سوء التغذية: التسويق من أجل صحة أفضل

4 دقائق
سوء التغذية
Shutterstock.com/VGstockstudio

تحتل البرازيل مرتبة سابع أغنى دولة في العالم، بحجم اقتصاد يزيد عن تريليوني دولار. على الرغم من ذلك، يواجه البلد تحدياً تشترك فيه مع العديد من الاقتصادات النامية؛ وهو سوء التغذية.

يعاني حوالي 18% من أطفال البرازيل دون سن الخامسة من نقص فيتامين أ؛ الذي يمكن أن يؤدي نقصه إلى الإصابة بالعمى، وحوالي 40% يعانون من نقص الحديد وفقر الدم؛ الأمر الذي يؤثر على التطور الإدراكي ويسبب التعب الشديد، بينما لا تحصل 40% من النساء ذوات الدخل المنخفض على ما يكفي من العنصر الغذائي الضروري ب1؛ الذي يدعم الجهاز العصبي والتمثيل الغذائي. إن حالة سوء التغذية هذه لها آثار خطيرة وطويلة الأجل على الصحة العامة.

الجوع الخفي أو سوء التغذية مشكلة عالمية

على الرغم من أن هذه الإحصاءات خاصة بالبرازيل، لكنها أيضاً جزء من مسألة عالمية أعقد؛ إذ يَطال هذا «الجوع الخفي» حوالي ملياري شخص في جميع أنحاء العالم. قد لا يعاني أولئك الأشخاص من نقص الوزن أو تظهر عليهم أيّة أعراض واضحة لسوء التغذية، لكنهم قد يعانون من عواقب صحية ناجمة عن عدم الحصول على كفايتهم من العناصر المغذّية؛ والتي يحتاجونها في نظامهم الغذائي.

يُعدّ تدعيم الأغذية حلّاً فاعلاً جداً لمواجهة هذا التحدي، لدرجة أنه يحظى بالدعم المستمر من «منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة» و«منظمة الصحة العالمية»، ويصنفه «مركز إجماع كوبنهاغن» (Copenhagen Consensus Centre) كأولوية دولية من الدرجة الثالثة في مجال التنمية.

باعتبار الأرز واحداً من أكثر الأغذية الرئيسية شيوعاً في العالم، فإنه يحمل وعداً ليُقدَّم كغذاء مدعم، حيث يبلغ نصيب الفرد من الاستهلاك العالمي منه حوالي 300 غرام في اليوم، وهذا الرقم في ازدياد. في البرازيل، يلعب أصحاب المطاحن دوراً رئيسياً في توزيع وتسويق منتجات الأرز؛ التي تحمل علامة تجارية، لتجار التجزئة والمستهلكين. لكن حتى وقت قريب، لم تكن هناك شراكات مباشرة مع مطاحن الأرز لاختراق الأسواق التجارية بالأرز المدعم، وإنشاء نموذج قابل للتكرار للتدعيم التجاري للأرز على نطاق واسع.

اقرأ أكثر عن آليات تأمين الغذاء للعالم.

الأرز السحري لسوء التغذية

أطلق موريسيو دي سوزا (مبتكر سلسلة مونيكا؛ الشخصية الكرتونية الشعبية والمحبوبة، وسفير الرسوم المتحركة الوحيد لليونيسف) على الأرز المدعم بالفيتامينات اسم «الأرز السحري»، وهو أرز مدعم بفيتامين ب1 وحمض الفوليك والحديد والزنك. نتيجة لأكثر من 15 عاماً من العمل، يُستخدم في إنتاج هذا الأرز وسائل تكنولوجية طورتها منظمة «باث» (PATH) بتمويل من مؤسسة «بيل آند ميلندا غيتس فنديشن» (Bill & Melinda Gates Foundation )، وطُرح في السوق بالشراكة مع «التحالف العالمي لتحسين التغذية» (GAIN).

بدلاً من اتباع نموذج تنمية تقليدي، اختار الشركاء نقل حقوق التكنولوجيا إلى «أوربانو» (Urbano)؛ وهي شركة رائدة في مجال إنتاج الأرز، وغيرها من الشركات الخاصة المهتمة في البرازيل. ومن أجل تمكين الصناعة المحلية وتعزيز المصداقية للمنتجات المدعمة، كان هذا أيضاً اختباراً مهماً للأثر الذي يمكن أن يُحدِثه نهج مرتكز على السوق على الصحة العامة بصورة محضة.

