ما الذي يجعل السعودية الوجهة المقبلة للسياحة المستدامة؟

shutterstock.com/spc3mky
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

في السنوات الأخيرة، نظرت المملكة العربية السعودية إلى السياحة من خلال عدسة مختلفة واتخذت خطوات متقدمة نحو الاستدامة كجزء من رؤية 2030، التي تستهدف تقليل الاعتماد على النفط وفتح الأفق أمام قطاعات أخرى لتعزيز فرص التنمية.

تهدف المملكة إلى استقطاب ما يزيد على 100 مليون سائح بحلول 2030، وتعمل على تطوير العديد من الوجهات السياحية الكبيرة، لكنّ لهذه الإجراءات تأثيراً سلبياً على البيئة والمجتمع، مثل الإضرار بالموارد الطبيعية وارتفاع تكلفة المعيشة ما يتطلب تطوير الوجهات السياحية بالتوازي مع تطبيق الممارسات المستدامة التي تساعد على حماية البيئة وخلق فرص عمل للمواطنين والحفاظ على تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم.

لذا استهدفت رؤية 2030 توفير مليون فرصة عمل إضافية في القطاع السياحي ليصل الإجمالي إلى 1.6 مليون وظيفة بحلول العام 2030، ورفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي من 3% إلى أكثر من 10%.

أهمية التحول نحو الاستدامة السياحية

تسهم صناعة السياحة العالمية بنحو 8% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومن المتوقع ازدياد انبعاثات الكربون الناتجة عن القطاع بنسبة 25% بحلول عام 2030، ما يخلق مزيداً من الأضرار البيئية والمجتمعية.

ومع انتشار جائحة كوفيد-19 انكشفت جوانب ضعف قطاع السياحة أمام الأوبئة والأزمات، وبات الاهتمام بالسياحة المستدامة أكبر من أي وقت مضى، ووفقاً لتقرير “يورو مونيتور إنترناشيونال” (Euromonitor International)، يتمحور مستقبل القطاع ونجاحه حول التحول الرقمي والمستدام.

وعليه، لم يعد العثور على وجهة جديدة للسفر قائماً على الخيارات القديمة التي يقترحها “جوجل”، إذ كشفت دراسة شركة يوغوف (YouGov) للأبحاث، أن 53% من المستهلكين العالميين سيبحثون عن خيارات سفر مستدامة، والخوض في تجارب فريدة تخرجهم من مسارات السفر التقليدية إلى وجهات غامضة يسعون إلى اكتشافها.

تفرض هذه التوجهات الجديدة على الحكومات وصنّاع السياسات ضرورة العمل على خطط فعّالة ومُحكمة للحفاظ على البيئة، فالمملكة مثلاً تستقبل بين 2.5 إلى 9 ملايين حاج سنوياً، ما قد ينتج عنه استهلاك نحو 15 مليون كوب بلاستيكي لتلبية احتياجات المياه لكل مسافر، ويمكن أن تساعد التكنولوجيا على إعادة التدوير، لكن السياحة المستدامة تعني البحث عن طرق لزيادة وعي المسافرين بحجم ما تخلّفه أنشطتهم من بصمات بيئية وآثار مجتمعية، ودعمهم للمجتمع المحلي وتشجيع تراثه الثقافي دون الإنقاص من مستوى رفاهيتهم.

مشاريع سياحية مستدامة في السعودية

إن طرح رؤى وأفكار جديدة يرافقه دائماً تغييرات اجتماعية واقتصادية، ولا يمكن التعويل على القطاع الخاص وحده في ذلك، فالتحولات الكبرى في قطاع السياحة كانت بحاجة إلى دعم حكومي في أمور الرقابة والمتابعة، ليتمكن القطاع من تحفيز النمو وخلق المزيد من الوظائف، وبالتالي يمكن اعتبار التحول نحو السياحة المستدامة، تحولاً مؤسسياً تؤدي فيه الحكومة دور الداعم والضامن لمشاريع التطوير والتحديث.

وبدأت السياحة المستدامة في السعودية الانتقال من مسار التخطيط إلى التنفيذ، إذ تتطلع المملكة إلى أن تصبح الوجهة السياحية المستدامة التالية بمساعدة مشاريع كبرى تجمع بين الرفاهية وجهود الحفاظ على البيئة وتنشيطها، أهمها:

مشروع البحر الأحمر

في عام 2017 تم الكشف عن مشروع البحر الأحمر بوصفه وجهة سياحية متجددة على طول الساحل الغربي للمملكة، بهدف جذب المسافرين إلى المنظومات اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ اﻟﺒﻜﺮ التي تتمتع بالتنوع البيولوجي البحري.

