كيف يمكن إصلاح سياسات التوظيف وتعزيز المساواة في بيئات العمل؟

إصلاح سياسات التوظيف
shutterstock.com/Andrii Yalanskyi
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني والأخير من سلسلة “دعم القيادة النسائية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات”، التي كشفنا في جزئها الأول عن أسباب استحواذ الرجال على النسبة الأكبر من الوظائف في قطاعات التكنولوجيا، وأوردنا واحدة من 3 استراتيجيات تسهم في إصلاح سياسات التوظيف وثقافة مكان العمل وتعزيز التنوع والمساواة فيها، وسنتابع في هذا الجزء ما تبقى من هذه الاستراتيجيات.

2. توسيع نطاق التدخلات المهنية المبكرة

في كثير من الأحيان، لا تؤمن الفتيات، وخاصة الفتيات ذوات البشرة الملونة، بأن مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) هي خيار مهني يمكنهنّ السعي نحوه والنجاح فيه. يتطلب تغيير ذلك استثماراً مدروساً، يبدأ برعاية طموح هؤلاء الفتيات من خلال الفصول الدراسية والبرامج اللامنهجية. ويجب على هذه البرامج أن تُركز على المجال الواسع من الصناعات والحلول التي تمكنها مجالات (STEM)، إلى جانب توضيح أهمية نقاط القوة ووجهات النظر التي تمتلكها الفتيات في مجالات عمل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

إن خلق مساحات للفتيات لتطوير فضولهن المعرفي وشحذه -وتوفير توجيه حكيم لهنّ- يمكن أن يأتي بنتائج مثمرة للغاية. فالعديد من القادة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات الذين قابلناهم رووا لنا قصصاً عن لحظات مميزة في حياتهم عندما قال لهم أستاذ أو مستشار أو موجه “أنت ماهر في هذا المجال. هل فكرت في اتخاذه مهنةً لك؟”

ربما تكون التدخلات التي تعزز شعور الشابات بالانتماء إلى العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مهمة بشكل خاص في مرحلة ما بعد المرحلة الثانوية وفي بداية الحياة المهنية؛ حيث إن تشجيع المعلمين والإداريين على تحديد مواهب (STEM) ورعايتها لدى الفتيات والطلاب أصحاب البشرة الملونة من خلال ربطهم بالبرامج خارج المنهاج مثل برنامج “الفتيات المُبرمجات” (Girls Who Code) يمكن أن يساعد على بناء “السقالات” التي تحتاجها الفتيات للوصول إلى أهداف جديدة.

على سبيل المثال، يهدف مشروع الاستكشاف التابع لمؤسسة “غابرييل ليون” (Gabrielle Lyon) إلى “تغيير صورة العلوم” عبر ربط طلاب المدارس الإعدادية والثانوية من أصحاب البشرة الملونة مع خبراء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من قلب مجتمعات شيكاغو من خلال مخطط متكامل ومدروس من البرامج التوجيهية والإثرائية. وقد أظهرت دراسة طولية مدتها 10 سنوات أن خريجي البرنامج -وتحديداً الشابات ذوات البشرة الملونة- كانت معدلات تسجيلهم في جامعة مدتها 4 سنوات أكثر بثلاثة أضعاف من أقرانهم، كما أن أكثر من ثلثهم اختار اختصاصاً متعلقاً بمجالات (STEM). وهذا النجاح أفضل شاهد على تأثير التوجيه المستدام في مجتمع الفرد على حياته.

من المهم أيضاً تأسيس مساحات عمل وصفوف دراسية أكثر شمولاً. تُظهر الأبحاث أن تعديل عناصر المنهاج في موضوعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والمساحات التعليمية يمكن أن يزيد من شعور الفتيات بالانتماء. فعلى سبيل المثال، أعادت كلية “هارفي ماد” تصميم برامج علوم الحاسوب لديها لجعلها أكثر شمولاً، ما تضمن تغيير عنوان مقرر “مقدمة في البرمجة الرمزية” إلى “جماليات ومتع الحوسبة”. ساعدت هذه التغييرات الكلية على زيادة النسبة المئوية للنساء اللائي يسعين لتخصصات علوم الحاسوب من 10% إلى أكثر من 50% خلال أقل من عقد من الزمان.

وتغذي البرامج التي تسمح للشابات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات بالتواصل بعضهن مع بعض شعورهن بالانتماء، الذي يمكن أن يساعدهن في التغلب على الرسائل الضمنية والصريحة التي تصوّر مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على أنها للرجل الأبيض. شاركت دونا ستوكس عندما كانت طالبة ومتدربة، وهي أستاذة جامعية في الفيزياء وعميدة مشاركة في جامعة هيوستن، في برنامج جمع 20 طالباً وطالبة من الفئات الممثلة تمثيلاً منقوصاً للمشاركة في بحث صيفي. وتقول: “منحني البرنامج الفرصة لمعرفة ما تدور حوله الأبحاث في بيئة مختلفة عن الجامعة، كما جمعني مع مزيد من الطلاب الذين يشبهونني… لقد أنشأنا جميعاً مجموعة نستخدمها حتى الآن كشبكة”. فالبرامج مثل معسكرات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) للفتيات الصغيرات وخبرات البحث الصيفية للطلاب الجامعيين وبرامج الربط بعد التخرج تساعد على تعزيز الثقة والتواصل.

أخيراً، تحتاج الفتيات والشابات أيضاً إلى فرص لتعلم كيفية القيادة، للأدوار القيادية التي سيشغلنها في المستقبل، بالإضافة إلى المساهمة عبر طرح وجهات نظرهن واستثمار نقاط القوة لديهنّ. تجسد حركة “غيرل أب” (Girl Up) لتمكين الفتيات التابعة لمؤسسة الأمم المتحدة إمكانية المؤسسات في وضع الفتيات في قلب استراتيجيتها. ويساعد المجلس الاستشاري العالمي للمراهقين التابع للمؤسسة والشبكة المكونة من 5,000 نادٍ تقودها الفتيات في 13 دولة على دفع برامجها والدعوة لمناصرتها.

يمكن أن تساعد التكنولوجيا الرقمية على توسيع نطاق مثل هذه الجهود وضمان استفادة المزيد من الشابات منها. يمكن للمؤسسات استخدام أدوات التعلم والتوجيه الافتراضي عبر الإنترنت، ومشاركة برامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) ونشرها بكفاءة للوصول إلى الشباب. ومن الأمثلة على ذلك مؤسسة “كارير غيرلز” (Career Girls)، التي تهدف إلى ردم ما تدعوه بـ “الفجوة في المخيلة” لدى الفتيات، وخاصة الفتيات ذوات البشرة الملونة، عبر أدوات الاستعداد والاستكشاف المهني المتاحة عالمياً والتي تعتمد على مقاطع الفيديو. وتتضمن هذه الأدوات مكتبة من مقاطع الفيديو التي تسلط الضوء على المسارات الوظيفية، والقصص الحقيقية، ونصائح 500 امرأة بخلفيات وخبرات مختلفة، وتقدم أيضاً الموارد للمعلمين والطلاب. ومكّنت البرامج الرقمية المؤسسة من الوصول إلى 13 مليون فتاة في أكثر من 232 دولة وإقليماً، وتشير الأدلة المبكرة من افتتاح المعسكر الافتراضي للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والروبوتات مع 30 فتاة في الولايات المتحدة إلى زيادة بنسبة 18% في الاستكشاف الوظيفي وتحديد الهدف بعد المشاركة.

3. إصلاح ممارسات التوظيف وثقافة مكان العمل

على الرغم من أن 8 من كل 10 مواطن أميركي يرون التنوع العرقي والإثنيّ في مكان العمل على أنه مهم إلى حد ما، و45% من الأشخاص يعتقدون أن التنوع مهم لنجاح المؤسسة، فإن التحيز النوعي والعرقي لا يزال يحكم عمليات التوظيف في قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. ووجدت إحدى الدراسات أن كلاً من النساء والرجال كانوا ميالين أكثر إلى توظيف رجل في شاغر وظيفي يتطلب مهارات حسابية بمقدار الضعف، كما أن هناك المزيد من الأدلة التي تُظهر أن الأشخاص أصحاب البشرة الملونة الذين يجعلون سيرتهم الشخصية أكثر تشبهاً بالبيض عبر طمس المرجعيات والأدلة التي تشير إلى عرقهم، من المحتمل أكثر أن يحصلوا على الوظيفة. أما بالنسبة للنساء ذوات البشرة الملونة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فغالباً ما تعكس معدلات التوظيف الضعيفة نقصاً في الجهد المبذول من جانب مدراء التوظيف بدلاً من نقص المواهب. وعندما تدخل النساء ذوات البشرة الملونة مؤسسات (STEM)، فغالباً ما يتلقين أجوراً أقل ويُقابَلنَ بمعاملة أسوأ من أقرانهن البيض أو الذكور.

أدى تطور حركة #MeToo وتصفية الحساب العنصري لعام 2020 إلى جعل المحادثات حول العنصرية والتحيز المنهجي ضد المرأة أكثر انتشاراً داخل الشركات الأميركية. حيث تحتاج الشركات الآن إلى المساهمة بفعالية في المهمة الصعبة والطويلة الأجل المتمثلة في إنشاء نوع جديد من أماكن العمل التي تسمح للنساء وأصحاب البشرة الملونة بالنمو والازدهار. تقدم مجموعة العمل “كاتالايز تيك” (Catalyze Tech) التي تجمع بين مختلف القطاعات بعض الطرق المفيدة لبناء أماكن عمل أكثر شمولاً، منها:

  • وضع نماذج القيادة الشاملة وتحفيزها (مثلاً، عن طريق ربط تعويضات المدراء التنفيذيين بمقاييس التنوع والمساواة والشمول).
  • تفعيل التنوع والمساواة والشمول في جميع أنحاء المؤسسة (على سبيل المثال، من خلال تضمين التنوع والمساواة والشمول كجزء من تقييمات الأداء).
  • مشاركة بيانات التنوع والمساواة والشمول ومقاييسها وأهدافها لتعزيز تحمل المسؤولية على مستوى المؤسسة.

الأبحاث التي أجرتها شركة “دالبيرغ” (Dalberg) الاستشارية للتأثير الاجتماعي تدعم هذه التوصيات.

ويمكننا أيضاً تعلم الدروس من قطاعات أخرى. فمثلاً، إن تحديد المشكلة وقياسها -الاعتراف علناً بأن مؤسستك ليست متنوعة وعادلة- هي خطوة أولى مشتركة نحو تحقيق مزيد من الشمولية، ومثال جيد على هذا يأتي من مجال الإعلام. حيث قام مقدم قناة “بي بي سي” (BBC) روس أتكينز في عام 2019، بعد انزعاجه من عدم وجود أصوات نسائية في بثه الإخباري الليلي الرائد “آوتسايد سورس” (Outside Source)، بتحديد هدف بالوصول إلى نسبة متساوية من المقدمين النساء والرجال كضيوف مساهمين في البرنامج. وفي نهاية كل عرض، بدأ الفريق الإخباري بمشاركة نسبة المساهمين من الإناث إلى الذكور مع المشاهدين، ما أدى إلى إنشاء آلية قوية لتحمل المسؤولية والتي دفعتهم في النهاية إلى زيادة تمثيل الإناث من 39% في يناير/كانون الثاني 2019 إلى 51% بحلول أبريل/نيسان. وسرعان ما دفع هذا النهج أكثر من 50 مؤسسة أخرى للقيام بنفس الشيء كجزء من مشروع المساواة 50:50.

في المجال القانوني، يقيس قانون مانسفيلد ما إذا كانت شركات المحاماة قد نظرت في توظيف ما لا يقل عن 30% من النساء والمحامين أصحاب البشرة الملونة والمحامين ذوي الهمم لشغل مناصب قيادية. ومنذ إطلاقه في عام 2016، انضمت 118 شركة كبرى إلى المبادرة، وأبلغت الغالبية العظمى عن تحسنات ملحوظة في التنوع بين فرق تلقي الطلبات لديهم، ومجموعات التوظيف الجانبي، وترقيات شركاء الأسهم. ويمكن لمؤسسات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) التفكير في استراتيجيات مماثلة تتبع أهداف التنوع والمساواة والشمول بانتظام وشفافية، ما يخلق حوافز للقادة للوفاء بالتزاماتهم.

إحدى الاستراتيجيات الواعدة لتعزيز توظيف العلماء من خلفيات مُستبعدة تاريخياً واستبقائهم هي التوظيف العنقودي، حيث تقوم المؤسسات الأكاديمية والبحثية بتعيين موظفين كفريق للعمل بشكل تعاوني بين مختلف التخصصات، وغالباً ما تفكر في الالتزام بمبادئ التنوع والمساواة والشمول في معايير الاختيار الخاصة بها. ومن خلال إعطاء الأولوية لوجهات النظر المتنوعة وتنمية المجتمع بين أعضاء المجموعة، تمكنت بعض المؤسسات من تحسين استبقاء هيئة تدريسية مكونة من أصحاب البشرة الملونة مختلفي الأعراق. ونظراً لأن مؤسسات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات داخل الأوساط الأكاديمية وخارجها تعمل على استبقاء قوى عاملة متنوعة، لذا يجب أن تنظر إلى داخل المؤسسة لمواءمة سياساتها التنظيمية وممارساتها الثقافية وفق ما يدعم هذا الهدف. ويمكن أن تشمل هذه العملية إصلاح نظام الفوائد واعتماد العمل المرن لمقدمي الرعاية، أو تكييف أنظمة قياس الأداء لمراعاة أنماط القيادة المختلفة ودحض التحيز، أو إنشاء فحوصات للكشف عن التحيز في تصميم المنتجات.

في النهاية، يسهم تغيير لغتنا ورواياتنا، وتوسيع نطاق الاستثمارات في القادة الشباب، وزيادة تحمّل المسؤولية في أماكن العمل، في تحقيق الهدف الأوسع المتمثل في النهوض بقيادة النساء، ولا سيما النساء ذوات البشرة الملونة، والمجموعات الأخرى الممثلة تمثيلاً ناقصاً في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. وتمثل هذه الاستراتيجيات خروجاً عن الجهود المبذولة لسد “تسربات خطوط الإمداد” للنساء والفتيات اللاتي ينصرفن عن مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بل إن هذا الأمر يشكل تحدياً لنا لإعادة بناء “السقالات” لدعم القطاع -فالسرديات والأنظمة والممارسات المؤسسية غالباً ما تعرقل مساهماتهن وقيادتهن في مختلف أنحاء القطاع. ومن خلال هذا النوع من التحول، ستشهد النساء زيادات ملموسة في التوظيف والأجور والسلطة، ما يعكس الاتجاهات التي شوهدت في السنوات القليلة الماضية ويضع الأساس لبناء مستقبل أكثر شمولاً. وبينما نواجه تحديات (STEM) العميقة التي تنتظرنا -مثل الأوبئة الجديدة، والتغير المناخي، ومرض السرطان، وتهديدات الأمن السيبراني- لا يمكن أن تكون المخاطر أفدح مما هي عليه الآن. يجب أن نجتمع معاً لمواجهة هذه اللحظة بالإمكانات الكاملة لقوة عاملة متنوعة ومتمكنة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.