كان من غير الممكن قبل 20 عاماً أن نتخيل مؤسسة غير ربحية تستخدم التكنولوجيا المتطورة ذاتها التي تستخدمها أكبر شركات العالم، ولكن الحال تغير اليوم بفضل الحوسبة السحابية التي تقدّم موارد تكنولوجيا المعلومات عند الطلب عبر الإنترنت بسعر يحدده حجم الاستخدام. بفضل السحابة الإلكترونية أصبح بإمكان المؤسسات غير الربحية الوصول إلى نفس الحلول التكنولوجية الابتكارية المتاحة للشركات الربحية، وبإمكانها الاستفادة منها في تعظيم أثرها.
يمكن أن تكون النقلة إلى تكنولوجيا السحابة الإلكترونية مرهقة للمؤسسات غير الربحية ذات الموارد المحدودة والعدد القليل من الموظفين. قالت الغالبية العظمى (85%) من أصل 725 مؤسسة غير ربحية شاركت في دراسة استقصائية أجرتها شركة سيلز فورس وذكرتها في تقريرها لعام 2020 إن التكنولوجيا تشكل عاملاً حيوياً في نجاحها، في حين تحدّث أقل من ربع هذه المؤسسات (23%) عن امتلاك رؤية واستراتيجية طويلة الأمد حول طرق إدخال التكنولوجيا إلى المؤسسة وبرامجها.
يمكن للمؤسسات غير الربحية التي تبحث عن مدخل لها إلى تكنولوجيا السحابة الإلكترونية الاستعانة بشركة أيه دبليو إس (AWS) لتتغلب على العقبات التي تمنع تبنّي التكنولوجيا وتعزز نتائج مهمتها؛ تتمتع شركة أيه دبليو إس بخبرة من التشارك مع المؤسسات غير الربحية على مدى أكثر من 15 عاماً، وعلى الرغم من أن كل رحلة لتبنّي تكنولوجيا السحابة الإلكترونية تختلف عن غيرها، فقد لاحظت شركة أيه دبليو إس أن المؤسسات تحقق نجاحاً أكبر حين تقوم بهذه العملية على 4 مراحل:
وضع الرؤية
في هذه المرحلة تحدد مؤسستك أهدافها المستقبلية بتحديد المشكلات التي تحتاج إلى معالجة وأسباب ضرورة ذلك من أجل التقدم نحو تحقيق مهمتك. قد تتضمن بعض الأجوبة المحتملة تحسين الكفاءة أو توفير التكاليف أو إتاحة وصول أكبر إلى التكنولوجيا والأدوات والخدمات الابتكارية.
تعجز المؤسسة غير الربحية عن الوفاء برسالتها وتحقيقها إذا عانت نقصاً في التمويل، وبالتالي إن كان غرضك هو تعزيز حملات التمويل فقد تتمثل بعض الأهداف المحتملة في بناء إدارة أفضل للمتبرعين أو تنفيذ حملات مخصصة على البريد الإلكتروني أو إنشاء لوحات متابعة لأثر التبرعات، وتوصي شركة أيه دبليو إس بأن تكلف كبار القادة القادرين على تحفيز التغيير في مواجهة العقبات بالعمل كل على هدف معين.
من الأمثلة الناجحة على عملية وضع الرؤية مؤسسة إي بي ريسرتش بارتنرشب (EB Research Partnership - EBRP) غير الربحية التي تركز على تمويل الأبحاث التي تهدف إلى معالجة مرض انحلال البشرة الفقاعي (epidermolysis bullosa - EB) (مجموعة اضطرابات وراثية مميتة تؤثر في جلد الإنسان) والتوصل إلى الدواء الشافي له. يعاني المرضى وأسرهم مشكلة عامة تتمثل في إدارة البيانات، إذ تُخزّن معلومات المرضى والأبحاث الطبية المتعلقة بالمرض في قواعد بيانات معزولة، ما يجعل الوصول إلى المعلومات الحالية حوله صعباً للغاية. حددت قيادة المؤسسة هدفاً متمثلاً في استخدام أدوات السحابة الإلكترونية من أجل جمع هذه البيانات في منصة واحدة، ما يسهّل وصول المرضى وأفراد عائلاتهم إلى المواد التعليمية والتواصل مع المرضى الآخرين والأطباء والاطلاع على التجارب السريرية، وبذلك بنت المؤسسة منصة قائمة على السحابة الإلكترونية توجه المريض إلى أقرب طبيب وإلى الدراسات والأبحاث ومراكز العلاج والمعلومات المتعلقة بتجارب الأدوية الجديدة ومجموعات دعم المرضى، على نحو يشابه طريقة نظام تحديد المواقع (GPS) في توجيهك لتصل إلى وجهتك.
التوافق
بمجرد تحديد هدف المؤسسة من تبنّي تكنولوجيا السحابة الإلكترونية يتعين عليك توجيه جهودك لتشجيع أصحاب المصالح على العمل بما يتوافق مع هذه الرؤية، وسيكون هذا التوافق أصعب جزء من أي رحلة لتبنّي تكنولوجيا السحابة الإلكترونية لأنه يستدعي أن يغير أصحاب المصالح كافة طرق عملهم.
يمكن لتحديد الاختلافات في طرق العمل بين أقسام المؤسسة المساعدة في تحقيق التوافق بينها. مثلاً، هل تتوفر مجموعة المهارات المناسبة في المؤسسة؟ هل تمتلك مؤسستك حالياً عقوداً وتراخيص يجب أخذها في الحسبان؟ يجب أن يشارك جميع أصحاب المصالح في هذه المرحلة مهما كانت أدوارهم أو إسهاماتهم في عملية الانتقال، وعن طريق إشراك أفراد فريقك كافة وتحديد مخاوفهم منذ البداية ستساعد أصحاب المصالح على فهم أن إسهاماتهم ذات قيمة وأنهم يشاركون في نجاح النقلة نحو تبنّي السحابة الإلكترونية، كما تساعد هذه العملية على بناء الثقة بين جميع أصحاب المصالح المعنيين.
كانت مؤسسة إربان إنستتيوت (Urban Institute) البحثية غير الربحية، التي توفر بيانات تساعد على التقدم في جهود الارتقاء والعدالة الاجتماعيَين، ترغب في تسهيل عملية صنع القرارات القائمة على البيانات، وفي عام 2016 بدأت بنقل بياناتها من مركز بيانات ميداني إلى سحابة شركة أيه دبليو إس، ما أتاح لها تحليل البيانات بطرق متطورة واستخدام نماذج المحاكاة الصغرى بمرونة وسرعة ودقة. تقدم شركة أيه دبليو إس من خلال برنامجها أيه دبليو إس إيماجن غرانت (AWS IMAGINE Grant) مِنحاً عامة تزود المؤسسات غير الربحية بالتمويل وأرصدة خدمات الحوسبة والدعم التكنولوجي، واستفادت منه مؤسسة إربان إنستتيوت لبناء نموذج تجريبي لمركز بيانات يساعد واضعي السياسات والباحثين على استخدام مجموعات البيانات المحلية في وضع السياسات. علمت المؤسسة أن عليها تحديد المجالات التي يجب على أفراد فريقها العمل على تطوير مهاراتهم فيها من أجل ضمان النجاح في إطلاق النموذج، فاستخدمت فرص التدريب المجانية التي تتيحها شركة أيه دبليو إس، مثل دورتَي تطوير حلول لا تحتاج إلى أجهزة خادمة (Developing Serverless Solutions) والتصميم على طريقة أيه دبليو إس (Architecting on AWS) التعليميتَين من أجل تدريب موظفيها. وباكتساب المؤسسة معارف أكبر في مجال السحابة الإلكترونية تمكنت من إطلاق جهودها لتبنّيها بثقة.
الإطلاق
تتميز هذه المرحلة بالتجارب؛ تمييز مشكلة محددة والعمل مع الشركة الشريكة التي تقدم خدمة السحابة الإلكترونية على تصميم الحلول وبناء نموذج تجريبي، ويجب أن يكون لهذا النموذج التجريبي هدف ومقاييس واضحة كي يساعدك على تقييم استعدادك لتوسيعه أو إجراء التحسينات عليه. يجب أن ترتبط جميع التجارب بأهداف محددة، والتركيز على أهدافك الأساسية سيذكرك بضرورة الانتباه إلى الصورة الأكبر باستمرار.
خذ مثلاً مؤسسة باث (PATH) غير الربحية التي تتمثل رسالتها في القضاء على التشرد بولاية كاليفورنيا، قبل استخدام البنية التحتية السحابية كان مدراء الحالة يبحثون عن منازل ميسورة التكلفة وذات جودة عالية لعملاء المؤسسة بمراجعة قوائم سعر السوق في الصحف وعلى الإنترنت يدوياً، وكانوا يستغرقون في ذلك وقتاً طويلاً. بدأت مؤسسة باث عملها مع شركة أيه دبليو إس في عام 2019 ببناء تطبيق للهاتف الذكي يجمع معلومات فورية حول العقارات في المنطقة بصورة تلقائية ويبحث عن منازل تلبي تفضيلات العميل واحتياجاته الخاصة، وبالتالي يقلل الوقت اللازم لإنهاء عملية استئجار السكن وانتقال العميل للإقامة فيه. أقامت مؤسسة باث برنامجاً تجريبياً لاختبار قدرة التطبيق الوظيفية قبل إطلاقه وقبل توسيع نطاقه لمعالجة احتياجات فئة المشردين الأوسع في ولاية كاليفورنيا، واختبرت التطبيق في مدينة لوس أنجلوس واستعانت بما تعلمته لإطلاق التطبيق في مدن أخرى لاحقاً.
التوسيع
في هذه الخطوة الأخيرة تكون مؤسستك مهيأة لتوسيع البرنامج التجريبي وتشغيل تطبيقات السحابة بكامل طاقتها. من أجل ضمان نجاح استثماراتك يتعين عليك قياس تقدمك باتجاه تحقيق أهدافك الأساسية، والمشروع الأول هو الأصعب دوماً إذ يبدأ فريقك بناء القدرات المؤسسية لتنفيذ العمل، ولكن ما إن تبدأ فستلاحظ ظهور فرص أخرى لأتمتة مهام كنت تنفذها يدوياً وتستهلك وقتاً كبيراً.
منذ قرابة 5 أعوام مضت، أسس أحد المراكز المجتمعية المخصصة للأقليات في مدينة لوس أنجلوس مركز اتصالات قائم على السحابة الإلكترونية من أجل تقديم الخدمات الصحية المجتمعية بتكلفة منخفضة؛ بالمقارنة بين مركز الاتصالات التقليدي ومركز الاتصالات القائم على السحابة الإلكترونية نرى أن الأخير يتيح تعيين موظفين يعملون عن بعد وتوسيع العمليات بسهولة من أجل تقديم الدعم لعدد أكبر من العملاء. وعندما انتشرت جائحة كوفيد-19 في الولايات المتحدة في عام 2020، نظمت المؤسسة غير الربحية حملة "تيليثون" لجمع التبرعات عن بُعد عبر البث المباشر المستمر لدعم بعض أضعف السكان في مدينة لوس أنجلوس، ووسّعت مركز اتصالاتها القائم على السحابة الإلكترونية من أجل التعامل مع الزيادة الهائلة الاستثنائية في عدد الاتصالات الواردة، وتمكنت نتيجة لذلك من جمع قرابة 1.3 مليون دولار لأجل قضيتها.
النقلة إلى استخدام السحابة الإلكترونية كما هو موضح في أمثلتنا ليست عملية تُجرى لمرة واحدة فحسب، بل هي نهج قائم على التكرار لبناء الزخم والتعلّم من التجارب، وهذه المراحل الأربعة ليست خطوات ثابتة لكن تقدماً تدريجياً باتجاه المستقبل.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً