دور المبادرات الخيرية في تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي لخدمة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة

الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
shutterstock.com/Olesia Bilkei
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

فتح ظهور الذكاء الاصطناعي (AI) فصلاً جديداً من الحلول المحتملة والأدوات المساعِدة لذوي الاحتياجات الخاصة لا سيما الأطفال الذين يتمتعون بقدرات متنوعة على الرغم من احتياجاتهم الخاصة، إذ يمكن أن تمثّل تطبيقات الذكاء الاصطناعي ثورة في حياتهم فتمكّنهم من التفاعل مع العالم بسهولة لم تكن متخيّلة من قبل. وبمساعدة المنظمات غير الربحية والهيئات غير الحكومية وغير الهادفة للربح، نستكشف كيف يمكن لهذه الكيانات، من خلال الاستثمار في البحث وتمويل الحلول القائمة على الذكاء الاصطناعي، أن تحوّل حياة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة حول العالم وخاصة الأطفال في العالم النامي مثل الشرق الأوسط وإفريقيا إلى حياة أسعد، واندماج مع المجتمع، وإحساس بالذات، واعتماد على النفس ما يتيح لهم فرص الحياة الكريمة التي يستحقونها.

فهم التحدي

تواجه البلدان النامية مجموعة فريدة من التحديات عندما يتعلق الأمر بتوفير الدعم للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. نظراً للفوارق الاقتصادية والاجتماعية بينها وبين الدول المتقدمة، إذ غالباً ما تعاني تلك البلدان من عدم وجود رعاية صحية وتعليمية مناسبتين لاحتياجاتهم الخاصة، ما يعوق تطور هؤلاء الأطفال. وهناك أيضاً نقص في المهنيين المدربين، والمتخصصين، ومقدمي الرعاية الذين يمكنهم توفير الدعم اللازم. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يخلق المفهوم الثقافي المحيط بالإعاقة حواجز إضافية لاندماجهم في المجتمع. وفي هذا السياق، يظهر الذكاء الاصطناعي كداعم محتمل، فيقدم حلولاً فعّالة من حيث التكلفة، وقابلة للتوسع، ويمكن أن تتصدى لهذه التحديات بشكل مباشر.

القدرات المحتملة للذكاء الاصطناعي في تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة

يقدم الذكاء الاصطناعي (AI) مجموعة مثيرة من الأدوات والتكنولوجيات التي يمكن أن تحسِّن بشكل كبير نوعية الحياة والتعليم للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. هنا، نغوص أعمق في التطبيقات المتنوعة للذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تلبي الاحتياجات الفريدة لهؤلاء الأطفال. فمثلاً، قد تكون الإعاقات اللغوية عقبة كبيرة أمام الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ما يؤثر في قدرتهم على التواصل بفعالية. يمكن أن تقدم تكنولوجيا التعرف على الكلام التي تعمل بالذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا التحليل اللغوي حلاً ثورياً، وكذلك يمكن أن تساعد التكنولوجيا الروبوتية المتقدمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي الأطفال الذين يعانون صعوبات في الحركة، خاصة أولئك الذين يعانون إعاقات جسدية. فالروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل الكراسي المتحركة الآلية والأطراف الروبوتية التي يتم التحكم فيها عبر أوامر مباشرة من المخ يمكن أن تمنح الأطفال مستوى أعلى من الاستقلالية والثقة بالنفس. أيضاً، بمقدور الذكاء الاصطناعي أن يسهم في التعليم المخصص، إذ يمكن أن يساعد تعلم الآلة في جعل التعليم أكثر تشويقاً وتخصيصه بحسب احتياجات كل طفل لتغطية النقص الذي لا تستطيع نظم التعلم العادية تغطيته. ومن أهم التطبيقات أيضاً التعرف على العواطف ودراسة ردود الأفعال، فيمكن للأطفال الذين يعانون صعوبة في تفسير الإشارات الاجتماعية الاستفادة من تكنولوجيا التعرف على العواطف. تساعد هذه الأداة في تحليل العواطف وفهمها، وبالتالي تحسين التواصل الاجتماعي.

التوحد والتكنولوجيا

ومن التطبيقات المهمة للذكاء الاصطناعي والروبوتات التي تمثل أملاً كبيراً تلك المستخدمة في مساعدة الأطفال المصابين بالتوحد، وهو اضطراب طيفي، ما يعني أنه يؤثر على الأفراد بشكل مختلف. بينما قد يكافح بعض الأطفال مع التواصل الاجتماعي، قد يكون لدى بعضهم الآخر مشكلات في معالجة الحواس أو السلوكيات وفهمها والتفاعل معها. هذا التنوع الكبير من الأعراض والتأثيرات يعني أن التدخلات والدعم بحاجة إلى أن تكون مناسبة لكل حالة على حدة. لذلك تقدِّم التكنولوجيا، وبالتحديد الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وسيلة واعدة لتخصيص العلاجات التي يمكن برمجتها وتخصيصها لتلبية الاحتياجات والتحديات الفريدة لكل طفل، ما يتيح الدعم الفعال والمرن الذي يتطور مع نمو الطفل وتطوره.

أمثلة من الواقع

يعتبر الروبوت “كاسبار” (Kaspar)، من أهم التجارب الناجحة في استخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات في هذا المجال، وهو بحجم الطفل تم تطويره في جامعة هارتفوردشر (Hertfordshire)، يستخدم سلسلة من الاستجابات المبرمجة للتفاعل مع الأطفال من خلال ألعاب بسيطة، وبها يمكن للطفل المصاب بالتوحد التفاعل مع كاسبار ما يساعد في تطوير مهاراته الاجتماعية. وكذلك “ناو” (NAO)، وهو روبوت بشري، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتكييف تفاعلاته بناءً على استجابات الطفل ويمكن للروبوت الدخول في المحادثات، وغناء الأغاني، وحتى الرقص، ما يقدم طريقة ممتعة وتفاعلية للأطفال لممارسة مهارات التواصل. ومن الأمثلة المهمة (Emotion AI)، الذي يستخدم برامج التعرف على الوجه لتحديد الإشارات العاطفية والاستجابة لها. تم تصميمه لمساعدة الأطفال المصابين بالتوحد على التعرف على مشاعرهم الخاصة ومشاعر الآخرين وفهمها، وهي مهارة حاسمة للتفاعل الاجتماعي.

من الأعراض الشائعة للتوحد عند الأطفال، عدم القدرة على معالجة الحواس فقد يكونون فائقي الحساسية لبعض العوامل الخارجية مثل صعوبة التعامل مع الضوضاء الخلفية وبدورها تساعد التكنولوجيا القابلة للارتداء المدعومة بالذكاء الاصطناعي في معالجة هذه الأعراض.

المؤسسات غير الربحية ودعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي

قد تكون المؤسسات غير الربحية، التي تدفعها التزاماتها الاجتماعية بدلاً من الربح، على رأس المبادرات التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي لتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في البلدان التي تعاني نقصاً في الموارد إذ تلعب أدواراً محورية في مجالات متعددة:

  • تمويل البحوث والتطوير: تدعم المؤسسات غير الربحية تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، من خلال تمويل الأفكار والابتكارات والتحسينات المتواصلة وخاصة المتعلقة بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
  • خلق حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي: تعمل هذه المؤسسات على التعاون مع خبراء الذكاء الاصطناعي، والمعلمين، والمعالجين لتصميم أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن تكون فعالة وعملية.
  • رفع الوعي: تعمل المؤسسات غير الربحية على تشجيع التغييرات في السياسات، والمطالبة بزيادة التمويل، ورفع الوعي حول القدرات المحتملة للذكاء الاصطناعي في تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
  • بناء التعاون والشراكات: تعمل المؤسسات غير الربحية على تشجيع التعاون وبناء شراكات بين مختلف المجموعات المعنية لضمان نهج شامل لتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة.

من المبادرات الجيدة التي فتحت الباب لدراسات أكبر في هذا المجال ما قامت به جامعة مانشستر (Manchester)، ابتداءً من عام 2021 بمشروع لرسائل الدكتوراة يتعلق بأبحاث استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين حياة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. وفي مصر، أُنشئَ صندوق خيري باسم صندوق “قادرون باختلاف” وهو الاسم الذي يطلق في مصر على ذوي الاحتياجات الخاصة، وأعتقد شخصياً أنه اسم رائع لأنه على الرغم من احتياجاتهم الخاصة فهم قادرون على العيش والاندماج والمساهمة بإيجابية في تطور أسرهم ومجتمعهم ولكن بطريقة مختلفة.

مع استمرار تطور التكنولوجيا، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من الأدوات والاستراتيجيات الرائدة. ومع ذلك، من المهم تذكّر أن التكنولوجيا مجرد أداة. يجب أن يكون الهدف النهائي دائماً هو خلق بيئة داعمة وفهم يتيح للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة الاندماج بشكل إيجابي في مجتمعاتهم.

يمكن أن يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً ثورياً في تحسين حياة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في البلدان النامية خصوصاً وجميع دول العالم عموماً. يمكن للمنظمات غير الربحية والجمعيات الأهلية والخيرية -وقد بدأت بالفعل- أن تقود الجهود في استغلال القدرات الهائلة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتوفر الأمل في تحقيق تحسينات كبيرة في تعليم هؤلاء الأطفال ورعايتهم.