قبل العودة إلى تنظيم الاجتماعات الكبيرة وحضورها يجب أن نفكر أولاً في فعالية الاجتماعات وفي استراتيجيات تجعل هذه الاجتماعات ذات تأثير ملموس.
أُلغيت التجمعات الكبيرة لحضور الفعاليات في جميع أنحاء العالم بسبب قيود كوفيد-19. هل اشتقتم إليها؟ لكن دعونا نعود إلى الوراء قليلاً، ما مدى أهمية تلك الاجتماعات؟ فخلال عمليات الإغلاق حين انتشرت الجائحة، تحول الكثير منها إلى اجتماعات عبر الإنترنت. هل شعرت يوماً أنك مضطر إلى المشاركة فيها؟ في حال أجبت بلا، فلماذا؟ وفي حال شاركت، فما مدى وضوح أهداف تلك الاجتماعات، وما مدى فاعليتها في معالجة القضايا ذات الأولوية بالنسبة إليك؟
من المعروف أن الأشخاص والمؤسسات يعقدون اجتماعات حول أهداف مشتركة وذلك لتعزيز العمل الجماعي. فتحديات عصرنا من تغير المناخ والتفاوت الاجتماعي والبيئي، وتداعيات جائحة كوفيد-19، تستدعي التعاون والعمل الجماعي. وكما كتبت مديرة منتدى سكول وورلد (Skoll World) السنوي حول الريادة الاجتماعية سارة زاك بورغمان في مقالها بمجلة ستانفورد سوشال إنوفيشن2016 "قوة عقد الاجتماعات لإحداث أثر اجتماعي: يمكن أن يكون للاجتماعات أثر حقيقي في المشاركين": "لقد شهدنا الفرص الرائعة والحماس والأفكار التي لا يمكن أن تؤتي ثمارها إلا من خلال جمع الناس وتوفير البيئة المناسبة للبحث والابتكار".
وتتفاوت مدى فعالية الاجتماعات بصورة كبيرة. فغالباً لا يركز المجتمعون على النتائج، وقد لا تكون فعالية هذه الاجتماعات ضرورية بالنسبة إلى المؤسسات المنظمة لها. توصلنا إلى هذا الاستنتاج بناءً على تقييم عدة اجتماعات في مجال التنمية الدولية ودوائر القطاع الاجتماعي في الولايات المتحدة، بما فيها المؤسسات وشركات المجموعات ومؤسسات البنية التحتية والمؤسسات غير الربحية والمنظمات غير الحكومية. وقد واجهنا صعوبة في تحديد مفاهيم الاجتماعات وقوتها وفعاليتها. فعند دراسة أهداف الاجتماعات وجدنا بعضها يشير بشكل غير واضح إلى التواصل والتعلم والبعض الآخر من دون أهداف على الإطلاق.
وكان الإرهاق الناتج عن حضور الاجتماعات السمة المشتركة بين جميع التقييمات. لنأخذ مثالاً توضيحياً على ذلك، حيث تحدثنا إلى أحد قادة سياسة التعليم العالمية الذي سافر على مدى عدة أشهر إلى ثلاث قارات لحضور ثلاثة مؤتمرات مختلفة حول قضايا التعليم العالمية ليتحدث مع الأشخاص نفسهم عن القضايا نفسها. وأعرب آخرون عن إحباطهم من الفرص الضائعة والفعاليات العديمة الجدوى التي لم تسفر عن أي إجراءات تُذكر. كما تم طرح موضوعات أخرى مثل الخلط بين مقدرات المؤسسات المشاركة.
من المهم أن تكون الاجتماعات ذات فعالية فالاجتماعات التي لا تُحدث أثراً لا تُشكل إلا إضاعة للوقت والمال، كما تولد انبعاثات غازات الدفيئة وبخاصة عندما ترتبط بالسفر الجوي، بالإضافة إلى التكاليف التي تتحملها المؤسسات ذات الموارد الضعيفة. تلك الاجتماعات تعطي انطباعاً بوجود إجراءات ونتائج لكنها تعجز في الحقيقة عن تطبيقها، والأسوأ من ذلك، قد تؤدي الاجتماعات الفاشلة إلى الإضرار بالقضايا المهمة وتشتيت العمل وتعطيل الزخم والإضرار بسمعة المؤسسات الداعية للاجتماع. حيث يكون من الأفضل للمشاركين أن ينفقوا أموالهم ووقتهم على اهتمامات أخرى.
مع رفع قيود كوفيد-19، سنسعى بشكل جماعي لإيجاد وضع طبيعي جديد يحقق التوازن بين التخفيف من عزلتنا الجسدية والاختلاط المبالغ فيه في المناسبات. ولا بد من الاجتماعات سواء كانت حضورياً أم عبر الإنترنت فنحن البشر مخلوقات اجتماعية تدفعها فطرتها إلى التواصل. في المقابل يجب على المؤسسات اغتنام الفرصة لإعادة تقييم فعاليتها. نعتقد أن الحل لا يكمن في الإسراع بعقد الاجتماعات بل بالتمهل لوضع استراتيجيات لعقد اجتماعات مدروسة بشكل أفضل.
ما الهدف من الاجتماعات؟
تستخدم المؤسسات ذات الرسالة الاجتماعية الاجتماعات لحشد الانتباه وخدمة قضيتها. وذلك لعدم قدرتها على العمل بصورة منفردة، ما يدفعها لتحفيز المجتمع وتحدي المعتقدات البالية والبحث عن حلول مشتركة للمشكلات الاجتماعية المعقدة وتفعيل هذه الحلول وتوسيع نطاقها، فتدعو أعضاءً من المؤسسات غير الربحية والشركات والحكومات والمؤسسات والأوساط الأكاديمية للتعاون عبر القطاعات المختلفة.
بات لدى القطاع الاجتماعي شهية كبيرة لعقد الاجتماعات، وفي كثير من الأحيان يقرر المنظمون أن الاجتماع ضروري دون بذل الجهد اللازم لدراسة القيمة الاستراتيجية للاجتماع. وبات روتين العمل بالنسبة إلى بعض الخبراء هو الانتقال من اجتماع إلى آخر فحسب. والقليل يدرس قيمة هذه الاجتماعات المتكررة ونتائجها.
الاجتماعات ذات مفهوم غامض.
تعرّف مجموعة التقييم المستقلة التابعة للبنك الدولي (IEG)، حيث يعمل راسموس هيلتبيرغ المشارك في كتابة هذا المقال الاجتماع على أنه "الجمع بين الجهات الفاعلة ذات الصلة للعمل بشكل جماعي لمواجهة التحديات المشتركة". كما تعرّف مجموعة تي سي سي (TCC Group)، حيث يعمل جاريد راينور المشارك في هذا المقال الاجتماعات على أنها "مساحات" أنشئت لمجموعات متنوعة من أصحاب المصلحة للتأثير في الإجراءات الجماعية والفردية المستقبلية بهدف إيجاد الحلول لقضايا معينة". نحن في القطاع الاجتماعي نستضيف مثل هذه المساحات لمحاولة إحداث تغيير منهجي معاً. وفي مقالته الصادرة عن مجلة ستانفورد للابتكار الاجتماعي لعام 2018 بعنوان "أربع استراتيجيات لتغيير الأنظمة الكبيرة" (Four Strategies for Large Systems Change)، يميز المستشار ستيف واديل بين أربعة أنواع من التغيير الاجتماعي وهي الفعل والإلزام والتوجيه والإحداث المشترك للتغيير. وتندرج الاجتماعات تحت تلك الأخيرة، حيث يلتقي المشاركون على أمل التعاون في التغيير الاجتماعي وتطويره. كما يتطلب عقد الاجتماعات اتفاقاً واسع النطاق على ضرورة التغيير وعلى المعتقدات والقيم المشتركة والالتزام بقضية مشتركة أو القدرة على خلق قضية مشتركة.
تكمن قيمة الاجتماع في نتائجه.
تحدد مجموعة التقييم المستقلة التابعة للبنك الدولي ثلاثة أنواع من النتائج الإيجابية للاجتماع وهي الفهم المشترك والحلول المشتركة والتنفيذ المشترك. واستُخدمت هذه الفئات من النتائج لتقييم فعالية الاجتماعات وتمييز النتائج الحقيقية عن التقدم المتواضع. ويتحقق الفهم المشترك عندما تشكل الجهات الفاعلة إطاراً مشتركاً للمشكلة ولحلها من خلال تشارك البيانات والتحليلات وفرق العمل المشتركة على سبيل المثال. وتُولد الحلول المشتركة عندما تتفاوض الجهات الفاعلة بصورة مشتركة لمعالجة مشكلة مشتركة من خلال مواءمة استراتيجياتها أو سياساتها أو أدواتها أو منهجياتها. كما يتحقق التنفيذ المشترك عندما تنفذ الجهات الفاعلة برنامجاً مشتركاً مثل إنشاء آلية مالية جديدة لتمويل العمل الجماعي.
تستخدم مجموعة تي سي سي إطاراً مشابهاً لتحديد خمسة أنواع من نتائج الاجتماع وهي السمعة والقدرة والاتصال والأهمية والعمل. ولا تعد هذه القوائم حصرية فهناك أنواع أخرى من نتائج الاجتماعات. ولا تكمن قيمة الاجتماعات بغض النظر عن نوعها في جودة تنفيذها (المكان والمتحدثون والأحداث الاجتماعية على هامشها) بل في النتائج التي تصدر عنها.
نحو فعالية أكبر
كيف نحقق إذاً أفضل النتائج من اجتماعاتنا؟ ترسل ممارسات المراقبة والتقييم في بعض الأحيان إشارات خاطئة يجب التحقق منها. فغالباً ما تجمع المؤسسات بيانات حول الاجتماعات مثل عدد الفعاليات والحضور واستقصاء مدى رضا الحضور. ويمكن أن تزيد هذه البيانات تركيز المؤسسة على حجم النشاطات والفعاليات التي تقيمها. لكن نادراً ما تقيّم المؤسسات نتائج اجتماعاتها ومدى إسهامها في الاجتماعات التي تقيمها مؤسسات أخرى على الرغم من أن هذه البيانات تعطي المدراء فكرة عن مدى فعالية هذه الاجتماعات.
تشير دراستنا إلى اهتمام المنظمين الفعالين بالتغيير الذي يسعون إلى تعزيزه. حيث يجرون محادثات حول الهدف الاستراتيجي للاجتماع في بداية عملية التخطيط لعقده. ويمكن للمؤسسات أن تصبح أكثر فاعلية في عقد الاجتماعات من خلال دراسة دورها والمراجعة المنهجية للأسباب التي دفعتها إلى عقد الاجتماع في مرحلة التخطيط لعقده. وينبغي لمنظمين الاجتماع أن يكونوا صريحين حول سبب أهمية القضية بالنسبة إليهم وقيمتها الاستراتيجية ولماذا يعتقدون أن السياق الاستراتيجي خارج المؤسسة قد يوفر فرصة أفضل لحدوث التغيير.
كما يتفهم المنظمون الفعالون أن تحقيق التغيير الاجتماعي يستغرق وقتاً. فهم يخططون لمتابعة مرحلة ما بعد الاجتماع من خلال إنشاء مجموعة عمل مشتركة بين المؤسسات لمراجعة الاجتماع وتقييمه قبل عقد الاجتماع التالي، وذلك من خلال دعم المشاريع التي تنشأ نتيجة للاجتماع واستخدام الاتصالات الاستراتيجية مع الجمهور المستهدف الذي قد يستفيد من فوائد هذه المشاريع.
كما تحتاج المؤسسات إلى تقييم قدرتها على تنظيم الاجتماعات التي تكمن في مصداقيتها وعلاقاتها ومواردها. إن مصدر القدرة التنظيمية للبنك الدولي على سبيل المثال هو كفاءته في إصدار بيانات وأبحاث موثوقة حول القضايا التي يعمل من أجلها. كما تعد المكانة المرموقة من عوامل القدرة على تنظيم الاجتماعات والتي تعمل على جذب الأشخاص والمؤسسات المناسبين إلى الاجتماع. ويؤدي عدم أخذ التخطيط المسبق والقدرة التنظيمية في الاعتبار إلى اجتماعات غير ناجحة تفشل في تحقق نتائج ملموسة.
اتخذ البنك الدولي خطوات إيجابية في هذا الاتجاه. حيث يواجه طلبات هائلة لقيادة أو دعم اجتماعات حول العديد من القضايا، وغالباً ما يجد صعوبة في إعطاء الأولوية. حيث يمكن أن تسبب الزيادة الكبيرة في عقد الاجتماعات إلى تشتيت قدرة البنك الدولي وموارده. وبدءاً من عام 2015 عالج قطاع الممارسات العالمية للتنمية الاجتماعية والحضرية والريفية والمرونة بمجموعة البنك الدولي (World Bank’s Social, Urban, Rural, and Resilience Global Practice) هذا الموقف من خلال تبني منهجية هادفة ومنضبطة للاجتماعات. حيث اعتمدت إدارته نهجاً منظماً للشراكات كخط عمل. وقرر أن يكون المعيار الأساسي للمشاركة وجود صلة بين المشاركة والعمل التنفيذي. ولمنع التشتيت جمع قطاع الممارسات العالمية المبادرات الصغيرة في برامج شاملة وأعاد توجيه بعض الطلبات إلى شركاء آخرين قد يكونون أكثر ملاءمة للقيادة.
يمكن للمؤسسات تنظيم طريقة إدارتها لعقد الاجتماعات وذلك بإدراج مهمة عقد الاجتماعات في أنظمة الإدارة الروتينية لتسهيل جمع البيانات المطلوبة ودعم التخطيط لعقد الاجتماعات. وبذلك يستطيعون أن يجمعوا البيانات الخاصة بالاجتماعات واستقصاء رضا الحضور وما إلى ذلك مع تقييمات النتائج. كما يجب أن يكون لدى المنظمين على الأقل هدف واضح وإحساس واقعي بقدرتهم على إحداث التغيير. وعلى الرغم من منطقية هذه الممارسات الإدارية فإن العديد من المؤسسات لا يطبقها. ويظن الكثير من الناس بسذاجة أن مجرد حضور مؤتمر ما لمناقشة مشكلة ما سيحدث التغيير. كما أننا لا نعتقد أن الدافع الحقيقي لعدد كبير من الاجتماعات هو السعي لتحقيق نتائج التغيير الاجتماعي بل الدعاية ورغبة المؤسسة في تأكيد ملكيتها لقضية اجتماعية.
وينبغي للمؤسسات ذات الرسالة الاجتماعية أن تسعى جاهدة لإيلاء الاجتماعات أهمية قصوى كأداة للتغيير الاجتماعي. عليهم إجراء تقييمات ما قبل الاجتماع يوضحون فيها النتائج المرجوة ويفكرون بتمعن في قدرتهم على تنظيم الاجتماع وتقييم العائد الاستثماري المرجو من الاجتماع. وبهذه الطريقة فقط يمكن للمنظمين ضمان اجتماعات أكثر تأثيراً وبالتالي قطاع اجتماعي أكثر فعالية وكفاءة.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً