تهدف السياحة المستدامة إلى الحد من التأثير السلبي للقطاع على البيئة والثقافة المحلية، وتساعد على خلق فرص عمل مستقبلية للسكان المحليين وإشراكهم في إدارة عمليات التنمية السياحية. وقد انخرطت دول عربية في مشاريع سياحية صديقة للبيئة والسكان. فما معنى السياحة المستدامة؟ وما هي البلدان العربية الرائدة فيها؟
احترام للبيئة والتراث الثقافي والاجتماعي
بحسب منظمة السياحة العالمية؛ السياحة المستدامة هي "السياحة التي تأخذ في الاعتبار التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحالية والمستقبلية، وتلبى احتياجات الزوّار والصناعة والبيئة والمجتمعات المضيفة".
وبهذا المعنى، ترتكز صناعة السياحة المستدامة على الاستخدام الأمثل للموارد البيئية والحفاظ على التنوع البيولوجي، وضمان استمرار الجدوى الاقتصادية عبر تعزيز تنافسية القطاع لتتمكن الوجهات والمؤسسات السياحية المحلية من تحقيق عوائد طويلة المدى، إلى جانب المنافع الاجتماعية المتمثلة في جودة الوظائف التي يخلقها القطاع والخدمات الاجتماعية للمجتمعات المضيفة، واحترام التراث التاريخي لتلك المجتمعات وخصوصيتها الثقافية، ففي ظل الاتجاهات الحديثة للتنمية السياحية؛ زاد الاهتمام بحماية التراث والموروثات المادية واللامادية، وتوظيفها سياحياً بطريقة مستدامة. لكن ما الجهود التي تبذلها الدول العربية لتعزيز استدامة السياحة، وما الوجهات الرائدة في هذا المجال؟
خطوات نحو الاستدامة
في الوقت الذي يهتم فيه السياح بحجز تذاكر السفر والإقامة الفندقية، يجب الانتباه لتأثير ذلك في البيئة والمجتمعات المحلية، إذ تبلغ انبعاثات الطيران العالمي نحو 1 مليار طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، وهو أكثر من انبعاثات معظم البلدان، منها ألمانيا.
لذا عملت شركات الطيران على تحسين كفاءة استهلاك الوقود بنسبة 2.3% سنوياً منذ عام 2009، فيما تقدم شركات طيران مثل دلتا (Delta) الأميركية وطيران الإمارات وفيرجن (Virgin) الاسترالية خياراً لمن يشتري التذكرة بدفع مبلغ لتعويض انبعاثات الكربون التي ستحدثها رحلتهم.
يسهم قطاع السياحة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويتطلب تطبيق الاستدامة في القطاع مراقبة مستمرة للتأثيرات الاجتماعية والبيئية، وتعزيز تجربة السياح والحفاظ على مستوى رضاهم وزيادة وعيهم بقضايا الاستدامة وترسيخ ممارساتها.
بحسب تقرير يورو مونيتور انترناشيونال (Euromonitor International)، كشفت جائحة كوفيد-19 عيوب النموذج التقليدي للسياحة والمعتمد على الكم أكثر من النوع، وأن مستقبل القطاع ونجاحه يتمحور حول التحول الرقمي والمستدام.
وفي المنطقة العربية يزداد الاهتمام باستدامة السياحة، إذ اعتمدت السعودية الاستراتيجية الوطنية للسياحة المتوافقة مع رؤية 2030 لرفع مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يزيد عن 10% بحلول العام 2030، وخلق فرص عمل إضافية ليصل الإجمالي الى 1.6 مليون وظيفة.
كما خصصت السعودية 100 مليون دولار لإنشاء صندوق دولي للسياحة الشاملة، بالتعاون مع البنك الدولي، ليكون أول صندوق مخصص لدعم النمو السياحي العالمي.
وتصدرت الأردن دول منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا كوجهة سياحية مستدامة. على سبيل المثال، تتمتع محافظة عجلون بمقومات سياحية طبيعية وبشرية تؤهلها لإقامة سياحة مستدامة تستطيع من خلالها إنشاء مشاريع تنموية محلية.
أما مصر، فركزت في استراتيجيتها الوطنية للسياحة المستدامة، والتي تدخل في إطار رؤية مصر 2023، على زيادة القدرة التنافسية للقطاع وتعزيز المشاركة الاجتماعية ورفع كفاءة الموارد البشرية، كما أنجرت وعدّلت مجموعة من القوانين والإجراءات التشريعية الخاصة بالقطاع، مثل تعديل قانون حماية الآثار لتشديد عقوبة سرقة الآثار وتهريبها.
وبحسب تقرير المجلس الإقليمي للغرف الأميركية التجارية بشمال إفريقيا والشرق الأوسط (AmCham MENA Regional Council)، فإن السياحة تشكل 10% من إجمالي الناتج المحلي لمصر، لا سيما مع عودة حركة السفر الدولي والمحلي بعد جائحة كوفيد-19، وتوجه الحكومات وشركات السياحة لاحترام المعايير البيئية المرتبطة بالقطاع.
وباستضافتها لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب 27 (COP27) عرضت مصر مدينة شرم الشيخ كوجهة خضراء عبر اعتماد شبكة حافلات كهربائية، وشبكة كهرباء تعمل بالطاقة الشمسية والفنادق الصديقة للبيئة.
وخلال عام 2023، تتحضر دولة الإمارات العربية المتحدة لاستضافة مؤتمر الأطراف لتغير المناخ كوب 28 (COP28) وتسعى من خلاله لبحث فرص خلق اقتصاد أكثر استدامة وتقدماً عبر بوابة السياحة.
كما تعمل مبادرة دبي للسياحة المستدامة على تعزيز استدامة قطاع السياحة من خلال تنظيم المبادرات التوعوية وتحديد المعايير اللازمة للارتقاء بمستويات الاستدامة والممارسات البيئية في فنادق الإمارة وتحسين تجربة الزوار والسياح.
صناعة فاعلة بحاجة لاستدامة
تعد السياحة من الصناعات الفاعلة في العالم، إذ أسهمت بنسبة 6.1% في الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2021 ومن المرجح ارتفاع هذه النسبة إلى 10.8% في نهاية عام 2026، كما تمثل السياحة 10.3% من القوى العاملة حول العالم.
لكن وسط التوقعات بوصول عدد السائحين إلى 1.8 مليار سائح بحلول عام 2030، تبرز الاستدامة كمطلب رئيس من كل الفاعلين في قطاع السياحة، خصوصاً أنه من المرجح زيادة انبعاثات الكربون من النقل المرتبط بالسياحة إلى نحو 2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030، لتسهم السياحة في 22% من إجمالي انبعاثات قطاع النقل العالمي و5.3% من إجمالي الانبعاثات العالمية.
كما أن متوسط استهلاك المياه للسائح الواحد يتراوح بين 84 إلى 2,000 لتر من الماء يومياً، مقارنةً بـ 127 لتراً في اليوم للفرد العادي، حتى الأنشطة والمرافق السياحية تزداد فيها معدلات استهلاك المياه، مثلاً، يستهلك ري أراضي ملاعب الجولف نحو 9.5 مليار لتر من المياه يومياً.
تتطلب صناعة السياحة الكثير من الموارد وتضم العديد من أصحاب المصلحة، وعدم إدارتها بشكل جيد يتسبب بآثار بيئية ضارة، مرتبطة بالتلوث الناجم عن بناء المطارات والمرافق السياحية مثل المطاعم والفنادق والمنتجعات، وزيادة الضغط على موارد المياه والطاقة، وفقدان المحميات الطبيعية والتنوع البيولوجي، لذا يعد التخطيط والإدارة المستدامين ضرورة لاستمرار الصناعة.
وعليه، جاء مفهوم السياحة المستدامة ليوفر حلولاً تساعد على الحد من هدرِ الموارد وتقليل الانبعاثات الكربونية ودعم المجتمعات المحلية عبر خلق فرص العمل للسكان والحفاظ على تقاليدهم الثقافية.
تحديات السياحة المستدامة
على الرغم من المبادرات والإجراءات المتبعة لتطبيق السياحة المستدامة، فإن ثمة مجموعة من التحديات تواجه تعزيز هذا المجال، منها:
- الافتقار إلى المعرفة والوصول إلى المواد اللازمة لتحقيق السياحة المستدامة.
- الافتقار الى استراتيجية واضحة حول السياحة وآفاق تطورها، ما قد يؤثر في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والموروث الحضاري.
- ضعف موقع التنمية السياحية في خطط التنمية، والنقص الواضح في البيانات والمعلومات المرتبطة بالقطاع.
- ضعف الوعي بأهمية السياحة المستدامة، وافتقار الأشخاص إلى المهارات اللازمة لتطبيق ممارستها، كما أن تدريبهم يتطلب الكثير من الوقت.
- قد تسبب النزاع على الموارد الطبيعية، مثل امتيازات الأراضي، في حدوث مشكلات في مناطق السياحة المستدامة.
لذا، يجب معالجة هذه التحديات لضمان الاستفادة من المزايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئة للسياحة المستدامة واعتماد التدابير الوقائية الضرورية في هذا الإطار.