احذر الضرر الشامل للتعامل مع أهداف التنمية المستدامة كلعبة البنغو

أهداف التنمية المستدامة
shutterstock.com/MintBlac
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تتعامل العديد من الشركات مع أهداف التنمية المستدامة كلعبة البنغو، إذ تدّعي من خلال تقاريرها المساهمة بأكبر عدد ممكن من هذه الأهداف، وذلك لمجرد البروز بمظهر لائق ومشرّف وإعطاء انطباع جيد وإيجابي لمن لهم من مصلحة. وتجهل هذه الفئة من الشركات وجود روابط غير وثيقة بين أهداف التنمية المستدامة أو الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات من جهة، واستراتيجية الشركة العامة من جهة أخرى، ما يؤدي إلى فقدان المصداقية والتأثير سلباً على الأعمال والبيئة والمجتمع.

ظاهرة الغسل الأخضر 

يجب على الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات أن تمثّل جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية الشركات، فمن الضرورة أن يكون هناك روابط بديهية ومتينة بين الاستدامة وعمليات هذه الشركات. في نهاية المطاف ومع تطور مقاييس الاستدامة وزيادة وعي الحكومات والمؤسسات والأفراد، سيتضح أمر تلك الشركات التي تحاول المبالغة من حيث مدى توافق أعمالها وبرامجها مع المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات لغرض توصيل انطباع مضلل لأصحاب المصلحة. فإن تقارير الاستدامة المضللة والمبالغ فيها حول مساهمة الشركات في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لا تعد أمراً سيئاً للمجتمع والبيئة فحسب، بل إنها ضارة للأعمال التجارية أيضاً.

العمل الجاد فوق الحديث الطموح

لا شك في أن المسؤولية الاجتماعية للشركات يجب أن يتم الترويج لها والحديث عنها بشكل كافٍ وسليم، ولكن يجب أن يأخذ “العمل الجاد” الأسبقية على “الحديث الطموح”، علماً أن الأخير لا يتسبب بإعاقة مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات. أظهرت دراسة لعدة باحثين بعنوان “الدوائر الجيدة والسيئة للحديث الطموح: من الإقناع الذاتي إلى خطاب المسؤولية الاجتماعية للشركات المناهضة” مؤخراً أن المسؤولية الاجتماعية للشركات تتشكل جزئياً من خلال الحديث والتواصل، وأن الحديث يعتبر عملاً أو إنجازاً بحد ذاته. يمثّل الحديث الطموح مفتاح التغيير الاجتماعي على العديد من الأصعدة، منها البيئية والاجتماعية، ولكن يجب علينا أن نرتقي إلى مستوى تطلعاتنا. غالباً ما يؤدي إعطاء الأولوية للحديث فوق الفعل إلى نفور العملاء، فضلاً عن تشكيك الموظفين بمصداقية الشركة في بعض الحالات.

مستوى الوعي الإقليمي بأهمية المسؤولية الاجتماعية

يشكّل الحديث المدعوم بالعمل الجاد فرصة لتعزيز مكانة الشركات. تحظى العديد من العلامات التجارية بالحب والاحترام من قبل العملاء والمجتمع ككل لما تقدمه من منتجات وخدمات وتجارب، وهناك إمكانات هائلة لزيادة قيمة العلامات التجارية من خلال توعية المستهلك بأهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات. ولكن مستوى اهتمام المستهلكين بشأن تحديات الاستدامة يعتبر محدوداً نسبياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. على الرغم من زيادة مستوى الوعي بين المستهلكين مؤخراً حول هذه التحديات واهتمام الكثير منهم بأعمال الشركات التي تقوم على سلوكيات أخلاقية، لا سيما في أوقات الأزمات، لا يزال مستوى الوعي هذا محدوداً مقارنة بمناطق أخرى حول العالم.

دور جوهري لكافة المؤتمنين على سمعة الشركات

يعاني مفهوم الاستدامة في المنطقة من عدة مشاكل. المشكلة الأولى هي بطء وتيرة انتشار الوعي بين المستهلكين بأهمية الاستدامة. ثانياً، قلة الأفعال الجادة من قبل الشركات مقارنةً بحديثها ذات الطابع الدعائي. وأخيراً، محدودية الثقة بين المستهلكين نحو المسؤولية الاجتماعية للشركات ومحتوى هذه الشركات التسويقي.

لذلك، فإن دور متخصصي الاتصالات والمكاتب الإدارية كافة التي تشرف على صون سمعة العلامات التجارية يتمثل في التثقيف وبناء الثقة بصدق وثبات. ومن أجل النجاح في عملية بناء الثقة، يجب علينا إعادة تعريف مفهوم “إظهار جهود المسؤولية الاجتماعية للشركات”. في هذا السياق، كلمة “إظهار” يجب أن تعني القيام بأفعال إيجابية تتفوق على الحديث الدعائي، وإشراك العملاء والشركاء والمجتمع بشكل فعّال. الحديث فقط عن أعمالنا المزعومة سيمكننا من قطع نصف المسافة في مسيرتنا اتجاه الاستدامة الفعلية.

النهج المثالي للاستدامة

إن أفضل نهج استدامة يمكن اعتماده هو إنشاء وتشغيل شركات تتجذر فيها المسؤولية الاجتماعية والبيئية ضمن أعمالها وفي طبيعة عملياتها. وهناك إمكانات هائلة في نموذج الربح الهادف هذا، خاصة بين الشركات الناشئة ونظراً لأن قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة يشمل 90% من إجمالي الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

البديل حيثما تعذّر النهج المثالي للاستدامة

في حين أنه من المجدي اعتماد نموذج أعمال هادف منذ البداية، يمكن ترسيخ مفهوم الاستدامة في أي مرحلة من مراحل الشركات. وأصبحت الشركات المحلية والعلامات التجارية العالمية اليوم تدرك بشكل متزايد أهمية سياسات صافي الصفر من الانبعاثات، إذ اتضح أن العمليات غير المستدامة سيكون لها تأثير سلبي على هوية العلامة التجارية والعوائد الربحية.

إن فوز دولة الإمارات العربية المتحدة باستضافة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP 28) في عام 2023، يؤكد الجهود العالمية التقدمية للدولة في مجال الاستدامة. ولا يعد هذا الإنجاز علامة فارقة للحكومة حصراً، بل يحفز إلى المزيد من المساهمات من القطاع الخاص لتخفيض البصمة الكربونية بحلول عام 2050 أيضاً.

أزلية الاستدامة

سواء كنت شركة صغيرة أو مؤسسة كبيرة، فإن الاستراتيجية البيئية أو الاجتماعية السليمة ليست خطة لمدة عام أو عامين أو حتى خمسة أعوام، بل هي التزام لمدى الحياة. من هذا المنطلق، يجب إعادة تعريف “الربع التالي” في تقارير الاستدامة للشركات ليحمل معنى “الربع القرني” بدلاً من الربع السنوي المقبل.

لا شك في أن الأصالة المؤسسية بما يتعلق بالاستدامة ترتبط أيضاً بشكل وثيق بالقيادة المؤسسية للشركات. عند قراءة تقارير الاستدامة لبعض الشركات، أتمنى أن تكون هذه التقارير أقصر وأن تقوم بالتركيز على إظهار الأفعال الجادة والأثر البيئي والاجتماعي جراء نشاطات وأقوال المسؤولية الاجتماعية. وأتساءل أيضاً عن مدى اهتمام قيادة هذه الشركات حقًا ومدى انخراطهم بتصميم وتنفيذ برامج الاستدامة المزعومة، وما إذا كانت الاستراتيجيات البيئية والاجتماعية جزء لا يتجزأ من تلك الشركات، بدلاً من اعتبارها مجرد شكليات لغرض الامتثال إلى معايير أو أهداف معينة.

للجميع دور في صيانة البيئة والمجتمع

يمثل نشاط الاتصالات المعني بالممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات إحدى المعارك في الحرب على التدهور المناخي. وللفوز في هذه المعركة، يجب أن نقوم بفعل المزيد من العمل الجاد والتحرك فوراً. إن فشلنا في التقدم السريع، فإننا نسير حتماً نحو الطريق إلى عالم مروع. في حين أنه لا يمكن إنكار الدور الحاسم للحكومات ومجتمع الأعمال، بصفتنا القائمين على قطاعات محورية مثل الاتصالات والممارسات البيئية والاجتماعية والإعلام وقيادة الفكر والتواصل الاجتماعي، يسعنا لعب دورنا من خلال صيانة هذه الممارسات بصدق، ودعوة كل شركة إلى القيام بجهود أصيلة مدعومة بسرد واقعي.