عندما يتأمل الطالب في تجربته الجامعية، ما الذي يرغب في تذكّره؟. ربما الصداقات القوية التي كوّنها مع زملائه، أو المناقشات المثيرة في الفصل الدراسي، أو الصعوبات التي تبددت مع لحظة الحصول على الشهادة، ولكن في سوق العمل سريع التطور، هناك شيء واحد يجب على الطلاب إضافته إلى قائمة ذكريات الكلية: إحداث الفرق في المجتمع.
تمثل المرحلة الجامعية الشبابية فرصة للطلاب للتعلم والنمو ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع، وتطوير مهاراتهم الحياتية عبر الانخراط في أنشطة خارج مناطق راحتهم، ويُعد التطوع وسيلة فعّالة للطلاب للتعبير عن آرائهم والمشاركة في صنع القرار والاندماج مع الآخرين للتعرف على مشكلات المجتمع وعلاجها.
العمل التطوعي وإحداث قيمة مضافة
العمل التطوعي أكثر من مجرد قضاء وقت في المشاركة بأنشطة وأعمال مفيدة للآخرين، بل له تأثير أكبر على المجتمع ككل، وبما أن الجامعة إحدى أهم المؤسسات التي تسهم في تكوين المجتمع وبلورة ملامحه في الحاضر والمستقبل؛ يمثل تحفيز الطلاب وتعزيز مشاركتهم في الأنشطة التطوعية حجر أساس في أداء الجامعة لدورها الاجتماعي، وعليه؛ استهدفت دراسة الباحثة المصرية مروة عزت عبد الجواد بعنوان: استراتيجية مقترحة لتفعيل العمل التطوعي بجامعة بني سويف كقيمة مضافة، التعرف على الأبعاد الفلسفية للعمل التطوعي، والقيمة المضافة التي يحققها العمل التطوعي بالجامعات.
استطلعت الدراسة المصرية آراء 120 من نواب ووكلاء خدمة المجتمع، وتنمية البيئة، ومدراء رعاية الشباب بالجامعة، وبعض القيادات المسؤولة عن العمل التطوعي في محافظة بني سويف بمصر، لرصد عوائق المساهمة المجتمعية للطلاب المتمثلة في عدم المعرفة بأهمية العمل التطوعي، وتعارض وقت المتطوع مع وقت العمل أو الدراسة، وضعف البرامج والدورات التدريبية المتخصصة المقدمة للمتطوعين، وقلة تضمين برامج وأنشطة تطوعية في استراتيجيات الجامعة، وعدم وجود لوائح واضحة تنظم العمل التطوعي وتحميه، وقصور البرامج الإعلامية في التوعية بالعمل التطوعي.
أهمية العمل التطوعي للطلاب
قد يعتقد بعض الطلاب أن تعليم الأطفال، أو مساعدة الأشخاص الذين لا مأوى لهم، أو الانخراط في أي نشاط مجتمعي آخر، غير مجدي مادياً؛ لكن هناك فوائد للتطوع ترتبط مباشرةً بآفاق حياتهم المهنية، منها:
- تحسين فرص العمل
يسعى أصحاب الأعمال اليوم للحصول على خبرة تطوعية من الخريجين الجدد، وبحسب دراسة أميركية بعنوان: التطوع كطريق للتوظيف: هل يزيد التطوع من احتمالات العثور على وظيفة خارج العمل؟ (Volunteering as a Pathway to Employment: Does Volunteering Increase Odds of Finding a Job for the Out of Work)، يرتبط العمل التطوعي بفرص عمل أعلى بنسبة 27%، ومن المرجح أن يختار أصحاب العمل بنسبة 82% مرشحاً يتمتع بخبرة تطوعية و85% منهم يتغاضى عن عيوب السيرة الذاتية إذا كان المرشح يتمتع بخبرة تطوعية.
- حياة أكثر توازناً
في حين أن المرحلة الجامعية تجربة ممتعة؛ إلا أنها لا تخلو من مشاعر التوتر والقلق، لكن انخراط الطلاب في أنشطة مجتمعية، سيمكّنهم من إدارة وقتهم بفاعلية، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحسين صحتهم النفسية والعقلية، إذ وجدت دراسة صينية بعنوان: التطوع وفوائده الصحية العامة للبالغين: النماذج والتأثيرات التراكمية (Volunteering and health benefits in general adults: cumulative effects and forms)، أن التطوُع بانتظام أدى إلى تحسُن الصحة العقلية للمشاركين بنسبة 8.5%، وتراجُع شعورهم بالاكتئاب بنسبة 4.3%، كما رصدت أيضاً تطوُرالصحة البدنية للمشاركين بنسبة 9%.
- قيمة اقتصادية للمجتمع
يُعد التطوع جزءاً من المسؤولية الاجتماعية، وبغض النظر عن نوع العمل التطوعي، يمكن أن يحقق عوائد مالية، إذ بينت مؤسسة القطاع المستقل (Independent Sector) الأميركية لتعزيز القطاع غير الربحي، أن قيمة ساعة التطوع بلغت 25.43 دولار في عام 2019، وتطوع في نفس العام نحو 63 مليون أميركي بنحو 8 مليارات ساعة من وقتهم وجهودهم لتحسين مجتمعاتهم وتقويتها؛ وبالتالي ساهموا بنحو 203.4 مليار دولار من خلال المؤسسات غير الربحية على اختلاف أنواعها.
تحديات إشراك المتطوعين من طلاب الكلية
يتطوع عدد أقل من طلاب الجامعات مقارنةً بنظرائهم في المدارس الثانوية وعامة السكان البالغين، حيث أظهرت دراسة لجامعة ميريلاند الأميركية بعنوان: الفجوة بين النوايا والعمل: تحدي ترجمة اهتمام الشباب بالمشاركة المدنية (Gap in Action: The Challenge of Translating Youth’s High Interest in Doing Good into Civic Engagement) أن ثلاثة أرباع طلاب الجامعات يرغبون بأن يكون لهم تأثير في مجتمعاتهم، ويمتلكون مهارات التطوع، فما سبب الفجوة بين الرغبة والإمكانات وممارسة العمل التطوعي في الواقع؟
- ضيق الوقت: مع إعطاء الأولوية للفصول الدراسية، والنوادي، والوظائف مدفوعة الأجر؛ قد يكون من الصعب إيجاد وقت للعمل التطوعي.
- الشعور بالتوتر: اختيار التخصص، والالتحاق بتدريبات، وإنهاء المهام؛ يجعل الطلاب متحفظين ومتردّدين في إرهاق أنفسهم بإضافة نشاط مجتمعي آخر لجداولهم.
- ضغوط مالية: تُمثل الرسوم الدراسية المرتفعة، والقروض المترتب على طلاب الجامعات سدادها أو متطلبات المنح الدراسية الأخرى، أو تولي وظائف مدفوعة الأجر، إضافة إلى هدف الحصول على درجة علمية جيدة، مجموعة من أهم العوامل التي تؤدي إلى تراجع عدد المتطوعين من طلاب الجامعات.
- قلة الوعي: من العقبات التي تحول دون فاعلية العمل التطوعي، ضعف وعي الطلاب بمفهوم العمل التطوعي وأهميته وفوائده، وقلة خبرتهم وعدم كفاءتهم؛ إذ يسعى بعضهم لتحقيق أقصى استفادة شخصية ممكنة من العمل الخيري، واستغلال مرونة التطوع إلى حد التسيب والاستهتار.
طرق تحفيز طلاب الجامعات على التطوع
يمكن مواجهة التحديات المذكورة أعلاه بعدة طرق تشجع من خلالها الجامعات الطلاب على الانخراط في المجتمع المدني، منها:
1- تكوين علاقات مجتمعية
من المفيد فهم أنواع فرص التطوع التي يميل طلاب الجامعات إلى البحث عنها، وإقامة علاقات مع المؤسسات التي يمكنها توفير هذه الفرص، كما يمكن أن تخفف بعض فرص التطوع من عبء القروض عن الطلاب.
2- دمج الخدمة المجتمعية في المواد الدراسية
يجب أن تهدف برامج التطوع الطلابية التي تديرها الجامعة إلى دعم تجربة تعليمية ثرية للطلاب مع تلبية احتياجات المجتمع، وتُدرِج بعض الجامعات الخدمة المجتمعية في المقرر الدراسي تحت اسم تعلم الخدمة (Service Learning)؛ ما يتيح للطلاب الاستفادة من فرص التطوع التي تدعم التعلم في الفصول الدراسية، مقابل الحصول على ميزة أو منحة.
ويُمكِن مقرر تعلم الخدمة الطلاب من البحث عن الفرص التي تتناسب مع اهتماماتهم ومساراتهم المهنية، كما تنظم بعض الجامعات برامج تطوعية صيفية للحفاظ على تفاعل الطلاب طوال العام.
3- تشجيع الابتكار
تمثل الجامعة مكاناً آمناً للطلاب لاستكشاف أنفسهم ليصبحوا مفكرين ومتعلمين وقادة في المستقبل، ويُعد معهد افعل جيداً (Do Good Institute) التابع لجامعة ميريلاند الأميركية، مثالاً لذلك؛ إذ يوفر فرصاً للطلاب للانخراط في المشكلات الاجتماعية المهمة ومعالجتها من خلال فرص التعلم العملي، وفي كل عام يدعو الطلاب إلى إنشاء مشروع تأثير مجتمعي يقومون من خلاله بجمع التبرعات وتقديم الحلول للتحديات الاجتماعية؛ ما يعزز الإبداع والوعي الاجتماعي لديهم، كما يكافئ المعهد الطلاب المتطوعين الفائزين عبر تقديم منحة دراسية بقيمة 20 ألف دولار.
4- التقدير والاعتراف بالجهود
تتمثل إحدى طرق التحفيز على الالتزام بخدمة المجتمع وتخفيف بعض الضغوط المالية في تقدير جهود الطلاب المتطوعين من خلال تقديم منح دراسية تشجعهم على تتبع ساعات التطوع الخاصة بهم والتفكير في تأثيرها، ويمكن أن تخصص الجامعة جائزة خدمة المجتمع للطلاب الذين ساهموا بوقت وجهد كبير في قضية ما، إذ تثير مكافأة خدمة المجتمع إعجاب أصحاب العمل في المستقبل وتتيح الفرص أمام الطلاب المُعترف بنشاطهم الاجتماعي.
5- مركزية برامج التطوع
يجب أن تتيح الجامعات لطلابها الراغبين في التطوع إمكانية الوصول إلى فرص المساهمة المجتمعية بسهولة، وعرضها ضمن نظام موحد يساعد في إدارة المتطوعين بفاعلية.
6- إضفاء المتعة والمرح
يرى بعض الطلاب أن العمل التطوعي ممل ومتعب ويتطلب الكثير من الوقت والقوة البدنية؛ لذا إضفاء بعض المتعة والمرح إلى الفرص التطوعية في الجامعة يحفزهم على المشاركة، على سبيل المثال، يمكن دمج الألعاب في أنشطة التعلم إذا كان العمل التطوعي مرتبطاً بأطفال من المجتمعات الفقيرة؛ سيخلق ذلك رابطاً قوياً بين الطلاب المتطوعين والأطفال، ويخفف ضغوط العمل التطوعي.
7- قياس الأثر
إذا كانت الجامعة ترغب في تقديم مكافآت مالية ومنح دراسية للمتطوعين الطلاب الأكثر تفاعلاً لديها؛ يجب أن تتبع تأثيرهم، ويمكن لبعض الأدوات التكنولوجية المساعدة في قياس تأثير الطلاب وتسهيل مشاركتهم أيضاً، على سبيل المثال، توفر خدمة تسجيل الدخول الموحّد (Single Sign-On. SSO) الوقت من خلال الاتصال مباشرة بقاعدة بيانات الطلاب.
وعلى الرغم من الدور الذي تؤديه الجامعات في تشجيع الطلاب على التطوع؛ لكن يجب أن يتكامل دورها مع ما يقدمه الآباء والمجتمع من دعم للعمل التطوعي، إذ يمكن للآباء تحفيز أبنائهم على الدخول بالعمل التطوعي في سن مبكرة، وأن يعمل المجتمع على تطوير التشريعات التي تسهم في تفعيل المشاركة المدنية وتعظيم نتائجها، كما يمكن توظيف التكنولوجيا والإعلام في الترويج لثقافة التطوع وسلوكياته ومجالاته.
بالمحصلة، تحديد الهدف الحقيقي من التطوع للطلاب، وتوضيح الفرص المتاحة، ومنحهم الثقة وحرية الاختيار، وتقدير جهودهم؛ سيزيد من شعورهم بالمسؤولية تجاه مجتمعهم.