؤسسة تقوم بتوليد الأدلة، بل أصبحنا وسيطاً لها؛ حيث نعمل مع مجموعة متنوعة من الشركاء المؤسسين في سبيل جمع البيانات والأدلة وتوظيفها في الاستخدامات المناسبة.

وعلى وجه التحديد، نحن في آي بي إيه نطبق إطار عمل مدمج يشتمل على تحديد أماكن الاستفادة من الدليل وكيفية استخدامه والجهات التي يمكن أن تستخدمه. نحن نضمن بهذه الطريقة أن تمويل العمل لتوظيف الدليل في تغيير السياسات لن يتعلق بإنتاج الأوراق البحثية بقدر ما يتعلق ببناء شراكات هادفة متعددة الأبعاد تعتمد القرارات الحاسمة كدليل على الفعالية.

من خلال فهمنا لكيفية استخدام الأدلة بشكل أفضل، يجب على الممولين، من المؤسسات الصغيرة والكبيرة والممولين الحكوميين وبنوك التطوير متعددة الأطراف، أن يغيروا طريقتهم في الاستثمار إذا كانوا يرغبون في تحقيق الاستفادة من الأدلة على أفضل وجه. لذا يجب على وسطاء الأدلة أمثال آي بي إيه أن يولوا قيمة وعمق شراكاتنا ذات القدر من الأهمية الذي يولونه لجودة الأدلة التي نستخرجها، إذا كنا نرغب في ضمان الاستفادة الفعلية من هذه الأدلة.

ماذا، ومن، وكيف

من خلال عملنا في أكثر من 20 دولة مع شركاء على مستويات مختلفة من الخبرات في التعامل مع البيانات، وجدت آي بي إيه أن تشجيعها على استخدام الأدلة يعتمد على السياق الذي تُستخدم فيه، وخاصة ما ندعوه جاهزية الدليل: وهي الخبرات الحالية التي نمتلكها مسبقاً حول الأدلة والبيانات وتطبيقات الأبحاث لممارستها في كل بلد وكل مجال وكل مؤسسة نسعى فيها إلى تشجيع استخدام الأدلة.

يتراوح إطار عمل جاهزية الدليل الخاص بنا ما بين سياقات البيانات غير الموثوقة (العمل مع شريك لا يتمتع بالوصول للبيانات الموثوقة) إلى سياقات البيانات الغنية واستخدام الأدلة (مع الشركاء الذين يستخرجون الأدلة والبيانات على نحو منتظم دائم). وبشكلٍ غير مفاجئ، كانت الأغلبية العظمى من الشركاء المهتمين يُصنفون في منطقة وسطى بين هذه السياقات. إن الشركاء الذين عملوا بالفعل على إيجاد أمثلة غير قابلة للدحض عن تطبيق الأدلة في تصميم البرامج والسياسات يمتلكون فرصة أكبر لتأسيس عملياتهم الخاصة لتوليد الأدلة وتوسيع البرامج المعتمدة عليها، وبالتالي تقليل دور وسطاء الأدلة في المستقبل.

يعلّم إطار العمل المستخدمين عدم التعامل مع كل السياقات بشكل موحد ورؤية الفرص المتاحة لمتابعة استخدام الأدلة في مجموعة واسعة من السياقات. إن المسار إلى اعتماد الأدلة ليس خطياً أو موحداً بسبب اختلاف السياقات، إلا أن خبراتنا تشير إلى أن إيجاد الفرص عالية التأثير (إجابة سؤال ماذا)، وبناء بيئة عمل تدعم استخدام الأدلة (للإجابة عن سؤال من)، والاستفادة من الأدوات المستهدفة (للإجابة عن سؤال كيف) يمكن أن تساعد في تركيز الجهود على التأثير.

في ماذا يستخدم الدليل: إيجاد فرص السياسات عالية التأثير لا تتمتع كل فرصة في أبحاث التنمية الدولية بإمكانيات قوية لاستخدام الأدلة. تولي آي بي إيه الأولوية للفرص التي تتفق مع أربعة معايير: وجود كمية جيدة من البحث للاعتماد عليه، ووجود فرصة للتأثير على القرارات المهمة، ووجود علاقات، ووجود تمويل للتنفيذ.

فعلى سبيل المثال، أقامت آي بي إيه شراكة مع مجلس التعليم في رواندا (REB) منذ عام 2014. تم تطبيق إطار عملنا المعتمد على تحديد الأولويات بشكل جيد خصيصاً عندما انتهز مجلس التعليم في رواندا، جنباً إلى جنب مع آي بي إيه والشركاء الآخرين، الفرصة لمركزية تعيين المعلمين وإعادة صياغة استراتيجية رأس المال البشري الخاصة به لدمج كل من الأدلة والبيانات في العملية. وقد حققت هذه الفرصة كل المعايير. فقد امتلكت بالفعل مجموعة قوية من الأدلة التي تم إنشاؤها بشكل مشترك حول عقود الأداء للمعلمين. بالإضافة إلى ذلك، كان لدى آي بي إيه بالفعل علاقات عمل قوية مع الأشخاص المهمين في بيئة العمل التعليمية في رواندا. وأكثر من ذلك، كان يتم التحضير لاتخاذ قرارات مهمة بشأن السياسات؛ حيث كان المسؤولون الروانديون يتجهزون لإعادة صياغة استراتيجية تعيين وتوظيف المعلمين. وأخيراً، كان البرنامج القائم على الأدلة سيكون محايداً من حيث التكلفة على المدى المتوسط بالنسبة للحكومة، ما يجعل تمويل التنفيذ عقبة قابلة للتذليل.

من يستخدم الدليل: تجهيز كامل بيئة العمل بالأدلة يتطلب بناء ثقافة الاستخدام المستدام للأدلة نهجاً أوسع من إيجاد بطل معين ليكون مسؤولاً عن الأدلة. بل يعني هذا إشراك بيئة العمل للجهات الفاعلة ذات الصلة بأكملها والتأكيد على حوافز كل فرد للوصول إلى أهداف التأثير الخاصة به. تشمل بيئة العمل هذه الموظفين التقنيين في مختلف الإدارات والمؤسسات، ومسؤولي الوزارة والقيادات السياسية من مستويات أرفع، والممولين متعددي أو ثنائيي الشراكات ونظرائهم الحكوميين.

كما أننا وجدنا أنه من الممكن تسريع العملية من خلال إقامة الشراكات مع الباحثين، وصانعي السياسات، والممارسين من البلدان متوسطة أو منخفضة الدخل، الذين يمتلكون القدرات والمعلومات اللازمة لتوليد وتطبيق الأدلة الأكثر ملاءمة في سياقاتهم. بالنسبة لوسطاء الأدلة، عادة ما تكون هذه الاستراتيجية مثمرة، ومنصفة، أكثر من تفضيل وجهات نظرهم الخاصة أو الاعتماد على "الخبرة" التي لا تستند إلى السياق المحلي.

كيف يُستخدم الدليل: تمهيد الطريق لاستخدام الأدلة، ثم تجهيز الشركاء للمثابرة على ذلك حتى عندما يتم تحديد الفرص الصحيحة لاستخدام الأدلة وبناء التحالفات المناسبة، يمكن أحياناً أن يخفق استخدام الأدلة عندما تلتزم الأطراف المعنية بجمع الأدلة ولكنها تفشل في العمل التكميلي الذي من شأنه أن يؤدي فعلياً إلى استخدام الأدلة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يركز الباحثون في أثناء أحد التدخلات على الآليات المعتادة في العمل، وأن يفشلوا في الوقت ذاته في جمع البيانات حول التفاصيل الحساسة في البرنامج والمتعلقة بالتوصيل والتنفيذ. أو أنهم قد يرسمون خريطة لأصحاب المصلحة المناسبين ولكن يفشلون في تشجيعهم على المشاركة أو صياغة خطة عمل. ومثلما هو من الخطأ الاعتقاد أن دليلاً واحداً يمكنه تحقيق التحول الجذري نحو استخدام الأدلة، فمن الخطأ أيضاً الاعتقاد بأن الاستثمارات الجزئية في الكيفية ستحدث تأثيراً.

على سبيل المثال، أجرت آي بي إيه ومجموعة كبيرة من الباحثين من جامعة ستانفورد وجامعة ييل تجربة عشوائية منضبطة ضخمة (RCT) العام الماضي حول تحسين ارتداء الكمامات في بنغلادش للوقاية من جائحة كوفيد-19. حقق النموذج الذي اختبرناه نسبة ارتداء كمامات أعلى بثلاثة أضعاف، واستمر تأثيره حتى بعد انتهاء الفترة الزمنية لهذا التدخل. ونظراً لأن هذا النهج تمكن من إنقاذ آلاف الأرواح بتكلفة منخفضة للغاية في خضم ذروة الجائحة في جنوب آسيا، فقد انتقلنا من مرحلة البحث إلى التنفيذ على نطاق واسع بسرعة كبيرة. تطلبت التوسعات الأولى، التي وصلت إلى 4 ملايين شخص في الهند عن طريق جمعية النساء اللواتي يعملن لحسابهن الخاص (Self-Employed Women’s Association. SEWA ) وإلى 81 مليون شخص في بنغلادش عن طريق مؤسسة براك (BRAC)، أداة مراقبة عاجلة وسهلة النشر لفهم ما إذا كان البرنامج يمكن أن يعمل في سياقات مختلفة وعلى نطاق واسع، ولإبلاغ الإدارة بالمستجدات طوال الوقت. لو لم نستثمر في أداة المراقبة هذه، فربما لم نكن لنتمكن من إقناع المزيد من الشركاء بتبني هذا التدخل، وبالتأكيد كنا لنهمل الفجوات الحرجة في التنفيذ على هذا النطاق الواسع.

التحسن في الاستفادة من الأدلة

إن إجراء الأبحاث، سواء كانت تجارب عشوائية منضبطة أو بيانات أو أي نوع آخر، لا يمثل سوى نصف المعركة ولا يخدم أي غرض إذا لم يتم استخدام الأدلة التي يتم جمعها. إن عملية ترجمة الأبحاث والانتقال إلى استخدام الأدلة، أي تحديد الفرص المناسبة وتجهيز بيئة العمل واستخدام جميع الأدوات المناسبة، هي حالياً عملية غير منظمة وتفتقر إلى الموارد. يجب على الممولين والمتلقّين الالتزام بدورة تحويل الأدلة إلى سياسات بشكل كامل، والتي يمتلكون ضمنها خطة لاستخدام الأدلة ويتحملون مسؤولية النتائج بالكامل. ولتحقيق هذا الهدف، يجب أن تكون الاستثمارات مركزة على الشراكة ومرنة وطويلة الأجل وفعالة من حيث التكلفة وقائمة على التعلم المعتمد على البيانات حول ما ينفع لتحفيز استخدام الأدلة.

يركز على الشراكات المحلية | إن المؤسسات التي تضع الدليل ليست دائماً من يستخدمه، ويمكن أن يؤدي عدم التوافق هذا إلى إنشاء سيناريوهات تمويل صعبة. لكن يمكن للوكالات المانحة استخدام نفوذها لتأمين الشراكات بين الكيانات التي تقوم بإنشاء الأدلة والكيانات التي تستخدم الأدلة وتحميلها المسؤولية لإكمال دورة استخدام الأدلة. يمكنها أيضاً التأكد من أن التمويل لتنفيذ برنامج مدعوم بالأدلة لا ينفد في نفس اللحظة التي تظهر فيها الأدلة التي تدعم استخدامه، وهي نتيجة كافكا التي شهدناها كثيراً. يمكن لوسطاء الأدلة المحليين التوسط في هذه الشراكات، والدعوة إلى الاستخدام الفعال للتمويل، والتأكد من عدم ضياع المعرفة في أثناء الانتقال بين توليدها واستخدامها.

مرن وطويل الأمد | يجب أن يكون تمويل استخدام الأدلة مركزاً على النتائج. يجب أن يتضمن التمويل أيضاً المرونة فيما يتعلق بالنتائج قصيرة ومتوسطة الأمد، حيث إن مسارات تغيير السياسات متنوعة ومتشابكة، كما يجب أن يستمر على المدى الطويل لتأمين التأثير المنشود. فنوافذ التأثير على السياسات يمكن أن تفتح وتغلق بسرعة، وغالباً من خلال أحداث خارج صلاحيات متلقي التمويل. كما تشكل معالم التمويل الصارمة للغاية حواجز أمام الاستفادة القصوى من جمع البيانات والأدلة في تشكيل النتائج.

معتمد على الأدلة وفعال من حيث التكلفة | يجب على الممولين والمتلقين الالتزام بتعلم ما يصلح لتحقيق استخدام الأدلة والسعي وراء نماذج مبنية على الأدلة وفعالة من حيث التكلفة فيما يتعلق بتحويل الأدلة إلى سياسات. فالوكالات التي تدعم تطبيق الأدلة في التنمية العالمية، مثل مشاريع الابتكار التنموية التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID Development Innovation Ventures)، وصندوق الابتكار العالمي (Global Innovation Fund)، ومنحة تمويل الابتكار في التنمية (Fund for Innovation in Development)، تطبق منظوراً يعتمد على عائد الاستثمار عندما تفكر في منحها. أجرى مايكل كريمر، الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل والمدير العلمي لمشاريع الابتكار التنموية التابعة للوكالة الأميركية للتنمية الدولية، مع زملائه أبحاثاً قيّمة أثمرت فيها الاستثمارات في ابتكارات التنمية.

يجب أن نبني على مثل هذه الأعمال من خلال تقييم الفعالية النسبية لاستراتيجيات مختلفة لتحويل الدليل إلى سياسة. وعلى حدّ علمنا، فإن مثل هذه العمليات من التعلم والتقييم لا تتم بطريقة منهجية. كما يمكننا فعل الأمور بشكل أفضل لأننا نمثل مجتمعاً تنموياً معتمداً على الأدلة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي