عززت التكنولوجيا السحابية قدرة مؤسسة مونيثينك على تقديم خدمة أفضل للطلاب على نحو فوري
قبل عدة أعوام، خاضت مؤسستي غير الربحية، مونيثينك (Moneythink)، عملية تحول رقمي. عملنا منذ عام 2008 على زيادة عدد الطلاب المنتمين إلى الفئات المهمشة تاريخياً الذين يحصلون على درجات جامعية من دون تحمل عبء مالي يذكر، وكنا قد حددنا منذ البداية أهم نقطتَي انعطاف في عملية الابتكار، متمثلتَين في القبول في الجامعة والقدرة على دفع تكاليفها. وفي عام 2016، التزمنا البحث عن الإجراء التدخلي الاستراتيجي الأهم بالنسبة لأكبر عدد من الطلاب الذين سيستفيدون من خدماتنا.
عملنا بالتشارك مع شركتَي علم السلوك، آيديو دوت أورغ (Ideo.org) وآيدياز42 (Ideas42)، على دمج نهج التصميم المرتكز على العنصر البشري في ممارسات تطوير المنتجات بمؤسستنا، وساعدتنا اجتماعاتنا مع الطلاب وأسرهم ومستشاريهم على تعميق فهمنا لتجربة المستفيدين الرقمية الناجحة ونظرتنا إليها، واضعين نصب أعيننا خدمة الأجيال الحالية والمستقبلية من مستهلكي خدمات التعليم.
وبين عامي 2016 و2019، نفذنا برنامجاً افتراضياً للتدريب المالي المتعلق بالدراسة الجامعية مع تقديم التوجيه الفردي الأكاديمي والمالي لطلاب الثانوية العامة المؤهلين للحصول على منحة بيل الجامعية (Pell Grant) في مدينة شيكاغو ومنطقة باي إيريا (خليج سان فرانسيسكو). حرصنا على دعم طلابنا في عمليتَي التقدم والقبول الجامعي، ويشمل ذلك تقديم الاستمارة المجانية لطلب المساعدة الفيدرالية للطلاب (FAFSA) والتحقق من الملاءمة والمطابقة الجامعيتَين ومقارنة خطابات منح المساعدة المالية والتخطيط المالي الشخصي. استخدم مدربونا نموذجاً أولياً طورناه في مؤسستنا من أجل رفع فعالية الحوارات الاستشارية، ما منح طلابنا القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة أكثر حول الكلية التي سيدرسون فيها. اختبرنا عدة أدوات ضمن برنامجنا ساعدت في تعجيل أداء المهام الشاقة، مثل جمع خطابات منح المساعدات المالية وترجمة معلوماتها يدوياً، واكتشفنا أن حلولنا التكنولوجية سرّعت فهم الطلاب لقدرتهم على تحمل تكاليف الكليات المتاحة، وبالتالي تمكّن مستشارونا من التركيز على إجراء الحوارات المهمة معهم.
واجهنا عدة عقبات في توسيع برنامج التدريب الافتراضي وتنمية أثره على الرغم من النجاح الذي حققه؛ كانت استراتيجية اختيار الطلاب وتسجيلهم في البرنامج شخصية ولكنها تستهلك قدراً كبيراً من الوقت والموارد، كما عانى نموذج خدمتنا عائقاً تمثل في أن طلابنا لم يحققوا الاستفادة الحقيقية من خدماتنا إلا عندما قدمنا لهم خدمات التدريب بصورة فورية، ولكننا لم نكن متاحين على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع، إلى جانب أن توسيع النموذج الافتراضي كان يتطلب إنفاق أموال طائلة.
في عام 2019، بحثنا عن الطرائق الممكنة لتقليل العقبات التي يواجهها الطلاب الراغبون في الحصول على خدمات التدريب الافتراضي، وتطوير تجربة مؤتمتة -ولكن شخصية- تتيح للطلاب الحصول على الدعم الفوري من دون مدربين. علمنا أن علينا الابتكار والعمل بمرونة والتركيز على التكنولوجيا الرقمية بدرجة أكبر من أجل تحقيق رؤيتنا. وبعد التفكير في الخيارات المتاحة، تبيّن لنا أن التكنولوجيا السحابية هي الحلّ المناسب لترجمة خطابات المساعدة المالية وإزالة الغموض منها، وبالتالي سيتمكن المستخدمون من مقارنة الكليات المتاحة وفقاً لقدرتهم على تحمل تكاليفها.
وما إن قررنا التعامل مع شركة أيه دبليو إس (AWS) في خريف عام 2019، بدأنا تطوير استراتيجية منتجنا الأساسي المتمثلة في تطبيق الويب، ديسايدد (DecidED)، الذي يستخدم التكنولوجيا السحابية من أجل تقديم التوجيه والدعم للطلاب وأسرهم لمساعدتهم على فهم خيارات المساعدة المالية ووضع خطة لسداد تكاليف الدراسة الجامعية، وهو مصمم لإشراك عدد أكبر من الطلاب وتوجيههم إلى جانب تزويد مستشاريهم بالبيانات الواضحة والمفيدة والدقيقة التي تسمح لهم بتقديم الدعم الفعال للطلاب في عملية صنع القرار المتعلقة بتحديد الكلية المناسبة لهم.
التركيز على المنتج
عندما قررنا تطوير أداة قائمة على مخدّم سحابي متاحة للجميع لقياس قدرة الطلاب على تحمل تكاليف الدراسة الجامعية، طرحنا سلسلة من الأسئلة حول "المخاطر والفوائد" وخضنا مجموعة نقاشات حول نموذج العمل وهيكلية التوظيف وفرص التمويل والاتجاهات الاستراتيجية الطويلة الأمد المحتملة.
توصلنا نتيجة لذلك إلى مسار واضح للخطوات التي سنتخذها تالياً: تمثلت الخطوة الأولى في تعيين أفراد من ذوي الخبرة يتبنون عقلية التركيز على المنتج في مجلس إدارة المؤسسة كي يعملوا على توجيه أنشطتنا الاستراتيجية؛ ثم اتبعنا نهجاً مدروساً لضمّ شركاء التمويل القدامى إلى جهودنا وتعميق مشاركتهم في التحول المؤسسي الوشيك، فوضحنا نوايانا وطلبنا آراءهم الصادقة ودعوناهم لدعم مسارنا؛ ثم ضممنا ما يتطلبه العمل من المهندسين وأصحاب الخبرات التقنية إلى فريق المنتج بهدف تسهيل تنمية نموذجنا على المدى الطويل؛ ثم كانت الخطوة الأخيرة، وهي تقييم التغييرات التي يتعين علينا إجراؤها في مؤسستنا كي نتمكن من تحقيق رؤيتنا.
تبيّن لنا أن التكنولوجيا السحابية هي الحلّ المناسب لترجمة خطابات المساعدة المالية وإزالة الغموض منها، وبالتالي سيتمكن المستخدمون من مقارنة الكليات المتاحة وفقاً لقدرتهم على تحمل تكاليفها.
أدى هذا العمل إلى تغيير ثقافي كبير في مؤسستنا التي أصبحت مؤسسة "تركز على المنتج". من الناحية العملية، مكننا هذا النهج من إعادة تصميم الهيكليات والأنظمة والمواهب اللازمة للمضي بعملنا قُدماً، وبوصفي قائد المؤسسة كان من الضروري أن أتواصل مع الفريق وأصحاب المصالح والشركاء المجتمعيين باستمرار من أجل توضيح ما نفعله وسببه لضمان استمرار تأييدهم وتعزيز ثقتهم بنا.
أما من ناحية المنتج، فالتكنولوجيا التي لا تحتاج إلى أجهزة خادمة ساعدتنا على إطلاق تطبيق "ديسايدد" بسرعة وهيّأتنا لتوسيع نموذجنا من دون هدر القدرات الحاسوبية؛ فالتطبيق يعتمد على خدمة تعلّم الآلة التي تستخرج بصورة آلية النصوص والكتابة اليدوية والبيانات من الوثائق التي يتم تصويرها، وعندما يرفع الطالب نسخة رقمية من خطاب منح المساعدة المالية للدراسة الجامعية إلى التطبيق يستخدم الملف تعلّم الآلة من أجل استخراج النصوص والجداول وغيرها من نقاط البيانات. تصنف مؤسستنا مونيثينك نواتج هذه العملية ثم تدخلها إلى لوحة متابعة التقييمات المعيارية لخطابات منح المساعدات المالية، وتتيح للمستخدم الدخول إليها لمقارنة تكاليف الكليات.
كما صممنا تطبيق ديسايدد على نحو يتيح لمستشاري الطلاب تقديم أكبر مساعدة ممكنة لطلاب الثانوية العامة من أجل اتخاذ قرارات مستنيرة لاختيار الكليات المناسبة؛ قبل استخدام التكنولوجيا السحابية كان المستشار يضطر إلى ترجمة جميع وثائق المساعدات المالية يدوياً أو يطلب من الطلاب ترجمتها، أما الآن فآلية معالجة خطابات منح المساعدة المالية في التطبيق تزوده بمعلومات مثبتة قائمة على السحابة الإلكترونية حول قدرة الطلاب على تحمل تكاليف الدراسة في الكليات. كما أن التطبيق يحيّد الخطأ البشري ويوفر على المؤسسات مئات الساعات من وقت العمل الإداري.
أدى تطوير تطبيق ديسايدد بالاعتماد على التكنولوجيا السحابية إلى تسريع نمونا الكلي، والآن لدينا بالفعل آلاف الطلاب والمستشارين في 41 ولاية. ولمواكبة هذا النمو زدنا عدد أعضاء فريق المنتج بنسبة 50%، كما ضاعفنا ميزانيتنا المؤسسية التي كانت 1.5 مليون دولار لتصبح 3 ملايين دولار مع تأمين التمويل الخيري الذي يدعم توسع التطبيق وتأثيره المحتمل على تغيير الأنظمة، وهذا يشمل منحاً رئيسة قدمتها مؤسسات بيل ومليندا غيتس فاونديشن (Bill & Melinda Gates Foundation) ومايكل وسوزان ديل فاونديشن (Michael & Susan Dell Foundation) وكابيتال وان فاونديشن (Capital One Foundatio) وغيرها من الجهات الداعمة الكبرى.
في عام 2021، أطلقت مؤسسة مونيثينك واجهة ديسايدد لبرمجة التطبيقات (DecidED API) لتوسع قاعدة بيانات المساعدة المالية للدراسة الجامعية وتتيحها للعموم بهدف تحقيق درجة أعلى من الشفافية حول تكاليف الدراسة الجامعية. وبما أن تطبيق ديسايدد يلبي حاجة ماسة في السوق فقد تمكنّا من تقديم الخدمات لمستفيدينا على نحو لم نتخيله قطّ.
الخلاصة في ثلاث نقط
من واقع تجربتنا نقدم 3 نصائح للمؤسسات غير الربحية التي تفكر في بناء مكون برمجي رقمي ذاتي التنفيذ أو تطوير تطبيق إلكتروني أو وضع استراتيجية رقمية:
- التكنولوجيا الرقمية ليست نهاية التطور. | بل هي وسيلة قوية تعزز سعيك للوفاء بمهمة مؤسستك. العلاقات البشرية هي الأهم، وسيمنحك التعاطف والمشاركة الوجدانية في القيادة ميزة تنافسية.
- حدد الإجراء التدخلي المناسب. | خصص وقتاً لمعرفة المجالات التي يمكن أتمتتها من برنامجك أو مؤسستك من دون المساومة على الهدف الذي تطور البرنامج لأجله ومهمة المؤسسة التي تركز على العدالة.
- احرص على إجراء اختبار سريع ورشيق. | يساعد التكرار في الحد من الإنفاق المبكر غير الضروري على مهام يمكن أن تكون مكلفة في عمل المؤسسة على تصميم التكنولوجيا بنفسها. كان ذلك يعني بالنسبة لمؤسستنا مونيثينك تفعيل نهج التصميم المرتكز على العنصر البشري كي نتوصل إلى طرائق لبناء نماذج أولية بسيطة ونستخدم دورات التصميم السريعة من أجل اختبار الأدوات والميزات الجديدة، كما عملنا على اختبار أفكارنا مع المستخدمين النهائيين بصورة روتينية لضمان ملاءمتها لاحتياجاتهم. نتيجة لذلك كانت عملية التطوير أسرع وأقل تكلفة في أغلب الأوقات.
يمكن أن يؤدي التحول القائم على البيانات إلى تعظيم أثر مهمة المؤسسة واستدامته، يعني ذلك بالنسبة لمؤسستنا مونيثينك أن نعمل على تعزيز الطلاب بصورة منهجية من خلال تزويدهم بمعلومات واضحة وصحيحة ليبنوا عليها قراراتهم ومنحهم الشعور بالقدرة على التحكم بخياراتهم، وأن نجري عملية تحويل شاملة لنظام الدخول إلى الكليات والجامعات عن طريق تحويل دور المستشارين الجامعيين بواسطة حلولنا المؤتمتة التي تتيح لهم حرية أكبر في تقديم الدعم الذي يحتاج إليه الطلاب حقاً، ويعني أيضاً أن نوفر المعلومات اللازمة لممارسات إتاحة الدراسة الميسورة التكلفة في الجامعات وسياساتها بواسطة أدواتنا المؤتمتة ومجموعات البيانات التنبؤية التي تعزز الجهود الرامية لتزويد الطلاب بالأبحاث والمناصرة وتحقيق العدالة لهم في المجالين الأكاديمي والمالي.
يتطلب التحول الرقمي واعتماد التكنولوجيا السحابية طاقة هائلة وحساسية ودرجة عالية من القدرة على تحمل المخاطر، ولكنه كان أساسياً بالنسبة لنا كي نتمكن من خدمة المستفيدين وأفراد فريقنا على نحو أفضل.
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً