القوة التي يمكن أن يكتسبها الموظفون في أماكن العمل

6 دقائق
أماكن العمل
Shutterstock.com/FGC

تتميز بيئات العمل الداعمة بأنها تعطي الشعور بالقوة والتمكين للموظفين في أماكن العمل، كيف يمكن خلق هذه البيئات وأماكن عمل داعمة للموظفين؟ هذا ما سنتحدث عنه في مقالتنا لهذا اليوم.

تحتاج الحكومات الديمقراطية والاقتصادات السليمة والشاملة إلى الفئات العاملة لكي تنمو، لكن 80% من الموظفين حالياً في الولايات المتحدة يعتمدون على رواتبهم فقط، وقد أصبحت الوظائف بدوام كامل، والمصحوبة بالمزايا، من الماضي على نحو تدريجي.

تمتلك شركات الاستثمار الخاص حالياً أعمالاً توظّف ما يقارب ستة ملايين شخص، وتحشد أكبر الشركات الأميركية؛ مثل «وول مارت» و«أمازون»، قوة خاصة تنافس سلطة الدولة وتزعزع استقرار الديمقراطية، كما توظّف كبرى الشركات والقطاع المالي جزءاً من الأرباح الموّلدة من قِبل تلك الفئات لمراكمة ثروات المدراء التنفيذيين والمساهمين بدلاً من إعادة استثمارها لصالح الموظفين، لذلك ينبغي وجود نظام حقيقي من الضوابط والموازين الاقتصادية لضمان تمتُّع الفئات العاملة بالقوة اللازمة في أماكن عملها من أجل إعادة التوازن إلى النظام الديمقراطي والاقتصادي.

تتخذ الفئات العاملة إجراءات جماعية ومباشرة استجابة للمستويات الحرجة من انعدام المساواة، وغياب الاستقرار الاقتصادي، واختلال توازن القوى، إنها تتحدى الشركات لرفع الأجور، وتعزيز الاستقرار، ومعالجة انعدام المساواة الهيكلية على المستوى العرقي والنوع الاجتماعي في أماكن العمل. تؤيد هذه الحركات اللامركزية الانتقادات الموجهة للسلطة المركزة تدريجياً، وتنظم حملات في أماكن العمل لمعارضتها، إنها تربط القضايا الاقتصادية على مستوى الفرد مباشرة بكيفية إدارة الشركات والقطاع المالي وتشغيلهما، وتمتد إلى آثارها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الأوسع نطاقاً، كما تحقق نتائج ملموسة من خلال تحدي سلطة الشركات والقطاع المالي المسؤولَين عن انعدام المساواة.

تتم قيادة هذه الحملات من أسفل الهرم بدعم من فرق العمل الناشئة والنقابات التقليدية لبناء نماذج تنظيمية جديدة، ويقدَّم لها الدعم من خلال منصات وسائل الإعلام الاجتماعية والرقمية؛ التي خلقت سياقاً حيث يمكن لملايين العاملين مشاركة خبراتهم فيه، وبناء وعي مشترك بتجاربهم في العمل، واتّباع إجراءات موزعة عبر الإنترنت وعلى أرض الواقع. ظهرت بعض هذه الحركات من تلقاء ذاتها، بينما تلقت الأخرى دعماً تنظيمياً مركّزاً من مؤسسات مثل «يونايتد فور رسبكت» (United for Respect) و«كووركر» (Coworker)، و«جوبز ويذ جاستس» (Jobs with Justice)، و«باغينينغ فور ذا كومن غود» (Bargaining for the Common Good)، إلى جانب النقابات التقليدية.

تطالب الفئات العاملة؛ من خلال تسخير الشبكات الاجتماعية وشبكات التواصل الداخلية ضمن الشركات نفسها، بمساحة افتراضية للتواصل ديناميكياً بالحركات القائمة على الأرض والعمل الجماعي الموجه مباشرة إلى صنّاع القرار في الشركات، وقد أدى التنظيم خارج البنية النقابية التقليدية إلى اتباع نُهج جديدة لترسيخ قوة هذه الفئات، ومع بدء تبلور الجهود، كان هناك أيضاً عمل على تعزيز البنية التنظيمية لدعم الحملات التي يقودها الموظفون، كما يتزايد الدعم العام واسع النطاق للأشخاص الذين يتخذون إجراءات في أماكن العمل.

شهدنا زيادة غير مسبوقة في مؤسستَي «يونايتد فور رسبكت» و«كووركر» في طلبات الدعم والتدريب على كيفية تنظيم الحملات ومخاطبة زملاء العمل وفهم حقوق وقوانين العمل.

إحداث التأثير في أماكن العمل

تعتمد مؤسسة «كووركر» نهج التواصل الرقمي أولاً، وتدعم جهود التنظيم الذي يقوده الموظفون بالاستعانة بمنصة الحملة وأدوات التكنولوجيا الاجتماعية والاستراتيجية الإعلامية إلى جانب دعم القيادة المباشر، إذ لا توجد بنية تحتية أو نقطة انطلاق لحركة الموظفين من دون ذلك الدعم، كما رعت تلك المؤسسات نمو التواجد الرقمي للأفراد الذين يعملون في شركات مثل «ستاربكس» و«أوبر» و«آر إي آي» (REI) و«بابليكس» (Publix)، لمساعدتهم لأنهم يعملون ضمن قطاع الخدمات المعروف بأجوره المنخفضة.

سمعنا من الموظفين في شركات التكنولوجيا على نطاق القطاع وعلى مدى العامين الماضيين أنهم يشعرون بالقلق إزاء عواقب التكنولوجيا التي يبنونها على حقوق الإنسان، إنهم قلقون بشأن إمكاناتها التي يمكن أن تشدد المراقبة وتمكّن التحرش واحتجاز الفئات السكانية المهمشة، وقد نظم الموظفون في «جوجل» حملات لدعم مجموعة من القضايا؛ من ضمنها سياسات التنوع والمساواة، ومعارضة استخدام الذكاء الاصطناعي للمراقبة باستخدام طائرات الدرون، والمعاملة المتكافئة للموظفين المتعاقدين، وأظهر هذا التنظيم؛ الذي يقوده الموظفون في قطاع التكنولوجيا، إمكانية إطلاق موجة من الحركات المشابهة في شركات أخرى وإحداث تغيير جذري لصورتهم العامة، ومن الجدير بالذكر أن الصحافة التقنية أصبحت أكثر أهمية وعلى دراية أكبر بقوة هذه الشركات. يُعدّ الموظفون في شركات مثل «جوجل»؛ التي تمارس قوة اجتماعية وسياسية واقتصادية تنافس الدولة، أحد الضوابط القليلة التي تحد من التمدد المستمر لتلك القوة، وهذه الجهود هي جزء من موجة تنظيمية مؤيدة للديمقراطية تطالب بإدارة مشتركة للمؤسسات التي تتمتع بالسلطة والنفوذ الهائلين.

تدمج المؤسسة المحلية «يونايتد فور رسبكت» استراتيجيات تنظيم الحملات عبر الإنترنت وعلى أرض الواقع للوصول إلى 16 مليون شخص يعملون في قطاع البيع بالتجزئة والتواصل معهم وتنشيطهم، إذ يواجه موظفو الكلارك (أو الكتّاب) والمخازن وغيرهم في هذا القطاع في الولايات المتحدة بعضاً من أكثر الآثار الاقتصادية سوءاً، بالإضافة إلى انعدام الاستقرار كلما قوي القطاع، بينما تنمو شركات؛ مثل «وول مارت» و«أمازون»، وتزعزع الاستقرار في أماكن العمل، وتجرّد العاملين فيهما من إنسانيتهم، ويخرج تجار التجزئة الأصغر من القطاع نتيجة للاستثمار الاستغلالي والمنافسة القائمة على الاحتكار. في المقابل، تمتلك مؤسسة «يونايتد فور رسبكت» قاعدة تضم مئات الآلاف من الأفراد وتصل إلى ملايين من الذين يعملون في وظائف منخفضة الأجر.

توضح حملة «تويز آر أس» (Toys "R" Us)؛ التي أطلقتها المؤسسة أيضاً، كيف تنفذ مشاركة سريعة وعميقة في القوى العاملة بقطاع الخدمات وترفع الوعي السياسي بالقضايا المتعلقة بالوظائف والاقتصاد بين النساء والناخبين من الطبقة العاملة، فقد أُجبر 33 ألف شخص على ترك وظائفهم في العام الماضي بعد أن تسببت شركات الاستثمار الخاص بإفلاس شركاتهم، وفي غضون أشهر قليلة، تمكّن قادة ومنظمي مؤسسة «يونايتد فور رسبكت» من ضم أكثر من 10 آلاف شخص في حملة «تويز آر أس» عبر الإنترنت، وأجروا أكثر من 2,000 محادثة فردية، ونفذوا 400 إجراء، وطوروا 150 قائداً. شارك أعضاء الحملة بفاعلية في جميع أنحاء البلاد؛ من اتخاذ إجراءات مباشرة في متاجرهم إلى الإدلاء بإفادات عامة في اجتماعات صندوق المعاشات التقاعدية، في الكفاح من أجل الحصول على تعويض نهاية الخدمة من مالكي شركات الاستثمار الخاص، وأدى ذلك إلى إقامة تسوية غير مسبوقة مع تلك الشركات بتمويل صندوق الدعم المالي بقيمة 20 مليون دولار.

عمل قادة «يونايتد فور رسبكت» عن كثب في أعقاب ذلك مع السناتورة إليزابيث وارين والقادة والشركاء الرئيسيين المنتخبين الآخرين؛ من ضمنهم مؤسسة «أميركانز فور فاينانشال ريفورم» (Americans for Financial Reform)، لطرح «قانون وقف النهب في وول ستريت لعام 2019» (Stop Wall Street Looting Act of 2019) من أجل حماية القطاع مع تتابع حالات إفلاس شركات البيع بالتجزئة، مثل «شوبكو» (Shopko) و«جمبوري» (Gymboree) و«سيرز» (Sears)؛ التي تسببت بها شركات الاستثمار الخاص، وأعقبت حملة «تويز آر أس»، كان من الواضح أن هناك حاجة إلى وضع تشريعات فيدرالية تحد من الممارسات السيئة للقطاع واستراتيجيات الاستثمار فيه. ينطوي القانون على أحكام للحد من استراتيجيات الاستثمار الخطيرة هذه، وضمان حماية الشركات المندرجة ضمن حافظتها والمستهلكين والموظفين والمستثمرين، ويوفر مساحة للجهات التي تعرضت للإساءة من قِبل شركات الاستثمار الخاص، سواء كانوا عمال التجزئة الذين يفقدون وظائفهم، أو صناديق التقاعد العامة التي تعاني للحصول على مزيد من الإفصاح عن الرسوم، أو أولئك الذين يتحدون تربّح شركات الاستثمار الخاص من مراكز احتجاز المهاجرين. كان صوت الموظفين الذين تأثروا بشكل مباشر مهماً للغاية لصقل اللوائح التنظيمية التي نأمل أن تطوّر نموذج أعمال أكثر إنصافاً لا يجني الربح على حساب الناس.

خلق عالم جديد

إن ارتفاع الصوت الواحد الجماعي من أجل تحسين ظروف العمل والتأثير على قرارات الشركات بشأن القضايا ذات الأهمية الوجودية، وإعادة صياغة القوانين بحيث تعمل لصالح الجميع، هو الذي يربط جميع هذه الحملات وغيرها، فقد أضرب المعلمون لأجل رفع الأجور وتخفيض أعداد الطلاب في الفصول الدراسية وتوسيع نطاق برامج الطلاب، وعبّر المبرمجون في شركة «أمازون» عن رفضهم كمساهمين للضغط على ممارسات الاستدامة، واحتج الموظفون العاملون في المجال التقني في شركة «وايفير» (Wayfair) على دور الشركة في توفير الأثاث لمراكز احتجاز المهاجرين، ونظمت الممرضات حملات امتدت طويلاً من أجل تأمين رعاية جيدة لهن والحصول على رعاية صحية شاملة، كما دعا أمناء الصناديق في البنوك وموظفو الإقراض إلى إجراء تغييرات على التعويضات بحيث لا يتم ربط الأجر بحصص المبيعات الاستغلالية، إلى جانب أن يكون لهم دور في التنظيم. يرفع المعلمون وأمناء الصناديق والمبرمجون أصواتهم ويسخرون قدراتهم لتحدي القرارات الأساسية حول ممارسات إدارة الحكومة والشركات؛ التي لا يمكن أن تعمل من دونهم.

ستعزز هذه الحركات الجديدة دور المؤسسات القائمة، وتلهم تلك الناشئة، كما أنها تحفز التفكير للمضي قدماً من خلال طرح تساؤلات من قبيل: كيف يمكن للمؤسسات العمالية والحركات الاستجابة لهذا الاهتمام الكبير الموجه إليها والاستعداد لدعمها؟ هل يمكن تحويل هذا الدعم إلى قوة دائمة؟ كيف يمكن للفئات العاملة أن تعيد صياغة القوانين الخاصة التي تدعم بناء واستمرارية قوتها في المؤسسات التي تعمل فيها، وتحقق الاستقرار الاقتصادي، وتعمل على إحداث تغيير جذري في الطرق المتبعة لإدارة الشركات؟ كيف تتبنى الفئات العاملة والمؤسسات الداعمة لها الامتداد والطاقة الهائلة لوسائل التواصل الاجتماعي والأدوات الرقمية، وتبني بنية تحتية ترسخ أسس دائمة للقوة؟

لا يمكننا الفوز إلا من خلال توحيد جهود الحملات والحركات الاجتماعية بهدف كسب القوة وتحقيق الديمقراطية في أماكن العمل، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في المبادئ الأساسية وتصميم أنظمتنا الديمقراطية والاقتصادية الحالية من أجل إنشاء مؤسسات متعددة الأعراق وتشاركية ومنصفة تمتلكها الفئات العاملة.

اقرأ أيضاً: رؤساء مجلس الإدارة: كيف يمكنكم التميز في هذا المنصب؟

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي