كانت الأجواء في مدينة مونتريال شتوية وشديدة البرودة في الثاني من مارس/آذار 2017، حوالي الساعة السادسة والنصف مساء، حيث وصلت درجة الحرارة إلى حوالي تسعةٍ وعشرين درجة تحت الصفر بمقياس سلسيوس. من الطبيعي ألّا يشعر جيمس بالرغبة في التواجد في الخارج، لكنه برفقة كيفن في الشاحنة أثناء تأديتهما لواجبات العمل؛ إنه مشهد مألوف لأنهما يجولان وسط المدينة بحثاً عن المشردين. من المؤسف أن التشرد لا يأخذ استراحة، حتى عندما يكون الجو شديد البرودة.ذهب الكثيرون تلك الليلة إلى «باطن الأرض»، ولجؤوا إلى محطات القطارات. لذلك، ركن جيمس وكيفن الشاحنة وتابعا البقية سيراً على الأقدام.
التقيا بجورج في محطة قطار بونافنتشر في تمام الساعة السابعة والخمسين دقيقة مساءً. وقفا ليتحدثا معه، حين قال جورج: «أتذكر عندما كنت في المدرسة، منذ 15 عاماً، وأعطاني المدرس كتاباً لم أكمله أبداً. لا زلت غاضباً من نفسي لهذا اليوم. كان اسم المؤلف إيلي، لكنني لا أتذكر الشهرة». أخرج كيفن كتاباً من صندوقه وقال: «إيلي ويزل؟ ربما يكون هذا الكتاب، أليس كذلك؟».
كل شيءٍ يتغير في تلك اللحظات، إذ يصبح النقاش المفتوح والمباشر والحقيقي والملموس ممكناً. إن ذاكرة الطفولة، ومتعة القراءة والاستكشاف، وفرحة التواصل غير المتوقع، جميعها مرتبطة ببعضها، وبهذا يتغير العالم للأفضل بطريقة واحدة وبسيطة.
يمثل هذا عمل منظمة «إيكزيكو»، حيث يقترن الابتكار الاجتماعي ليس فقط بالاندماج والمشاركة ولكن أيضاً بالشعر والفلسفة. تسعى المنظمة إلى إحداث مثل تلك اللقاءات، وتشجع الناس على قضاء الوقت في الاستماع وخلق مساحة خاصة، حيث يمكننا اكتشاف هويتنا والبحث عن إجابات معاً حول ما نعلمه وما نجهله في هذا العالم.
من أجل بناء مجتمع مرن وشامل ومبتَكِر، ستحتاج كندا إلى ضمان حصول جميع مواطنيها على فرص لتطوير المهارات الأساسية، وأماكن يمكن لأصواتهم أن تكون مسموعة فيها، والأدوات والمساحات اللازمة لإحداث التحول الاجتماعي. إلا أن أسباب الإقصاء بجميع أشكاله؛ الاجتماعي والثقافي والفكري، وأفضل الطرق لمكافحته، ليست مفهومة تماماً. لهذا السبب تسعى منظمتنا منذ عام 2006 إلى تحقيق هدفين؛ الإدماج الاجتماعي والتحرر الفكري، من أجل تعزيز المواطَنة الكاملة، واحترام كرامة الإنسان، والتنوع.
نحن نركز بصورة خاصة على إعطاء القيمة المستحقة لأصوات الشريحة المستبعَدة في المجالات العامة والمؤسسية والسياسية، ونأمل أن يحقق الآخرون الاستفادة من هذا النهج وهذه التجربة لصالح عملهم.
دعم الاندماج الثقافي والفكري لمحاربة الإقصاء
أولئك الفقراء والسكان الأصليون وغيرهم؛ الذين هم أكثر إقصاء في مجتمعاتنا، لا يعانون فقط على المستوى المادي وإقصاء المؤسسات لهم، لكنهم أيضاً مُهمَّشون ثقافياً وفكرياً؛ تحظى أصواتهم وأفكارهم بالقبول بشكل كامل في القليل من الأماكن. هذا النوع من الإقصاء هو المصدر والأثر، في آن واحد، لأشكال متعددة من التمييز.
لهذا السبب نرى أن تشجيع الإبداع الفني والفكري جزء مهم من التحول الاجتماعي الشامل والتحرر. نحن ندعم هذه العملية من خلال وسائل مختلفة، بما فيها «شاحنة الغذاء الفكري»؛ التي عبرت مونتريال لمدة خمس سنوات، لإيصال الكتب والمواد الفنية ولتعزيز النقاشات. ندير أيضاً ورش عمل لتحفيز التفكير النقدي في مراكز المشردين، وبرامج للفنانين المقيمين للتعاون على إنشاء أعمال فنية مع المواطنين في الشوارع، مثل اللوحات الجدارية وتصميم الرقصات والشِّعْر. ونواصل البحث حول الإقصاء والتهميش، حيث يكون المواطنون المُستبعَدون؛ أنفسهم، باحثين مشاركين، وليسوا مواضيع مطروحة. كما عملنا على إنشاء ثلاثة مختبرات للابتكار الاجتماعي، وهي: مختبر الثقافة الشاملة، ومختبر المعرفة الشاملة، ومختبر الحديث الشامل. أخيراً، ندير برنامجاً يُسمّى «ليبر-لايبراري» (Libre-library)؛ يوفر شبكة من المكتبات الدائمة والصغيرة المتنقلة لمئات الأشخاص الذين يعانون من التشرد. عام 2017، استضافت المراكز والملاجئ في مونتريال برنامجنا هذا لمدة 14 يوماً، ذلك من أجل تعزيز إمكانية الوصول للمعرفة وخلق الإبداع المشترك. بالإضافة إلى هذا، فإننا ندير مكتبتين متنقلتين، وهما: «ببليوسايكليت» (Bibliocyclette) و«أي دي أكشن فان» (idAction Van).
بناء الشمولية من خلال المشاركة المدنية
كما جرى التأكيد في سياسة التنمية الاجتماعية لمدينة مونتريال لعام 2017، تدرك معظم المؤسسات في مجتمعنا أنها بحاجة إلى تغيير إجراءاتها لتصبح أكثر شمولاً. لكننا نتساءل: كيف نعتني بالاحتياجات الخاصة لمن يعانون من الإقصاء الاجتماعي والتهميش إذا فشلنا في العمل مع جميع المواطنين؟ تساعد منظمة «إيكزيكو» المؤسسات من مختلف القطاعات لمعالجة هذه المشكلة، وتهدف إلى المساهمة في إحداث التغيير الاجتماعي بطريقة أكثر استهدافاً، وننشر أنشطتنا للوصول إلى المواطنين الذين يعانون من هذا النوع من الإقصاء، ولكن أيضاً لجذب انتباه المواطنين غير المُهمَّشين والمؤسسات الثقافية والكيانات السياسية. حتى عام 2018، عملت المنظمة مع أكثر من 400 شريك وجهة متعاونة تشاركها هذا الهدف.
نرى أن أنشطتنا وأبحاثنا ذات صلة في عصر العولمة على نحو خاص، حيث تزداد القضايا تعقيداً، ويشعر العديد من المواطنين بأنهم مُستبعَدون من الحوار السياسي والاجتماعي، حتى عندما يكون التأثير يلامسهم بصورة مباشرة. تكشف تجربتنا الميدانية أن أفراد المجتمعات المُهمَّشة يشعرون بشدة بهذا الإقصاء من ذلك الحوار، ويفتقر مجتمعنا حالياً ليس فقط إلى مساحة تمكّن المواطن من التعبير، بل أيضاً إلى نظام تعليمي يوفر لنا المهارات الأساسية التي تسمح برؤية أنفسنا كجهات فاعلة في إحداث التغيير.
قد يكون الفن والثقافة والفلسفة نواقل مهمة لإحداث التغيير الجذري، ولكن ليس من دون وجود بيئة تشارك المعرفة الصادقة. لذلك، يجب أن يصبح التثقيف المدني بعيد الأثر جزءاً من الحل أيضاً. لهذا السبب، تعتمد برامج منظمة «إيكزيكو» جميعها على المعرفة النقدية والثقافية والتعاون والتحليل الاجتماعي والقدرة على الإبداع والابتكار. إذا أردنا خلق عالم أكثر ترحيباً بالجميع، ينبغي تغيير الأعراف الاجتماعية التي تحكمه بعمق، وإعادة النظر إلى العالم من خلال إعادة تنظيم ما نعرفه عنه، والتفكير بما يتجاوز معرفتنا.
يدعم التسلسل الهرمي نهج تحديد الأدوار مسبقاً، لذلك ينبغي مواجهته بصورة مباشرة. ويجب أن نستعيد سحر العالم من خلال إعادة استثمار قدراتنا، لإدرك إمكانية وجود مجتمع نشعر فيه جميعاً بالراحة لكوننا متعلمين، مجتمع لا توجد فيه مفاهيم مسبقة لمَن يجب أن يكون المعلم ومن هو الطالب، وحيث لا يخاف الناس من فقدان سُلطتهم عندما يُقدّم الآخرون عملاً جيداً؛ هذا كله ينبغي أن يكون ضمن إطار التنوع.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.