يعيد الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية تشكيل العالم، ويفرض بصورة خاصة تغيراً كبيراً في حياة الطلاب الشباب، وعلى الرغم من الفرص التي تقدمها هذه التطورات للارتقاء بالعملية التعليمية، فإنها تخلق العديد من التحديات التي تتطلب إعادة توجيه الشباب عبر هذا المشهد التحويلي.
محو الأمية الرقمية
تُظهر العديد من الدراسات قدرة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية الحديثة على تحسين أداء الطلاب ونتائجهم الدراسية، وخلق تجارب تفاعلية جذابة، وتطوير استراتيجيات التدريس من خلال تحليل البيانات المتقدمة.
وبات الذكاء الاصطناعي من الأدوات الفعّالة لمواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والرعاية الصحية، لذا فإن تأهيل الشباب والتركيز على محو الأمية في هذا المجال سيساعدهم على الابتكار وتطوير الحلول التي يمكن أن يكون لها تأثير جوهري على العالم.
جيل بعد جيل، كان لدى الشباب توجه واضح نحو المستقبل ويطمحون إلى العمل في مجالات صمدت أمام تقلبات الزمن، مثل المحاماة والطب والإطفاء وقيادة القطارات، لكن مع الانتقال إلى عصر الذكاء الاصطناعي، سادت بينهم حالة من عدم اليقين وأصبحت التكنولوجيا المتقدمة تعيد تشكيل جوانب حياتهم بما في ذلك أنظمة التعليم التي تعدّهم لحياة عملية قد لا تشبه على الإطلاق ما عاشه آباؤهم.
تحديات عصر الذكاء الاصطناعي
خلقت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تحديات كبيرة تمنع الشباب من عيش حياة رقمية أكثر صحة، أبرزها:
انتشار المعلومات المضللة
تنمو الأجيال الشابة في ظل التفاعل مع خوارزميات الذكاء الاصطناعي، ونتج عن ذلك ما يسمى بـ "التعليم في عصر ما بعد الحقيقة"، إذ يحذر تقرير جامعة أكسفورد بعنوان: " الذكاء الاصطناعي في التعليم: أين نحن وماذا سيحدث بعد ذلك" (AI in Education: Where We Are and What Happens Next) من أن تجارب الذكاء الاصطناعي تهدد بالتأثير على معايير جودة التدريس وتعرّض الطلاب لمعلومات مضللة.
ويُصنف أحدث تقرير حول المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، المعلومات الخاطئة والمضللة على أنها أكبر خطر عالمي خلال العامين المقبلين، ما يجعل مساعدة الطلاب على اكتشاف الفرق بين الحقائق الموضوعية وسيل المعلومات المضللة والخاطئة على المنصات الرقمية التي يستخدمونها استخداماً متكرراً تحدياً حقيقياً يتطلب تزويد الشباب بالمهارات اللازمة للكشف عن "الأخبار المزيفة" وغيرها من المعلومات المُتلاعب بها.
انتهاك الخصوصية
تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على جمع كميات كبيرة من البيانات ومعالجتها وتحليلها، بما في ذلك المعلومات الشخصية للطلاب والمعلمين، فتصبح مسألة تحديد من لديه إمكانية الوصول إلى هذه البيانات وكيفية استخدامها أمراً ذا أهمية قصوى للحفاظ على خصوصية هذه البيانات وأمنها وتجنب إساءة استخدامها عند وقوعها في الأيدي الخطأ.
بالتالي، يجب على المؤسسات التعليمية تنفيذ سياسات وتقديم مبادئ توجيهية واضحة لكل المعنيين حول خصوصية البيانات وضرورة ضمان الشفافية في التعامل معها. علاوة على ذلك، يجب التأكيد على مسألة موافقة الطلاب على استخدام معلوماتهم الشخصية وتوعيتهم بكيفية استخدامها.
وهنا يأتي أيضاً دور صنّاع السياسات في تشكيل اللوائح التي تعزز بيئة رقمية آمنة وشاملة، حيث كانت إسبانيا أول دولة تنشئ فريق عمل لسياسة الذكاء الاصطناعي، في حين عملت الصين على تطوير لوائح مفصّلة.
وأمام هذه المخاوف الأخلاقية التي يفرضها الذكاء الاصطناعي، وفي ظل عالم أصبحت فيه البيانات الشخصية سلعة قيّمة، يجب على المعلمين والمهنيين دمج محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، مع التركيز على المهارات التقنية والاعتبارات الأخلاقية. على سبيل المثال، تعمل مصر على تضمين برنامج في المدارس الثانوية لتعليم الطلاب أساسيات الذكاء الاصطناعي.
ويجب غرس الانضباط الرقمي القوي لدى الطلاب في أثناء اعتمادهم على أدوات الذكاء الاصطناعي في حياتهم التعليمية، فالشباب لا يقفون على حدود ما تقدمه المدرسة لهم، لذا يجب أن تكون المؤسسات التعليمية رائدة في تبنّي التكنولوجيا بدلاً من التخلف عنها، لأن الطلاب سيحصلون على هذه التكنولوجيا مع النظام المدرسي أو دونه.
التكنولوجيا على حساب المعلم
يمثل المعلمون العنصر الأكثر تأثيراً في نجاح العملية التعليمية واستدامتها ومواكبتها لتطورات العالم الرقمي، وهنا يمكن التحدي، إذ يوجد معلمون جيدون لكن ليست لديهم دراية كافية بالذكاء الاصطناعي، وكشف تقرير أكسفورد أن نصف المعلمين (49%) يشعرون بعدم الاستعداد لتأثير الذكاء الاصطناعي، ويرون أنه يجب بذل المزيد من الجهود لتمكين المعلمين ومساعدتهم على إعداد تلاميذهم لمستقبل يدعمه الذكاء الاصطناعي.
لذا يجب تدريب المعلمين على مهارات رقمية جديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي بفعالية في التدريس، ويجب على مطوري الذكاء الاصطناعي أن يتعلموا كيفية عمل المعلمين وإنشاء حلول مستدامة في بيئات الحياة الواقعية.
ومن جهة أخرى، تؤثر أنظمة الذكاء الاصطناعي في التواصل والتفاعل بين المعلمين والطلاب، إذ تظهر نتائج دراسة حول "تأثير الذكاء الاصطناعي على التفاعل بين المتعلم والمعلم في التعلم عبر الإنترنت" (The impact of artificial intelligence on learner–instructor interaction in online learning) أن المشاركين يتصورون أن اعتماد أنظمة الذكاء الاصطناعي في التعلم عبر الإنترنت يمكن أن يتيح التفاعل الشخصي بين المتعلم والمدرس على نطاق واسع، لكنه قد يمثل انتهاكاً للحدود الشخصية ويثير مخاوف بشأن المسؤولية والمراقبة.
لذا من الضروري تحديد كيفية إدراك الطلاب والمعلمين لتأثير أنظمة الذكاء الاصطناعي على تفاعلاتهم، لتجنب المخاطرة بسلامة هذه التفاعلات ومواجهة أي عوائق تمنع الاستفادة القصوى من أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وقد يؤدي الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي إلى الحد من اكتساب مهارات مهمة مثل حل المشكلات والتفكير النقدي، لذا يجب على المؤسسات التعليمية توظيف الذكاء الاصطناعي بما يعزز القدرات البشرية دون استبدالها، والوصول إلى علاقة تكافلية حيث تعمل التكنولوجيا والفكر البشري معاً لدفع التقدم التعليمي.
إن توجيه العقول الشابة في عصر الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى اتباع نهج يوازن بين الإمكانات الهائلة والتحديات الكامنة. ومع استمرار تطور هذا المجال، فإن تعزيز كل من ثقافة التعلم المستمر والاعتبارات الأخلاقية سيساعد على إطلاق الإمكانات الكاملة للذكاء الاصطناعي للأجيال المقبلة.