كيف يمكن للشركات الالتزام بممارسات صديقة للبيئة في عملياتها؟ إن الشركات التي تسعى إلى استدامة أعمالها على المدى البعيد، هي التي تضع الاعتبارات البيئية وحماية البيئة ضمن استراتيجيتها وفي جوهر عملها، وبيّن تقرير حديث أعدته أبكو العالمية بالتعاون مع معهد مجالس الإدارة في دول مجلس التعاون الخليجي، حول مستقبل الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)، أن الشركات في المنطقة بدأت العمل على هذه الممارسات انطلاقاً من ضرورة التخطيط الاستراتيجي لمواجهة المخاطر الناشئة، لكن لا يزال أمامها مجال للنمو واستخدام مواردها بطريقة أفضل.
وتعد مجموعة الهلال للمشاريع الإماراتية، إحدى هذه الشركات التي تلتزم بتحقيق أهداف وغايات الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، واتخذت خطوات مهمة نحو الاستدامة البيئية ووضعتها كأولوية قصوى في استراتيجية أعمالها. يعرض هذا المقال 4 دروس مستفادة من تجربة الهلال للمشاريع. تتصل باحترام مبادئ الاقتصاد الدائري، ووضع خطوات عملية لمواءمة استراتيجيتها مع أهداف التنمية المستدامة، والانخراط في شراكات مع جمعيات حماية البيئة، وتشجيع موظفيها على تمثّل هذه الأهداف وتطبيقها.
1. احترام مبادئ الاقتصاد الدائري
يُمثل الاقتصاد الدائري نموذجاً اقتصادياً جديداً وشاملاً يهدف إلى تقليل التلوث والنفايات، وإطالة دورة حياة المنتج، وخلق وظائف خضراء والحفاظ على الموارد المادية والطبيعية، ونظراً لأهميته في مواجهة التحديات البيئية؛ تعمل الهلال للمشاريع على تعزيز الامتثال لمبادئ هذا الاقتصاد، من خلال:
- إعادة التدوير والحد من النفايات: مع التوقعات بنمو النفايات العالمية إلى 40 مليار طن بحلول عام 2050، أي أكثر من ضعف النمو السكاني خلال نفس الفترة؛ تنبهت المجموعة إلى أهمية التخلص من هذه النفايات بطرق آمنة وخفضت كمية النفايات الإلكترونية من 1,075 كيلوغراماً في عام 2019 إلى 257 كيلوغراماً في عام 2020.
وأعادت تدوير 2,209 حزم ورقية في عام 2020 بما ينقذ 94 شجرة، فيما تراجع استهلاكها للورق من 4,862 كيلوغراماً عام 2019 إلى 1,706 كيلوغرامات عام 2020. على الرغم من أن النفايات غير الخطرة لا تؤثر مباشرةً في البيئة فإن التخلص منها بطريقة غير مسؤولة يؤدي إلى أضرار صحية، وعليه، أعادت المجموعة تدوير 150 كيلوغراماً من النفايات غير الخطرة بالتعاون مع شركة بيئة، لإدارة النفايات وإعادة تدويرها.
- خفض انبعاثات الكربون: تتكثف الجهود العالمية للحد من تغيرات المناخ، والوصول إلى معدل حراري أقل من 5 درجة مئوية بين عامي 2030 و2052، لكن يحتاج ذلك إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بنسبة 45% بحلول عام 2030 مقارنةً بعام 2010، والوصول إلى صافي انبعاثات صفري في منتصف القرن الحالي تقريباً.
وفي هذا الإطار، تستهدف خطة الطاقة الإماراتية 2050، التي أُعلن عنها في يناير/كانون الثاني عام 2017، خفض البصمة الكربونية لتوليد الطاقة بنسبة 70% وتقليل استهلاك الطاقة السكنية بنسبة 40% خلال العقود الثلاثة المقبلة، وزيادة حصة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة الوطني إلى 50% بحلول عام 2050، مع توليد 44% من مصادر متجددة.
ولم تكن الهلال للمشاريع بعيدة عن هذه الجهود والخطط؛ إذ نجحت شركة غلفتينر، التابعة للهلال للمشاريع التطويرية، والمتخصصة في تشغيل محطات حاويات الشحن، في الحد من انبعاثاتها الكربونية باستخدام التقنيات المستدامة، بما في ذلك بطارية النظائر المشعة (Radioisotope thermoelectric generator. RTG) في مختلف محطاتها للحدّ من انبعاثات الكربون.
- النقل المستدام: أطلقت دولة الإمارات استراتيجية التنمية الخضراء عام 2012، بهدف الحفاظ على بيئة مستدامة تدعم نمواً اقتصادياً طويل المدى، والانتقال إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون يعتمد بصورة أساسية على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا الحديثة.
وركزت الاستراتيجية على سياسات التخطيط العمراني الهادفة للحفاظ على البيئة ومنها رفع الكفاءة البيئية للمباني والمساكن، وتشجيع وسائل النقل الصديقة للبيئة، ولدعم هذا الاتجاه، أطلقت الهلال للمشاريع مشروعاً مشتركاً مع شركة بيئة في عام 2018، وهو شركة أيون للنقل المستدام، التي توفر شبكات النقل المتعددة الوسائل حسب الطلب عبر تطبيقها الذكي، إذ تضم أسطولاً من الحافلات والسيارات الكهربائية والذاتية القيادة.
وتعاونت أيون مع بلدية مدينة الشارقة، وهيئة كهرباء ومياه الشارقة، ديوا، في طرح عدة محطات عامة لشحن المركبات في إمارة الشارقة بهدف تعزيز البنية التحتية للسيارات الكهربائية، وفي عام 2020 نجحت تجربة أيون لحافلات النقل الكهربائية الذاتية القيادة، نافيا أوتونوم، الخالية من انبعاثات الكربون، والمجهزة بتقنيات الرؤية الثلاثية الأبعاد، والتنقل التلقائي، والأبواب المستشعرة للحركة.
وتستكمل الهلال للمشاريع دورها في تعزيز الاستدامة الاقتصادية والبيئية من خلال تبني الابتكارات في مجال التنقل الأخضر، إذ تواصل شركة مومنتوم لوجيستكس للخدمات اللوجستية، والتابعة لشركة الهلال للمشاريع التطويرية حملتها للاستدامة في الإمارات عبر استبدال أسطول النقل بشاحنات مبتكرة وأكثر استدامة وأقل استهلاكاً للوقود، وتخطط لنقل هذه التجربة إلى منطقة الشرق الأوسط بأكمله، بما يدعم التحول إلى النقل المستدام، ويشجع على المزيد من المشاريع القائمة على التنمية المستدامة.
- تنمية المشاريع الناشئة المستدامة: مع تحول التركيز نحو التأثير البيئي والاجتماعي لقطاع الأعمال، تحركت الهلال للمشاريع نحو تنمية الشركات الناشئة القائمة على الابتكار التكنولوجي وتحقيق الأثر المستدام، للمساعدة على حل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأكثر إلحاحاً، ومن هنا، دمجت الهلال للمشاريع الابتكارية، محفظة أعمالها الناشئة مع حاضنة أعمال هاتش آند بوست، تحت مسمى هاتش آند بوست فينتشرز، بهدف تنمية سبع شركات ناشئة تركز على معايير الحوكمة والأداء البيئي والأهداف الاجتماعية لتحقيق أثر إيجابي في منطقة الشرق الأوسط.
2. وضع خطوات عملية لمواءمة استراتيجيتها مع أهداف التنمية المستدامة
يمكن للشركات أن تؤدي دوراً مهماً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر تقييم تأثيرها مقابل هذه الأهداف، والمشاركة مع مجلس إدارتها ومساهميها وموظفيها وإظهار الالتزام تجاه الأفراد، فذلك لن يساعد قادة الشركات على بناء عالم مزدهر وأكثر استدامة فحسب؛ بل سيسهم أيضاً في خلق أسواق عالمية جديدة، وبدء عصر جديد من الأعمال تُترجم فيه أهداف التنمية المستدامة إلى ممارسات تجارية مسؤولة.
من هذا المنطلق، وضعت الهلال للمشاريع أطر عمل تمهيدية لأهداف التنمية المستدامة تركزت على:
- فهم المخاطر والفرص الممتدة عبر سلسلة القيمة بناءً على التشاور مع أصحاب المصلحة.
- تحديد مجالات التأثير الإيجابية والسلبية.
- الربط بين مجالات التأثير المحددة وأهداف التنمية المستدامة وإعداد مؤشرات الأداء والأهداف.
- المواءمة بين عملية إعداد التقارير المؤسسية وأهداف التنمية المستدامة.
3. الانخراط في شراكات مع جمعيات حماية البيئة
تهدف الشراكات البيئية إلى تسخير العلاقة بين الشركات والحكومات وتجار التجزئة والمؤسسات البيئية لتحقيق نتائج مرضية تساعد على إيجاد حلول مبتكرة للتحديات البيئية. من هنا، كانت الشراكات الطويلة الأمد من المجالات الأساسية في استراتيجية الاستدامة التي تتبعها الهلال للمشاريع، فمنذ عام 2012؛ دعمت المجموعة جهود جمعية الإمارات للطبيعة في الحفاظ على الموارد البيئية، وإجراء الأبحاث ومحاربة تغير المناخ، وأسهمت في وضع سياسات لحماية التنوع البيئي بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، ومنها مشروع سلاحف منقار الصقر البحرية، الذي سجل ومسح وتعقّب 75 سلحفاة في جميع أنحاء منطقة الخليج.
عندما يتعلق الأمر بالاستدامة البيئية، فالمهمة ليست سهلة؛ إذ تتطلب حشد جهود الأطراف والقطاعات المختلفة من أجل إحداث تأثير تحولي على نطاق واسع، وهذا ما دفع الهلال للمشاريع إلى المشاركة في برنامج قادة التغيير، الذي أطلقته جمعية الإمارات للطبيعة عام 2021 بهدف دعوة الأفراد والقطاع الحكومي والخاص لإنشاء مخطط لمستقبل مستدام.
4. تشجيع الموظفين على ترشيد استهلاك الموارد
لتصبح الشركات صديقة للبيئة؛ عليها التفكير في طرق أكثر فعالية لترشيد استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، لعل أبرزها، توعية الموظفين بكيفية تأثير اختياراتهم في تكاليف الشركة والبيئة، وإشراكهم في تنفيذ الاستراتيجيات الخضراء.
على الرغم من أن جائحة كوفيد-19 فرضت نمط العمل عن بعد؛ فإن الهلال للمشاريع اعتمدت وسائل الإضاءة المرشدة للطاقة في مكاتبها، فاستبدلت 3,130 مصباح إضاءة بألواح ليد (LED) في عام 2019، ما مكنها من توفير 16% سنوياً من تكاليف استخدام الكهرباء.
واعتمدت على توعية الموظفين بالممارسات الصديقة للبيئة، فانخفض استهلاك الطاقة لكل موظف من 3,295 كيلوواط في 2019 إلى 2,576 كيلوواط في 2020، وتراجع استهلاك الماء إلى 390 لتراً لكل موظف في 2019 مقابل 656 لتراً في عام 2019.
وفي فبراير/شباط 2020، عقدت الهلال للمشاريع ندوتها السنوية الخامسة بتنظيم جمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، لمناقشة الاقتصاد الدائري ودوره في ممارسات إعادة التدوير، وتعريف المشاركين بطرق تحقيق التنمية الاقتصادية، ولاقت الندوة استحسان 70% من المشاركين.
وشارك موظفو العمل عن بعد في المجموعة بندوة افتراضية قدمتها مؤسسة كوتشنغ كونسرفيشن (Coaching Conservation) في أغسطس/آب عام 2020؛ لمناقشة القضايا المتعلقة بحماية البيئة.
ختاماً، تركز الهلال للمشاريع على متابعة مؤشرات الأداء الرئيسية وربطها بالاستدامة، لتتمكن من تحقيق أعلى معايير الحوكمة وتوسيع نطاق آثارها البيئية والمساهمة بفعّالية في سياسات التنمية المستدامة.