تسخير تقنية “بلوك تشين” لتحقيق الشمول المالي

تقنية بلوك تشين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بدأت تقنية “بلوك تشين” مساعدة الناس بأربع طرق في بلدان مثل كينيا والأرجنتين على بناء حياة أكثر ازدهاراً وقدرة على الصمود من خلال زيادة فرص الحصول على الخدمات المالية.

بطاقات الائتمان والحسابات المصرفية وأجهزة الصراف الآلي كلها أدوات بسيطة يعدها الكثير منا من المسلَّمات. حتى لو كنا نكافح مالياً، فإننا نمتلك غالباً الوسائل الكفيلة بمساعدتنا على تجاوز هذه الضائقة، بفضل نظام المصارف والائتمان المحكَم.

لكن ليس هذا الحال في كثير من أنحاء العالم. يقدر “البنك الدولي” أن 1.7 مليار شخص، أو 31% من مجمَل البالغين، “لا يملكون حسابات مصرفية”، وتصل هذه النسبة في بعض الأنظمة الاقتصادية النامية إلى 61%. والنساء أسوأ حالاً، حيث يشكلن 55% من الأشخاص الذين لا يملكون حسابات مصرفية.

لدى 1.7 مليار شخص الذين تخلى عنهم النظام المصرفي التقليدي -والذين يواجهون أصلاً تحديات اقتصادية في معظم الأحيان- وسائل قليلة لإرسال الأموال واستلامها بسهولة، وإنشاء حساب توفير، والحصول على الائتمان، أو ضمان التأمين. ودون احتياط مالي، تكون حالات الطوارئ مدمرةً.

حل المشكلة باستخدام تقنية بلوك تشين

تقول كريستين موي وجيل كارلسون في مدونة “المنتدى الاقتصادي العالمي”، تبشر تقنية “بلوك تشين” بتوسيع الشمول المالي ليشمل مزيداً من أنحاء العالم. توصف هذه التكنولوجيا بأنها “عالمية، ومفتوحة المصدر، ومتاحة لكل من لديه وصول إلى الإنترنت، بغض النظر عن جنسيته، وعرقه، وأصله، ونوعه الاجتماعي، وطبقته الاجتماعية والاقتصادية”.

مع أن العديد يربطون “بلوك تشين” بالعملات المشفرة مثل “بيتكوين” أو “دوجكوين” -وربما بالجشع أو النشاط غير المشروع أو المجازر البيئية- فإن هذه التكنولوجيا، ببساطة طريقة لا مركزية لتنظيم المعاملات في قاعدة بيانات، أو دفتر الأستاذ، ليتفق العديد من الأطراف الذين لا يثق بعضهم ببعض على حالة تلك المعاملات دون الحاجة إلى وسيط. وجميع المعاملات المسجلة ثابتة وشفافة ومشفرة. ومن هذا المنطلق، فإن “بلوك تشين” يعيد تعريف دور المصارف أو الحكومات أو الشركات عبر إتاحة المعاملات المالية التي يمكن أن تكون أكثر أماناً وكفاءةً وأقل ثمناً من البدائل التقليدية.

لسنوات، كانت غالبية هذه الأفكار حول “بلوك تشين” والشمول المالي نظرية. أفكار مجردة. أما الآن، فتتجسد هذه النظرية بوجود تطبيقات بدأت تظهِر نتائج أولية في معالجة المشاكل الإنسانية. في منظمة “اليونيسف”، وبصفتها جزءاً من صندوق الابتكار لدينا، استثمرنا نحو مليوني دولار في مشاريع “بلوك تشين”، ونحو 2,000 إيثيروم و”بتكوين” واحدة من خلال “كريبتو فَند” (CryptoFund) الخاص بنا، وهو مسعى أصبح ممكناً بفضل الدعم الأولي من مؤسسة “إيثيروم” (Ethereum)، والشراكات اللاحقة مع “أنيموكا براند” (Animoca Brands)، و”تشين لينك” (Chainlink)، و”هووبي تشاريتي” (Huobi Charity). في دورة الاستثمار الأخيرة، ركزنا على إيجاد الحلول التي ستنشئ سبلاً لتحقيق الشمول المالي للعديد من الأشخاص الذين ما زالوا مستبعدين. راجعنا أكثر من 400 مشروع واستثمرنا في ثمانية، وبينما لا نزال نقيّم استخدام تقنية “بلوك تشين” في حالات الأزمات الإنسانية، بدأت هذه المشاريع بالفعل بتحسين نمط الحياة في بلدان مثل كينيا والأرجنتين.

4 وسائل لاستخدام “بلوك تشين” لتحقيق الشمول المالي

1- خدمات الدفع. قد يكون نقل الأموال مكلفاً. تفرض “ويسترن يونيون” (Western Union) رسوماً تصل إلى 35% على عمليات التحويل التي تقل عن 10 دولارات أميركية. قد يزعج هذا سكان نيويورك الأثرياء قليلاً، لكن بالنسبة لشخص يعيش في كينيا، فهذا يعني أن طفلاً سينام جائعاً. إن الرسوم الباهظة مشكلة، وكذلك مسألة الوصول. لا يصعب إرسال الأموال وتسلمها على 1.7 مليار شخص لا يملكون حسابات مصرفية فحسب، إنما يفتقرون أيضاً إلى وسائل فتح حساب مصرفي (مثل جواز السفر وإثبات الدخل وإنترنت ثابت وهاتف ذكي). خلال العقد الماضي، حقق الدفع عن طريق الهواتف الذكية تقدماً كبيراً لتحقيق هذه الغاية. فمثلاً وجدت دراسة أجرتها مؤسسة “إنوفيشنس فور بوفيتري أكشن” (Innovations for Poverty Action)، أنه عندما وسعت خدمة تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول نطاقها في كينيا، “غيّرت نحو 185 ألف امرأة وظائفهن، وارتفعت 194 ألف أسرة، معظمها أسر تعيلها نساء، فوق خط الفقر”. لكن للدفع عن طريق الهواتف الذكية مجال للتحسن في إطار السعي ليشمل مزيداً من الأشخاص مالياً.

أحد المشاريع التي استثمرت منظمة “اليونيسف” فيها هي “ليف” (Leaf)، مقرها في رواندا وتتيح للأشخاص إرسال وتسلم الأموال مباشرة من هواتفهم، حتى لو لم يكن هاتفاً ذكياً، ولا تتطلب وجود جواز سفر أو إنترنت. بدءاً من أكتوبر/تشرين الأول 2021، أتم 5.871 مستخدماً (من كينيا وأوغندا ورواندا) 97.819 معاملة. كان متوسط ​​التحويل من شخص إلى آخر هو 4.97 دولاراً، وهو مبلغ سيترتب عليه رسوم جزائية في حالة مراسلات الأموال التقليدية. الكثير من أولئك المستخدمين لاجئون راوانديون من جمهورية الكونغو الديمقراطية -قادرون الآن على تسلم الأموال من عائلاتهم في بلدان أخرى- وآخرون يستعينون بمشروع “ليف” لشراء حاجيات مثل الطعام والخضراوات.

استثمرنا أيضاً في مشروع مماثل في كينيا، يسمى “كوتاني باي” (Kotani Pay)، الذي يتيح للكينيين إدخال رمز قصير إلى هواتفهم (حتى لو كان هاتفاً عادياً) لإرسال وتسلم العملات المشفرة، ثم تحويلها إلى شيلينغ الكيني (العملة في كينيا). بدءاً من أكتوبر/تشرين الأول 2021، أتم 2.598 مستخدماً (من كينيا وأوغندا ورواندا) 137.195 معاملة مالية. حوّل المستخدمون أكثر من 400 ألف دولار متراكم حتى تاريخه، وكان متوسط ​​التحويل من شخص لآخر دولار واحد.

