كيف يمكن للعاملين مواجهة أوجه عدم المساواة المرافقة للتطور التكنولوجي؟

6 دقائق
شركات التكنولوجيا
shutterstock.com/PopTika

تمارس شركات التكنولوجيا الكبرى ضغطاً هائلاً لتخصيص أوجه جديدة من عدم المساواة في القانون.

الاقتصادات السليمة والوظائف اللائقة والفرص المتكافئة هي كلها نتاج القرارات السياسية التي يتخذها المجتمع، وينطبق ذلك على الماضي والحاضر أيضاً، إذ نواجه تقدماً تكنولوجياً معاصراً يُحدث تحولاً في العديد من القطاعات، ومنها سوق العمل.

التقدم التكنولوجي

لما كنا نواجه صعوبة في التآلف مع منصات العمل المستقل وإدارة الخوارزميات والأتمتة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، صرنا نتحدث عن التقدم التكنولوجي كما لو كان تحدياً جديداً تماماً، لكنه ليس كذلك. لعقود من الزمن، شهد الاقتصاد فترات من التقدم التكنولوجي السريع الذي أدى إلى تغيير طبيعة العمل، فعزز الإنتاجية من خلال إزاحة وظائف معينة مؤقتاً في بعض الأحيان وبصورة نهائية غالباً، لتحل محلها وظائف أخرى جديدة، وهي تغيرات لا تحدث دفعة واحدة، بل تدريجياً بمرور الوقت.

يُظهر هذا الماضي أن التقدم الذي نشهده اليوم في الأتمتة والذكاء الاصطناعي لن يؤدي بالضرورة إلى بطالة جماعية كما يتوقع البعض، لكن بعض القطاعات والأشخاص يتأثر أكثر من غيره والعامل الثابت هنا هو قوة الديناميكيات التي تترافق مع هذه الانتقالات: من يوجهها؟ ومن يربح بسببها ومن يخسر؟

تُولَد هذه الأسئلة من الهياكل الاجتماعية والاقتصادية الأساسية، ما كان يعني على مر التاريخ أنه خلال الفترات التي شهدت تغيراً تكنولوجياً متسارعاً تحكمت الفئة التي تتمتع بأكبر قدر من السلطة في كيفية تقاسم منافع هذا التغير، في حين كانت الفئات المهمشة هي الأضعف. تسيطر على عملية صنع القرارات الاقتصادية اليوم مجموعات من الأشخاص في الحكومة ومجالس إدارة الشركات، ومن القطاع المالي في وول ستريت وبالتأكيد من قطاع التكنولوجيا في وادي السيليكون، وهي تفتقر إلى التنوع العرقي أو الاقتصادي أو إلى التوازن بين النوعين الاجتماعيين تماماً كما كانت منذ ظهورها الأول. وكما كانت الحال في الماضي، يعني هذا أن التجارب والاهتمامات التي تركز عليها هذه الدوائر يندر أن تمثل أشخاصاً خارجها وتمسّ أهم قضاياهم، مثل العمل الآمن والكريم والمستقر بأجر كافٍ يؤمّن المعيشة ويقدم الإجازات المدفوعة الأجر والتأمين الصحي واستحقاقات التقاعد.

نشهد اليوم تطورات تكنولوجية جديدة لم يكن من الممكن تصورها قبل 100 عام، ولتعود ثورة التكنولوجيا هذه بالفائدة على الجميع ونضمن أنها ستكون إيجابية تماماً لمستقبل العمل، علينا التعامل مع تحدٍ ملحٍّ وكبير يتمثل في تحديد طرق تنفيذ هذه التغييرات. وجزء كبير من الحل في متناولنا مباشرة: تعزيز معايير العمل وتمكين العاملين من أخذ دور في التنظيم والمساومة الجماعية.

تبرز إيجابيات النقابات أكثر وسط الانتقال التكنولوجي الحالي، إذ لا يحق للعاملين غير النقابيين إبداء الرأي بشأن تغيير التكنولوجيا لوظائفهم، مثل الأتمتة والإشراف والمراقبة في مكان العمل. لكن على الرغم من تزايد رغبة العاملين في الولايات المتحدة في الانتساب إلى النقابات اليوم، فإن كثيرين منهم لا يحصلون على هذا الحق: يقول نحو نصف العاملين غير النقابيين في البلاد إنهم يريدون الانضمام إلى النقابات، لكن 12% فقط يتمكنون من ذلك.

مشكلة عدم المساواة

إذا كانت طبيعة التكنولوجيا مختلفة اليوم، فبقاء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية الأساسية على حالها كما كانت في الماضي يعني أن شركات التكنولوجيا الكبرى ستؤدي إلى استمرار مشكلة عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية أو تفاقمها.

حالياً يمكن أن نرى هذه التفاوتات على مستويي القيادة والموظفين؛ فعلى مستوى القيادة، تُعد شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون مثالاً يستشهد به مراراً وتكرراً على الافتقار إلى التنوع في القيادة، وفي الحالة الثانية، لنأخذ شركات الوساطة الإلكترونية العملاقة مثل أوبر أو دورداش، فالعاملون المستقلون فيها الذين يجلبون لها الأرباح لا يصنّفون موظفين، ومن ثم لا يحصلون على حقوقهم المتمثلة في الأجر العادل وظروف العمل اللائقة والحماية القانونية، بل يعتبرون متعاقدين مستقلين ويضطرون إلى تحمل أعباء العمل ومخاطره كلها مقابل أجور أقل من الحد الأدنى في كثير من الأحيان، ومن دون غطاء قانوني يحميهم عند التعرض إلى سوء المعاملة أو تلقي أجر منخفض. في استطلاع أجرته مؤسسة شيفت بروجيكت في عام 2020، قال 14% من العاملين المستقلين إنهم حصلوا على أقل من الحد الأدنى الفيدرالي للأجور، وقال أكثر من ربع المشمولين بالاستطلاع إنهم حصلوا على أقل من 10 دولارات في الساعة، وقال أكثر من 60% إنهم حرموا من أجور بعض ساعات عملهم مرة على الأقل، و36% إنهم تعرضوا لسرقة أجورهم 3 مرات أو أكثر. لما كان أصحاب البشرة الملونة يفتقرون إلى التمثيل الكافي في الوظائف المؤقتة وغيرها من المناصب في قطاع التكنولوجيا إذ يصنفون خطأ على أنهم غير موظفين، فهذه الفئة السكانية التي واجهت على مر التاريخ تمييزاً في الوظائف والأجور تتحمل النصيب الأكبر من هذه الانتهاكات.

وهنا يأتي دور النقابات، ليس فقط بوصفها قوة تمنح العاملين دورهم المستحق، بل أيضاً لأنها لطالما ساعدت على تحقيق تكافؤ الفرص للمهمشين منهم على مر التاريخ.

منذ أربعينيات القرن العشرين، يحظى العاملون ذوو البشرة الداكنة الذين لطالما واجهوا تحديات استثنائية في سوق العمل بأعلى معدل لعضوية النقابات بين جميع الفئات العرقية، ولذلك سبب وجيه: وجدت الأبحاث أن انتساب عائلات ذوي البشرة الداكنة
إلى النقابات يقلص الفجوة العرقية في الثروات بينها وبين عائلات ذوي البشرة البيضاء إلى النصف تقريباً.

وبالمثل، تجلب العضوية النقابية فوائد كبيرة للعاملات، إذ يزيد أجرهن الساعي النموذجي 10% على أجر العاملات غير المنتسبات إلى النقابات، كما يحصل العاملون في قطاع الخدمات وجلهم من النساء على أجور أعلى بـ 50% تقريباً إذا كانوا أعضاء في نقابة ما.

وللنقابات أيضاً آثار أخرى أقل وضوحاً على المساواة إذ لطالما دعمت الحقوق المدنية وحقوق التصويت، وفي هذا السياق وجد بحث أجراه معهد السياسة الاقتصادية، أن الولايات التي ترتفع فيها الكثافة النقابية مَن لا يُرجح أن تشهد استبعاداً للناخبين، ويزداد فيها الإقبال على التصويت.

لكن الزخم الذي اكتسبته هجمات السياسيين وأصحاب الشركات على النقابات في الثمانينيات ألحق الضرر بحقوق العاملين وبالجهود المبذولة لتقليل الفوارق العِرقية في الأجور على حد سواء؛ في عام 2019، كان متوسط ​​أجر العامل ذي البشرة الداكنة أقل بـ 25% تقريباً من متوسط ​​أجر العامل ذي البشرة البيضاء؛ أي أن حجم الفجوة العرقية أكبر بكثير مقارنة بعام 1979.

التهديدات من شركات التكنولوجيا

يواجه العاملون والنقابات اليوم تهديدات جديدة من شركات التكنولوجيا الكبرى، التي تمارس ضغطاً لتخصيص أوجه جديدة من عدم المساواة في القانون من خلال الحملات العدوانية المناهضة للنقابات. سعت شركات الوساطة الإلكترونية في المجالس التشريعية للولايات والمحاكم ومن خلال مبادرات الاقتراع إلى إضعاف الاختبارات القانونية المستخدمة لإقرار ضرورة تصنيف عامليها على أنهم موظفون بهدف ضمان حصولهم على الحد الأدنى للأجور وإعانات البطالة وفرض قوانين حماية العاملين وعدم التمييز، وسعت أيضاً إلى تمرير تشريعات استباقية على مستوى الولاية تمنع الحكومات المحلية من وضع معايير أعلى خاصة بها، وتجاهلت قوانين العمل على افتراض أنها لن تُطبق أو أن عدم تطبيقها لن يؤدي إلى عواقب.

وفي حين أن حملات الضغط هذه تميل إلى التركيز ظاهرياً على قطاعات مثل خدمات نقل الركاب والتوصيل، فمن الواضح أن شركات التكنولوجيا تأمل توسيعَ نطاق نموذج التوظيف الذي تتبعه، ليشمل الشركات الخاصة كلها. سعت إحدى مبادرات الاقتراع لعام 2022 في كاليفورنيا إلى تسمية موظفي الرعاية الصحية عاملين مستقلين في حال استخدموا منصة رقمية للوصول إلى مهام العمل. وفي العام نفسه، دخلت شركات الوساطة الإلكترونية في شراكة مع شركات كبرى في مجال البيع بالتجزئة والإعلام والنقل والخدمات اللوجستية والبناء لإنشاء التحالف من أجل ابتكار القوى العاملة (Coalition for Workforce Innovation)، الذي يسعى إلى إضافة المزيد من فئات العاملين إلى قائمة غير الموظفين وأيّد مشروع قانون فيدرالياً من شأنه السماح للشركات في القطاع الخاص بإكراه موظفيها على إعفائها من الالتزام بالحد الأدنى للأجور أو قوانين الحماية المتعلقة بالعمل الإضافي.

كما اقترحت شركات الوساطة الإلكترونية للعمل المستقل مبادرات قانونية لإنشاء "فئة ثالثة" من العاملين الذين لا يعتبرون موظفين بالكامل ولا متعاقدين مستقلين، وعملت على دعم هذه المبادرات فحققت نجاحاً جزئياً تضمن قانون عام 2021 الذي أقرته ولاية واشنطن. أدى العديد من مشاريع القوانين هذه إلى تقييد حقوق العاملين بشدة، ومنها حقهم في الانضمام إلى النقابات، ولكن على الرغم من أن محاربة النقابات تضر بالعاملين ذوي البشرة الملونة، ادعت هذه الشركات بجرأة أن إنشاء هذه الفئة الثالثة من العاملين ضروري من أجل توفير "الفرص الاقتصادية للمهاجرين والأقليات العرقية المكافحة".

تتطلب مثل هذه الهجمات استجابة قوية ومنظّمة ومتعددة المستويات، وتتوافر حلول سياسية يمكن أن تكون ذات آثار إيجابية متتالية. اتخذت مدن عديدة بالفعل خطوات لتحديد الحد الأدنى للأجور، فضلاً عن معايير السلامة وظروف العمل للعاملين الذين يعتمد عملهم على التطبيقات. يمكن للولايات مكافحة الخطأ في تصنيف العاملين من خلال اعتماد اختبارات أيه بي سي (ABC) أو توسيع استخدامها، وهي تفرض على الشركات إثبات أن العامل متعاقد مستقل وليس موظفاً. على المستوى الوطني، سيؤدي مشروع قانون حماية حق التنظيم في حال إقراره إلى تسهيل الانضمام إلى النقابات والحصول على أول عقد نقابي بصورة أسرع، ويفرض عقوبات صارمة أكثر على الشركات التي تحارب النقابات أو تنتهك قوانين العمل بطرق أخرى، وسيسمح للعاملين والمجلس الوطني لعلاقات العمل بوضع إجراءات الانتخابات النقابية بأنفسهم، ما يلغي الحاجة إلى اعتراف الشركات أو موافقتها ويمنع الشركات من إجبار العاملين على حضور الاجتماعات التي تدعو إلى محاربة النقابات، كما سيخوّل المجلس باتخاذ إجراءات فورية ضد الشركات التي تنتقم من العاملين بسبب نشاطهم النقابي، والأهم أن هذا القانون سيعتبر التصنيف الخاطئ للموظفين انتهاكاً للقانون الوطني لعلاقات العمل. وأخيراً سيساعد القانون أيضاً على تمكين العاملين من مواجهة الشركات التي تستخدم التكنولوجيا بطرق مسيئة في مكان العمل.

المستقبل نرسمه بأيدينا، ويعتمد على القرارات التي نتخذها. إذا طبقنا التكنولوجيات الجديدة على الهياكل المعيبة الحالية فلن نرى إلا تكراراً للمشكلات القديمة نفسها ومع انتقالنا إلى الاقتصاد الرقمي، من الضروري أن نتخذ قرارات من شأنها ضمان نتائجه الإيجابية على المدى الطويل: زيادة الكفاءة والإنتاجية، وتقاسم هذه الفوائد على نطاق أوسع في المجتمع، ومن هذه القرارات تعزيز معايير العمل ودعم حقوق العاملين في الانضمام إلى النقابات.

اقرأ أيضاً: هل تعطي شركات العمل المستقل عامليها حقهم؟

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي