هل تعطي شركات العمل المستقل عامليها حقهم؟

7 دقائق
شركات العمل المستقل
shutterstock.com/Nata Bene

في عام 2018، وصلت عاملة تنظيف من كاليفورنيا تُدعى باتريشيا كريس إلى موعد لتنظيف شقة في سان خوسيه. وكان لديها مفتاح المنزل الذي كان من المفترض أن يكون خالياً من سكانه. قالت لصحيفة نيويورك تايمز إنها عندما طرقت الباب لتعلن عن وصولها، فتح لها رجل بمظهر غير محتشم وبدا كما لو كان بانتظارها، خافت كريس من الدخول فألغت الموعد وأرسلت رسالة بذلك إلى الشركة التي تعمل بها. وقالت إنه بدلاً من التعامل مع حادثة التحرش، أو حتى التحقق إن كانت بخير، فرضت الشركة عليها غرامة قيمتها 15 دولاراً لمغادرتها العمل قبل إتمامه.

قد يكون من الصعب تصديق القصة بأي حال من الأحوال، فذلك انتهاك فاضح لالتزام الشركة بحماية موظفيها من مظاهر التمييز والظلم، ومنها التحرش. ولكن وفقاً لشركة هاندي (Handy) التي كانت تعمل بها كريس، والتي تدير تطبيقاً لحجز الخدمات المنزلية عبر الإنترنت يُشار إليه عادةً باسم "أوبر الخدمات المنزلية"، لم تكن كريس موظفة لديها، بل متعاقدة مستقلة في عالم ينمو فيه العمل المستقل باستمرار، والفرق كبير جداً.

شركات العمل المستقل

تحوي الولايات المتحدة أكبر عدد من شركات العمل المستقل على مستوى العالم، منها تطبيقات لتوصيل الطعام، وتنزيه الكلاب، وقص الشعر، ومربيات الأطفال، وعمال المستودعات المؤقتون، وغير ذلك الكثير. يعتقد الناس أن العمل الحر يتعلق بتطبيقات نقل الركاب مثل أوبر وليفت (Lyft)، ولكن اقتصاد الوساطة الإلكترونية يتوسع ليغطي الكثير من جوانب الحياة اليومية، إذ يغطي قطاعاً متنامياً يشمل خدمات المنازل مثل التنظيف، وأعمال الإصلاحات، و"أوبر العائلة" لرعاية المسنين والأطفال.

يدّعي نموذج التوظيف في معظم منصات العمل المستقل منذ بدايته أنه يقدم مقايضة لا يحصل العاملون فيها على فوائد التوظيف التقليدي واستقراره ولكنهم يتمتعون بالاستقلالية والمرونة في تحديد جداول أعمالهم، مصورةً أسطول سائقي أوبر وفريق دورداش (DoorDash) من عمال توصيل الطعام رواد أعمال مستقلين. لكن المقايضة لم تكن عادلة على الإطلاق، وتسعى منصات الوساطة الإلكترونية على نحو متزايد إلى الحصول على ربح من الطرفين.

الجزء الأكبر من المشكلة هو مسألة تصنيف العاملين. في الولايات المتحدة، يتمتع الموظفون التقليديون (على الورق على الأقل) بالحق في الحصول على إجازة مرضية والحد الأدنى من الأجور وحماية النقابة، وغير ذلك من وسائل حماية الموظفين من الظروف الخطرة وسوء المعاملة. ويرتكز هذا النموذج على صفقة مفادها أنه إذا أراد أصحاب العمل التحكم في كيفية أداء العاملين لعملهم مثل وضع جداول أعمالهم وتحديد ظروف عملهم وأجورهم، فيجب عليهم أيضاً تحمل مسؤولية رفاههم. لكن لا يتمتع المتعاقدون المستقلون في الواقع بأي من هذه الحقوق، ومن المفترض أن يتمتعوا بمكانة تعاقدية مساوية للشركة التي توظفهم، لكنهم يتحملون مخاطر أكبر بكثير مما تتحمله. نظرياً، يهدف هذا التبادل المفترض إلى منحهم المزيد من القدرة على التحكم بظروف عملهم.

لكن شركات العمل المستقل مثل أوبر وهاندي تحصل على الفائدة من كل الجوانب، فهي تتحكم كلياً في أجور العاملين وظروف عملهم، وتتهرب من تكاليف ممارسة الأعمال التجارية مثل دفع تأمين البطالة وتأمين العاملين (ثم تستخدم الأموال التي توفرها لزيادة أرباحها الخاصة). وفي ظل هذه المنظومة، يعاني عاملو منصات الوساطة الإلكترونية بطرائق عدة.

وظائف العمل عبر المنصات

في العديد من وظائف العمل عبر المنصات، يتلقى العاملون أجوراً مقطوعة، ليس أجراً ساعياً بل سعر محدد لكل عملية توصيل أو مهمة، ما يجعلهم في الكثير من الأحيان غير قادرين على توقع دخلهم أو العمل ساعات إضافية دون الحصول على أجر إضافي. يسدد الكثير منهم تكاليف أعمالهم من حسابهم الخاص، بدءاً من كلفة مستلزمات العمل حتى كلفة المعدات. كما يتعرض العديد منهم لأشكال مختلفة من سرقة الأجور أو التمييز، إذ تستعين الشركات بالخوارزميات لجمع بيانات كبيرة عن العاملين وتستخدمها للتحكم في الوظائف التي يمكنهم أداؤها. ويواجه العاملون في بعض المنصات عقوبات تلقائية بسبب إلغاء مهامهم لأسباب يشرعها قانون التوظيف التقليدي؛ إذ أبلغنا بعض العاملين بفرض رسوم إلغاء عليهم بسبب إصابتهم بفيروس كورونا أو اضطرارهم إلى ترك العمل للاهتمام بزوجاتهم اللاتي على وشك الولادة. وبعد خصم الرسوم والغرامات من رواتبهم، يحصل العاملون غالباً على أجور أقل من الحد الأدنى.

استجاب المشروع البحثي فيروورك (Fairwork) الذي يجريه معهد أوكسفورد للإنترنت بالتنسيق مع مركز العلوم للأبحاث الاجتماعية في برلين (WZB) لمثل هذه المشكلات بوضع نظام تقييم من 10 نقاط لتقييم معاملة شركات الوساطة الإلكترونية للعاملين لديها. يستند مشروع فيروورك إلى مقابلات مع العاملين والوثائق العامة، والحديث مع قادة الشركات إن أمكن لتصنيف الشركات وفقاً لخمسة مقاييس: الأجر العادل، وظروف العمل العادلة، والعقود العادلة، والإدارة العادلة، والتمثيل العادل. أجرت هذه المبادرة تقييمات لعدد من الشركات في 40 دولة تقريباً، وكشفت عن نجاحها في تغيير سياسات التعاقد الخاصة بعدد من منصات الوساطة الإلكترونية، مثل إقناع الشركات بترجمة العقود إلى لغات العاملين الأساسية وزيادة الحوار معهم لمعالجة مخاوفهم.

أصدر مشروع فيروورك تقريره الأول في أغسطس/آب الخاص بالولايات المتحدة، الذي يغطي 13 من أكبر منصات العمل الرقمية فيها، بدءاً من تطبيقات مشاركة سيارات الأجرة وحتى العمل المؤقت في المستودعات. وعلى الرغم من التفاوتات، فالنتيجة هي أن أياً من هذه المنصات يبذل جهداً كافياً لضمان الحد الأدنى من ظروف العمل لعاملين لديها، وأن ظروف عمل عاملي شركات الوساطة الإلكترونية الأميركية أدنى بكثير من المعايير العالمية.

ومع ذلك، حصل بعضها على تقييمات أعلى من بعضها الآخر؛ إذ حصلت ثلاث شركات على تقييم 2 من أصل 10، وهي شركة مشاركة سيارات الأجرة ألتو (Alto) ومنصة توظيف العمال المؤقتين للمستودعات بلوكرو (Bluecrew)، اللتان تعيّنان عمالهما موظفين بدوام كامل، ومنصة رعاية المسنين بابا (Papa) التي بيّنت في حوارها مع فيروورك أنها وضعت بعض السياسات لتحسين ظروف العمل. أفاد العاملون في شركتي ألتو وبلوكرو عن تقديرهم للحرية والمرونة في العمل فيما يتعلق بجداول عملهم مع أنهم موظفون، وحصلت الشركات العشر الأخرى على تقييم 0، بما فيها شركة هاندي.

اتضح عدد لا بأس به من المشكلات الإضافية في المنصات الأميركية التي درسناها. أولاً، يخشى العاملون في العديد من القطاعات التعرض للعنف المسلح في العمل (وهي حالة تنفرد بها الولايات المتحدة). ثانياً، يوجد جانب واضح من التمييز العرقي في العمل المستقل في الولايات المتحدة، فمعظم العاملين في منصات الوساطة الإلكترونية من ذوي البشرة الملونة، ويؤثر ذلك على تجربتهم في العمل فيها، كما يعتمد العاملون ذوو البشرة الملونة على نحو كبير على العمل في المنصات. وأخيراً، وجدنا أن العديد من العاملين يفتقرون إلى تدخل بشري حقيقي عند ظهور الأزمات بسبب الإدارة الخوارزمية.

هذه هي الحال بالتأكيد في هاندي، والسبب الرئيسي لبدء مؤسسة ببلك رايتس بروجكت "بي آر بي" (Public Rights Project) منذ عدة سنوات العمل على معالجة الانتهاكات ضد العاملين فيها. بصفتها مؤسسة حقوق مدنية، تتمثل رسالة مؤسسة بي آر بي في ضمان تحمّل منصات العمل المستقل مسؤولية التزاماتها القانونية والسعي إلى سد الفجوة بين ما ينص عليه القانون والوضع الفعلي للعاملين.

وساعدنا على ذلك إصدار ولاية كاليفورنيا قانوناً يحظر التصنيف الخاطئ للعاملين عام 2019. إذ لا يمكن لمنصات الوساطة الإلكترونية وفقاً لذلك القانون أن تدّعي أن العاملين متعاقدون مستقلون في حال كانت وظائفهم تشكل جوهر أعمال الشركة وكانت الشركة تتحكم في ظروف عملهم. منصات خدمات المنازل تحديداً ضعيفة في الامتثال لهذا المعيار. حتى في هذا القطاع، تميزت شركة هاندي في الطرائق التي تسعى بها للحصول على الفوائد من كل الجوانب، أي السيطرة الصارمة على العاملين مع التهرب من أي مسؤولية تجاه رفاههم.

فعندما تحدثنا مع 25 من العاملين السابقين والحاليين في شركة هاندي، روى نصفهم تقريباً حوادث تعرضوا بها للتحرش مشابهة لحادثة كريس. إذ قالت إحدى العاملات إن أحد العملاء طلب منها ارتداء ملابس كاشفة في موعدها التالي، وعندما أبلغت شركة هاندي بالأمر، ردت الشركة بأنها "لا تستطيع التحكم بما يريده عملاؤها، والأمر متروك لها لتقرر ما تراه مقبولاً". وأفادت عاملة أخرى أن أحد العملاء عرض عليها المال مقابل عمل لا أخلاقي، وهددها بعدم دفع مستحقاتها إذا أبلغت الشرطة؛ وعندما أخبرت العاملة شركة هاندي بما حصل، طلبت منها إثباتاً ولم تفعل شيئاً لمتابعة الموضوع.

سهّلت سياسات شركة هاندي حدوث هذه الانتهاكات من خلال نظامها الخاص بمعاقبة العاملين على ترك العمل دون موافقة العميل، بالإضافة إلى نظام تقييم العملاء الذي يُستخدم لتحديد أجور العاملين واستمرار عملهم، إذ تفصل الشركة الذين تنخفض تقييمات عملائهم لهم إلى أقل من 4.3 بحسب ما أورده العاملون في الشركة. كما لا توفر الشركة للعاملين أي طريقة للتواصل مع مدرائهم البشر، لأن جميع الاتصالات بين العاملين والشركة تُجرى إلكترونياً وتتعامل معها بوتات مؤتمتة في أكثر الأحيان. يشعر العاملون في ظل هذا النظام بالقلق الدائم بشأن الغرامات. روى أحدهم أن عميلاً حجز موعداً في اللحظة الأخيرة فلم ينتبه إليه العامل، وعندما لم يذهب إلى الموعد، فرضت هاندي عليه غرامة قدرها 50 دولاراً وألغت مواعيده في اليومين التاليين. وبالمثل، طلب أصحاب أحد المنازل الشرطة لعاملة شركة هاندي في مدينة ديترويت بعد أن أدخل عميل عنوانه على نحو خاطئ، فما كان من الشركة إلا أن قالت إنها لن تدفع للعاملة أجرها ما لم تبق في مكانها مدة 30 دقيقة.

المتعاقدون المستقلون

ونظراً لوقوع غالبية أعمال شركة هاندي في ولاية كاليفورنيا، أحالت مؤسسة بي آر بي هذه المخاوف إلى إدارة التوظيف والإسكان العادل بالولاية في عام 2020، وطلبت منها التحقيق مع الشركة لمعرفة كيف أدى تصنيفها المنهجي الخاطئ للعاملين إلى مجموعة واسعة من الانتهاكات. في العام التالي، رفع محامون محليون في مدينتي لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو دعوى قضائية مشتركة ضد الشركة لانتهاكها قانون حظر التصنيف الخاطئ للعاملين. في شهر مايو/أيار من هذا العام، أدت تلك الدعوى القضائية إلى تسوية تاريخية، إذ وافقت هاندي على دفع 6 ملايين دولار، يُخصص الجزء الأكبر منها لدفع تعويضات لأكثر من 25,000 عامل. كما تضمنت التسوية سماح شركة هاندي للعاملين بالتفاوض على شروط عملهم وأجورهم مع العملاء، وعدم معاقبتهم على رفض العمل.

أجبرت التسوية شركة هاندي على اختيار المسار الذي يتوافق مع القانون الذي يضعها أمام خيارين، إما دفع رواتب عامليها ومعاملتهم على أنهم موظفون وإما منحهم الحرية التي يتمتع بها المتعاقدون المستقلون. وبذلك تقدم هذه القضية نموذجاً لمساءلة حكومات الولايات والحكومات المحلية شركات التكنولوجيا، ما يشكل أهمية كبيرة نظراً لتوقعات نمو اقتصاد منصات خدمات المنازل إلى تريليونات الدولارات مع دخول عمالقة التكنولوجيا مثل أمازون وجوجل وفيسبوك السوق.

وكما يظهر بحث لمشروع فيروورك، ثمة إمكانية لعمل نماذج أخرى تتمتع بقدر أكبر من العدالة على المنصات. لكن السماح للمنصات بالعمل من دون تنظيم مدروس غير مقبول ببساطة. لا تبدي غالبية الشركات أي التزام بمعاملة العاملين على نحو عادل، والشركات التي تفعل ذلك تجد صعوبة في التنافس مع التي لا تدفع شيئاً تقريباً مقابل العمل. وهذا يعني أن ثمة حاجة إلى تغييرات في السياسات وتطبيقها، على مستوى الولاية والمستوى الفيدرالي.

إصلاح مشكلة التصنيف الخاطئ للعاملين خطوة أولى مهمة، لكنه ليس حلاً سحرياً. نحتاج إلى صياغة أفضل رؤية لاقتصاد العمل المستقل، وتوسيع تطبيق القانون كما في حالة شركة هاندي. ولتحقيق هذه الغاية، تتعاون مؤسسة بي آر بي مع حكومات الولايات في جميع أنحاء الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات ضد الشركات التي تتلاعب بالقانون وتنتهكه. تعمل مجموعات مثل مشروع فيروورك على كشف اللثام عن الفجوة المثيرة للقلق بين ظروف العمل على منصات العمل الرقمية والحد الأدنى من المعايير العالمية للعمل العادل، ما يرسل رسالة واضحة إلى واضعي السياسات والمجتمع المدني. كما يطلب تعهد فيروورك من الشركات والهيئات الحكومية والمدارس والجمعيات الخيرية وغيرها الانضمام إليه لدعم نظام تصنيفه والالتزام بإجراء تغييرات مهمة في عملها.

وفي الوقت نفسه، على الذين استفادوا من تطبيقات منصات الوساطة الإلكترونية تأدية واجبهم. يتعين على الناس أن يوضحوا لتلك الشركات أنهم لن يدعموا الشركات التي لا تدعم عمالها.

كيف يمكننا التأكد من أن الشركات تستمر في تقديم وظائف عالية الجودة وظروف عمل آمنة وعادلة؟

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

المحتوى محمي