قُدم المنتج للمستهلكين في أوائل عام 2013، وبحلول أكتوبر/تشرين الأول 2014، كان أكثر من مليوني مستهلك قد جربوا المنتجات الجديدة، مع تحول ثلثهم تقريباً إلى زبائن دائمين، ومعظمهم من الشرائح الاجتماعية المستهدفة؛ أي العائلات ذات الدخل المنخفض، ومن يعاني من سوء التغذية.

على الرغم من السعر المرتفع قليلاً للأرز المدعم، يخطط حوالي 89% من المستهلكين الحاليين لمواصلة شراء المنتج، وقد أوصى نصفهم تقريباً بالمنتج للآخرين.
إذاً، كيف تمكنا من تحقيق الكثير في وقت قصير جداً؟

قوة التسويق الاجتماعي

مثل العديد من البلدان الأخرى، يمكن للبرازيليين مقاومة تجربة الأطعمة الجديدة. نظراً لهذا التحدي، أجرى «التحالف العالمي لتحسين التغذية» ومنظمة «باث» سلسلة من الأبحاث المتعمقة للمستهلكين قبل إطلاق المنتج. أسفر ذلك عن الحصول على ثروة من المعلومات حول عادات الشراء للمستهلكين، والوعي العام بتدعيم الأغذية، وبعض العوامل الأوسع نطاقاً؛ والتي تساهم في تفضيل علامة تجارية معينة.

من ملاحظاتنا المثيرة للاهتمام أن تفضيلات المستهلكين ذوي الدخل المنخفض وتطلعاتهم ليست أقل تعقيداً من نُظرائهم ذوي الدخل المرتفع. إن فهم هذا الأمر إلى جانب العوامل الثقافية؛ التي تؤثر على سلوك المجموعات المستهدفة، أمر بالغ الأهمية، بغض النظر عن البلد أو البرنامج. فلا شك أن الطبيعة البشرية واحدة، والإدمان على عادات معينة لا يقتصر على بلد دون الآخر.

طوّرالتحالف والمنظمة بعناية شعاراً يمكن التعرف عليه فوراً لتمييز منتجات الأرز المدعمة المعتمدة والرسائل والعبوات بعد التسلّح بهذه الرؤية، بالإضافة إلى حملة تسويق اجتماعية مترابطة لتشجيع الإقبال من قبل المستهلك. جذبت التوصيات بالمنتج من قِبَل مشاهير؛ مثل لاعب كرة القدم البرازيلي لوكاس مورا وموريسيو دي سوزا وشخصيات بارزة أخرى، انتباه المستهلكين، وخلقت درجة أكبر من الثقة به، وبالتالي رفعت من الإقبال عليه. تضمنت الحملة أيضاً عروضاً ترويجية في المتاجر وإمكانية التذوق، وتوجيه المتسوقين إلى المنتجات، والمساعدة على رفع الوعي بفوائد الأرز المدعم.

كان التواصل المتنوع بالقَدْر نفسه من الأهمية، وبينما أثبت دعم المشاهير أنه تكتيك يغيّر قواعد اللعبة، كان الدعم الأقل جاذبية من الحكومات المحلية؛ والمتمثل في تقديم هذا المنتج في الوجبات المدرسية، فاعلاً أيضاً، إذ تلقّى 200 ألف طفل أرزاً مدعماً كجزء من وجبتهم المدرسية اليومية. كان توفير هذا الأرز في المدارس أمراً مهماً في الوصول إلى الأطفال وتضمينه كجزء من عاداتهم الغذائية اليومية، لضمان حل أي مشاكل تتعلق بسوء التغذية بالنسبة لهم.

اقرأ أكثر عن كيفية جذب اهتمام الآخرين لقضيتك الاجتماعية.

إحداث التغيير الحقيقي لا يأتي بسرعة

كما هو الحال دائماً، يبدو أن النجاح ينبع من أمرين، وهما وضع أطر زمنية واقعية وتصميم دقيق. نادراً ما تأتي برامج تغيير السلوك الناجحة بـ«حل سريع». كان استثمارنا في فهم الثقافة التي نهدف للوصول إليها ثم العمل مع الشركاء المحليين عاملان مهمان في نجاح مشروعنا. وفي حين أن إحداث تغيير حقيقي في السلوك قد لا يكون سريعاً، إلا أنه ممكن، ليس فقط في البرازيل، بل في جميع أنحاء العالم حل هذه المشكلة المتأصلة في سوء التغذية، أو كما يسمى الجوع الخفي.

اقرأ أكثر عن قضية هدر الطعام وحلولها المبتكرة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أن المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي