من منكم لم يسمع أو يقرأ عن قصة مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ؛ عبقري الكمبيوتر الذي شكلت دراسته في جامعة هارفارد محطة مهمة في مشروعه الريادي، والتي نستخلص منها أن الشباب الجامعي يمكن أن يكون جزءاً من ريادة الأعمال، فعلى الرغم من مزايا العمل لدى الشركات؛ إلا أن الاستعداد لتجربة أشياء جديدة والرغبة في تحقيق نمو أسرع يمكن أن تكون دافعاً للطلاب لإطلاق مشاريعهم الخاصة.
لماذا لا يؤسس الطلاب شركاتهم الخاصة؟ كانت مثل هذه الأسئلة حاضرة دائماً في نقاشات الأعمال، وإجابتها النمطية تتمثل في قلة الخبرة العملية والافتقار للإبداع والتمويل، لكن اليوم، اتجه التفكير نحو استفادة الطلاب من دراستهم للانطلاق إلى عالم ريادة الأعمال.
تؤدي الجامعات دوراً مهماً في دعم أنشطة الابتكار وريادة الأعمال؛ إذ يمكن أن تكون وسيلة لتحفيز الأفكار الجديدة وتحويلها إلى فرص استثمارية قيّمة تقود النمو الاقتصادي للدول؛ لذا بات من الضروري إعادة النظر في الأنظمة التعليمية والتدريبية لإثارة اهتمام الطلاب أو الخريجين وتوجيههم نحو خيار العمل لحسابهم الخاص، وفى ضوء ذلك، عملت الباحثة المصرية إمي محمد سعد الدين محمد على دراسة بعنوان: رؤية مستقبلية من منظور طريقة تنظيم المجتمع لتعزيز ثقافة ريادة الأعمال لدى الشباب الجامعي لتحديد المعارف والمهارات اللازمة لتعزيز ثقافة ريادة الأعمال لدى الشباب الجامعي، والمعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك، وكذلك اقتراح آليات والتوصل إلى رؤية مستقبلية من منظور طريقة تنظيم المجتمع لتعزيز ثقافة ريادة الأعمال لدى الشباب الجامعي.
وأكدت الدراسة التي اعتمدت على عينة من 154 طالب بكلية الخدمة الاجتماعية في جامعة حلوان المصرية أهمية المعرفة لتعزيز ثقافة ريادة الأعمال لدى الشباب الجامعي.
أهمية تحفيز طلاب الجامعات لريادة الأعمال
تُعد المشاريع الريادية سريعة النمو ضرورية لتحقيق الازدهار والتقدم الاجتماعي، ويخلق روّاد الأعمال قيمة مضافة من خلال اغتنام الفرص وتحمل المخاطر وحل المشكلات، والمغامرة لإيجاد الحلول المبتكرة بطرق لا تستطيع الشركات الكبيرة القيام بها.
وشهدت السنوات الأخيرة تسارع توجه طلاب الجامعات نحو ريادة الأعمال، ما يعكس خيبة أملهم في سوق العمل الحالي؛ إذ يتمتع الطلاب بخصائص تساعدهم في إطلاق مشاريعهم الخاصة، إذ بينت دراسة تركية بعنوان: خصائص ريادة الأعمال بين طلاب الجامعات: رؤى لفهم نوايا ريادة الأعمال بين الشباب في اقتصاد نامي (Entrepreneurial Characteristics Amongst University Students: Insights for Understanding Entrepreneurial Intentions Amongst Youths in A Developing Economy) توجه الطلاب أصحاب الميول الريادية نحو تبني المخاطرة، والسيطرة، وحب الإنجاز والابتكار، فيما توصلت دراسة فلسطينية بعنوان: مدى توافر خصائص الريادة لدى طلبة البكالوريوس تخصص إدارة الأعمال في جامعات جنوب الضفة الغربية إلى أن خصائص الشخص الريادي تتمثل في التخطيط، والتحكم الذاتي، والثقة بالنفس، ومستوى عالي من الطاقة والمثابرة والالتزام، والتواصل مع الآخرين، والاستقلالية.
على الرغم من أهمية ريادة الأعمال وامتلاك الطلاب السمات التي تؤهلهم لإنشاء مشاريعهم الخاصة إلا أن هناك بعض المعوقات التي تواجههم رصدتها دراسة سعودية بعنوان: ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة ودورها في الحد من البطالة في السعودية، تمثلت في الافتقار إلى أنظمة تشجع على ترويج منتجات الشركات الناشئة، وضعف التمويل، والضغوط التي يتعرض لها الطلاب لتحقيق ربح سريع، وانخفاض هامش الربح في السنوات الأولى من إطلاق المشاريع الريادية، وتضيف دراسة سعودية أخرى بعنوان: واقع تنمية ثقافة ريادة الأعمال لطلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العائق المرتبط بالموروثات الثقافية لدى الطلاب التي تحثهم على التمسك بالوظائف الحكومية لأنها أكثر أماناً. فكيف يمكن تجاوز هذه العقبات؟
طرق تحفيز طلاب الجامعات على ريادة الأعمال
تمثل ريادة الأعمال قارب نجاة لأي اقتصاد في العالم، لأنها أحد أهم أدوات خلق الوظائف وزيادة الثروة والإبداع، ولتشجيع الشباب الجامعي على تأسيس مشاريعهم الخاصة، يمكن اتباع ما يلي:
1- وضع برامج لريادة الأعمال
يمكن للجامعات أن توفر لطلاب البكالوريوس والدراسات العليا برامج ريادة الأعمال التعليمية والتجريبية جنباً إلى جنب مع الأنشطة اللا صفية، مثل نوادي روّاد الأعمال والمسابقات والجوائز، وتضمين المناهج الأساسية لهذه البرامج بدورات حول نظرية ريادة الأعمال، وإنشاء المشاريع الجديدة، وتمويل المشاريع، والملكية الفكرية ومهارات التفاوض، إضافةً إلى التفكير التصميمي وإدارة الإبداع، على سبيل المثال، تقدم 41 جامعة في أستراليا نحو 600 مادة تتعلق بريادة الأعمال، وتتيح جامعة إمبريال كوليدج (Imperial College) من خلال برنامج تيكسيرليت (Techcelerate) للباحثين بعد الدكتوراه، دروساً رئيسية وجلسات مراجعة للمشاريع مع فرصة لعرض المشاريع على عدد من المستثمرين، إذ يُطلب من المشاركين إجراء اتصالات ومقابلات مع العملاء المحتملين أو المنافسين أو مستخدمي أبحاثهم لتحسين أفكارهم وإحداث تأثير من خلال تحديد مشاكل العملاء وفرص السوق.
2- تنويع الدراسات الريادية لتلائم احتياجات الطلاب
ترتبط ريادة الأعمال بالإبداع والابتكار وتنوع الفرص، لذا أوصت دراسة تنزانية بعنوان التوجهات الريادية لطلاب الجامعات في تنزانيا: مبادرات خلق فرص العمل من خلال نوايا ريادة الأعمال (The Entrepreneurial Intention of University Students in Tanzania: Employment Creation Initiatives Through Entrepreneurship Intentions) أن تشمل الدراسات الريادية جميع مناحي الحياة وعدم حصرها في المشاريع التجارية لمواكبة تطورات العالم المعاصر، والبحث في النوايا الريادية لطلاب الجامعات لإعدادهم للوظائف التي يحددونها لأنفسهم، كما أكدت دراسة سعودية بعنوان: واقع التعليم لريادة الأعمال في الجامعات الحكومية السعودية ضرورة التوسع بتقديم مقررات ريادة الأعمال في الجامعات، وإنشاء مراكز مستقلة خاصة بها، وتنويع أساليب التدريس.
3- تطوير مهارات ريادة الأعمال
تشجع مهارات ريادة الأعمال قدرة طلاب الجامعات على العمل بمجموعة من الحلول الممكنة؛ لاستشعار البدائل والتعلم من النتائج؛ ثم إصدار أحكام تستند إلى الأدلة لاتخاذ قرارات تؤدي إلى مزيد من التطوير، لذا أوصت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتعزيز ثقافة ريادة الأعمال من خلال التعلم القائم على حل المشكلات، وربط الطلاب بالاقتصاد المحلي والإقليمي والدولي، والتأكد أن سياسة الملكية الفكرية للجامعة لا تحد من قدرة الأكاديميين على العمل مع الطلاب الرياديين في تسويق أبحاثهم.
4- التسهيلات والحوافز
يتعين على الجامعات تقديم التسهيلات والحوافز لخلق أجيال جديدة من روّاد الأعمال، وذلك من خلال توفير المُسرعات، وغرف الاختراع، والحاضنات، والمختبرات، والمراصد الرقمية.
من جهة أخرى، يمكن تحويل مشاريع الطلاب إلى مسابقات للحصول على جوائز، والتي يمكن أن تؤدي إلى المزيد من فرص التدريب والتمويل، على سبيل المثال، يُنسق مختبر المشاريع (Enterprise Lab) في جامعة إمبريال كوليدج (Imperial College) مجموعة من البرامج والمشاريع والمسابقات الطلابية لتسهيل ريادة الأعمال على الطلاب.
5- التمكين الحكومي
قد يحتاج تحفيز الطلاب على ريادة الأعمال إلى تبسيط الإجراءات الحكومية الخاصة بتأسيس المشروعات الناشئة، مثل إنشاء مراكز خدمة موحدة، وبوابات إلكترونية، وكذلك تهيئة البنية التحتية المادية والمعلوماتية، وتقديم حوافز ومنح حكومية لتسهيل الحصول على الأراضي ومُدخلات الإنتاج وما إلى ذلك، وتوفير تشريعات وبيئة قانونية ملائمة.
بالنهاية، إذا أرادت الجامعات مواكبة المستجدات في ريادة الأعمال والتغيير للأفضل؛ فلا بد من البحث عن أساليب إبداعية في العمل الريادي، ومواجهة التحديات بتصورات جديدة.