يستعين كل من “ليف” و”كوتاني باي” بتقنية “بلوك تشين” ليتيحا تحويل الأموال بكفاءة أكبر، ويوفران للمستخدم نفس مزايا تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، إذ يضيفان إليه واجهة معاملات مالية من نظير إلى نظير آمنة تعمل برسوم أقل (الإدارة مجانية ورسوم التحويل إلى سيولة أقل من 2%) وتستغرق وقتاً أقل لتنفيذ المعاملات (بين 3-5 ثوانٍ). على الرغم من أن هذه الأرقام قد تبدو واضحة لأي شخص يستخدم تطبيقات مثل “فينمو” (Venmo) في دولة متقدمة، لا يزال الوصول يمثل مشكلة ملحة في البلدان المنخفضة الدخل. قررت “الأمم المتحدة” أننا نحتاج للحد من عدم المساواة العالمية بحلول عام 2030، إلى خفض تكلفة الحوالات المالية الدولية إلى أقل من 3%.

مع أن تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول قد وجد ليكون خياراً محلياً، يعكف مشروعا “ليف” و”كوتاني باي” على إنشاء تطبيق لا مركزي ويعمل خارج حدود البلاد. هذا يعني أن الرسوم الإضافية الوحيدة المرتبطة بالتحويلات الدولية هي قيمة تحويل العملة.

من خلال المعاملات المالية الفورية والزهيدة والقابلة للتتبع التي يمكن أن تحمل عدة عملات، على عدة شبكات للهاتف المحمول على الصعيدين الوطني والدولي، تصبح تطبيقات “بلوك تشين” تكنولوجيا جذابة تستخدم في الحوالات المالية، خاصةً للتحويلات المالية الصغيرة.

2- الادخار. تعمل البنوك عادة وسيطاً بين الأشخاص الذين لديهم فائض مالي أو نقص في المال، ما يؤدي إلى كسب انتشار المعاملة (الفرق بين قيمة الفائدة التي يفرضها البنك على المقترض وقيمة الفائدة التي يدفعها البنك للمودع). مع أن النظام المصرفي قد حقق هذا الهدف، فإن تعقيده وتكاليف التشغيل المرتفعة أتاحت له تحقيق ذلك فقط بوجود قيود تعيق الدخول إلى السوق، ما أدى إلى استبعاد الكثيرين. في الواقع، لا يحظى معظم الأشخاص في العالم بإمكانية الحصول على حسابات التوفير، وهذا يعني أنه إذا حالف القرويين أو المزارعين حظ كافٍ ليجمعوا أي مدخرات على الإطلاق، فستكون غالباً على شكل أصول مادية، مثل الماشية. يصعب تسييل هذه الأصول في حالات الطوارئ، كما أن تخزين الأموال يزيد احتمال تعرض الناس للتضخم.

تستخدم شركة “إكس كابيت” (Xcapit)، التي مقرها في الأرجنتين، دفتر الأستاذ اللامركزي الخاص بتقنية “بلوك تشين” لتوفير منصة بديلة تسهل الأمر (وتخفف رهبته) على من لا يملك حساباً مصرفياً أو ائتماناً أو طلاقةً ماليةً للادخار والاستثمار. أي شخص مؤهل وقادر على فتح حساب بمجرد تنزيل التطبيق وتفعيل المحفظة. لبدء الاستثمار، الأمر الوحيد الذي يحتاجون إليه هو أن يكون لديهم عملات مشفرة، التي ينقلونها من منصة أخرى أو يشترونها من شركاء تطبيق “إكس كابيت”. بعد الانتهاء من عملية الفرز التي تتألف من إدخال المعلومات الشخصية (التي قد تكون بسيطةً مثل الاسم ورقم الهاتف المحمول)، يحدد المستخدمون قيمة المال الذي يرغبون في استثماره ومستوى المخاطرة. يمكنهم التعرف على ملف تعريف المستثمر الخاص بهم في أثناء إجابتهم على اختبار مضمَّن في التطبيق، وقد قدمت “إكس كابيت” منتجات مالية مختلفة ذات إيرادات مختلفة. يستطيع المستخدمون الاطلاع على أداء استثماراتهم على تطبيقهم، واختيار استرداد الأموال متى أرادوا. فالمال حتى عندما يكون مستثمراً يبقى دائماً في محفظتهم.

يتيح “بلوك تشين” لتطبيق “إكس كابيت” توفير واجهة استثمار بسيطة، يستطيع المستخدمون من خلالها الاعتماد على أمن الشبكة لمعرفة أن أصولهم بأمان، والاستفادة من عملية استثمار أبسط وأرخص. خلال العامين الماضيين، كان عدد مستخدمي التطبيق 3,590 مستخدماً من الأرجنتين والمكسيك والبرازيل وكولومبيا، أجروا متوسط استثمارات يبلغ 1,500 دولار، وأدار 3.6 ملايين تقريباً بالمجمَل. وحققت استراتيجياتها النشطة من يناير/كانون الثاني 2021 إلى 19 أكتوبر/تشرين الأول في نفس العام، حوالي 15.36% على شكل وحدات بيتكوين وحوالي 8.83% بعملة دولار.

3- الائتمان. تخيل أنك تواجه حالة طوارئ حقيقية، مثلاً احترق منزلك، ونفدت مدخراتك، وأنت عاجز عن الاقتراض. للأهلية الائتمانية، التي اعتادت المصارف استخدامها لتحديد أهلية الائتمان ونوعه، دور سائد في النمو الاقتصادي. فهي تتيح للعائلات شراء منازل والحصول على ائتمان استهلاكي، وتمنح الشركات إمكانية الحصول على رأس المال، وتساعد البلدان على تخفيف مستويات الاستهلاك في فترات الأزمات. لكن أكثر من ثلث السكان ليس لديهم تاريخ ائتماني، وبالتالي ليس لديهم شبكة أمان تعينهم خلال الفترات العصيبة. وفي الوقت نفسه، تقدر مؤسسة “التمويل الدولية” أن حوالي نصف الشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية تعاني من فجوة ائتمانية لم تُسَدّ بقيمة 5.2 تريليون دولار سنوياً.

إن المشروع المبني على تقنية “بلوك تشين” “غراسروتس إيكونوميكس” (Grassroots Economics) الذي يقع مقره في كينيا، ويموله أيضاً صندوق الابتكار التابع لمنظمة “اليونيسف”، يهدف إلى سد فجوة الائتمان في المجتمعات المنخفضة الدخل. إنه مفهوم مؤثر: في فترات الأزمات، قد لا يملك القرويون تسهيلات ائتمانية أو نقوداً مكدسة، لكن لا يزالون يملكون سلعاً وخدمات فعلية، مثل المحاصيل أو الملابس أو حتى مهنتهم في الطبخ أو التدريس. ينشئ مشروع “غراسروتس إيكونوميكس” ما يسمى بعملات الاندماج المجتمعي (Community Inclusion Currencies) أو (CICs)، التي تتيح له إصدار رموز تدعم جميع السلع والخدمات الفعلية في مجتمع معين، مثل المياه أو الطعام أو المهن مثل النجارة أو مجالسة الأطفال. يستطيع القرويون الكينيون استعمال الرموز لتأمين خط ائتمان يدعم مواردهم، لاستخدامه في حالات الطوارئ.

تتيح عملات الاندماج المجتمعي للأشخاص تحويل مواردهم إلى نقد حتى يتمكنوا من منح أو الحصول على ائتمان دون الحاجة إلى شيلينغ كيني أو مصرف. بدلاً من ذلك، بناءً على التجارة التاريخية، يستطيع الناس الحصول على 10% تقريباً من إيراداتهم السنوية السابقة على شكل ائتمانات للإنتاج المستقبلي، وهذا يتيح لهم مواصلة التداول متجاوزين السيولة الحالية. بما أن المستخدمين يتداولون الرموز من خلال خصائص هاتفهم، تسجل جميع المعاملات على “بلوك تشين”، وهذا يزيد أمان التعاملات بين المستخدمين. على غرار النظام المصرفي، يتيح المجتمع نفسه للأشخاص الذين يؤسسون ائتماناً جيداً سحب القروض. في عام 2020، كان عدد المستخدمين في مشروع “غراس روتس إيكونوميكس” 58,400 مستخدم يجرون نصف مليون معاملة تقريباً باستخدام رموزهم التي تعادل 3 ملايين دولار. استرد أكثر من 95% من المستخدمين عملات الاندماج المجتمعي خاصتهم.

4- التأمين. تتجه سياسات التأمين نحو طلب بطاقات الهوية، وإثبات السيولة المالية، والمعاملات الورقية الإضافية التي قد تشكل عائقاً للدخول إلى السوق. وحتى بالنسبة للمؤمَّنين، عند وقوع الكارثة لا يتضح جيداً لهم من سيدفع التعويضات وما هي قيمتها.

