تقدم مؤسسة غير ربحية في مراحلها المبكرة في كوريا الجنوبية 5 دروس حول أهمية تأسيس الحوكمة الرشيدة منذ البداية وطرائق تكييف ممارساتها في أثناء نمو المؤسسة.
في الأعوام الأخيرة، ازداد الاهتمام في كوريا بمؤسسات قطاع التأثير الاجتماعي غير الربحية التي ما زالت في مراحلها المبكرة، والمؤسسات التي تحشد الدعم المالي والمؤسسي في تزايد مستمر. خذ مثلاً مؤسسة برايان إمباكت فاونديشن (Brian Impact Foundation) الخيرية التي تركز على التمويل الخيري الضخم (تمويل المؤسسة غير الربحية الواحدة بمبلغ لا يقل عن 10 ملايين دولار)، إذ تبرعت في بداية عام 2023 بمبلغ يصل مجموعه إلى 12.6 مليار وون (يعادل 9.7 ملايين دولار) لصالح 15 مؤسسة غير ربحية ضمن مشروعها إمباكت غراوند بروجكت (Impact Ground Project). شكّلت المؤسسات غير الربحية في مراحلها المبكرة جزءاً من المؤسسات المستفيدة، وحصلت على نسبة 66.7 من التبرعات. كما بدأت المؤسسة الخيرية تنفيذ برنامج لتطوير قدرات المؤسسات غير الربحية بالتعاون مع مؤسسة الدعم الوسيط، روت إمباكت (Root Impact).
يعتمد نجاح هذه المؤسسات غير الربحية الناشئة -أي قدرتها على إنجاز مهمتها- على كثير من العوامل، وتعدّ الحوكمة الرشيدة من أهمها. تسلط ظاهرة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) العالمية الضوء على مسألة مهمَلة منذ زمن طويل في مجال إدارة الشركات في كوريا، ويجب أن ندرس المؤسسات غير الربحية من المنظور نفسه. سيؤدي تأسيس ممارسات تضمن مساءلة المؤسسين ومسؤولي الإدارة التنفيذية العليا وأعضاء مجلس الإدارة المسؤولية إلى الوقاية من صنع القرارات القائمة على التفضيلات الشخصية وضمان بقاء المهمة الاجتماعية على رأس أولويات المؤسسة، وسيكون ذلك قائماً على فكرة أن نجاح المؤسسات غير الربحية في إنجاز مهماتها يؤدي إلى حصولها على دعم أكبر وتحقيقها أثراً أكبر في قطاع التأثير الاجتماعي والمجتمع على حدّ سواء.
لكن من الصعوبة بمكان وضع حدّ للممارسات الإدارية غير المسؤولة والعمليات التي تفتقر إلى الشفافية، لا سيما في أثناء نمو المؤسسات، وهذه إحدى المشكلات الكبرى التي واجهت القطاع غير الربحي الكوري سابقاً. في هذا الصدد، تشكّل المؤسسة غير الربحية التي تركز في عملها على التعليم، جامب كوربوريشن (Jump Corporation)، مثالاً واقعياً على قدرة المؤسسات غير الربحية في مراحلها المبكرة على وضع ممارسات الحوكمة الفعالة وتطويرها مع مرور الوقت، وقد أجرت منذ تأسيسها في عام 2011 عدة تجارب على عدد من نهُج الحوكمة وتمكنت من تحديد مجموعة من الرؤى التي تمكّن المؤسسات غير الربحية الجديدة الأخرى من العمل لتحقيق مهماتها على نحو فعال يراعي القيم الأخلاقية، إلى جانب قيمة التجريب.
النهج التجريبي
تمثلت مهمة مؤسسة جامب في إنشاء "مجتمع يستفيد جميع أفراده من فرص التعلم"، مع التركيز على توسيع فرص التعليم لليافعين أبناء الفئات المحرومة في جميع أنحاء كوريا. تستخدم المؤسسة "نموذج التوجيه الثلاثي" الذي يضمن الفائدة المتبادلة بين 3 فئات مختلفة: يساعد المتطوعون من طلاب الجامعات اليافعين من طلاب المدارس في دروسهم؛ ويقدم المهنيون الإرشاد لليافعين ويمثلون نماذج للقدوة يحتذون بها، ويقدمون النصائح المهنية لطلاب الجامعات؛ ويستفيد اليافعون مما سبق ويحرزون تقدماً في تعليمهم ويشكلون في الوقت نفسه تجربة مجزية لطلاب الجامعات والمهنيين. ينشئ البرنامج نظاماً يضمن أن يستفيد الجميع من التعلم والمشاركة، وحصل هذا النموذج على مكافأة بقيمة 250 مليون وون (تعادل 200 ألف دولار) في برنامج إمباكت تشالنج الذي نفذته شركة جوجل في كوريا عام 2016.
كان هذا النموذج أساساً لعدد من برامج مؤسسة جامب، ومنها برنامج آتش-جامب سكول (H-Jump School) الذي طورته عام 2013 بالتشارك مع مجموعة هيونداي موتور (Hyundai Motor Group)، وعمل 1,932 متطوعاً من الطلاب الجامعيين في هذا البرنامج حتى اليوم على تدريس 6,604 يافع من طلاب المدارس في 398 مركزاً محلياً للتعلم في البلاد، ليبلغ مجموع وقت التعلم ما يعادل 1,566,382 ساعة.
أجريت دراسة استقصائية في عام 2019 على المشاركين في البرنامج، وتوصلت إلى أن 66.7% من اليافعين زادوا عدد ساعات الدراسة و63.8% منهم حصلوا على درجات أفضل في اختباراتهم، كما شعر 69.1% منهم بتقدير أقوى لذواتهم و72.9% منهم بكفاءة ذاتية أكبر، في حين أشار الطلاب الجامعيون والمهنيون إلى أن البرنامج عزز مهاراتهم الشخصية ومكّنهم من فهم وجهات نظر أجيال متعددة.
كانت تجارب مؤسسة جامب الناجحة على هيكلية الحوكمة وجهود تطويرها على مدى العقد الماضي أساسية في نجاح المؤسسة، إذ تمكنت من إنجاز مهمتها من خلال تكييف ممارسات الحوكمة في أثناء نمو المؤسسة التدريجي وتبني وجهات النظر المختلفة واتباع طرق التعاون المدروسة ودعم تغيير القيادة والتزام الشفافية في العمل. فلنلقِ نظرة أدق على هذه الدروس الخمسة.
1. تكييف هيكلية الحوكمة في أثناء نمو المؤسسة
يجب أن تعمل المؤسسات غير الربحية على تكييف هيكلية الحوكمة فيها كي تلائم كل مرحلة من مراحل التطور التي تمر بها؛ فالهيكلية التي تناسب المؤسسة عند إنشائها لن تناسبها في مراحل تطورها اللاحقة لأنه ببساطة ليس منطقياً أن يتمكن شخص أو اثنان من صناعة قرارات مستنيرة بشأن كل جانب من العمليات التي تزداد تعقيداً في المؤسسة، وسيؤدي السماح لعدد أكبر من الأفراد بالمشاركة في عملية صناعة القرار مع مرور الوقت بناءً على خبراتهم وصلتهم بالعمل المعني مع تحسين عمليات التواصل بينهم إلى زيادة الفعالية وتعزيز النمو.
في عام 2011، أسس 7 طلاب كوريون في جامعة هارفارد مؤسسة جامب بهدف مشترك يتمثل في توسيع فرص التعليم لليافعين أبناء الفئات المحرومة، ووجهوا تركيزهم إلى حل المشكلات وانضموا جميعهم في نهاية المطاف إلى مجلس الإدارة. ركز مجلس الإدارة في البداية على الجوانب العملية لا الرسمية، فتواصل الأعضاء فيما بينهم بطرق غير رسمية بناءً على الضرورات الظرفية من دون أي قيود فيما يتعلق بالوقت أو المكان، وكانت مشاركتهم في المسائل اليومية مكثفة.
تطورت المؤسسة واستقرت، وفي عام 2013 عين مجلس الإدارة رئيساً تنفيذياً للعمليات بدوام كامل للمساعدة في إدارة عمليات المؤسسة، ولكن هذه الاستراتيجية لم تدم طويلاً؛ فمطالب الوظيفة الكبيرة وأعباء العمل بالطاقة الكاملة طوال اليوم أدت إلى مغادرة رئيس العمليات في عام 2015.
قرر أعضاء مجلس الإدارة تجربة نهج جديد: بدلاً من أن يشرفوا بأنفسهم على العمليات اليومية وقرارات الأعمال المتصلة بها، أوكلوا المهمتين إلى موظفي المؤسسة في عام 2016 وحصروا مشاركة مجلس الإدارة في القرارات الأهم وأنشطة وضع السياسات. وبعد نقل المسؤولية إلى الموظفين بالتدريج أصبحت الحوكمة منهجية وعملية أكثر، ويتجلى ذلك في اجتماعات مجلس الإدارة الفصلية.
انضم الرئيس التنفيذي للعمليات، تشورونغ يون، الذي انضم إلى المؤسسة في عام 2014 ويشغل دور مدير برنامج آتش-جامب سكول (H-Jump School)، ثم ارتقى إلى منصب مدير التشغيل في عام 2016، يصف العملية موضحاً: "شهدنا في مؤسسة جامب تآزراً في العمل بين أعضاء مجلس الإدارة والموظفين، وأدى إلى مستوى عالٍ من الفعالية في عملية صنع القرار وتنفيذ الأعمال لأن كلاً منهم أدى دوره بوضوح. مثلاً، اكتسب الموظفون المعارف العملية والقدرات اللازمة لوضع الخطط والمشاريع وإعداد عروض المنح الكبرى من دون الاعتماد بدرجة كبيرة على مجلس الإدارة، واكتسب أعضاء مجلس الإدارة مجالاً أكبر للنظر في خطة عمل المؤسسة البعيدة الأمد".
يعزو يون عدداً من إنجازات المؤسسة إلى هذه النقلة، ومنها الفوز بمنحتين، إحداهما بقيمة 200 مليون وون (تعادل نحو 154 ألف دولار) من صندوق أيه في بي إن للتحول الرقمي (AVPN Digital Transformation Fund) والأخرى بقيمة مليار وون (تعادل نحو 770 ألف دولار) من مشروع إمبكات غراوند بروجكت. كما أطلقت مؤسسة جامب مشروعاً تجريبياً جديداً بالتشارك مع برنامج إيديو كوربس (Edu-Corps) الذي تنفذه مجموعة متطوعين غير حكوميين من وكالة التعاون الدولي الكورية (KOICA) في كل من الفلبين وكمبوديا وتيمور الشرقية، إذ ترسل في هذا المشروع متطوعين كوريين للتعاون مع الشباب المحليين من أجل حلّ المشكلات التعليمية والاجتماعية في مجتمعاتهم. يقول يون: "هذه هي النتائج الإيجابية لنقل المسؤوليات بسلاسة بين مجلس الإدارة والموظفين".
2. الحرص على التنوع في مجلس الإدارة
نُشر في مجلة ستانفورد للابتكار الاجتماعي مقال بعنوان "خطة توجيهية لإنشاء مجالس إدارة أفضل" (A Roadmap to Better Boards)، من تأليف مديرة برنامج قيادة مجالس الإدارة غير الربحي دايركت إمباكت (Direct Impact)، كيت هايز، قالت فيه: "ثمة علاقة سببية تربط التنوع بازدياد قدرة الفِرق على الابتكار والإبداع وحل المشكلات وارتفاع مستوى أدائها عموماً. وإذا أردنا تعزيز قدرة قطاع الخدمة الاجتماعية على توليد أثر حقيقي فالتنوع في مجالس إدارة المؤسسات غير الربحية لن يكون إضافة لطيفة فحسب بل شرطاً أساسياً". تضم مجالس الإدارة المتنوعة أشخاصاً يشاركون في عمل المؤسسة بصورة مباشرة ويستطيعون بخبراتهم ومعارفهم المؤسسية الكبيرة مساعدة مجلس الإدارة على تفادي التحيز وصنع قرارات مستنيرة ووضع استراتيجيات طويلة الأمد تتوافق مع مهمة المؤسسة.
كان مجلس الإدارة الافتتاحي يضم 3 نساء و4 رجال يملكون خبرات في مجالات تشمل الاستشارات وتكنولوجيات الإنترنت والإعلام ومسؤولية الشركات الاجتماعية، وكانوا جميعهم يبدون اهتماماً شديداً برأب فجوة التعليم في كوريا بغض النظر عن ثرواتهم الاجتماعية الاقتصادية الشخصية. وبعد عدة أعوام من العمل بناءً على النموذج الثلاثي، شكّلت جائزة مشروع جوجل إمباكت تشالنج، التي حصلت عليها المؤسسة عام 2016، قوة دفع لمجلس الإدارة فبدأ أعضاؤه يعملون على زيادة التنوع فيه، ليس لأنه يعاني نقصاً في التنوع بل لاختبار أثر هذا التنوع في تجنب التحيز المحتمل وتعزيز عملية صنع القرار في المستقبل.
أضافت المؤسسة دورين إلى مجلس إدارتها، أحدهما "خريج جامعي" يمثل طلاب الجامعات والآخر "مرشد" يمثل المهنيين، وأجرى المجلس عملية تعيين مفتوحة اختار من خلالها شخصين قادرين على إيصال مخاوف الفئتين اللتين يمثلانهما إلى المجلس والمشاركة بفعالية في وضع السياسات. وفي عام 2018، انضم عضو موظف إلى المجلس ليمثل موظفي المؤسسة، وتم تعيينه بناءً على رأي الموظفين، إذ اختاروا بعض المرشحين ثم اختاروا الشخص الأنسب للدور بالتصويت.
يساعد ممثلو المتطوعين والمهنيين والموظفين في المجلس على ضمان الأخذ بوجهات نظر الفئات المختلفة ومراعاة احتياجات المستفيدين الأساسيين في عمليات صنع القرار.
3. بناء مجتمع يشارك المؤسسة في عقليتها الأساسية
يتأثر نجاح المؤسسة غير الربحية الصغيرة في مراحلها المبكرة بمشاركة كل فرد فيها، وإذا تبنى جميع أفراد المؤسسة عقليتها الأساسية فسيتمكنون من تنفيذ مهمتها بكفاءة وتناغم، في حين سيؤدي اختلاف فهم كلٍّ منهم لوجهة المؤسسة وما تسعى لتحقيقه إلى هدر الوقت والموارد وثني المشاركين المحتملين عن المشاركة.
وأفراد مجتمع مؤسسة جامب الذين يفهمون مهمتها ورؤيتها بوضوح هم فقط المؤهلون للمشاركة في عملية صنع القرار، والطلاب الجامعيون السابقون والمهنيون والموظفون الذين يتبنون عقليتها الأساسية قادرون على التقدم للانضمام إلى مجلس الإدارة عن طريق عملية التعيين المفتوحة التي يعتمدها، هذا ما يسميه الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك في مؤسسة جامب، يويون يي: "الانفتاح ضمن مجتمع مغلق".
أسست مؤسسة جامب هذه السياسة في عام 2014 ولكنها واجهت بعض التحديات، وحين واجهت المؤسسة صعوبات تشغيلية ومالية في الأعوام التالية دعا بعض أعضاء مجلس الإدارة إلى إدخال بعض الشخصيات البارزة من خارج المؤسسة لتقدم حلولاً عملية وسريعة. وفي عام 2016 اقترح الرئيس التنفيذي لشركة متوسطة الحجم أن ينضم إلى مجلس الإدارة بمقابل أن تتبرع مؤسسة جامب لشركته بمبلغ ضخم.
رفض مجلس الإدارة هذا العرض خشية ألا تتوافق مصالح المؤسستين وقيمهما، وبدأ البحث عن مشاريع وفرص جديدة للتمويل، وتمتعت مؤسسة جامب في نهاية المطاف بالأمن المالي بفضل مِنح التمويل وتجديد العقود الطويلة الأمد مع أهم الشركات الممولة، وفي هذه الأثناء تعرّفت على قيمة تعزيز النمو النوعي الذي يجسد مهمة المؤسسة ورؤيتها بدلاً من التوسع الكمي.
يتبنى الموظفون أيضاً عقلية مؤسسة جامب الأساسية: اعترافاً بقيمة المؤسسة وتأثيرها الاجتماعيَين تم ترشيحها في عام 2017 للحصول على مِنحة برنامج سوشال بروغرس كريدت (Social Progress Credit) الذي يُنفّذ بقيادة مركز دراسات تعزيز القيمة الاجتماعية (CSES) ويقدم حوافز نقدية للمؤسسات التي خلقت أثراً اجتماعياً. في حين كان بالإمكان توزيع المبلغ بأكمله على الموظفين على شكل علاوات، فقد اقترحوا تطوعاً ادخار نصفه لتلبية حاجة المؤسسة إلى المال في المستقبل. وافق مجلس الإدارة على قرار الموظفين الجماعي هذا بعد عام كامل من النقاشات، إذ إنه مثير للجدل إلى حدّ ما بالنسبة لمؤسسة غير ربحية في كوريا، ولكنه أمّن بالفعل المال الذي احتاجت إليه المؤسسة في عام 2022 لبناء المركز المجتمعي في حي سونغجيونغ دونغ (Songjeong-Dong) الذي ستستضيف فيه عدة برامج تعليمية ثقافية موجهة للسكان المحليين وتتيح مكاناً لمالكي الشركات الصغيرة في المجتمع المحلي.
بهذه الطرق تمكنت مؤسسة جامب من تحقيق نمو مطّرد تدريجي بمساعدة مجتمعها الذي يتألف من أفراد يتبنون عقلية مشتركة. كما أن متطوعي المؤسسة من الطلاب الجامعيين، وعددهم 1,932، والمهنيين ذوي الخبرة، وعددهم 540، والموظفين المسؤولين فيها، وعددهم 34، يمثلون جيل القادة التالي ويشكلون أساساً متيناً للحوكمة المستدامة.
4. تجديد القيادة بصورة منتظمة
تمر المؤسسات غير الربحية بدورة حياة مثل جميع المؤسسات الأخرى، ولكل مرحلة من مراحل هذه الدورة أسلوب قيادي يلائمها، بدءاً من الافتتاح فالنمو وصولاً إلى النضج. للأسف، لا يهتم كثير من المؤسسات غير الربحية بتغيير أساليب القيادة لتلبية متطلبات المرحلة التي تمر بها، على الرغم من أن ذلك له أثر كبير في استمراريتها. وأحد أكثر الأمثلة شيوعاً هو متلازمة المؤسِس (founder’s syndrome) التي تتمثل في بقاء ممثل واحد في الإدارة على المدى الطويل، مع رفضه تفويض السلطة إلى أحد غيره وتعلم مهارات جديدة وتغيير طرق تفكيره، وبالتالي يعرقل نموّ المؤسسة أو يسبب انهيارها بالكامل.
سينتقل الرئيس التنفيذي المؤسس في مؤسسة جامب، يي، من منصبه على الأرجح في عام 2023، وفي حين يندر أن تغير المؤسسة قائدها في أثناء مرحلة النمو، فهذا القرار ينبع من أسباب وجيهة تتمثل في منع ظهور متلازمة المؤسس ودعم المساءلة وإطالة عمر المؤسسة. في عام 2019 شارك يي خطة انتقاله مع مجلس الإدارة والموظفين، ومنذئذ وهو يستعدّ لتمكين خليفته من قيادة المؤسسة بكفاءة في المرحلة التالية من دورة حياتها.
5. بناء ثقافة مؤسسية تتسم بالشفافية
سيتمكن أفراد المؤسسة من التواصل بفعالية أكبر إذا كانوا جميعهم متفاهمين ومتوافقين، كما تساعد ثقافة الشفافية في ضمان ألا تؤثر مصالح صناع القرار الشخصية في السياسات والقرارات المهمة الأخرى.
وبما أن يي شهد زوال بعض المؤسسات غير الربحية بسبب سعي بعض الأفراد لتحقيق المنفعة الذاتية وافتقار المعلومات إلى الشفافية، قرر حين تسلم منصب الرئيس التنفيذي في عام 2011 أن يرفع خطة العمل والمعلومات المتعلقة بالقرارات التي تتخذ على مستوى مجلس الإدارة وتفاصيل العمليات إلى ملف مشترك على الإنترنت متاح لجميع الموظفين في أي وقت. سمحت إمكانية الوصول إلى هذه المعلومات للموظفين بفهم المؤسسة ومهمتها الاجتماعية بصورة أوضح، ما أدى في نهاية المطاف إلى منحهم القدرة على العمل على تحقيق غايتها بفعالية أكبر، إذ يمكن لجميع أفراد الفريق تقديم معلومات من المستوى نفسه للعملاء مثلاً، كما ساعدت مشاركة المعلومات عبر الإنترنت في تقليل مدة الاجتماعات الأسبوعية.
تفكر مؤسسة جامب حالياً في أساليب التواصل مع الموظفين بفعالية وكفاءة أعلى حول الكم الهائل من المعلومات التي جمعتها مع مرور الوقت. يقول يي: "تشكل شفافية المعلومات شبكة أمان مؤسسية لعملية صناعة القرار".
نموذج الحوكمة الرشيدة
تسلط تجربة مؤسسة جامب في التعامل مع التغيير المؤسسي الضوء على أهمية الحوكمة الرشيدة، وكان لانفتاح المؤسسة على تجربة أساليب جديدة، مثل السماح للموظفين بالاطلاع على معلومات على مستوى القيادة وتغيير مسؤوليات مجلس الإدارة والموظفين مع مرور الوقت، دور مهم في النجاح الذي حققته حتى الآن. في حين قد لا تنطبق هذه الدروس بصورة مباشرة على جميع المؤسسات غير الربحية التي ما زالت في مراحلها المبكرة، فمؤسسة جامب تشكل نموذجاً تحتذي به المؤسسات غير الربحية الأخرى داخل قطاع التأثير الاجتماعي الكوري وخارجه فيما يتعلق بالطرق التي تتيح للمؤسسات ذات التوجه الاجتماعي تطوير نفسها مع الإخلاص في عملها لتحقيق مهمتها في آن معاً.
ترجم هذا المقال إلى الإنجليزية كل من يوجين آن وبومجين بارك ونيكولاس تيني، وحرره كل من سيجن جو وكاثي كيم بإشراف كل من دونيونغ لي ويان شين.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.