هل المسؤولية الاجتماعية فعلاً مؤثرة، أم أنها مجرد أداة تسويقية؟ يعكس هذا التساؤل العلاقة المعقدة بين المسؤولية الاجتماعية والعلاقات العامة، ففي الوقت الذي تعكس فيه المسؤولية الاجتماعية صورة إيجابية أكبر للمؤسسة أو الشركة؛ يكمُن التحدي في كيفية إيصال الجهود المسؤولة اجتماعياً للمستفيدين وأصحاب المصلحة.
زيادة الاهتمام بالتأثير المجتمعي
تُحوِل الشركات والمؤسسات تركيزها إلى القضايا البيئية والمجتمعية، إذ يرى 76% من الرؤساء التنفيذيين المشاركين في استطلاع إعادة تعريف نجاح الأعمال في عالم متغير (Redefining Business Success in a Changing World)، أن نجاح الأعمال التجارية يتعدى الربح المادي إلى إحداث التأثير المجتمعي.
وهنا يأتي دور العلاقات العامة للتأكد من أن العملاء وأصحاب المصلحة على دراية بالتزام المؤسسة أو الشركة وجهودها المجتمعية، ولكن لا يمكن لهذا أن يحدث إلا إذا جاءت استراتيجية العلاقات العامة بعد تنفيذ المبادرة المجتمعية، وترى خبيرة العلاقات العامة والإعلام سانجيتا والدرون (Sangeeta Waldron) في كتابها "الدليل العلمي للعلاقات العامة" (PR Knowledge Book) أن جوهر العلاقات العامة يكمُن في سرد القصص، فعندما تتحدث الشركة عن مبادراتها بدافع الشغف لإحداث تغيير حقيقي في المجتمع، ستزيد من ثقة العملاء وتعزز من سمعتها.
لماذا المسؤولية الاجتماعية مهمة في العلاقات العامة؟
تبني المسؤولية الاجتماعية قصصاً جيدة عن الشركة أو المؤسسة تُشكل مصدراً قوياً للعلاقات العامة الإيجابية، فالمسؤولية الاجتماعية في العلاقات العامة تعني الأنشطة التي تعمل على تلبية احتياجات الأفراد وتحقيق المنفعة المتبادلة بهدف حشد الدعم لأعمال المؤسسة أو الشركة والمساعدة في بناء الثقة حولها.
خلق صورة إيجابية
تمثل ممارسات المسؤولية الاجتماعية إحدى الوظائف الرئيسية لإدارة العلاقات العامة التي تسعى إلى بناء صورة إيجابية عن المؤسسة لدى جمهورها وتعزيز الشراكة المجتمعية لها، إذ يجب أن يسهم الدور الاتصالي للعلاقات العامة في إبراز المسؤولية الاجتماعية وبناء الصورة الذهنية لدى الجمهور.
أصبحت إدارة العلاقة مع الجمهور من أكثر التحديات التي تواجهها المؤسسات والشركات في ظل الأوضاع التنافسية ببيئة الأعمال، إذ يميل الأفراد إلى دعم المؤسسات والشركات المسؤولة اجتماعياً، ويرون أن ممارسات المسؤولية الاجتماعية وسيلة لتعزيز مشاركتهم في العطاء، وتوصلت دراسة أجرتها شركة الاستشارات نيلسن (Nielsen)، إلى أن 55% من المستهلكين على استعداد لدفع المزيد مقابل المنتجات من الشركات المسؤولة اجتماعياً.
ليس فقط المستهلكين من يتطلعون إلى دور أكبر للشركات في جعل العالم مكاناً أفضل، ولكن أيضاً الموظفين، إذ وجد استطلاع اتجاهات الوظائف والتوظيف التي ستراها في عام 2020 وما بعده (The Job & Hiring Trending You'll See in 2020 & Beyond) أجراه موقع غلاسدور (Glassdoor) للتوظيف عام 2019، أن 75% من الموظفين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً يتوقعون أن يتخذ أصحاب العمل موقفاً بشأن القضايا المهمة.
مع تزايد اهتمام الأفراد بدور الشركات والمؤسسات في دفع التغيير الاجتماعي والبيئي إلى الأمام ومعالجة قضايا العدالة الاجتماعية المهمة، يجب أن تبنى استراتيجيات العلاقات العامة على المصداقية وآلية تواصل واضحة من أجل تحقيق أقصى درجات الرضا للعملاء.
تعميق الوعي بأهمية تنمية المجتمع
عندما تعمل العلاقات العامة كأداة لنشر ممارسات المسؤولية الاجتماعية بين الأفراد وحثهم على المشاركة فيها، فإنها تساعد في تعميق الوعي بأهمية تنمية المجتمع، ويبرز دور المسؤولية الاجتماعية في هذا الإطار من خلال نشر المعلومات حول إنجازات التنمية التي تحققها الشركات والمؤسسات والمجتمعات المحلية لتستفيد من خلاصة تجربتها شركات ومؤسسات ومجتمعات محلية أخرى.
يجب أن توفر العلاقات العامة الأساليب العلمية والعملية لممارسات المسؤولية الاجتماعية من خلال تحويل أفكارها إلى خطط وبرامج وسياسات قابلة للتنفيذ والقياس، وإلهام عدد أكبر من الأفراد للمساهمة والمشاركة فيها، وتقدم شركة الهلال للمشاريع مثالاً جيداً عن أهمية المسؤولية الاجتماعية في العلاقات العامة ودورها في تنمية المجتمع، وليس فقط بناء الثقة والسمعة وتعزيز الأرباح.
تعد العلاقات العامة عملية اتصال استراتيجية تبني علاقات متبادلة المنفعة بين المؤسسات والأفراد، وكلما كانت استراتيجية التواصل فعّالة؛ زاد دور العلاقات العامة في تقديم صورة واضحة عن الرأي العام السائد، والوصول إلى أصحاب القرار والتأثير في سياساتهم لتحسين المجتمع وتنميته.
الوصول لشرائح أوسع
يتعزز الدور الاجتماعي للعلاقات العامة من خلال توظيف التكنولوجيا وقنوات الاتصال الحديثة بهدف الوصول إلى عدد أكبر من الأفراد وتوسيع نطاق معرفتهم بالقضايا المجتمعية، وكلما ارتفع مستواهم المعرفي؛ زادت مطالبتهم الشركات والمؤسسات باتباع ممارسات المسؤولية الاجتماعية بهدف تحسين المجتمع.
على الرغم من أهمية المسؤولية الاجتماعية في العلاقات العامة، فإن هناك بعض القصور في تعزيز مفهوم المسؤولية الاجتماعية والإسهام في تطبيقها من خلال العلاقات العامة، سواء من خلال بناء ثقافة مؤسسية قائمة على المسؤولية الاجتماعية وحث الموظفين على تقديم مشروعات وبرامج مبتكرة وخلاقة، أو عبر تطبيق التواصل الاستراتيجي الفعّال لعكس الإنجازات في مجال المسؤولية الاجتماعية.