رغم أن عدد مشاريع “بلوك تشين” التي تتناول مسألة التأمين أقل من عدد مشاريع فئات الشمول المالي الأخرى، فإن هذه التقنية واعدة في هذا المجال. على سبيل المثال، عقدت منصة “إيثريسك” (ETHERISC) شراكة مع مؤسسة “أيه سي آر إي أفريكا” (ACRE Africa) (بدعم من شريكتنا مؤسسة “إيثيروم فاونديشن”) لصياغة عقد تأمين لا مركزي يهدف إلى حماية صغار المزارعين في إفريقيا. يوفر التطبيق للمزارعين تأميناً قائماً على مؤشر الطقس يستخدم عقوداً ذكية (عقوداً ذاتية التنفيذ تعمل وفق تقنية “بلوك تشين”) لتحريك المدفوعات عندما تؤثر الظروف المناخية القاسية على محاصيلهم. تكون آلية عمل هذه العقود الذكية مثل صيغة شرطية بسيطة (تراعي الاحتمالات وتداعياتها)؛ مثلاً إذا بلغ معدل هطل المطر 5 بوصات خلال 24 ساعة في منطقة معينة، فإن المزارع المؤمَّن يتلقى دفعةً فوريةً تكون قيمتها حسب العقد المبرَم الخاص بأضرار الفيضانات. ترتبط العقود ببيانات الطقس الآنية التي تشمل درجة الحرارة ومعدل هطل الأمطار وسرعة الرياح وساعات سطوع الشمس وحتى الأعاصير والبَرَد. يحسن النظام المؤتمت العمليات في شركة التأمين، وتحمي المدفوعات الشفافة والمنصفة المزارعين في حالات تعرضهم للمخاطر المتعلقة بالمناخ.

من دون الشفافية والأتمتة التي يتيحها التطبيق الذي يعمل وفق تقنية “بلوك تشين”، سيضطر المزارعون إلى إثبات التعرض للضرر، وهي عملية قد تطول ويحتمل أن تمنعهم من التعافي بسرعة من الخسائر التي تعرضوا لها. حتى الآن، تلقى 17 ألف مزارع كيني هذا التأمين وهم يستفيدون من مرونة هذا النظام.

5 دروس نستخلصها لتساعدنا على تسريع منحنى التعلم

قطعت هذه المشاريع أشواطاً كبيرة، وهي تساعد أشخاصاً حقيقيين على شراء طعام لأطفالهم، والتصرف في حالات الطوارئ، والبدء باستخدام أدوات مالية لم تكن سابقاً في متناولهم. لكن تطبيق تقنية “بلوك تشين” بغاية تحقيق الصالح الاجتماعي، وخاصةً الشمول المالي، لا يزال في بداياته. فمع أن نتائجها المبشرة لم تعد نظرية، لكن من الواضح أننا بحاجة إلى جهات فاعلة إضافية تدرس التطبيقات وتطلق نماذج تجريبية منها وتستثمر فيها وتدعمها. سنذكر 5 دروس استخلصناها من تجربتنا نأمل أن تساعد الآخرين على تسريع منحنى التعلم.

أولاً، يتعلق أثر الحلول المبنية على تقنية “بلوك تشين” في المقام الأول باعتماد المستخدم لها، ولا يهتم المستخدمون النهائيون بتقنية “بلوك تشين”، بل بالوصول والفوائد ومدى سهولة استخدام التطبيق. يجب أن تكون الحلول سهلة الاستخدام وتجعل المستخدم هو المحور. فمثلاً الميزة الرئيسية لمستخدمي تطبيق “ليف” هي القدرة على إجراء عمليات تحويل خارج حدود الدولة بتكلفة أقل، بغض النظر عن كيفية تنفيذها في الواجهة الخلفية للتطبيق.

ثانياً، الفرق المحلية عامل مهم لتحقيق النجاح. المنتج النافع في وادي السيليكون قد لا يكون نافعاً في مناطق كينيا الريفية، وذلك ببساطة بسبب مشكلة التواصل. يُعد الاعتماد على الفرق التي تفهم السياق المحلي والسياسات العامة المحلية والأصول والمصاعب المحلية أمراً مهماً حتى يؤتي المشروع ثماره. راعى مشروع “كوتاني باي” محدودية خصائص الهواتف المتوسطة المستوى، فضلاً عن الافتقار إلى الاتصال بالإنترنت وقابلية التشغيل البيني عبر مختلف مزودي خدمات الهاتف المحمول. ولأن أعضاء الفريق مواطنون كينيون، لم يفهموا المشكلة التي يريدون حلها فحسب، وإنما عايشوها أيضاً.

ثالثاً، توجد عدة منصات “بلوك تشين” (البنية التحتية التي يبني المطورون عليه “بلوك تشين”)، والاختيار بينها مهم. يمكن أن تختلف هذه الأنظمة الأساسية حسب الحجم ومستوى الأمان والسرعة ورسوم المعاملات واستهلاك الطاقة، وكلها تؤثر على تجربة المستخدم. فمثلاً بنى تطبيق “إكس كابيت” محفظة متعددة السلاسل تتيح لمستخدميها اختيار المنصة التي يفضلونها.

رابعاً، يجب أن تكون التطبيقات المبنية على تقنية “بلوك تشين” مرنة بما يكفي لتتكيف مع تقلبات التكنولوجيا وتحديثاتها، خاصة أن البنية التحتية للتكنولوجيا تتطور في نفس الوقت. على سبيل المثال، اضطرت شركة “غراسروتس إيكونوميكس” إلى تغيير منصة “بلوك تشين” التي استخدمتها ثلاث مرات لخفض رسوم المستخدم. يتطلب كل تعديل مدة وميزانية عمل، وإذا لم تتوقع الشركات الناشئة ذلك، فقد ينتهي بها الأمر عاجزة قبل أن تتاح لها الفرصة لإثبات نجاح الحل الذي تقدمه.

أخيراً، تعد العقود الذكية ميزة جذابة، لأنها تضفي كفاءةً على الأنظمة التقليدية، لكن من المهم منح الأولوية للمقياس المبني على النتائج لتقييم كيفية تحقيق ذلك. في كثير من الأحيان، يقيس المبتكرون الاجتماعيون الأثر بعدد الأشخاص الذين يستفيدون من الحل، لكن هذا لا يكفي لفهم كيف تحسن هذه الحلول نمط الحياة، وكيف تختلف أو ما الذي يجعلها أفضل من سابقاتها.

على سبيل المثال، على الرغم من أن المعلومة بأن منصة “إيثيرسك” ومؤسسة “أيه سي آر إي أفريكا” تؤمِّن 17 ألف مستخدم تعد مهمةً، نستطيع فهم قيمة الحل فهماً أعمق بالاطلاع على البيانات، مثل سرعة تلقي المزارعين المؤمَّنين للمدفوعات، وعدد الموارد التي توفرها شركة التأمين باستخدام العقود الذاتية التنفيذ. إن دور الأدلة أساسي لتحديد (أو عدم تحديد) ما إذا كانت هذه الابتكارات تستحق تلقي دعماً أكبر.

تبين المشاريع التي ذكرناها كيف يمكّن “بلوك تشين”، بصفته دفتر الأستاذ للمعلومات، العديد من الأطراف التي لا يثق بعضها ببعض من الاتفاق على انسياب المعاملات المالية والاستفادة من شمول مالي أكبر. لدفع القطاع إلى الأمام، نحتاج إلى المطورين لجعل البنية التحتية لـ “بلوك تشين” أكثر كفاءة ووعياً بيئياً، وإلى الحكومات لسن تشريعات تنظم السوق وتجعله مستقراً، وإلى رواد الأعمال لتجربة الحلول المبنية على تقنية “بلوك تشين” ومشاركة نتائجها، وإلى الممولين الذين يوفرون رأس المال للتطبيقات الواعدة. ندين بأن نواصل استكشاف الحلول التي توفر فرصاً متكافئةً لنسبة 31% من سكان العالم. حتى لو كانت “بلوك تشين” جزءاً واحداً من الحل، فإن الأمر يستحق أن نتعمق في استكشافه.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.