متى يمكن للأساليب المبتكرة الحفاظ على حياة الأفراد من حوادث الطرق؟

تمكن نهج ابتكاري لرفع مستوى السلامة المرورية من تخفيض معدل الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية في أحد أخطر الطرق السريعة في الهند إلى النصف.

في ساعات الصباح الباكرة من يوم 30 يناير/كانون الثاني 2022، قفزت سيارة دفع رباعي فوق منصف الطريق الدولي السريع 48 في الهند واصطدمت مقدمتها بشاحنة مقتربة. كان السائق قد غطّ في النوم في أثناء القيادة، ونظراً لعدم وجود حاجز يمنع الاصطدامات لإيقاف السيارة، فقد مات الركاب الخمسة. تحصد الحوادث المرورية مثل الحادث السابق حياة حوالي 1.35 مليون شخص حول العالم سنوياً، وتنفرد البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته بنسبة 93% من هذه الوفيات (على الرغم من أنها لا تحتوي سوى 60% من عدد المركبات في العالم). والهند وحدها، وبالرغم من أنها تضم فقط 1% من إجمالي عدد المركبات في العالم، تحتوي على 11% من الوفيات العالمية بحوادث الطرقات، ففي عام 2020، أبلغت السلطات الهندية عن 366,138 حادثاً مرورياً و131,714 حالة وفاة ناجمة عنها.

إلا أن أغلب الوفيات الناجمة عن الحوادث المرورية يمكن تفاديها.

الحلول الممكنة

في عام 2016، قدمت مؤسسة سيف لايف (SaveLIFE Foundation) أو (SLF)، وهي مؤسسة هندية غير ربحية، حلَّ ممر انعدام الوفيات (Zero Fatality Corridor) أو (ZFC)، الذي حقق منذ بداية تطبيقه انخفاضاً غير مسبوق في الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق على امتداد الطريق الذي نُفذ عليه. تم تكييف حل ممر انعدام الوفيات وإضافته إلى نهج النظام الآمن (Safe Systen Approach)،وهو مفهوم تقليدي غربي، بهدف جعله مناسباً لظروف الهند ومتطلباتها.

يدرك نهج النظام الآمن أن الناس معرضون للخطأ ويمكن أن يرتكبوا أخطاء قد تكون قاتلة لهم أو لمستخدمي الطريق الآخرين -بغض النظر عن مدى جودة تدريبهم.

إن نموذج ممر انعدام الوفيات بدوره هو ابتكار مصمم خصيصاً ليوفق بين الوقائع والموارد والبنية التحتية القائمة في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته، التي تختلف اختلافاً جذرياً عن نظيراتها من البلدان المتقدمة. فعلى سبيل المثال، وعلى عكس الدول المتقدمة، غالباً ما يعيش الناس في البلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته بالقرب من الطرق السريعة ويستخدمونها يومياً سيراً على الأقدام أو من خلال وسائل النقل التقليدية البطيئة. وهذا يزيد من مناطق الحوادث.

يتضمن حل ممر انعدام الوفيات بعض الممارسات مثل وضع سيارات الإسعاف في المواقع التي ترتفع فيها الوفيات، واستخدام الطائرات من دون طيار للتعرف على السيارات المتوقفة لمنع الاصطدامات الخلفية بشكل استباقي، وحلول هندسة الطرق الفريدة من نوعها التي تتناسب مع واقع البلدان مثل الهند. وقد ساعد نموذج ممر انعدام الوفيات على إنشاء بيئة آمنة مصممة خصيصاً لهذه البلدان مع طرق ومركبات وسرعات وسائقين أكثر أماناً، واستجابات سريعة في حالات الحوادث.

بدأ تطبيق نموذج ممر انعدام الوفيات في عام 2016 على طريق مومباي بونا السريع (MPEW) في ولاية ماهاراشترا، عن طريق تعاون بين مؤسسة سيف لايف، وشركة تطوير الطرق بولاية ماهاراشترا (MSRDC)، وشركة صناعة السيارات ماهيندرا آند ماهيندرا (Mahindra & Mahindra). حيث إنه في الفترة ما بين عامي 2010 إلى 2016، شهدت المسافة التي تبلغ 95 كيلومتراً 2579 حادثاً مرورياً و887 وفاة، ما جعل هذا الطريق أحد أخطر الطرق السريعة في الهند.

كجزء من حل ممر انعدام الوفيات، تم التحقيق علمياً في أكثر من 800 حادث مروري للكشف عن عوامل البنية التحتية والمركبات والعوامل البشرية؛ أي مخاطر البنية التحتية مثل الهياكل الخرسانية المكشوفة، والقضايا السلوكية مثل السائقين الذين يقومون بمحاذاة السيارات أكثر من الحد المسموح ليتمكنوا من التجاوز، ومشاكل المركبات مثل تعطل أحد إجراءات السلامة في السيارة. فعلى سبيل المثال، حددت مؤسسة سيف لايف أكثر من 3,500 مشكلة هندسية منفصلة، وحرص الشركاء في شركة تطوير الطرق بولاية ماهاراشترا على إصلاح معظمها بأقصى سرعة، مثل حماية الهياكل الخرسانية على الطريق السريع بحواجز الاصطدام، وتركيب لافتات للمساعدة على تنظيم سلوك السائقين، وسد الفجوات غير المخطط لها في حاجز المنتصف لمنع الاصطدامات المفاجئة العالية السرعة.

كشفت البيانات أيضاً عن الحاجة الملحة لمنع الاصطدامات الخلفية، التي كانت تتسبب بنسبة 40% من الوفيات على الطريق السريع. وفي العديد من الحالات، كان السائق الناعس يصطدم بسيارة متوقفة أو مبطئة من الجانب. كان التوجيه القائم (من الغرب) هو منع مثل هذه الاصطدامات عن طريق تثبيت "خطوط ملموسة على جانبي خطوط الطريق"، التي من شأنها أن تصدر صوتاً عالياً في مقصورة السيارة إذا تجاوز السائق الخط. لسوء الحظ، كان هذا الحل غير فعال في الظروف الهندية إذ إن بعض السائقين قد يقودون ببساطة فوق خطوط الحافة الضيقة للوصول إلى الممر الجانبي ويستخدمونه لتجاوز السيارات الأخرى. ولتثبيط ذلك، تم توسيع خطوط الحافة الملموسة ونشرها على عرض الممر الجانبي بالكامل. هذا التعديل الذي أطلقت عليه مؤسسة سيف لايف اسم "خطوط الممرات الجانبية الملموسة" (TSL) أحدث تأثيراً إيجابياً على الفور.

كان الإجراء الآخر لمنع الاصطدامات الخلفية هو استخدام المراقبة النشطة لحركة المرور لمنع توقف السيارات على الطريق السريع. حيث خصصت مؤسسة سيف لايف سيارات دوريات وطائرات من دون طيار عالية بقدرات عالية للتعرف المسبق على السيارات المتوقفة أو المعطلة وإزالتها أو إحاطتها، وهذا النظام يتم تطبيقه الآن من قبل الشرطة والوكالة المالكة للطرق. كما تم توسيع قدرة قوات الشرطة على تطبيق القوانين عبر توظيف كاميرات تكشف عن السرعة، خاصة ضمن المناطق ذات معدلات الوفيات العالية وقبلها.

وفي سبيل جعل الاستجابة الطبية الطارئة أسرع، تم استخدام تحليلات البيانات لتحديد المناطق العالية الوفيات؛ بدلاً من الإجراء الذي كان متبعاً عبر وضع سيارة إسعاف في ساحات تحصيل الرسوم، وقد أدى تعيين سيارات الإسعاف بالقرب من المواقع الخطِرة إلى خفض متوسط وقت الاستجابة من 35 دقيقة إلى أقل من 10 دقائق.

التكرار

اعتباراً من عام 2020، نجح نموذج ممر انعدام الوفيات في خفض حوادث الطرق المميتة على الطريق السريع بنسبة 52% (بعد التعديل الإحصائي لحساب تأثير جائحة كوفيد). وهذا شجع الحكومة الفيدرالية الهندية وحكومات الولايات على تبني النموذج لتطبيق إجراءات السلامة على أصعدة أكبر. فعلى سبيل المثال، أضافت حكومة ولاية ماهاراشترا بالشراكة مع مؤسسة سيف لايف وشركة شكودا أوتو فولكس فولكس فاغناجن الهندية (Skoda Auto Volkswagen India)، مقطعاً بطول 111 كم من الطريق السريع الوطني 48 إلى قائمة الطرق المطبق عليها مشروع ممر انعدام الوفيات. وقد ساعدت تدخلات ممر انعدام الوفيات مثبتة الفعالية في هندسة الطرق وهيكلة قوات الشرطة والمشاركة الاجتماعية على تخفيض الوفيات بسبب الحوادث المرورية على هذا المقطع من الطريق السريع من 268 وفاة في عام 2018 إلى 79 وفاة في عام 2020، وهو انخفاض بنسبة 54% في الوفيات (بعد التعديل الإحصائي لحساب تأثير جائحة كوفيد).

على مدار العامين الماضيين، حقق البرنامج أيضاً انخفاضاً في الوفيات بنسبة 38% على "طريق يامونا السريع" في ولاية أوتار براديش، وهي الولاية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الهند وقد سجلت أعلى نسبة من الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق في البلاد.

التوسع على النطاق الوطني والعالمي

كنتيجة لنجاح النموذج، دخلت الوزارة الهندية للنقل البري والطرق السريعة (MoRTH) في شراكة مع مؤسسة سيف لايف لتوسيع نطاق هذا النموذج ليشمل 15 طريقاً سريعاً هي الأكثر خطورة في البلاد. وهذا يتضمن طريقاً سريعاً في كل من ولايات أوتار براديش وماهاراشترا وكارناتاكا وتاميل نادو وتيلانجانا وهاريانا وماديا براديش والبنجاب وغوجارات وبيهار وتشهاتيسجاره وأندرا براديش وراجستان وبنغال الغربية.

يبحث نموذج ممر انعدام الوفيات في الظروف والحقائق الخاصة بالبلدان المنخفضة الدخل والمتوسطته ويقدم اقتراحات مدعومة علمياً حول الحلول الأكثر فعالية من حيث التكلفة لمنع حوادث الطرق والوفيات. وهذا النموذج قابل للتعديل والتطوير في السياقات حيث تكون الإعدادات المعقدة والموارد المنخفضة هي العوائق الرئيسة أمام تطبيق إرشادات السلامة الطرقية التقليدية التي تم وضعها في الدول المتقدمة.

إن الطرق الآمنة هي شرط أساسي للعديد من الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، منها الحق في الحياة والتعليم وحرية التنقل والعمل، والعديد غيرها. كما تمت الإشارة إلى السلامة على الطرق في هدفين من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وهما الهدفان 3.6 و11.2. إن مجموعة حلول نموذج ممر انعدام الوفيات الشاملة والمختصرة والمستندة إلى الأدلة بالإضافة إلى سهولة تطبيق النموذج، تجعلان منه المرشح الرئيسي للتطبيق في الهند وغيرها من البلدان.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.