إنه أمر مثير للغضب، أن يصورك أحدهم وهو يلقى على رأسك دلواً من الماء المُثلّج، لكن في صيف عام 2014، انتشرت مقاطع فيديو على فيسبوك لأشخاص يغمرون أنفسهم طواعيةً بالماء المثلج، في إطار حملة بإسم تحدي دلو الثلج (Ice Bucket Challenge)، لدعم مرضى التصلب الجانبي الضموري (Amyotrophic Lateral Sclerosis. ALS) والمعروف أيضاً في الولايات المتحدة باسم لو غيريغ (Lou Gehrig).
خلال شهر واحد من الحملة، تمكنت جمعية التصلب الجانبي الضموري (ALS Association) الأميركية من جمع أكثر من 100 مليون دولار. وللبحث في كيفية نجاح مثل هذه الحملات، يجب التفكير بدايةً في دوافع المتبرعين لدعم القضايا المجتمعية، ومعرفة العوامل الحقيقية التي تؤثر في سلوكهم.
العوامل المؤثرة في سلوك التبرع
في عالم العطاء المليء بالتحديات؛ بات تأمين التبرعات المنتظمة التي تحتاجها المؤسسات الخيرية أكثر أهمية من أي وقت مضى، ومعرفة دوافع شخص ما للتبرع لا يساعد جامعي التبرعات في فهم كيفية إشراك الجمهور بطريقة أفضل فحسب، بل يشجعهم أيضاً ليصبحوا متبرعين منتظمين على المدى الطويل. رصدت دراسة مصرية بعنوان: العوامل المؤثرة على سلوك المتبرعين للمؤسسات الخيرية في جمهورية مصر العربية: دراسة تطبيقية على محافظتي القاهرة والإسكندرية، أجراها الباحثون عصام محمد قاسم علي، وعلاء الدين حسن الغرباوي، وأيمن رجيب، وأحمد موسى الصمديصي، العوامل التي تؤثر في اتجاهات المتبرع وسلوكه، وهي: إعلانات المؤسسة الخيرية، وسمعتها والثقة في إدارتها وأعمالها، والصفات الديموغرافية للمتبرعين.
وتوصلت الدراسة المصرية التي طُبقت على 604 مفردة في محافظتي القاهرة والإسكندرية، إلى أن الاتجاهات نحو المؤسسات الخيرية تؤثر في العلاقة بين سلوك المتبرع، والعوامل المؤثرة في هذا السلوك، لكنها لا تؤثر في العلاقة بين إعلانات المؤسسة الخيرية وسلوك المتبرع.
تُعد مواقع التواصل الاجتماعي من أكثر الوسائل التي يفضل الأفراد من خلالها عرض إعلانات المؤسسات الخيرية، وبحسب دراسة سعودية بعنوان: استخدامات الإعلانات الخدمية للمؤسسات غير الربحية وتأثيراتها على الجمهور: دراسة تطبيقية على الجمعيات الخيرية الصحية بمكة المكرمة، للباحثة أبرار صلاح سالم الديباني، تركز اهتمام الجمهور على الإعلانات التي تستعرض النتائج الإيجابية للأنشطة الخيرية والتطوعية، إضافةً إلى الإعلانات التي تلامس واقع المجتمع.
يشجع الترويج المستمر السلوك الخيري المتكرر، إذ خلُصت دراسة ماليزية بعنوان: دراسة تجريبية على تصورات الأوقاف: حتميات نجاح مؤسسات الأوقاف (An Empirical Study on AWQAF Endower's Perception: Imperatives for AWQAF Institutions' Success)، إلى أن تكرار التبرع مرتبط بمعرفة المانحين بالمؤسسات الخيرية، ومدى قدرة هذه المؤسسات على الوصول إلى المتبرعين بسهولة.
تؤدي نزاهة المؤسسات الخيرية دوراً مهماً في سلوك المتبرعين؛ إذ أكدت نتائج دراسة أردنية بعنوان: فاعلية إعلانات التبرعات على الجمهور الأردني: دراسة مسحية على مدينة عمّان، للباحثة فاطمة غازي صالح إبراهيم، أن عدم الثقة بالمؤسسات الخيرية من أكثر العوامل التي حالت دون تبرع الأفراد لتلك المؤسسات، فيما كان العامل الإنساني من أهم الدوافع الرئيسية لاتخاذ قرار التبرع.
فئات المانحين وفق سيكولوجية العطاء
يصعُب أحياناً تحديد الأسباب الفعلية والمنطقية التي تدفع الأفراد للتبرع إلى المؤسسات الخيرية، لكن يمكن تقسيم المانحين إلى فئات وفقاً للحالة النفسية، ما يساعد جامعي التبرعات على اكتساب فهم أعمق حول كيفية التعامل معهم، وباستخدام المشاعر المرتبطة بكل فئة مثل التعاطف والفُكاهة، والخوف والغضب، والتعاطف والأمل؛ تتحول عملية جمع التبرعات إلى أداة قوية للإقناع، وفيما يلي أنواع المتبرعين:
- المتبرع الأخلاقي (الإيثار)
يتمثل الإيثار في الشعور بالالتزام بمساعدة الآخرين، وأن العطاء هو السلوك الصحيح الذي ينبغي فعله. حتى لو لم يكن المتبرع الأخلاقي معني شخصياً بقضية ما؛ فلا يزال من المرجح أن يتبرع لأنه يدرك بالفطرة واجب مشاركة ثروته مع المحتاجين. لذا، يجب أن تتأكد المؤسسات الخيرية من معرفة هذا النوع من المتبرعين سبب الحاجة إلى إسهامهم، وكيف سيساعد عطاؤهم الآخرين، وأن تعمل على زيادة وعيهم بالقضية.
- المتبرع الأناني
يولد العطاء في الغالب السعادة والشعور بالرضا والمتعة لدى الأفراد، وفي علم النفس، يُنظر إلى هذا الاندفاع من الدفء الداخلي والرضا على أنه "أنانية". والأمر المثير للاهتمام حقاً هو أن الأفراد قادرون على تدريب دائرة المكافأة في أدمغتهم وتفعيلها، وإذا كان لدى الشخص مجموعة معينة من المعتقدات، فيمكنه إثارة الشعور بالسعادة داخله من خلال التصرف وفقاً لتلك المعتقدات، على سبيل المثال، إذا نشأ الأطفال في منزل يؤكد فيه الآباء أن اللطف والرأفة بالآخرين مصدراً للسعادة، سيتحول ذلك إلى مبدأ راسخ في تصرفاتهم ويعزز فرص تبرعهم للأعمال الخيرية.
إذا ركزت المؤسسات الخيرية وجامعو التبرعات على الجانب الممتع من العطاء، ستُفعّل أنظمة المكافأة وسيرغب الأفراد في تكرار هذه العطاء. يهدف استخدام الأنا في جمع التبرعات إلى إرضاء غرور المتبرع المحتمل، والتأكيد أن مقدار الخير الذي يقدمه، يجعله شخصاً رائعاً ولطيفاً.
وعليه، يجب شكر هذا النوع من المتبرعين وإبلاغهم باستمرار عن الكيفية التي تساعد بها إسهاماتهم الآخرين، وإذا أتيحت الفرصة، يمكن نشر أسمائهم في رسائل البريد الإلكتروني أو عبر منشورات التواصل الاجتماعي.
- المتبرع الاجتماعي
يسعى الأفراد بطبيعتهم إلى الشعور بالانتماء للمجتمع، واتسامهم بالكرم والعطاء يجعلهم مقبولين لدى أقرانهم. وعند تطبيق الديناميكيات الاجتماعية على الأعمال الخيرية، يتبين أن الأشخاص في بعض الحالات يشاركون في العطاء كطريقة لتقديم أنفسهم في ضوء إيجابي للآخرين، لذ إذا اجتذبت قضية ما عدداً كبيراً من التبرعات؛ سيفعل الآخرون الشيء نفسه بهدف المشاركة في المجتمع، ومن جهة أخرى، عندما يهتم الأفراد بقضية ما، يعملون تلقائياً على توعية من حولهم وتثقيفهم بها.
ومن المرجح أيضاً أن يدعم المتبرعون قضية ما إذا أيدها أحد المشاهير أو المؤثرين، وبالتالي من الجيد إشراك الأصدقاء أو العائلة أو الزملاء عند محاولة جمع التبرعات، وإنشاء شبكة صغيرة أو مجموعات كبيرة من الداعمين للقضية.
- المتبرع ذو الصلة
التبرع للجمعيات الخيرية أمر شخصي، والقرابة تلهم الكثيرين للعطاء. معظم الناس يجدون صعوبة في التعاطف مع شيء لا يمكنهم تخيل حدوثه لهم، ومن ناحية أخرى، تعد التجربة الشخصية مؤثراً قوياً. إذا عاش الفرد تجربة المعاناة من مرض السرطان على سبيل المثال، فبإمكانه دعم شخص آخر مصاب بالمرض ذاته.
ويمكن للمؤسسة الخيرية إنشاء رابط بين قضيتها والظروف التي مر بها المتبرع المحتمل، من خلال معرفة معلومات عنه، على سبيل المثال، إذا كان الهدف جمع تبرعات لجمعية خيرية تُعنى بإنقاذ كلاب، يجب معرفة ما إذا يمتلك المتبرع المحتمل كلباً في المنزل، لخلق قاسم مشترك معه وكسب تعاطفه مع القضية.
- المتبرع الخائف
الفومو (Fear of missing out. FOMO) أو الخوف من فوات الشيء، هي حالة عامة تدفع الأشخاص إلى الرغبة في أن يكونوا على اتصال دائم؛ خوفاً من فوات حدثٍ ما لا يُشاركون فيها. عند إدراك الشخص أن الآخرين يتمتعون بمزيد من المرح أو يعيشون حياة أفضل؛ سيُثار لديه إحساس بقلة تقدير الذات.
تستخدم هذه الحالة كثيراً في استراتيجيات التسويق مثل منتجات الإصدار المحدود أو تقييد الوقت المخصص للبيع، مثل الجمعة السوداء (Black Friday). وفي القطاع غير الربحي، يمكن أن تتضمن استراتيجيات جمع التبرعات بعض المرح، وإشراك الجهات المانحة مباشرةً في التجربة، وخلق مساحة للجهات المانحة للمشاركة والإسهام في الأحداث المليئة بالمسابقات والألعاب الممتعة.
- المتبرع القائم على الثقة
يجب أن يؤمن المتبرع بمهمة المؤسسة الخيرية، وبالنسبة للمانح الذي يعطي الأولوية للثقة، يحتاج إلى فهم سبب احتياج قضية المؤسسة الخيرية للمال، والثقة بالقدرة على إنفاق هذا المال بطريقة صحيحة مناسبة، لذا من الضروري أن تتعامل المؤسسة بشفافية مع الحقائق والأرقام والأدلة المصورة، وتقدم نفسها بطريقة احترافية لكسب ثقة المتبرع المحتمل.
- المتبرع القائم على التأثير
عندما يشعر الأشخاص بعدم القدرة على إحداث فرق، سيمتنعون عن التبرع، فإذا أدركوا أن أزمة اللاجئين تتفاقم، وأن ملايين الأشخاص يعانون من مشكلة الحصول على مياه الشرب النظيفة، سيكون من السهل عليهم التوقف عن العمل لحل هذه المشاكل، بالتالي تحتاج المؤسسات الخيرية إلى تأكيد قوة العطاء من خلال إبراز الفرق الذي يحدثه للأفراد والمجتمع، والتركيز على سرد القصص الفردية وإضفاء الطابع الشخصي على القضية.
إذا كانت المؤسسة الخيرية تهتم بالتعليم، على سبيل المثال، يمكنها جذب المانحين من خلال عرض فوائد رعاية فتاة تبلغ من العمر 7 سنوات، وأنهم سيكونون سبباً في تحسين حياتها، ومتابعة رحلتها في التعليم وتوجيه رسالة شكر منها لهم على المساعدة، وبدلاً من استخدام أهداف عامة في حملات التبرع مثل "نحتاج إلى 500 ألف دولار لتعليم الفتيات في إفريقيا"، يمكن تحديد الهدف أكثر مثلاً: "10 دولار فقط ستساعد كاميليا في شراء الكتب والزي المدرسي الذي تحتاجه للدراسة طوال العام".
تعمل التحديثات المنتظمة المنشورة حول أهداف حملة التبرعات أيضاً على تحفيز التبرعات، لذا يمكن أن تستخدم المؤسسة الخيرية في منشوراتها عبارات إيجابية مثل "لقد جمعنا 20% من هدفنا بالفعل" لاطلاع المانحين على الإنجاز الذي يسهمون به.
بالمحصلة، معرفة المتبرعين هو المفتاح الرئيسي لفهم ما يحفزهم حقاً. بمجرد أن تفهم المؤسسات الخيرية ذلك، سيكون من السهل عليها كسب الداعمين لقضيتها.
هذا المقال نُشر بناءً على أبحاث من منصة "ساهم".