كيف يمكن تعزيز المساواة لدعم النساء في القطاعات التكنولوجية؟

توظيف النساء
القطاعات التي سيطر عليها الرجال لوقت طويل عبر التاريخ، مثل علم الأحياء الدقيقة، ستكتسب الكثير إذا حققت مزيداً من التنوع في قواها العاملة. (الصورة: آيستوك/فالنتين راسانوف)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الأول من سلسلة “دعم القيادة النسائية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات”، وسنوضح في هذا الجزء أسباب سيطرة الرجال على بعض القطاعات ونستعرض واحدة من 3 استراتيجيات من شأنها أن تعزز التنوع والمساواة والشمول في مجالات العلوم والتكنولوجيا وتعزز فرص توظيف النساء في هذا المجال.

لماذا يعاني قطاع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) في الولايات المتحدة لتوظيف النساء والاحتفاظ بهن -وتحديداً النساء ذوات البشرة الملونة- وما الاستراتيجيات الثلاث لدعم تطورهنّ المهني وأدوارهنّ القيادية في هذه القطاعات؟

إن التوظيف في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) في الولايات المتحدة ليس عادلاً. فالنساء، لا سيما ذوات البشرة الداكنة والنساء اللاتينيات، لا يحظين بالتمثيل الكافي في العديد من القطاعات الفرعية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ويواجهن فجوات في الأجور أكبر منها في المجالات الأخرى. كما أنهن أكثر عرضة للإبلاغ عن التمييز في مكان العمل من الرجال والنساء في قطاعات أخرى، وقد يشمل هذا الشعور بالوحدة، أو التشكيك في كفاءاتهنّ، أو عدم ترشيحهن لنيل الترقيات.

إن مظاهر عدم المساواة هذه ليست بالجديدة؛ فغالباً ما اعتُبِر أن افتقار مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إلى التنوع والمساواة والشمول يرجع على نحو جزئي إلى خلل في المسار المهني بحد ذاته، أو ما يُدعى “التسريب في خط الإمداد”، وهو أن النساء قد لا يحاولن الحصول على مهن في مجالات (STEM) أو يتركنها بعد فترة، بغذ النظر عن اهتمامهن بمجالات العمل هذه أو قدرتهن على النجاح فيها. وهذه الاستعارة، التي تم تداولها على مدى عقود، تجذب الانتباه إلى لحظات اتخاذ القرار عندما تصرف النساء النظر عن المسارات المهنية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، تماماً مثلما قررن تخصصهن الجامعي أو تكوين أسرة. وبالرغم من التأثير المتموج لمثل هذه القرارات الحياتية على مسيرة النساء المهنية -وبينما يتعين علينا أن ندعمهنّ بشكل أفضل إلى جانب الفئات الأخرى التي استُبعِدَت من مجالات عمل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات عبر التاريخ، ليتمكنوا من دخول القطاعات والاستمرار فيها- فإن افتقار قطاعات (STEM) إلى التنوع لا يتعلق بالقرارات الفردية فقط. بل يرجع أيضاً إلى العوائق المنهجية ومستويات عديدة من التحيزات الإدارية.

يتجاوز تأثير هذه العوائق والتحيزات أماكن العمل، فهي تدخل في صلب إنتاجات قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وابتكاراتها. كما أظهرت دراسات عديدة أن التحيز النوعي والعرقي في تصميم المنتجات قد يكون له تأثيرات ضخمة، وقد تكون مُميتة أحياناً. ومن الأمثلة العديدة على ذلك هو تصميم أحزمة الأمان التي لا تحمي السائقين الأقصر طولاً من الحوادث، ومعدات الحماية الشخصية التي لا تُلائم أوجه الممرضات، والدروع الجسدية التي لا تحمي النساء المجندات أو الشرطيات بشكل فعال. وتشير مجموعة من الأدلة الناشئة إلى أن التحيز في تصميم المنتجات قد يرجع إلى افتقار فرق تصميم المنتجات إلى التنوع. ووجدت دراسة حللت براءات الاختراع الطبية الحيوية التي تم تقديمها في الولايات المتحدة بين عامي 1976 و2010، على سبيل المثال، أن الفِرق المكونة بالكامل من مخترعين ذكور كانت نسبتها أقل في التقدم بطلب للحصول على براءات اختراع للمنتجات الاستهلاكية مقارنة بالفرق التي كلها نساء.

مع التقدم الحاصل في الطب والذكاء الاصطناعي وغيرها من قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والذي يغير شكل عالمنا الحالي، يجب أن نحرص على أن هذا المجال يسعى للحد من مظاهر عدم المساواة، عوضاً عن تعزيزها. فقدرتنا على تسخير هذه الحلول الجديدة ومواجهة التحديات المستقبلية في مجالات (STEM) منوطة بالفعل على قوى حل المشكلات لدى الفرق المتنوعة.

نقدم لكم ثلاث استراتيجيات من شأنها أن تعزز التنوع والمساواة والشمول بفعالية بالنسبة للنساء، وخاصة ذوات البشرة الملونة، في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الولايات المتحدة. وهي تتضمن إعادة رسم وجه التكنولوجيا، وتوسيع نطاق التدخلات المهنية المبكرة، وإصلاح سياسات التوظيف وثقافة مكان العمل. وتستند هذه الاستراتيجيات إلى أكثر من 60 رواية مباشرة لنساء من ذوات البشرة الملونة يعملن في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، و500 تقرير مباشر عن القيادات النسائية في مختلف القطاعات، ومراجعة للكتب والمقالات والأبحاث حول التنوع في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وخبراتنا الجماعية كخبراء استراتيجيين ومبتكرين وخبراء في حقوق المرأة. تستهدف كل استراتيجية الأنظمة والبنى التنظيمية التي تشكل مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وتشكل معاً مجموعة من الخطوات القابلة للتنفيذ والتي يمكن للمدراء والمسؤولين التنفيذيين ومدراء المدارس وعمداء الجامعات والرؤساء التنفيذيون لشركات (STEM) اتباعها لخلق التغيير.

1. إعادة رسم وجه التكنولوجيا

غالباً ما يتصور الناس من جميع الأعراق والأنواع وجه التكنولوجيا على أنه رجل أبيض شابّ من الطبقة المتوسطة -وهو تصور نشأ بسبب التمثيل الضخم للشبّان البيض في قطاع التكنولوجيا والذي تعززه الحملات الإعلانية والدعائية. ما تسبب بالتعتيم على المساهمات الأساسية للقادة المتنوعين الذين شكلوا المشهد التقني في الماضي والحاضر على حد سواء.

ليندا كالهون هي المؤسِّسة والرئيسة التنفيذية لمؤسَّسة “كارير غيرلز” (Career Girls)، وهي مؤسسة غير ربحية تقدم للفتيات أدوات شمولية لاستكشاف المسارات المهنية والإعداد المهني، وتعتمد هذه الأدوات على مقاطع الفيديو التي تعرض التجارب المهنية لنماذج متنوعة من القادة النساء ذوات الكفاءة العالية. ومن خلال دورها هذا، أجرت مقابلات شخصية مع أكثر من 500 امرأة في مجالات مهنية متعددة، مع التركيز على المهن في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).

أحد العوامل المساهمة المحتملة في هذه المشكلة هو “تأثير ماتيلدا”، وهو مصطلح تمت صياغته في عام 1993 واستُشهِد به مئات المرات منذ ذلك الحين لوصف الإسناد الخاطئ لإنجازات العالمات النساء إلى زملائهن الذكور. بينما وجد بحث أجرته جامعة “هارفارد” أن طلاب الدراسات العليا من الذكور والإناث في الولايات المتحدة يرون أن الأبحاث التي أجراها مؤلفون ذكور أقوى بطبيعتها. يسهم هذا النوع من التحيز في التقليل المنهجي من الاعتراف بالعالمات الإناث ويحجب أجيالاً من “القامات الخفية” (مثل النساء ذوات البشرة الداكنة اللواتي كنّ يعملن في وكالة “ناسا” كـ “حواسيب” بشرية في منتصف القرن العشرين) الذين تم تجاهل مساهماتهن في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، أو تم التقليل من شأنها أو نسبها لزملائهن بشكل خاطئ.

لسوء الحظ، لا توجد رواية مضادة مفهومة على نطاق واسع تعكس قوة وإمكانات القوى العاملة المتنوعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ما يضعنا أمام مشكلتين أساسيتين: أولاً يمنع العديد من النساء والنساء ذوات البشرة الملونة من تصور مستقبلهن في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. فعلى سبيل المثال، يمكن لتهديد الصورة النمطية -أي الخوف من تعزيز التصورات السلبية عن المجموعة التي تنتمي إليها- والأعراف الاجتماعية التي تصنف الكفاءة والحماس حول الرياضيات والعلوم كصفات ذكورية، أن تقنع الفتيات الصغيرات بأنهن لا ينتمين إلى مجالات (STEM). وهذا يخلق لديهنّ “فجوة في ثقتهنّ بأنفسهن” التي قد تدوم إلى أن يصبحن نساء في سوق العمل. كما سلطت النساء اللواتي قابلناهن الضوء على مواقف اختبرنها حيث كان الأساتذة الذكور يحبطونهن عن متابعة مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أو يعززون فكرة أن المهن في هذه المجالات تناسب الرجال بشكل أفضل.

ثانياً، إن غياب الطموح يعني أن العديد من مؤسسات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات غير مُلزمة بالاستثمار في التنوع والمساواة والشمول. ففي تبعات مقتل جورج فلويد، تعهدت شركات كثيرة بالمساواة العرقية واستثمرت في النساء ذوات البشرة الملونة، لكن الاستثمار الإجمالي كان ضئيلاً جداً بالمقارنة مع صافي أرباحها. وفي الواقع، تعهدت شركات تقنية عدة بقيمة تعادل أرباح يوم واحد أو أقل.

نمتلك الفرصة لتأطير افتقار مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إلى التنوع بطريقة ترسم سياقاً طموحاً لما هو ممكن تحقيقه، لكن تحقيق ذلك يتطلب تحمل المسؤولية من قبل القادة والمؤسسات والأنظمة. وهو يتضمن التركيز على المسؤولين عن التغيير، ووضع سياق وفهم أفضل حول جذور المشكلة ومظاهرها. فعلى سبيل المثال، بدلاً من القول إن “أقل من 5% من الرؤساء التنفيذيين في شركات وادي السيليكون من النساء”، يمكننا القول إنه “على الرغم من عقود من التعهدات بزيادة التنوع بين صفوف موظفيها، لا تزال شركات التكنولوجيا تميل إلى توظيف أو ترقية رجل ليكون الرئيس التنفيذي أكثر بـ 20 مرة من امرأة”. وهذه الصياغة توضح أن قادة الشركات هم المسؤولون عن شكل أنظمة التوظيف والاستبقاء، دون الاكتفاء بالتركيز فقط على الأشخاص المُستَبعَدين. ومن أحد الأمثلة على النقطة التي يمكن أن تنطلق منها المؤسسات هي حملة شركة “فودافون” #ChangetheFace، التي تدعو قادة الشركات التقنية إلى جعل تقنياتهم أكثر توافقاً مع التنوع.

في الوقت نفسه، يجب علينا بناء وترسيخ مفاهيم القوة التي يمكن أن تجلبها النساء ذوات البشرة الملونة إلى مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك في تسليط الضوء على إنجازات العالمات ذوات البشرة الملونة. وقد كشفت المقابلات التي أجريناها مع النساء ذوات البشرة الملونة في مختلف مناحي المجال أن خبراتهن ورؤاهن وطرق عملهن مهمة لمستقبل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، حيث يمكنهنّ الدفع لتطوير منتجات وابتكارات جديدة تناسب المستخدمين المتنوعين، وهنّ على استعداد لتسهيل التحولات الثقافية عبر تطبيق القيادة الشاملة والوجدانية. وكما عبرت تريشا فيرنانديز، كبيرة مدراء مشاريع تكنولوجيا المعلومات في شركة “تي موبل” (T-Mobile)، “أعتقد أن كونك فتاة [في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات] هو أمر مفيد حقاً… فنحن نفكر بشكل مختلف، ونأخذ العواطف في الاعتبار عند اتخاذ قراراتنا. نحن لا نميل إلى اختيار الأسرع أو الأطول أو الأكبر مباشرة”. وإن تسليط الضوء على وجهات نظر النساء ذوات البشرة الملونة وقدراتهنّ من خلال مبادرات مثل مبادرة “شهر مستقبل النساء” التي أطلقها مؤخراً معهد سميثسونيان (Smithsonian)، يمكن أن يساعد على جذب هؤلاء النساء إلى المشهد الحواري العام.

يمكننا التعلم من جهود مشابهة، فعلى سبيل المثال، إن الفهم السائد الآن بأن الاستثمار في تعليم الفتيات يرفع مستوى الأسر والمجتمعات وأن البلدان التي تدعم تعليم الفتيات يمكن أن تستفيد اقتصادياً يُظهر أن التغيير السردي ممكن. وهذا المفهوم الذي طُرح لأول مرة في الخطاب خلال التسعينيات أصبح الآن فكرة سائدة قبلتها وتبنتها الكيانات المؤثرة الكُبرى في التغيير الاجتماعي مثل “المنتدى الاقتصادي العالمي” ومؤسسة “بروكينغز” (Brookings)، والأمم المتحدة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.