كيف يبدأ التغيير؟ وما الطرق التي يمكن المغامرة بها لتحقيق الأفضل؟ هذه الأسئلة التي تدور في فلك الابتكار، ما يؤثر في الفرد والمجتمع في ظل التحديات التي تواجه العالم اليوم. فأفضل ابتكار هو الذي يحل المشكلات والقضايا الملحّة بطريقة مستدامة، لتتمثل نتائجه الأساسية في النمو الاقتصادي وزيادة الرفاهية وإمكانية الاتصال والاستدامة البيئية.
مفهوم الابتكار
أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي استحداثه. وبذلك يقوم الابتكار على أسس تتبنّى طرق تفكير مختلفة لإضافة قيمة إلى فكرة أو منتج موجود وإحداث تغييرات جوهرية في المجتمع. ربما يرتبط الأثر الأكبر للابتكار على الفرد والمجتمع بالتكنولوجيا، التي باتت جزءاً أساسياً في كل مناحي الحياة، فكانت القفزة من المجتمع الزراعي إلى المجتمع الصناعي ومجتمع المعلومات مدفوعة إلى حدٍ كبير بتطور العلوم، على سبيل المثال عزّز ظهور الكمبيوتر من إنتاجية الأفراد وقدراتهم على التعلّم والإبداع، وأسهم تحسُن مستوى الرعاية الصحية في إنقاذ حياة الكثير من المرضى، ورسخت التكنولوجيا أسلوباً جديداً لتواصل الأفراد مع بعضهم البعض.
الابتكار يُعيد تشكيل المجتمع
إن الابتكارات التي أحدثتها الثورة التكنولوجية تتقدم باستمرار بطريقة تفوق مخيلة الأفراد وحدود العالم المادي، إذ بات بالإمكان أتمتة المهام العادية باستخدام التشغيل الآلي للعمليات، بينما أصبح الذكاء الاصطناعي أداة مساندة في صناعات متنوعة مثل الطب والنقل والأزياء، وزاد استعداد المجتمع لاحتضان التكنولوجيا الجديدة والتكيف معها.
شكّلت الابتكارات العلمية والتكنولوجية أحد أهم عوامل التنمية والتقدم التي عززت القدرة على حل المشكلات ومواجهة التحديات، ويتضح أثرها على الفرد والمجتمع فيما يلي:
النمو الاقتصادي
يُمثل الابتكار من منظور اقتصادي الخروج بأفكار وتكنولوجيا جديدة تزيد من الإنتاجية وتولّد ناتجاً وقيمة أكبر بنفس المدخلات، وبحسب دراسة في جامعة ستانفورد، يُعد الابتكار مسؤولاً عن نحو 85% من إجمالي النمو الاقتصادي في العالم، ومن المتوقع تضاعُف حجم الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050 بسبب الابتكار والتحسينات التي تعتمد على التكنولوجيا.
يرسم التقدم التكنولوجي ملامح مستقبل أفضل للأفراد من خلال مساعدة قطاع الأعمال في تقديم خدمات ومنتجات تلبي احتياجاتهم، وتُقدر ماكنزي آند كومباني (McKinsey & Company) أن 84% من المدراء التنفيذيين يربطون نجاحهم المستقبلي بالابتكار، ويساعد الابتكار الأنشطة التجارية على التميز من خلال استكشاف طرق جديدة لحل مشكلات العملاء، ويرى 86% من مدراء تكنولوجيا المعلومات ومسؤولي البنوك المشاركين في استطلاع رؤية التكنولوجيا المصرفية لعام 2018، أن التكنولوجيا تزيد من مستوى التكامل بين الخدمات المالية والمتطلبات المتجددة للعملاء الأفراد.
يقود التقدم التكنولوجي وزيادة الإنتاجية إلى تغييرات كبيرة في الوظائف أيضاً، إذ توقع المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum)، أن يؤدي التطور السريع للآلات والخوارزميات في سوق العمل، إلى توفير أكثر من 130 وظيفة في عام 2022، ومع ذلك، قد يضع الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الروبوتات ملايين الوظائف على المحك، وبالتالي أصبح استقطاب القوى العاملة الماهرة مطلباً أساسياً لتحقيق الابتكار.
زيادة الرفاهية
يؤدي الابتكار إلى ارتفاع المستوى المعيشي للأفراد وبالتالي زيادة مستوى الرفاهية، وتوصلت مؤسسة بروكينغز (Brookings Institution) إلى أن متوسط الرضا عن الحياة يرتفع في البلدان التي يزيد فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، فيما أكدت دراسة بريطانية وجود صلة بين الابتكار والرفاهية الذاتية، ومع التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم؛ تحتاج الدول أن تكون سعيدة ومستدامة في آنٍ معاً، فأدْخل الابتكار مكونات اجتماعية أخرى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ووجدت البلدان النامية في التكنولوجيا الرقمية الجديدة والحلول المبتكرة فرصاً لمكافحة الفقر والجوع والمرض، مثل، منصة سبيتار في ليبيا التي تقدم الاستشارات الطبية عن بُعد للسكان من ذوي الدخل المحدود.
ولم يكن الابتكار بعيداً عن مشاكل التعليم، فعملت مؤسسة البحث عن أرضية مشتركة (Search for Common Ground) على دعم التعليم الخالي من العنف وبناء السلام في اليمن، عبر إشراك الطلاب وأولياء الأمور ووزارة التربية والتعليم في حوار لتعزيز التحول الثقافي نحو بيئة تعليمية سلمية.
في حين أن العديد من الأفكار تعد مبتكرة بسبب استخدامها لتكنولوجيا جديدة؛ يمكن أن تكون بعض الحلول متطورة لأنها تحيد عن الأعراف الاجتماعية، إذ طوّرت مشاريع الصحة المستدامة (Sustainable Health Enterprises. SHE) نموذجاً للأعمال الصغيرة تعمل من خلاله النساء على تصنيع الفوط الصحية من ألياف الموز غير المُكلفة وتوزيعها بأسعار معقولة، إضافة إلى جهود التثقيف الصحي العام لتجاوز وصمة العار المرتبطة بالطمث.
الاتصال وإمكانية الوصول
بين أفقر 20% من السكان حول العالم، تمتلك 7 أسر من أصل 10 هواتف محمولة، هذا يعني أن عدد الأشخاص الذين يمتلكون هواتف محمولة أكثر ممن تتوفر لهم خدمات الصرف الصحي أو المياه النظيفة، لكن على الرغم من وجود بعض العوائق أمام تبني التكنولوجيا مثل الدخل المنخفض؛ يمكن لعدد أكبر من الأشخاص الوصول إلى المعلومات وتحسين معرفتهم دون التأثر بوضعهم الاجتماعي والاقتصادي أو منطقتهم الديموغرافية، وبالتالي يمكن للابتكار التكنولوجي أن يساعد المناطق الريفية على الازدهار وأن تصبح أكثر استدامة.
الاستدامة البيئية
تتطلب القضايا البيئية، وعلى رأسها تغير المناخ، الكثير من العمل والحلول المبتكرة في المستقبل، لأن السياسات المُتبعة لا تكفي لإجراء تغيير بيئي مستدام بالسرعة الكافية، وعلى الرغم من أن الحلول التكنولوجية الجديدة الصديقة للبيئة، مثل المركبات ذاتية القيادة، ليست بالضرورة بدائل أكثر تنافسية للمركبات التي تعمل بالبنزين حتى الآن، إلا أنها ستوفر العديد من المزايا للمستقبل.