وتسعى شركة البحر الأحمر للتطوير من خلال هذا المشروع إلى حماية البيئة والحياة البحرية والموائل عبر التحسينات القابلة للقياس في التنوع البيولوجي، واستخدام الطاقة المتجددة بنسبة 100% لتحقيق صافي انبعاثات صفري، والوصول إلى تأثير إيجابي صافٍ بنسبة 30% بحلول عام 2040.

يتضمن المشروع بناء 50 فندقاً فاخراً ومطاراً دولياً ومجموعة من المرافق الترفيهية وفق معيار يسمى “الاستدامة المتجددة”، الذي يركز على تحسين البيئة، ليصبح مرجعية عالمية للسياحة المستدامة والحفاظ على البيئة، والأهم من ذلك، تجديدها.

نجاح مثل هذه المشاريع الطموحة يعتمد على الشباب الذي يقود مستقبل الدولة ويسهم في تحقيق رؤيتها، لذا سيخلق مشروع البحر الأحمر نحو 70 ألف فرصة عمل محلية، خصوصاً أن السياحة والضيافة من بين أفضل ثلاث مهن جاذبة للشباب السعودي، كما يعتقد 8 من كل 10 شباب أن الحصول على مهنة في قطاعي السياحة والضيافة سيضمن لهم فرصاً وظيفية جيدة.

مشروع نيوم

يمثل مشروع نيوم نقلة نوعية لمستقبل السياحة في السعودية، إذ يمزج بين الاستدامة والابتكار والرفاهية، ويجمع 14 قطاعاً من التخطيط والهندسة إلى النقل والطاقة والتكنولوجيا والصحة والرياضة لخلق نظام بيئي متكامل.

يهدف المشروع إلى الحفاظ على 95% من الموارد الطبيعة وإنشاء أكبر حديقة مرجانية في العالم، وسيسهم في مبادرة السعودية الخضراء من خلال زراعة 100 مليون شجرة وشجيرة وأعشاب واستعادة 3.7 ملايين فدان من الموائل الطبيعية بحلول عام 2030.

كما ستستضيف منطقة نيوم أكبر مشروع للهيدروجين الأخضر في العالم، الذي يهدف إلى التخلص من 3 ملايين طن من انبعاثات الكربون سنوياً، وبذلك ستمثل نموذجاً جديداً من الاستدامة الحضرية التي تمزج الجانبين السياحي والخدمي بأهداف تنموية تتماشى مع رؤية 2030 في أن تكون السياحة أداة رئيسية لدعم الاقتصاد المحلي وخلق فرص جديدة للمواطنين، إذ من المتوقع أن تصل مساهمة مشروع نيوم في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى 100 مليون دولار بحلول عام 2030.

تجاوزت تحركات السعودية نحو السياحة المستدامة النطاق المحلي لتصبح في طليعة الدول المشاركة في التعهد الدولي لتطوير نموذج مستدام للسياحة، كما خصصت السعودية 100 مليون دولار لإنشاء صندوق دولي للسياحة الشاملة، بالتعاون مع البنك الدولي، ليكون أول صندوق مخصص لدعم النمو السياحي العالمي، فضلاً عن اتخاذ الرياض مقراً رئيسياً للمركز الدولي للسياحة المستدامة الذي تأسس لقيادة تحول قطاع السياحة إلى صافي الانبعاثات الصفري وتسريع الخطوات نحو هذا الاتجاه وتنظيمها.

إن قدرة المملكة على قيادة جهود التحول نحو استدامة السياحة والترفيه تعتمد على إدراكها أهمية دمج أصحاب المصلحة في عملية التحول مثل معرفة آراء أصحاب الفنادق حول الاستدامة، ومشاركة سكان الوجهة في التخطيط السياحي عبر تمكينهم ومساعدتهم على اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة للمشاركة في تطوير السياحة.

تتطلع السعودية إلى موقع الريادة العالمية في مجال السياحة المستدامة، وتدرك أهمية تسخير قوة السياحة من أجل الطبيعة من منظور مستدام، يحترم البيئة والطبيعة ويجعل الأفراد جزءاً من سياسات التنمية.