تشكل منظمات المجتمع المدني اليوم مصدراً مهماً للمعلومات لكل من المواطنين والحكومة، وتقدم سياسات بديلة للحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الأخرى، وتمثل أداة لتغيير الأعراف والسلوكيات الاجتماعية ودعمها. وقد توسع نطاقها وبات أكثر حيوية ليضم المنظمات غير الحكومية، والجمعيات المهنية، ومراكز البحوث، والمنظمات المجتمعية والشعبية، والنقابات العمالية.
مفهوم المجتمع المدني حديث نسبياً، ويعرف بأنه أحد الأدوات الفعالة في تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع لتحقق مصالح أفرادها أو منافع جماعية، ملتزمةً في ذلك بمعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السليمة للتنوع والاختلاف.
وتختلف أدوار منظمات المجتمع المدني حسب أنواعها وتبعاً لتغيُر الظروف المحيطة بعملها، ليظهر تركيز متجدد على المساهمة الأساسية للمجتمع المدني في نظام عالمي مرن إلى جانب الحكومة والقطاع الخاص.
أنواع منظمات المجتمع المدني
يضم المجتمع المدني المنظمات غير الهادفة للربح والتطوعية المكونة من فاعلين في المجال الاجتماعي، وتشمل:
المنظمات غير الحكومية
على الرغم من عدم وجود تعريف متفق عليه عالمياً لمنظمة غير حكومية، فإنها تصنف على أنها مجموعة تطوعية من الأفراد أو المؤسسات مستقلة جزئياً أو كلياً عن الحكومات، وتركز على البرامج الإنسانية والبيئية والاقتصادية التي تسعى إلى تلبية احتياجات الفقراء وذوي الدخل المحدد، أو حماية البيئة، أو توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية، وتعمل هذه المنظمات على تحسين الظروف الاجتماعية والسياسية للمجتمع على نطاق واسع.
يمكن أن تتخذ المنظمات غير الحكومية أنواعاً مختلفة حسب مستوى التعاون؛ فهاك منظمة غير حكومية على مستوى المدينة، ومنظمات غير حكومية محلية، ومنظمات غير حكومية دولية مثل منظمة الأمم المتحدة.
الجمعيات المهنية
تحتاج القطاعات المختلفة إلى جهات تنظيمية لتعزز دورها في تنمية المجتمع، وبالتالي تعمل الجمعيات المهنية كهيئة عليا أو مظلة للمهنيين العاملين في نفس المجال أو مجالات مماثلة، مثل جمعية المهندسين الكويتية، وجمعية المحاسبين والمراجعين المصرية.
تتشكل هذه الجمعيات عادةً لضبط انضمام الأفراد إلى مهنة معينة والحفاظ على معاييرها، وتمثيليها في المناقشات مع الهيئات الأخرى، وبالتالي تعزز فرص التواصل بين الأعضاء وتمكنهم من التطور المهني والتعلم المستمر ومراقبة الجودة، ما ينعكس على الأفراد من خلال رفع مستوى الخدمات المقدمة إليهم.
ويمكن أن تكون الجمعيات المهنية محلية أو دولية، وتجمعها عادةً روابط وثيقة بالكليات والجامعات التي لديها برامج للحصول على درجات علمية في المجال التي تعمل عليه.
مراكز البحوث
يسرع البحث عجلة التقدم من خلال طرح الكثير من الأسئلة والانغماس في اكتشاف كل ما يمكن معرفته، وبالتالي تعمل مراكز البحوث مثل المركز المصري للدراسات الاقتصادية، كمؤسسات مستقلة عن الحكومة، وتقدم مجموعة من الخدمات للمؤسسات الحكومية والجامعات والجمعيات المهنية والشركات، تشمل جمع البيانات وتحليلها، بالإضافة إلى تصميم البرامج وتنفيذها وتقييمها.
تعد هذه المراكز أداة لبناء المعرفة وتسهيل التعلم؛ إذ تفيد في تطوير سياسة ما أو تقديم خدمة معينة ووضع التشريعات أو تغيير السلوك، وكذلك اتخاذ القرارات أو الإجراءات لحل المشكلات اليومية مثل تقييم فعالية السياسات.
منظمات المجتمع المحلي
تؤثر الأزمات بدرجة أكبر في الأفراد المعرضين للخطر والسكان المحرومين، ولمعالجة اعتبارات الإنصاف في الحصول على الخدمات؛ تبرز منظمات المجتمع المحلي كمجموعات محلية غير ربحية تقدم خدمات محددة للمجتمع أو السكان المستهدفين داخل المجتمع، مثل جمعيات المستأجرين، والمراكز الصحية المجتمعية، وبنوك الطعام.
تتمتع منظمات المجتمع المحلي بقدرتها على تعبئة المجتمعات من خلال التعبير عن المطالب وتنظيم العمليات التشاركية وتنفيذها والوصول إلى خدمات التنمية الخارجية.
النقابات العمالية
تنبع قوة المجتمعات من قواها العاملة، فعندما تتوفر بيئة عمل منصفة وجيدة، سيزيد الإنتاج وتزداد فرص حصول المحتاجين على مصدر رزق مستدام، وبالتالي تعمل النقابات العمالية التي تمثل مصلحة مجموعة محددة من العمال مثل المزارعين وعمال البناء على ضمان أجور عادلة وظروف عمل آمنة وجداول عمل وشروط التوظيف الأخرى.
بالنسبة للعاملين في القطاع الصناعي؛ قادت النقابات العمالية جهوداً لوقف عمالة الأطفال، ومنح مزايا صحية، وتقديم المساعدة للعمال المصابين والمتقاعدين، إذ يهدف هذا النوع من منظمات المجتمع المدني إلى جلب المزيد من القوة التفاوضية مع أصحاب العمل حول الزيادات اللائقة والرعاية الصحية بأسعار معقولة والأمن الوظيفي والجدول الزمني المستقر، لحفاظ حقوق الأفراد الذين لا يمتلكون المهارة الكافية لمناقشة شروط التوظيف المناسبة.
الجماعات الدينية
هي مؤسسات مخصصة لهويّات دينية محددة، مثل المساجد والكنائس، وتعتمد في أعمالها على إحساس المجتمعات الدينية بأن لديها واجباً أخلاقياً لمساعدة المحتاجين وتحسين الحالة الإنسانية، وقد تركز المنظمات الدينية على قضايا الأخلاق أكثر من المنظمات العلمانية، مثل قواعد الحياة الأسرية.
وبذلك، يستبعد المجتمع المدني من أركانه المؤسسات الاجتماعية الأولية، كالأسرة والعشيرة والقبيلة، وكذلك المؤسسات الحكومية، التي يمكن أن تجعله يحيد عن هدفه الأساسي المتمثل في رفع مستوى الوعي بقضايا المجتمع، وتقديم الخدمات لتلبية الاحتياجات التعليمية والصحية والغذائية، والمساعدة في إدارة الكوارث والاستجابة للطوارئ، وتعزيز المعارف والخبرات لضمان مشاركة المواطنين في وضع الاستراتيجيات وصنع القرار.
مع تعدُد أنواع منظمات المجتمع المدني وتوسع دورها في المجتمع؛ بات من الصعب تحديد حجم القطاع على مستوى العالم. لكن أحد الدراسات أظهرت أن المنظمات غير الحكومية في 40 دولة تمثل 2.2 تريليون دولار من إجمالي النفقات التشغيلية لهذه الدول، ووصف بعض الأكاديميون قطاع المجتمع المدني بـ "أرض التطوع" (Volunteer land) لأنه يوظف نحو 54 مليون عامل بدوام كامل.