ملخص: في عالم يكافح من أجل الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، تحتل الضرائب الخضراء حيزاً مهماً في السعي لتحقيق مستقبل أكثر استدامة، لكن من الضروري توفير رؤى فعّالة حول توزيعها وفعاليتها وتأثيرها الاجتماعي وكذلك البيئي المحتملين. في هذا المقال تكشف دراسة حديثة عن وجود فجوة بحثية في رسم سياسات الضرائب الخضراء، وتقدم 3 توصيات مهمة لصانعي السياسات من أجل رسم سياسات فعّالة للضريبة الخضراء، 1) تضمين الضرائب الخضراء في إطار السياسات الحكومية، 2) تنفيذ سياسات المشتريات الخضراء التي تتطلب من الهيئات العامة شراء المنتجات والخدمات المستدامة بيئياً، 3) تركيز الاتجاهات المستقبلية على التصميم الضريبي المبتكر، واستخدام العائدات الضريبية لتنظيم المبادرات البيئية.
مع تصاعد حدة تغير المناخ العالمي، وتحوّل حياد الكربون وصافي الانبعاثات الصفري إلى ضرورتين عالميتين، تبرز أهمية الضرائب الخضراء لتكون استراتيجية مالية حاسمة تعمل على تعزيز التحول إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون، لكنها تتطلب تحقيقاً شاملاً فيما يتعلق بفعاليتها وآلياتها التشغيلية.
وعليه، أجرى الباحثان من كلية الأعمال بجامعة أبوظبي، هيثم نوباني، ومن قسم الإدارة والتكنولوجيا وعلوم المعلومات بجامعة ضياء الدين في باكستان، سيف الله، دراسة حديثة بعنوان: "رسم خرائط الضريبة الخضراء: تحليل ببليومتري وتصور البحوث ذات الصلة" (Mapping green tax: A bibliometric analysis and visualization of relevant research)، وحللوا 1,502 وثيقة منشورة في قاعدة بيانات سكوبوس (Scopus) من عام 2015 إلى 2022.
وأظهرت النتائج أن "ضريبة الكربون" و"الضريبة البيئية" كانتا من ضمن الكلمات الرئيسية الأكثر استخداماً في هذا التحليل، وأن أبحاث الضريبة الخضراء شهدت تطوراً كبيراً مع إعطاء المجتمعات الأولوية لمعالجة القضايا البيئية وتغير المناخ، لكن لم تستكشف أي من هذه الأبحاث التصور الببليومتري الخاص بدراسة الضريبة الخضراء.
البحث عن حلول جديدة تعزز التحوّل الأخضر
مع تسارع النمو الصناعي وتركيز الاهتمام على قضايا البيئة، تولدت الحاجة إلى سياسات مالية جديدة لتعزيز السلوك المستدام والحد من الأضرار البيئية، فظهر مفهوم الضرائب الخضراء بوصفه أحد التدابير المالية التي تطبقها الدول المتقدمة والنامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويمكن للضرائب أن تأخذ أشكالاً مختلفة، مثل ضرائب الكربون، أو ضرائب التلوث، أو الضرائب على الازدحام، والضرائب على استخدام الأكياس البلاستيكية.
ويتمثل هدف الضرائب الخضراء عادةً في استيعاب التكاليف الخارجية المرتبطة ببعض الأنشطة أو المنتجات أو الخدمات التي لها تأثيرات سلبية على البيئة، وبما يتوافق مع دوافع الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر وتشجيع الأنشطة الاقتصادية التي تساعد على تقليل التلوث وانبعاثات الكربون، وزيادة كفاءة الطاقة الانتقالية، واستخدام الموارد، والحد من الدمار الذي يلحق بالنظام البيئي.
كيف تحفز الضرائب الخضراء على الاستدامة؟
ولّد اعتماد الاقتصادات على الطاقة المولدة بالوقود الأحفوري الكثير من المشاكل البيئية أبرزها ظاهرة الاحتباس الحراري التي تخلق العديد من التحديات للأنشطة المالية والاقتصادية. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الوقود الأحفوري يشكل 60% من إجمالي الاستثمار في الطاقة، في حين يمثل الاستثمار في الطاقة المتجددة أقل من 22%. وزاد إجمالي الدعم المقدم لشركات الوقود الأحفوري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين عامي 2020 و2022 لتستأثر المنطقة بحصة 26% من إجمالي الدعم العالمي للوقود الأحفوري البالغ 1.3 تريليون دولار.
لذا يؤدي فرض الضرائب الخضراء دوراً مهماً في تحفيز الأفراد والشركات والصناعات على الحد من التلوث وتقليل انبعاثات الكربون، ومن خلال هذه الضرائب تجعل الحكومات المنتجات الضارة بالبيئة أقل جاذبية من الناحية الاقتصادية وتشجع على استخدام البدائل المستدامة، على سبيل المثال، تُظهر الأبحاث أن الضرائب الخضراء تعزز كفاءة الحد من انبعاث الكربون من خلال تشجيع استثمار رأس المال الثابت في قطاع البناء بالصين، وتسريع وتيرة البحث والتطوير التكنولوجي.
وفي حين أن الغرض الأساسي من الضرائب الخضراء هو التأثير على السلوك المضر بالبيئة، لكنها تشكل أيضاً مصدراً مهماً لتوليد الإيرادات للحكومة، التي يمكن إعادة استثمارها في تمويل مشاريع الطاقة النظيفة، أو غيرها من البرامج التي تهدف إلى تخفيف الأضرار البيئية، خصوصاً أن التقديرات تشير إلى أن البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطة الدخل قد تحتاج إلى زيادة إنفاقها بنحو 1.4 تريليون دولار سنوياً من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
تحديات تطبيق الضريبة الخضراء وكيفية مواجهتها
يمكن أن تكون الضرائب الخضراء أداة فعالة في تحقيق الأهداف البيئية ومعالجة تغير المناخ عن طريق تحويل الحوافز الاقتصادية نحو ممارسات مستدامة. ومع ذلك، يجب تصميمها بعناية لتجنب تحميل الاقتصادات المنخفضة الدخل أعباء إضافية تحول دون قدرتها على تحقيق أهداف الاستدامة، خصوصاً أن هذه الاقتصادات الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ على الرغم من أنها تسهم فقط بنسبة 5% من انبعاثات الكربون.
وفي ظل بيئة العمل المتغيرة باستمرار، تدرك الشركات أهمية تطبيق ممارسات الاستدامة والامتثال لمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية لتعزيز قدرتها على التكيف والاستعداد لمواجهة تحديات المستقبل، لكن غالباً ما تعرب عن مخاوفها بشأن الضرائب الخضراء، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى العبء المالي الذي يمكن أن تفرضه. وقد استكشفت دراسة حديثة تأثير الضريبة البيئية على الأداء المستدام للشركات التكنولوجية في الصين، ووجدت أن الضرائب البيئية المفرطة ستؤدي إلى تكاليف إضافية كبيرة على الشركات وتقليل أدائها المالي.
وتتحول الضغوط المالية المرتبطة بالامتثال، والتي تشمل الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة وزيادة النفقات التشغيلية، إلى تحدٍّ خاص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ما قد يؤثر على أرباحها وقدرتها التنافسية.
وقد تكون قلة التشريعات في مجال الضرائب البيئية وصعوبة وجود مقياس واضح ومحدد وقلة عدد المتخصصين في هذا المجال، من العوامل التي تصعّب عملية تطبيق الضرائب الخضراء، كما هي الحال في العراق.
أمام هذه التحديات، تبرز أهمية رسم سياسات الضريبة الخضراء لتوفير رؤى حول توزيعها وفعاليتها وتأثيرها المحتمل على النتائج البيئية والاقتصادية، وتحديد الثغرات وأوجه عدم الاتساق في تنفيذها عبر مختلف البلدان والمناطق.
وقدمت دراسة نوباني وسيف الله رؤى وتوصيات مهمة لصانعي السياسات من أجل رسم سياسات فعالة للضريبة الخضراء، أهمها:
1. ينبغي لواضعي السياسات الحكومية تضمين ضرائب الكربون، وضرائب التلوث، ورسوم الازدحام، ودعم الطاقة المتجددة، وحوافز البناء الموفر للطاقة، وسياسات المشتريات الخضراء، وتقييمات الأثر البيئي في إطار صنع السياسات، لأن السياسات المتعلقة بهذه القضايا يمكن أن تعزز اعتماد التكنولوجيات المستدامة وتحفز الطلب على المنتجات والخدمات المستدامة بيئياً.
2. يجب على الحكومات تنفيذ سياسات المشتريات الخضراء التي تتطلب من الهيئات العامة شراء المنتجات والخدمات المستدامة بيئياً، ما يساعد في تحفيز الطلب على المنتجات والخدمات الخضراء وتعزيز تطوير سلاسل التوريد المستدامة بيئياً.
3. يمكن أن تشمل الاتجاهات المستقبلية للضرائب الخضراء تصميماً ضريبياً مبتكراً، وتحليل التأثيرات التوزيعية، وتقييم التعاون الدولي، وتعزيز التكنولوجيا النظيفة، واستخدام عائدات الضرائب الخضراء لتنظيم المبادرات البيئية.
إن رسم سياسات فعّالة للضرائب الخضراء سيسهم في خلق بيئة اقتصادية تشكّل فيها الاختيارات المستدامة قراراً أخلاقياً ومسؤولاً يعزز التوازن البيئي الطويل الأجل.