كيف تسهم التكنولوجيا في إدارة المؤسسات الخيرية بفعالية؟

4 دقائق
إدارة المؤسسات الخيرية بفعالية
shutterstock.com/Motorpig

الكفاءة، والحوكمة، والشفافية، معايير أساسية لنجاح إدارة أي مؤسسة، وخاصة المؤسسات غير الربحية، لأنها تستهدف مساعدة المحتاجين وتنمية المجتمعات في ظل تفاقم التحديات التي يشهدها العالم اليوم، وبات الاعتماد على استراتيجية قائمة على التكنولوجيا، لا سيما في مجالات الاستدامة المالية، من ضرورات التغيير التنظيمي الذي يحفّز على الابتكار ويزيد من فعّالية الأداء.

وعادةً تستخدم المؤسسات الربحية التكنولوجيا للحفاظ على هوامش الربح، وزيادة حصتها في السوق، وتعزيز قيمة المساهمين، فيما تستهدف المؤسسات غير الربحية خلق قيمة عامة ومجتمعية، لذا يتطلب الأمر نظرية مختلفة لكيفية تعزيز التكنولوجيا لأداء المؤسسة.

الأمر لا يتعلق بالتكنولوجيا في حد ذاتها، وإنما يتمثل باستخدامها الاستراتيجي، ويمكن أن تقع المؤسسات غير الربحية التي لا تتبنى التكنولوجيا في حلقة مفرغة من تجاهل التغيير، وعدم الاستفادة من القيمة التي ترافق الثقافة التنظيمية المرنة والقابلة للتكيف، وبحسب دراسة أجرتها نت تشينج (NetChange) الاستشارية بعنوان: الفِرق الرقمية في 2018: المشهد الجديد للمشاركة الرقمية (Digital Teams in 2018: The New Landscape of Digital Engagment)، تكون المؤسسات غير الربحية أكثر فعّالية عندما يؤدي فريقها الرقمي دوراً قيادياً بارزاً في الإدارة التنظيمية والحملات، ويعد وجود قادة رقميين في الإدارة العليا، وتشكيل حملات ومبادرات جديدة، وتوزيع المهارات الرقمية في جميع أقسام المؤسسة، من سمات الفِرق الرقمية الأكثر نجاحاً اليوم.

وللاستفادة من التكنولوجيا، تحتاج المؤسسات غير الربحية إلى خبرة رقمية على مستوى الإدارة العليا، ومشاركة القادة الرقميين في صنع القرار حول المهام الجديدة، وتوزيع الخبرة الرقمية على كل أقسام المؤسسة دون قصْرها على فريق تكنولوجيا المعلومات، واعتماد أدوات رقمية تتوافق مع استراتيجية المؤسسة لتمكين الموظفين وأصحاب المصلحة من تنفيذ المهام، وتبنّي ثقافة الابتكار التي ترحب بالحلول الرقمية أو غير الرقمية أو الهجينة.

ويساعد تبني التكنولوجيا المؤسسات غير الربحية في تعزيز الكفاءة التشغيلية، وزيادة تأثير البرامج المجتمعية، على سبيل المثال طوّر معهد الطفل المحتاج (Child In Need Institute) في الهند بالتعاون مع شركة إكسنتشر لابز (Accenture Labs) للخدمات الرقمية، حلاً رقمياً مبتكراً يسمى قوة الفتاة (Girl Power) وهو تطبيق يعتمد على توظيف البيانات، والحوسبة السحابية للوصول إلى المراهقات المعوزات والنساء المحتاجات إلى الحماية والدعم الصحي والتعليم، وخلال عام واحد أنقذ التطبيق أكثر من مائتي فتاة من الإتجار بهنّ والزواج المبكر.

ومن الشائع أن يختلف حجم التبرعات من عام إلى آخر، ما يسبب صعوبة في استدامة عمل المؤسسات غير الربحية، لكن اعتماد التكنولوجيا يمكن أن يؤثر في مقدار العمل الذي تستطيع هذه المؤسسات تحقيقه حسب الموارد المحدودة التي تمتلكها عادةً، واستخدام التكنولوجيا للعمل بذكاء أكبر وجهد أقل، يُمكّن قيادات المؤسسات غير الربحية من التخطيط بحكمة للاحتياجات الحالية والمستقبلية، ما يساعدهم في تحديد أولويات وقتها، وميزانيتها، ​​والقوى العاملة فيها، وبرامجها الاجتماعية.

وفي المنطقة العربية، هناك نماذج لنظُم تكنولوجية تستخدمها المؤسسات غير الربحية والجمعيات الخيرية لتوفير الجهد والوقت والمال في عملياتها، ولمواجهة تحديات مثل ضعف الرقابة على الأعمال وتقييمها باستمرار، وعدم توفر قاعدة بيانات، ومحدودية الأرشفة والتوثيق والإحصاء، وتأخُر البحث في معاملات المستفيدين وتنفيذها، وما إلى ذلك، وأبرز هذه النُظم:

نظام خير

 تأسس نظام خير الإلكتروني لإدارة الجمعيات الخيرية بالسعودية بالاعتماد على لغة البرمجة الجافا (JAVA)، وصُمم ليطابق معايير حوكمة الجمعيات مكين، بما يتوافق مع رؤية المملكة 2030.

يُساهم نظام خير في توفير الوقت والجهد اللازمين لاستخراج البيانات المطلوبة بدقة وسهولة من خلال أنظمة متخصصة لإدارة المشاريع الخيرية، والتعامل مع المستفيدين إلكترونياً. 

يعزز النظام ميزة الأمان عبر توفير إدارة متكاملة لقسم المستفيدين، تتيح لهم التسجيل على الموقع إلكترونياً، وحفظ بياناتهم وتعديلها بطريقة آمنة لضمان حقوق المستفيد وعدم التلاعب ببياناته، كما يضمن السرية التامة للبيانات ويتيح إمكانية الحصول على النسخ الاحتياطية الدورية.

ويقوم النظام أيضاً بتقييم مدى استحقاق المستفيد من الجمعية وفق معايير محددة مسبقاً، ويعمل على تنظيم الحسابات بطريقة احترافية تسهل إجراء الحسابات الختامية، والتقارير المحاسبية، وميزان المراجعة، كما يسهل على الجمعيات التواصل مع المستفيدين من خلال جدولة رسائل إشعارات دورية تُطلعهم على التغيرات التي يمكن أن تطرأ على حالاتهم أو نقص المستندات الخاصة بهم، إذ تتيح للجمعيات تزويد مستفيدها بألف رسالة نصية مجاناً عند الاشتراك لأول مرة.

ويغطي نظام خير كافة الجوانب التنظيمية في الجمعيات الخيرية، إذ يساعد في إدارة كافة أقسام الجمعية عبر منصة إلكترونية موحدة، إضافة إلى سرعة استجابة ممثلي الدعم الفني لحل الأعطال وتطوير البرنامج للأفضل، ويرى المحاسب في جمعية البر في حوطة بني تميم،  عبدالله محمد الربيعة، أن الاعتماد على نظام خير ساعد الجمعية في الاستغناء عن عدة برامج مُكلفة كانت تستخدمها في السابق، وبعد مرور عام من التجربة لم تواجه جمعية البر أي مشاكل.

برنامج جمعيتي

تحرص البحرين على الارتقاء بالعمل الخيري وتعزيز دور الجمعيات الأهلية في التنمية، وعليه، انطلق برنامج جمعيتي ليسهل عمل هذه الجمعيات بالاعتماد على النظم السحابية، إذ يساعد في معالجة مشكلة الربط بين قرارات المساعدات الاجتماعية والنظام المحاسبي ويتيح للمستخدمين إمكانية الحصول على التقارير المحاسبية القابلة للتدقيق القانوني، وإعداد أي تقارير أخرى مطلوبة بسهولة.

ويرتبط البرنامج بأنظمة إدارية تشغيلية تشمل البحث الاجتماعي، والمتبرعين، والمساعدات التعليمية، ويوفر عدة ميزات أخرى، مثل محرك البحث الذي يُمكّن المستخدمين من تحديد معايير البحث عن عائلة معينة، أو طلب مساعدة محددة، كما يتيح لهم إمكانية إدارة المستندات بفاعلية؛ فمع كل نوع مساعدة أو معاملة مالية جديدة يُدخلها المستخدم إلى النظام، يمكنه إرفاق المستندات الخاصة والرجوع إليها في أي وقت، وذلك حسب صلاحيات دخول محدد.

نظام رافد

تسعى المملكة العربية السعودية إلى دعم نمو القطاع غير الربحي وزيادة نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، لذا تأسس نظام رافد الإلكتروني لتحسين أداء الجمعيات والمؤسسات الخيرية، والعمل على أتمتة العمليات الخاصة بالجمعيات وربطها بطريقة موحدة ومتكاملة.

وصُمّم نظام رافد ليكون الأول من نوعه الذي يدمج بين 10 أنظمة عالمية مختلفة، بالإضافة إلى موقع ومتجر إلكتروني للتبرع عبر الإنترنت، ويضم رافد أيضاً  17 إدارة رئيسية تحتوي على 60 إدارة فرعية، وثلاثة أنواع من واجهة برمجة التطبيقات (Application Program Interface. API) للرسائل النصية، والدفع الإلكتروني، والتنبيهات اللحظية، مع لوحة تحكم واحدة لكل الأنظمة و المتجر الإلكتروني.

وتوافقاً مع رؤية السعودية 2030 ومبادرات التحول الوطني 2020 في تطبيق التحول الرقمي؛ استهدف نظام رافد تطبيق الحوكمة الكاملة والشفافية في جميع الأعمال الخيرية وتنظيمها بدقة، وتسهيل إجراءات طلبات الإعانة، وعملية التبرع الإلكتروني.

يُعد الأمان العامل الأهم في مجال التكنولوجيا، لذا يسعى نظام رافد إلى تطبيق هذا المعيار من خلال تحديد صلاحيات محددة لكل موظف داخل النظام، وتشفير البيانات الداخلية لكل الملفات إلا لمن يملك الصلاحية، وشهادة حماية (Secure Sockets Layer. SSL)، وإعداد تقرير أسبوعي عن الأمان ومحاولات الاختراق وسد الثغرات، فضلاً عن سرعة استعادة البيانات في حال فقدانها.

الخلاصة، مع التقدم التكنولوجي السريع، يمكن أن نرى شخصاً يتبرع من خلال إخبار هاتفه أو المساعد الشخصي الذكي أليكسا بعبارة: "تبرع بـ10 دولارات"، وذلك بفضل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتطبيق المراسلة الآمن المتصل بالمشروع الخيري الذي يرغب بالتبرع له، إذ تبقى الخيارات التكنولوجية المتعددة مفتوحة أمام المؤسسات غير الربحية لتوظيفها في زيادة كفاءة العمل الخيري.

المحتوى محمي