تنعكس الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الدول العربية سلباً على فئة الشباب، فيقعون ضحية للفقر والبطالة والتهميش، الأمر الذي يتطلب توحيد الجهود وإيجاد حلول مجتمعية مبتكرة للحد من هذه المخاطر الجوهرية، واستعادة الشباب لدورهم في التطور الاقتصادي وتمكينهم من المساهمة الإيجابية في تنمية مجتمعاتهم.
وخلال العامين الماصيين، وسّعت جائحة "كوفيد-19" دائرة البطالة بين الشباب؛ إذ توقع "صندوق النقد العربي" في تقريره الصادر عام 2020 بعنوان: "تقييم فقدان الوظائف بسبب جائحة كورونا وتقدير الحد الأدنى المطلوب من النمو الاقتصادي لخلق الوظائف في أسواق العمل العربية" فقدان ما لا يقل عن 6 ملايين وظيفة في الدول العربية بسبب الجائحة. وذلك بعدما رجّح تقرير "وقائع وآفاق في المنطقة العربية: مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية"، الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" لعامي 2019-2020، ارتفاع نسبة البطالة في المنطقة العربية إلى 12.5% أعلاها في فلسطين بنسبة 31%، ثم ليبيا 22%، ثم تونس والأردن بنسبة بلغت 21%.
هذا الواقع ساهم في تزايد الاتجاه نحو العمل المرن: الجزئي، أو عن بعد، خاصة في ظل تضييق الخناق على الاقتصاد العالمي بسبب الإغلاقات المرتبطة بـ"كوفيد-19"؛ حيث أظهر استبيان العمل عن بعد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي أجراه موقع التوظيف "بيت.كوم" عام 2020، أن 74% من المهنيين يفضلون الوظائف التي تتيح لهم العمل عن بعد، وتوقع 90% من المجيبين ازدياد فرص العمل عن بُعد خلال السنوات القليلة القادمة، وبحسب 89% من المشاركين في الاستبيان؛ ستبدأ شركات المنطقة بتفضيل الموظفين الذين يمكنهم أداء مهامهم عن بعد.
من هنا، ظهرت المبادرات التي توظف التكنولوجيا من أجل توفير فرص العمل للشباب وحتى تدريبهم لسوق العمل وتأهيلهم لمواكبة متغيراته باستمرار، وفيما يلي 7 مبادرات تسهل إيجاد فرص عمل للشباب العربي:
1- منصة دوامي
تعد "دوامي" المنصة الإلكترونية لأحد برامج "مؤسسة الإمارات" التي تدعم الأفراد في الدولة، وتستهدف تقديم التدريب وفرص عمل جديدة مناسبة للمواطنين، من خلال توقيع شراكات تمكنها من إتاحة خيارات العمل الجزئي أو عن بعد بحسب متطلبات سوق العمل في مختلف القطاعات في الدولة.
استقطبت "دوامي" 1,245 شاب وفتاة راغبين في الحصول على عمل، وتعد أول منصة وطنية تربط مواطني الإمارات الباحثين عن عمل مرن في مختلف القطاعات، وتعمل على زيادة الوعي بفرص العمل عن بعد أو بدوام جزئي.
تتماشى رؤية منصة "دوامي" مع جهود دولة الإمارات في توظيف التكنولوجيا لضمان استمرارية خدماتها مع الحفاظ على سلامة مواردها البشرية من خلال تمكين 95% منهم من العمل عن بعد، إذ احتلت دولة الإمارات المركز الأول عربياً والـ 31 عالمياً في "مؤشر التحول الرقمي" الصادر عن شركة "سيركل لوب" (CircleLoop) البريطانية لحلول وخدمات التكنولوجيا، متقدمة على إيطاليا واليابان وهونغ كونغ وإيرلندا.
2- منصة تعمل
في عام 2012، طورت مؤسسة "صلتك" القطرية وشركة "مايكروسوفت" منصة "تعمل" لمساعدة الشباب والباحثين عن العمل في الحصول على وظائف، وتزوديهم بالموارد لتحسين قابليتهم للتوظيف وتعزيز ريادة الأعمال عبر التدريب والتوجيه المهني والتعلم الإلكتروني.
تدعم المنصة اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وتتوفر بواباتها المخصصة محلياً في 8 دول عربية هي: مصر، وقطر، والعراق، وتونس، والمغرب، والجزائر، ولبنان، وفلسطين، وتتصل كل بوابة منها بمراكز مهنية تعكس احتياجات السوق المحلي، وتكمل تلك الخدمات المتوفرة عبر البوابات الإلكترونية، كما تقدم ورش ودورات تدريبية تساعد الشباب الباحث عن فرص عمل.
نجحت "صلتك" من خلال برامجها الاجتماعية ومنصة "تعمل" في توفير 1.7 مليون وظيفة للشباب، وتستهدف من خلال العمل مع الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين إتاحة 3 مليون وظيفة بحلول 2022، وحثّت زوجة أمير دولة قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ووالدة الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، الشيخة موزا بنت ناصر المسند، المجتمع الدولي للشراكة مع "صلتك" ورفع هذا الحد إلى 5 ملايين وظيفية.
تعمل "صلتك" أيضاً على بناء قدرات المؤسسات المحلية، والربط المباشر ما بين أصحاب العمل والشباب الباحثين عن العمل وذلك من خلال منصة "تعمل"، وبرنامج التدريب بهدف التوظيف، وبرامج دعم أصحاب العمل.
3- منصة شغلني
تعمل منصة "شغلني" على ربط الباحثين عن وظائف بأصحاب الشركات في مصر، مع التركيز على أصحاب المؤهلات المتوسطة، والوظائف الحرفية مثل السائقين والفنيين والعمال.
أطلق رائد الأعمال عمر خليفة منصة "شغلني" عام 2015، كحل للصعوبة التي يجدها العديد من المصانع في الوصول إلى العمالة، واستطاع إقناع رجل الأعمال نجيب ساويرس بالفكرة، فاستثمر فيها بهدف مكافحة البطالة في مصر.
خلال الشهر التجريبي، سجلت المنصة أكثر من 500 باحث عن وظيفة، وبعد الشراكة مع "وزارة التضامن الاجتماعي" اجتذبت نحو 1.5 مليون مستخدم، و10 آلاف شركة مُسجلة عليها، منها "راية" و"أورانج للاتصالات" و"دانون" (Danone)، و"يونيليفر" (Unilever)، و"فيكتوري لينك" (Victory Link).
ولضمان توفير الفرصة المناسبة للشباب، تركز المنصة على جودة خدمة العملاء، والتعامل مع شركات موثوقة والإعلان فقط عن الوظائف التي تضمن الحد الأدنى للأجور.
تستهدف "شغلني" توظيف التكنولوجيا في مساعدة الناس على إيجاد فرص عمل، وتغيير فكرتهم عن صعوبة البحث عن وظيفة، وعلى الرغم من ذلك، واجهت مشكلة إقناع الأشخاص بالتسجيل إلكترونياً، أو عدم اعتياد بعضهم على التكنولوجيا؛ فدعم مؤسس المنصةعمر خليفة مشروعه بـ "كشك شغلني"، وهو مكتب متحرك يجوب مناطق مختلفة، يُمكِّن من التقديم على وظيفة خلال 5 دقائق، وذلك بهدف توظيف عدد أكبر من راغبي العمل في المستقبل.
4- تطبيق فرصة
فرصة هو أحد حلول التوظيف المبتكرة عبر الإنترنت التي تسهل على الشركات داخل سورية وخارجها الوصول إلى الكفاءات السورية وتوظيفها بسرعة وسهولة.
يساعد التطبيق الشركات في إيجاد الموهبة المناسبة بأقل جهد من خلال إحدى 3 طرق:
- إعلان توظيف على التطبيق.
- عملية التوظيف كاملة.
- قاعدة بيانات مفلترة من المرشحين المؤهلين.
يسمح التطبيق للشركات إضافة فرص العمل بسرعة وسهولة واحترافية، واستقبال السير الذاتية وترتيبها من الأكثر إلى الأقل مطابقة، مع إمكانية وضع تقييم وملاحظة على كل سيرة لتساعد الشركة في تنظيم عملية التوظيف ومقابلات العمل، كما يوفر قائمة مختصرة يمكن أن تضع فيها الشركة معلومات المتقدمين الأقرب للقبول والأكثر ملاءمة للفرصة.
يركز التطبيق أيضاً على تطوير الكفاءات عن طريق التدريب وتقديم خدمات شاملة لتطوير واقع الموارد البشرية في سورية.
تُعد لوحات التحكم والإحصائيات المفتاح الرئيسي لأي عملية توظيف؛ فيوفر تطبيق "فرصة" عدد المشاهدات لكل فرصة عمل، وعدد الموظفين المهتمين المتقدمين على فرص الشركة، وعدد الشواغر النشطة لكل فرصة، وعدد الفرص المُغلقة والمُعلقة.
منذ إطلاقه عام 2019؛ جذب تطبيق "فرصة" أكثر من 25 ألف باحث عن عمل، فيما ينضم إليه أكثر من 50 سوريّاً يومياً، وعرضت أكثر من 600 شركة شواغرها عبر التطبيق.
5- منصة صبّار
انطلقت المنصة السعودية صبار عام 2019 لتعالج مشكلة التسرب الوظيفي في قطاع المطاعم والمقاهي والبيع بالتجزئة والترفيه بالمملكة عبر تقديم حل متكامل للشركات يشمل استقطاب الموظفين، والمقابلات الشخصية، والتأكد من أهلية الموظفين، والتدريب، وجدولة أوقات العمل، ومتابعة الحضور والانصراف، وحساب المستحقات، ودفع الرواتب.
تتخصص المنصة في ابتكار حلول التوظيف وتطويرها في هذه القطاعات ؛ بهدف تمكين كل شخص من إيجاد فرص عمل فورية قريبة منه، ورفع جودة حياة آلاف الأفراد سواء بالخبرة التي يكتسبونها من العمل أو الدخل الذي يحصلون عليه، فضلاً عن تقديم المكافآت والمحفزات للتشجيع على التطور المهني والشخصي.
تمكنت "صبار" من خدمة أكثر من 150 شركة أبرزها: "إيكيا" (IKEA)، و"دومينوز بيتزا" (Domino's Pizza)، و"تويز آر أص" (Toys "R" Us)، و"أسواق التميمي"، وتسعى للتوسع وتغطية قطاعات جديدة مثل القطاع السياحي، واللوجستي، وإدارة المخازن، كما تعمل المنصة على تقديم قوى عاملة مؤهلة وتركز على تطوير مهاراتهم الشخصية وتدريبهم مهنياً باستمرار.
6- منصة مرن
تمثل "مرن" واحدة من منصات العمل الحر في السعودية التي تُقدم حلول توظيف متكاملة للعمل بالساعة، وتربط الشركات مع شباب سعوديين متميزين في وظائف مختارة باستخدام تكنولوجيا متقدمة.
توفر المنصة فرص عمل مميزة للفئات التي تتراوح أعمارها بين 15 إلى 65 عاماً، وبالتالي تستهدف كافة طبقات المجتمع، من طلاب وموظفين ومسؤولين.
ولم تغفل أصحاب المهن أو الحِرف المحلية، حيث توفر العديد من الفرص مثل شيف مطعم، وموظف استقبال، وبائع وغيرها من الوظائف التي لا تتيحها باقي المنصات.
7- تطبيق دوام
تأسس تطبيق "دوام" في سلطنة عُمان عام 2019؛ بهدف جمع أصحاب الأعمال والباحثين عن عمل بدوام جزئي، وتجاوز عدد المستخدمين للتطبيق الألف مستخدم في أقل من شهرين منذ تأسيسه، وواجه التطبيق في بداية الأمر، صعوبة بتوعية العُمانيين بأهمية العمل بدوام جزئي، وكذلك إقناع المؤسسات بضرورة الإعلان عن الوظائف في المنصة وتعزيز ثقة المستخدمين، إلا أنه تمكن من التغلب على هذه الصعاب وتلبية احتياجات السوق العُمانية
ختاماً، ساهمت هذه المنصات في توفير فرص عمل للشباب تضمن لهم حياة كريمة، وتمنحهم الشعور بالقدرة على بناء المجتمع، وكانت بمثابة شبكة أمان اجتماعي للحفاظ على دورهم الفعّال في مواجهة تحديات الحاضر، واستشراف مستقبل أفضل.