باتت التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية، ومن خلال تحسين إمكانية الوصول استطاعت كسر الحواجز الجغرافية والربط بين الأشخاص بقيم مشتركة ما أدى إلى خلق طرائق جديدة للعطاء خصوصاً في شهر رمضان.
تتجلى آثار العصر الرقمي بوضوح في تأدية العبادات وعمل الخير في شهر الصيام؛ من منبه الهاتف الذي يشير إلى أوقات الصلوات الخمس، والخريطة التي تكشف عن أقرب مسجد ومطعم حلال بما يساعد على نحو خاص المسلمين الذين يعيشون في بلدان ذات أغلبية غير مسلمة، إلى المنصات وتطبيقات الهاتف المحمول التي تسهل عملية التبرع وتقديم الزكاة والصدقة.
وتعزز التكنولوجيا الحديثة ووسائل العطاء الجديدة الربط بين المانحين والمتبرعين والمؤسسات الخيرية، بما يسهم في تقليل الوقت اللازم لتنفيذ حملات جمع التبرعات في رمضان وضمان جودة الخدمات المقدمة في هذا المجال، إذ تُحسِّن الآلة وتحليلات البيانات القدرة الوظيفية للمستخدمين ومعاملات المانحين والمتبرعين بما يزيد من حجم العطاء.
العطاء عبر حلول رقمية
تحوّلت التقنية إلى ضرورة لاستمرار أي خدمة بما يساعد أي شخص على الوصول إليها بسهولة ويسر، لذا يتجه المانحون والمتبرعون إلى البدائل الرقمية المتمثلة في المواقع الإلكترونية وتطبيقات التبرع التي تتمتع بقدر عالٍ من الأمان والكفاءة، والقدرة على تتبع التقدم المُحرز في المشروعات الخيرية التي يسهمون بها، أو الأثر الإيجابي في حياة المستفيدين.
ففي عام 2020، شكّل التبرع عبر الإنترنت 8.7% من إجمالي حجم التبرعات المجمّعة، وكان الموقع الإلكتروني الخاص بالمؤسسة الخيرية الأداة الأكثر فعالية للتواصل وجمع التبرعات. وقال 63% من المتبرعين إنهم يفضلون التبرع عبر الإنترنت باستخدام بطاقة الائتمان أو الخصم، وكرر 39% منهم عملية التبرع للمؤسسة نفسها في العام التالي، في حين يدعم 45% من المانحين مؤسسة خيرية ما من خلال التسوق الإلكتروني، و24% منهم يتبرعون من خلال المزادات عبر الإنترنت.
ما يجعل التكنولوجيا أداة فعالة لبذل العطاء في رمضان بصيغه المختلفة؛ من الصدقة اليومية وكفالة المحتاجين، إلى المشاريع الخيرية الكبيرة مثل بناء المجمعات السكنية والمراكز الصحية ومد قنوات مياه نظيفة في القرى الفقيرة والمناطق النائية.
وفيما يلي بعض التطبيقات والمنصات التي تبين كيف تدعم التكنولوجيا المبادرات الخيرية في رمضان:
- عندما كانت السيدة المصرية سهير أباظة توزع وجبات الإفطار خلال شهر أحد الرمضانات، تساءلت: لماذا لا توجد وسيلة لتحديد الأماكن المُحتاجة؟ فجاءت إليها فكرة إطلاق تطبيق "شير الخير" الذي يقوم على تزويد التطبيق بمعلومات دقيقة عن الأماكن التي وزع فيها المستخدمون المساعدات، وطبيعة المساعدات الموزعة، لمعرفة إذا ما تمت تغطية احتياجات المكان الذي وزعت فيه، وتحديد الأماكن الأخرى التي لا تزال بحاجة إلى دعم.
وتستمر فكرة التطبيق بعد رمضان، لكن بحسب احتياجات كل موسم، ففي فصل الشتاء مثلاً يتم التركيز على الأغطية ووسائل التدفئة، ومع دخول المدارس يتم تزويد المناطق المحتاجة بالمستلزمات المدرسية، وفي حال حدوث كوارث مثل الزلازل أو البراكين يساعد التطبيق على الاستجابة على نحو أسرع للأماكن والأشخاص المتضررين.
- اتجهت شركات كثيرة إلى توظيف التكنولوجيا لتعزيز مسؤوليتها الاجتماعية في شهر رمضان، فقد قررت شركة أورنج مصر للاتصالات مضاعفة أي تبرعات تأتي من خلال محفظتها الإلكترونية "أورنج كاش" بهدف دعم الفئات الأكثر احتياجاً بالتعاون مع عدة مؤسسات خيرية منها، حياة كريمة، ومصر الخير، وجمعية الأورمان، ومستشفى بهية، والناس، وسرطان الأطفال 57357.
وفي رمضان 2023 أطلقت شركة كريم، المتخصصة بتقديم خدمات التوصيل من خلال موقعها الإلكتروني وتطبيق الهواتف الذكية، ميزات جديدة للتبرع والإفطار عبر تطبيقها بهدف دعم المجتمعات المحتاجة. فمن خلال اختيار ميزة "سيارة رمضان" في كل رحلة يحجزها المستخدمون في الأردن ومصر والسعودية والإمارات وقطر والكويت وباكستان، يتم التبرع بمبلغ لعدد من الجمعيات الخيرية المحلية مثل مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، وبنك الطعام المصري، ومؤسسة ولي العهد في الأردن، وصندوق المواطن في باكستان.
وفي ظل الظروف الصعبة التي فرضتها جائحة كوفيد-19 عام 2020، تعاون تطبيق طلبات لتوصيل الطعام مع هيئة الثقافة والفنون في دبي لإطلاق منصة المطعم الافتراضي، التي تتيح للأفراد اختيار وجبات الإفطار أو السحور التي يرغبون في التبرع بها للأسر المحتاجة في الإمارة، ونجحت المنصة في تقديم أكثر من 50 ألف وجبة.
- تتيح مؤسسة قطر الخيرية العديد من الخيارات الرقمية التي تساعد الناس على تقديم الزكاة والصدقات، وإفطار الصائمين، ودعم المحتاجين في الأماكن الأقل حظاً، حيث يساعد تطبيق حساب الزكاة "زكاتي" الأشخاص على حساب مبلغ الزكاة الواجب تقديمه وتوزيعه عبر المصارف المعروفة حول العالم.
وتطبيق أيامي الذي يرسل تنبيهات خاصة بالإفطار والتراويح للمستخدمين خلال شهر رمضان، ويقدم محتوى وفيديوهات بالأدعية والأذكار، كما يتيح إمكانية التبرع لبناء مسجد في إحدى الدول، والإسهام في الحملات والمشاريع الخيرية التي تطلقها المؤسسة خلال شهر الصيام.
ولأن العطاء رحلة تبدأ منذ الصغر، حرصت المؤسسة على تشجيع فئة الأطفال على عمل الخير عبر منحهم حصالة رقمية سهلة الاستخدام وبواجهة تناسب مرحلتهم العمرية لتعلمهم ثقافة الادخار والتبرع.
- يمثل تطبيق آي خير، منصة آمنة للتبرع والعمل الخيري لمساعدة الحالات الإنسانية في المنطقة العربية والشرق الأوسط وإفريقيا، حيث يسهل طرق الدفع عبر عدة وسائل مختلفة مثل الرسائل القصيرة وبطاقة الائتمان وطلب محصل، وتذهب التبرعات مباشرة إلى حساب الجهة الخيرية ومن دون أي استقطاعات.
ويُمكّن التطبيق الأفراد من إنشاء حملة تبرعات لتكون صدقة جارية عن المتوفى في خطوات بسيطة، وحتى الآن، نجح آي خير في استقطاب أكثر من 100 ألف مستخدم، وجمع ما يزيد على 40 مليون درهم، عبر أكثر من 20 جمعية خيرية، وبما يتجاوز 150 مشروعاً خيرياً.
ومن خلال التطبيق، تمكّنت جمعية الإحسان الخيرية بإمارة عجمان في رمضان 2023 من تقديم 190,500 وجبة إفطار، وسجّلت 2004 مستفيد من زكاة الفطر.
ختاماً، تفتح التكنولوجيا الأفق أمام أصحاب العطاء خلال شهر رمضان وتختصر الكثير من الوقت والجهد في جمع التبرعات أو الإسهام في المشاريع الخيرية، لكن يبقى الحفاظ على معايير المصداقية والأمان والكفاءة هو الفيصل في دفع المانحين والمتبرعين إلى بذل المزيد من العطاء.