يواجه العالم تحديات بيئية متزايدة نتيجة للنمو السكاني المتصاعد والأنشطة البشرية، بما في ذلك تغير المناخ، والاحتباس الحراري، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث البيئي، واستنزاف الموارد الطبيعية. تؤدي هذه التحديات إلى انتشار الأوبئة وتفشي الأمراض وتدهور البيئة، ما يتطلب اعتماد إطار قانوني متكامل يسهم في تحقيق التوازن بين الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة.
أسس الأطر القانونية البيئية
تشكل الأطر القانونية البيئية الركيزة الأساسية لوضع المعايير والضوابط الملزمة التي تهدف إلى حماية الموارد الطبيعية وإدارتها على نحو مستدام. وتشمل هذه الأطر مجموعة من القوانين والسياسات وآليات التنفيذ التي تعالج مختلف التحديات البيئية وتدعم ممارسات التنمية المستدامة.
قد تكلف الكوارث المناخية الاقتصاد العالمي نحو 520 مليار دولار سنوياً في المتوسط بحسب تقديرات البنك الدولي، لكن يمكن أن يسهم التحول نحو آليات التكيف مع المناخ والبنية التحتية المستدامة في الحد من تأثر البلدان بتغير المناخ، وبالتالي ضمان الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.
ترتكز الأطر القانونية على مبدأ تكامل الحماية البيئية والعدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي. وتمتد أهميتها إلى ما هو أبعد من الامتثال التنظيمي لتشمل تقديم نهج متكامل للحكومات والمؤسسات لتنظيم التأثيرات البيئية وضمان المساءلة ومنع التدهور البيئي. ومن خلال تحديد المسؤوليات بوضوح ووضع تدابير قابلة للتنفيذ، تسهل الأطر القانونية البيئية الحفاظ على التنوع البيولوجي، مع دعم الاستقرار الاقتصادي من خلال ممارسات مستدامة.
وفي إطار التزام الدول، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة بتحقيق التنمية المستدامة، توفر الأطر القانونية آليات لدمج الاعتبارات البيئية في جميع جوانب عمليات صنع القرار. ولكن لماذا لا تطبق هذه الأطر بفعالية؟
تحديات الحوكمة البيئية
تلزم المعاهدات الدولية مثل اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ واتفاقية التنوع البيولوجي، الدول بوضع مساهمات وطنية محددة لخفض الانبعاثات وحماية الموارد البيولوجية، ما قد يوفر أطراً قانونية تشجع على تبني سياسات وقوانين مستدامة.
وفي هذا السياق، عمل الباحثون مايا خاطر وياسين شامي من جامعة أبوظبي ومحمد البكباجي من جامعة الأمير سلطان في السعودية على دراسة بعنوان: "الحماية القانونية للبيئة والتنمية المستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة" لبحث كيفية تطوير دولة الإمارات لتشريعاتها البيئية الوطنية مقارنة بالأطر القانونية الدولية.
وتوصلت الدراسة إلى أن الإمارات طبقت سياسات بيئية استشرافية من خلال إصلاحات تشريعية ومبادرات استدامة. وقد ارتكز الإطار القانوني الشامل لحماية البيئة والتنمية المستدامة على القانون الاتحادي رقم 12 لسنة 2018 بشأن إدارة النفايات المتكاملة، والقانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999، الذي جرى تحديثه من خلال تشريعات مثل قانون تغير المناخ لعام 2024.
يتضمن هذا الإطار لوائح شاملة لمكافحة التلوث، وإدارة النفايات، والحفاظ على الموارد، تكملها قوانين خاصة بالتنوع البيولوجي، والإشعاعات والمواد الخطرة. ويدعم هذا الهيكل القانوني مبادرات مثل استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، التي تهدف إلى مضاعفة مساهمات الطاقة المتجددة 3 مرات بحلول عام 2030، وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
تظهر هذه القوانين كيف يمكن للإجراءات القانونية تعزيز التوازن بين حماية البيئة والتنمية الاقتصادية من خلال دمج متطلبات الإبلاغ عن المخاطر المناخية والإفصاح عنها في مختلف القطاعات. لكن، على الرغم من قوة الأطر القانونية، تواجه دولة الإمارات 5 تحديات في تطبيق التشريعات البيئية بفعالية، وهي:
1. العقبات التنظيمية وتفاوت مستويات الامتثال، ما يعوق التنفيذ الفعال للسياسات البيئية. ويتفاقم هذا التحدي بسبب طبيعة التنمية المستدامة، باعتبارها "التزاماً بالوسائل لا النتائج"، أي الالتزام ببذل جهود لتحقيق الأهداف البيئية بدلاً من ضمان نتائج محددة.
2. التفاوت في إنفاذ القانون بين مختلف الإمارات، ما يسهم في تطبيق غير متكافئ للقوانين البيئية.
3. نقص في آليات تسعير الكربون، ما يقوض المساءلة والردع.
4. محدودية المشاركة العامة في صنع القرارات البيئية، ما يقلل من الرقابة المجتمعية.
5. الافتقار إلى التدريب المتخصص والتقنيات اللازمة لتحقيق تطبيق فعال للقوانين.
وبالتالي، يقتضي تفعيل الحكومة البيئية في الإمارات، تعزيز المؤسسات القانونية والتعاون الدولي وتوظيف الابتكار. ويمكن تطبيق ذلك من خلال الاستفادة من المناهج النموذجية التي طورها العديد من الدول لتطبيق القوانين البيئية. على سبيل المثال، تظهر النرويج تكاملاً فعالاً للاعتبارات البيئية في المناقصات العامة، وتفرض تقنيات خالية من الانبعاثات على خدمات العبارات والمواقع الإنشائية.
كما يكافح الاتحاد الأوروبي الجرائم البيئية الخطرة من خلال القانون الجنائي، ويدعم قدرات إنفاذ القانون الوطنية، في حين وضعت كندا إطاراً للمسؤولية البيئية يشمل مراحل التخطيط قبل التطوير، والإشراف خلال العمليات، والتنفيذ عند وقوع الضرر، ما يوفر منهجاً منظماً لتنظيم قطاعات التعدين والاستثمار.
وعليه، يمكن لدولة الإمارات مواجهة تحديات تطبيق قوانين حماية البيئة بفعالية، من خلال إصلاحات عدة رئيسية، هي:
- إدماج الاستدامة بوصفها حقاً أساسياً من حقوق الإنسان في دستور دولة الإمارات.
- توسيع نطاق الوصول إلى دعاوى المصلحة العامة لتعزيز المساءلة والمشاركة المجتمعية.
- تطبيق إطار شامل لتسعير الكربون لاستيعاب التكاليف البيئية.
- تعزيز دور السلطات التنظيمية وضمان فرض عقوبات صارمة على المخالفات لتحسين الامتثال.
- زيادة برامج التدريب للعاملين في المجال البيئي بما يسهم في بناء القدرات ومعالجة التحديات البيئية.
خطوات عملية لتعزيز الحوكمة البيئية
يؤكد ما سبق أن تحقيق التوازن بين الحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة أصبح مطلباً عالمياً ملحاً، وأن التنفيذ الناجح للأطر القانونية البيئية بحاجة إلى نهج متعدد الجوانب يشمل:
- تعزيز آليات التنفيذ: تأسيس وحدات متخصصة للجرائم البيئية تربط بين الجهات القضائية والشرطة والهيئات البيئية.
- دمج التكنولوجيا: استخدام إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي لرصد الانتهاكات البيئية في الوقت الحقيقي. ويمثل نظام الرصد الإلكتروني المركزي لبيانات الانبعاثات في دولة الإمارات تطبيقاً ناجحاً لهذا النهج.
- بناء القدرات: تنظيم برامج تدريبية لعناصر الشرطة والمدعين والقضاة والموظفين البيئيين، مع دعم المختبرات الجنائية الفنية.
- إشراك المجتمع: تمكين المجتمعات المحلية من الإبلاغ عن المخالفات وتوسيع دور المدافعين البيئيين.
- التعاون الدولي: تنسيق الأطر القانونية عبر الحدود، وتبادل المعلومات، وتطوير استراتيجيات مشتركة لمكافحة الجرائم البيئية.
ختاماً، إن حماية البيئة لا تنفصل عن مسار التنمية المستدامة، بل تشكل ركيزتها الأساسية. ومن خلال تعزيز الأطر القانونية وتفعيل آليات التنفيذ والمساءلة، يمكن لدولة الإمارات تحقيق التكامل بين العدالة البيئية والنمو الاقتصادي والاستقرار المجتمعي.