الموارد البشرية الخضراء ودور المؤسسات تجاه أهداف التنمية المستدامة

الموارد البشرية الخضراء
shutterstock.com/art4all
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

أهداف التنمية المستدامة والمسؤولية الاجتماعية والتطوع تجاه المسؤولية البيئية والحفاظ على الكوكب، كلها مفاهيم موجودة في الأوراق البحثية والمؤسسات غير الربحية منذ زمن. وكذلك مصطلح “إدارة الموارد البشرية الخضراء” أو (GHRM) ليس بجديد. فلماذا أصبحت هذه المصطلحات والمفاهيم الآن مهمة ولافتة، بل مؤشر أداء أساسي لجميع الكيانات والمناهج شاملاً أنظمة الرأسمالية؟

كان الرأسماليون وأصحاب الأعمال في الأجيال الماضية، بدءاً من الثورة الصناعية، أكثر اهتماماً بالتطوير والتعمير، ولكن دون النظر للمستقبل البعيد والاكتراث بأبعاد التنمية المستدامة، أما الآن فلا ينحصر التفكير الاستراتيجي في المنافسة بين الشركات، ولكن بناءً على التحليل الرباعي لدى الشركات يوجد “تهديد” مشترك بينها، وهو اختلال التوازن البيئي. حيث إن ازدياد أسعار الموارد والمواد الخام بسبب قلة توافرها يوازي ازدياد تكلفة التصنيع بسبب مصادر الطاقة المحدودة. لذلك ومن أجل المصلحة المشتركة تتكاتف المؤسسات غير الربحية والشركات والحكومات لمعالجة تلك الأزمة. وفي عام 2021 التزم ما لا يقل عن خمس (21%) من أكبر 2,000 شركة في العالم بتحقيق أهداف صافي الصفر.

للمؤسسات والكيانات الصديقة للبيئة دور في منع التلوث والضرر البيئي من خلال تنفيذ أعمالها بآليات مستدامة مع نشر الوعي الجمهوري، ولكن مع إحصائيات تفيد أنه في عام 2050 ستكون المحيطات مهددة بأن تحتوي على كتل من مخلفات البلاستك أثقل وزناً من الثروة السمكية نفسها، فدور تلك المؤسسات والكيانات الصديقة للبيئة الآن يجب أن يكون أكثر فاعلية تجاه تنمية البيئة وليس فقط الاكتفاء بالحفاظ عليها. وهذا تعريف مصطلح جديد لمفهوم اسمه “إيجابي للطبيعة” (Nature Positive)، الذي ينص على اعتماد نهج إيجابي للطبيعة خلال المساهمة البنّاءة في استعادة الطبيعة وإعادة تصحيح مسار الكرة الأرضية مرة أخرى. في عام 2021 نُشر مقال في المنتدى الاقتصادي العالمي يشرح الهدف وراء النهج الإيجابي للطبيعة وهو “وقف تدمير الطبيعة بحلول عام 2030 مع التعافي الكامل للمحيط الحيوي بحلول عام 2050”. وقد أشادت مجموعة الدول الصناعية السبع المعروفة بـ (G7) في تقريرها نيتشر كومباكت 2030 بأن “يجب ألا يصبح عالمنا صافي الصفر في الانبعاثات الصفرية فحسب، بل يجب أن يصبح أيضاً إيجابياً للطبيعة، للمصلحة العامة التي تشمل الناس والكوكب”.

لتحقيق تلك المهمة والرؤية تجاه “التعافي الكامل للمحيط الحيوي” يأتي دور الموارد البشرية الخضراء في قيادة وتيسيير وقياس وتحفيز كل من المؤسسات والأفراد تجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال تدشين المبادرات وتحديث مؤشرات الأداء لتكون مرتبطة بالاستدامة ارتباطاً مباشراً.

ممارسات الموارد البشرية الخضراء لتعزيز الاستدامة والتنمية المجتمعية

  • تحديث مؤشرات الأداء الوظيفي والأوصاف الوظيفية لتحتوي على مهام جديدة حول المشاركة بالمبادرات التطوعية، بالإضافة إلى تحديث المهام الحالية بُنهج مستدامة.
  • إدراج المؤشرات والمهام الوظيفية المستحدثة والجديدة بنماذج تقييم الأداء الوظيفي.
  • تعديل أنظمة الرواتب والحوافز لتدعم أهداف الاستدامة وتشجع الموظفين على الابتكار والإنتاجية تجاه تلك الأهداف.
  • إنشاء برنامج تدريبي متخصص في إدارة المؤسسات الخضراء لمختلف فئات الموظفين لتمكينهم بالكفاءات المستدامة في أشغالهم اليومية والمبادرات التي يتطوعون بها.
  • تحديث معايير الاستقطاب والتوظيف لتكون مفصّلة على مبادئ وقيم وممارسات الاستدامة، وتنفيذ عملية التوظيف بطريقة صديقة للبيئة.
  • تتويج ما سبق من خلال تطوير دليل السياسات والإجراءات ليكون متناغماً مع كافة أنظمة الموارد البشرية.

7 خطوات لوضع استراتيجية موارد بشرية خضراء

  1. تحليل احتياجات المجتمع والبيئة المحيطة لتحديد رؤية واضحة ومعرفة الفئة المستفادة من الأنشطة المجتمعية والبيئية التي سيتم طرحها.
  2. تحديد أصحاب المصلحة والشركاء وإدماجهم تجاه بناء مصلحة مشتركة.
  3. وضع مجموعة من المبادرات الفعالة بمؤشرات الأداء وذلك بالتعاون مع أصحاب المصلحة والخبراء وفئات مختلفة من الموظفين.
  4. تحديد الموازنة ووضع آلية لقياس عائد الاستثمار على البيئة والمجتمع لعرضها على متخذي القرار وأعضاء مجلس الإدارة.
  5. وضع آليات لإدماج الموظفين تجاه التطوع بتلك المبادرات لزيادة عدد المشاركين وذلك من خلال تطوير أنظمة الحوافز المادية والمعنوية للمتطوعين.
  6. تنمية الكفاءات الخضراء للموظفين في ممارسات التنمية المستدامة والتطوع من خلال دورات التدريب والإرشاد والمتابعة.
  7. تنظيم خطة سير عمل للمتطوعين تتوافق مع أشغالهم وذلك بالتعاون مع رؤساء الإدارات والموظف المختص.

نماذج من مؤسسات إماراتية لمبادرات التنمية المستدامة

بما أن عام 2023 هو عام الاستدامة بدولة الإمارات العربية المتحدة تحت شعار “اليوم للغد”، فإننا ننتهز الفرصة لنعرض بعض النماذج والأمثلة من المؤسسات الإماراتية.

الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية: تمكين الموظفين بمهارات الاستدامة وتوعيتهم بأهم القضايا والتوجهات ومبادرات الدولة في مجالات الاستدامة البيئية والاقتصاد الأخضر لتشجيع الموظفين على تحقيق أهداف الاستدامة، وذلك من خلال إطلاق برامج تدريبية متخصصة. ويتكون محور الاستدامة لدى الهيئة من 6 مسارات رئيسية من ضمنها تصميم مستقبل مستدام، وترسيخ مبادئ الحياد المناخي لمستقبل مستدام، والاستدامة الرقمية، والاقتصاد الدائري المستدام.

الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ: توفير المباني الخضراء للموظفين مع شرح مسؤولياتهم تجاه المشاركة في المحافظة على كفاءة المبنى وكيفية العمل بانسجام مع المعايير البيئية المعتمدة. وتؤمن الإدارة بمبدأ “أنّ المباني الخضراء لن تظل خضراء إلا إذا تعاون شاغلوها ومشغّلوها معاً في استخدامها وصيانتها بالطريقة التي يجب أن تكون عليها”. ومن ضمن الفعاليات توعية الموظفين وتحفيزهم على عدم هدر المياه، إدارة النفايات شاملة المواد القابلة للتدوير والمواد التي يمكن أن تحوّل إلى سماد، المشاركة في أنشطة المحافظة على البيئة، تشجيع الموظفين على اقتراح خطط لتحفيز بيئة عمل خضراء، الاستخدام الأمثل للطاقة بطريقة موفرة مع تحقيق أقصى قدر من الأداء، وغيرها.

جمارك دبي: نظّمت فعاليات ومسابقات للموظفين في الابتكار والاستدامة تحت شعار “نبتكر معاً لمستقبل مستدام”، وعملت على تشجيع الموظفين على المشاركة بجائزة “المبتكر” لتحفيزهم على تطوير الابتكارات الجديدة. تمنح تلك المبادرات للموظفين مساحة للقيام بدور ابتكاري واستراتيجي تجاه استدامة المؤسسة، وتعطي للمؤسسة بنكاً من الأفكار.

إن دور الموارد البشرية ليس فقط قادراً على تغيير الموظفين والمؤسسات، ولكنه قادر على تغيير العالم بأكمله.