عند إعداد استراتيجيات إنهاء المشاريع وتنفيذها، ينبغي للمؤسسات غير الربحية التركيز على التأثير والاستدامة بدلاً من التركيز على الجداول الزمنية والمبالغ التي تم إنفاقها على هذه المشاريع.
وعلى الرغم من اهتمام قادة المؤسسات غير الربحية في إنشاء استراتيجيات لإنهاء المشاريع، تتمكن مؤسسات قليلة من إنهاء مشاريعها تدريجياً بطريقة تضمن خدمات مستدامة وعالية الجودة للمجتمعات التي تغادرها. وغالباً ما يفرض شح التمويل أو الجداول الزمنية غير المدروسة جيداً إنهاء مشاريع المؤسسات غير الربحية، وليس تحقيق النتائج المرجوة.
ولا بد من إعادة التفكير جدياً في كيفية إعداد استراتيجيات إنهاء المشاريع وتنفيذها مع التركيز على التأثير والاستدامة بدلاً من الجداول الزمنية والمبالغ التي تم إنفاقها. واعتماداً على خبرتنا في قطاع المياه والصرف الصحي والصحة العامة (WASH)، تقوي قائمة المراجعة البسيطة والمرنة فرص الإنهاء السلس للمشاريع.
فقطاع المياه والصرف الصحي والصحة العامة مليء بأمثلة على عمليات إنهاء مشاريع خاطئة. حيث أظهر تقرير التدقيق لعام 2012 الخاص باستثمارات الاتحاد الأوروبي على مدى العقد الماضي في مشاريع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في جنوب الصحراء الكبرى والبالغة مليار دولار، أن نصف المشاريع كانت عديمة التأثير بسبب سوء الإدارة على المدى الطويل. كما درس تقرير نُشر عام 2017 في مجلة جورنال أوف ووتر سانيتايشن آند هايجين فور ديفيلوبمينت (Journal of Water Sanitation and Hygiene for Development) أكثر من 40,000 نقطة مياه في البلدان النامية، ولاحظ أنه على الرغم من وفرة البيانات الجغرافية المكانية التي حسّنت قدرة المنظمات على مراقبة عمليات وظروف هذه النقاط، تكررت الأعطال الفنية على نحو مقلق.
فإنهاء المشاريع ليس بالمهمة السهلة، لا سيما في قطاع مثل قطاع المياه والصرف الصحي والصحة العامة الذي يتطلب تركيب المعدات وصيانتها، وتعيين الجهات المسؤولة عن هذه الصيانة، والتمويل المستمر لضمان ذلك. تواجه مؤسستنا ووتر فور بيبول (Water For People)، التي تسعى لتطوير أنظمة خدمات المياه والصرف الصحي، معضلة إنهاء المشاريع يومياً، ونتخذ خطوات ملموسة في هذا الصدد. والنموذج الذي سنبحثه هو مشروع أيفري وان فور أيفر (Everyone Forever)، المبني على فكرة توفير البنية التحتية والتمويل والإشراف لسلطات المياه المحلية لضمان وصول المياه النظيفة للجميع وللأجيال القادمة. وينتهي دورنا بمجرد تحقيق ذلك.
ولضمان استدامة العمل، أنشأنا قائمة مراجعة بسيطة وشاملة. وتتشابه فكرتنا عن قائمة المراجعة مع المفاهيم التي وضعها الدكتور أتول غاواندي في كتابه الشهير "تشكليست مانيفيستو" (Checklist Manifesto)، الذي يوضح بالتفصيل كيف يمكن لقوائم المراجعة البسيطة تنظيم العمليات المعقدة وتقليل الأخطاء والهفوات المكلفة على نحو كبير. وينبغي للمؤسسات غير الربحية التي تتعامل مع قضايا معقدة مثل وضع استراتيجيات إنهاء مشروع أن تضع أهدافاً ومتطلبات واضحة وشفافة. ما يزيد التناسق والموثوقية وفرص النجاح، ويقلل الأخطاء وسوء التقدير بشكل كبير.
ونعتقد أن قائمة الدكتور غاواندي تصلح لطيف واسع من القطاعات رغم أنه ابتكرها أساساً لمساعدة الجراحين. وعند تصميم قائمة المراجعة الخاصة بقطاع المياه والصرف الصحي والصحة العامة، تعلمنا ثلاثة دروس مهمّة تنطبق على أي مؤسسة غير ربحية في صدد وضع استراتيجية إنهاء مشروع.
أولاً، المرونة البالغة الأهمية
يعمل العديد من المؤسسات غير الربحية في أجزاء مختلفة من العالم في ظروف متباينة من حيث التمويل، والبنية التحتية، والواقع الحكومي. ولن توفر القوالب الجاهزة لقوائم المراجعة ولا جداول التقييم رؤى حقيقية للتأثير المستدام في ظل هذا التفاوت في ظروف العمل.
وكان هدفنا إنشاء أداة يمكن استخدامها حيث ندير مشاريع المياه في 30 منطقة منتشرة في دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا بالإضافة إلى أميركا اللاتينية وجنوب آسيا. كما يمكن لسلطات المياه في أي مكان استخدام قائمة المراجعة لقياس فعالية خدماتها واستدامتها. لذا كان من المهم أن تقيس مؤشرات قائمة المراجعة "الضروريات" باستمرار عبر مناطق جغرافية متنوعة في العالم مع إمكانية المرونة نظراً لخصوصية كل منطقة.
وقمنا باختصار قائمتنا إلى ثمانية مؤشرات أساسية لتقييم استدامة المنظومات، بما في ذلك التمويل والهيكلية والإدارة لكل من السلطة الحكومية المحلية التي تشرف على نظام المياه والجهة التي تقدم خدمات المياه، كما أدرجنا إدارة موارد المياه المحلية كمؤشر.
وعلى الرغم من توحيد معايير هذه المؤشرات عبر مختلف المناطق الجغرافية، ثمة مرونة في كيفية قياسها. حيث تتضمن بعض مقاييس المؤشرات تدرجات لمستوى تحقيق النتائج، وحددنا البعض الآخر باللونين الأبيض والأسود لمعرفة إذا ما تم تحقيق نتائج أو لا. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد كيفية قياس المؤشرات في كل منطقة على الحقائق والفرص والتحديات المحلية.
ثانياً، لا تعتبر نتائج قائمة المراجعة وحدها خطة لإنهاء المشروع
يجب أن تقود النتائج إلى إجراء محادثات وتوفير خارطة طريق واضحة للعمل والاستثمار، وأن يجتمع فريق المؤسسة غير الربحية مع مجموعة من أصحاب المصلحة المحليين لتحديد الخطوات التالية.
حيث نقوم دائماً بإدراج مسؤولي المياه والصرف الصحي والصحة العامة في المحادثات بالإضافة إلى ممثلين عن وزارتي الصحة والتعليم الذين يشرفون على أنظمة المياه في المدارس والعيادات الصحية، ونجري العشرات من هذه المحادثات كل عام في المناطق التي نعمل فيها. ويدخل أصحاب المصلحة هذه المحادثات حاملين معهم البيانات والوثائق التي تثبت استعدادهم لتشغيل أنظمة المياه على نحو مستدام، ويغادرونها مع فهم واضح للخطوات التالية التي تحقق إنهاء مشروع ووتر فور بيبول.
أخيراً، كلمة "إنهاء" لا تعني النهاية
كلما نظرنا بشكل أعمق إلى مؤشرات قائمة المراجعة وجدوى المحافظة عليها مع مرور الزمن، أدركنا عدم واقعية المشاركة الكاملة بمشروع وإنهائه دون العودة إليه لاحقاً.
والطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كانت الخدمات مستدامة هي مراقبة مستويات الخدمة ومقاييس الاستدامة بعد انتهاء المشروع. ولإقامة صلة خلال مرحلة الاختبار المهمة، قررت ووتر فور بيبول تحديد فترة "إشراف" مدتها 2-5 سنوات لرصد التقدم واستكشاف الأخطاء وإصلاحها إن لزم الأمر.
إليك كيفية عمل قائمة المراجعة في الواقع العملي: ستكون سان بيدرو في بوليفيا أول منطقة ننهي مشروعاً فيها، وستبدأ عمليات إنهاء المشروع في الأشهر القليلة القادمة، حيث استخدمنا قائمة المراجعة لضمان استدامة نظام المياه في المنطقة ولتنظيم سلسلة من المحادثات المفيدة والمثيرة والصعبة أحياناً مع السلطات المحلية حول مغادرتنا المخطط لها. وتعني نهاية المشروع تقليل الميزانية والموارد البشرية والمساعدة الفنية، لذلك من المهم أن تبدأ هذه المحادثات في أقرب وقت ممكن حتى تتمكن السلطات المحلية من حشد المزيد من الموارد والقدرات المحلية. ومن خلال هذه العملية في سان بيدرو، تمكّنا من تحديد خطة عمل واضحة تتضمن تعديل هيكل التعرفة والمراقبة المستمرة لجودة المياه.
ويمكن تطبيق قائمة المراجعة هذه بسهولة في جميع القطاعات، وفي أي مكان تعمل به المؤسسات غير الربحية على تغيير الأنظمة وتحسينها، حالها كحال كتاب "تشيكليست مانيفيستو" للدكتور غواندي، حيث تحتاج الأنظمة التعليمية أو الزراعية أو الأنظمة الأخرى إلى تعديل قائمة المراجعة لتتكيف مع المؤشرات "الضرورية" لها للعمل بفعالية وكفاءة، ومن ثم توضيح المهام والمسؤوليات المتعلقة بأنظمتها وتمويلها وتفعيلها .
إن أيام تفضيل مشاريع التنمية المقيدة بالوقت أو المال على الحلول المستدامة الطويلة الأجل ولّت إلى غير رجعة، حيث يمكن للمؤسسات غير الربحية إنهاء المشاريع بأقل قدر من الأخطاء وأقصى تأثير ممكن باستخدام قوائم مراجعة قوية وبطرق متناسقة وشفافة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.