
قضى توني كوريان معظم حياته دون القيام بالكثير من الأنشطة الخارجية بسبب إصابته بالعمى. فلم يكن يُسمح له باللعب في الخارج مع زملائه في الصف في فترة الاستراحة. وعندما كان في سن المراهقة، كان ينسحب من الأنشطة مثل المشي في الطبيعة مع أصدقائه لأنه كان يعتقد أن سيُبطئهم.
في 2015، التقى كوريان بمؤسس المؤسسة غير الربحية "مغامرات ما وراء الحواجز" (ABBF) ديفيانشو جاناترا، وأُسست "مغامرات ما وراء الحواجز" بمدينة بونا الغربية في العام السابق، وتقدم رحلات مغامرة رياضية شاملة ومدعومة مالياً وعينياً ومُتاحة للجميع، سواء من أصحاب الهمم أو غيرهم.
قام جاناترا، الذي هو كفيف بدوره، بتشجيع توني على الجري في ماراثون مع مؤسسة (ABBF). ويقول كوريان، الذي يدرس الآن للحصول على درجة الدكتوراة في المعهد الهندي للتكنولوجيا بمدينة بومباي، "لطالما كنت أعتقد أن أمثالي من أصحاب الهمم يمتلكون أجساداً ضعيفة، ولم أكن لأتخيل أنني أمارس الرياضة أو المغامرات". لكن تجاربه مع مؤسسة (ABBF) سرعان ما غيرت تصوره لنفسه والأشخاص المعاقين الآخرين. فمن خلال مشاركته مع المؤسسة غير الربحية، ركض كوريان أول سباق له بمسافة خمسة كيلومترات، بقيادة شخص مُبصر. أما اليوم فقد أصبح يشارك في العديد من أنشطة المؤسسة، بما فيها الماراثونات وأنشطة تسلق الصخور وركوب الدراجات الترادفية.
ساعدت مؤسسة (ABBF) كوريان على إدخال رياضات المغامرة إلى حياته، مثلما فعلت مع أكثر من 10,000 شخص من أصحاب الهمم وما زال العدد في ازدياد. وتقوم المؤسسة بتصميم الأنشطة -الغوص، وركوب الدراجات الفردي والترادفي، وتسلق الجبال، وتسلق الصخور، والرحلات، والماراثونات، وتسلق الجدران، والقفز بالمظلات، والطيران الشراعي- لتكون متاحة لجميع الأشخاص. وهي أول مؤسسة غير ربحية في الهند تصمم رياضات المغامرة خاصة لأصحاب الهمم، وقد قامت بالفعل بتنظيم وتشغيل أكثر من 150 فعالية في 15 مدينة هندية. ويقول جاناترا إن "مؤسسة ABBF بنت صداقة حميمة بين المجتمعين [أصحاب الهمم وغيرهم] وعززت التفاهم والتعاطف بينهما".
لطالما كانت شركات رياضات المغامرات في الهند متعثرة وغير مجهزة لخدمة أصحاب الهمم، ما يؤدي إلى إقصاء هذه الفئة ورفض مشاركتها في المجتمع. فقد قال أحد مدربي الطيران الشراعي لكوريان ذات مرة: "أنت كفيف، لذا لا يُمكننا مساعدتك". كما أن راؤول راموجيد، وهو لاعب كريكيت على كرسي متحرك وبطل سباحة في الأولمبياد الخاص على المستوى الوطني، مُنِع من الغطس. وقال له أحد المدربين: "إذا وقعت وآذيت نفسك، فسيقومون بمحاسبتنا على السماح لشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة بالمشاركة".
في عالم يشكك في قدرات الأشخاص أصحاب الهمم، تعترف مؤسسة (ABBF) بدلاً من ذلك بإمكاناتهم وتوفر لهم الفرص.
سجل أحدث تعداد سكاني في الهند في عام 2011 وجود حوالي 26.8 مليون شخص من أصحاب الهمم. أما على الصعيد العالمي، فيوجد أكثر من مليار شخص من أصحاب الهمم. فالمفهوم الخاطئ القائل بأن أصحاب الهمم لا يستطيعون السفر، أو أنهم لا يبحثون عن المغامرة، أو يفتقرون إلى القدرة على الإنفاق، جعلت منهم فئة مجتمعية محرومة من خدمات السفر والمغامرة والسياحة الترفيهية.
وإن تمكين أصحاب الهمم من السفر والمشاركة في الأنشطة البدنية ليس مجرد مسؤولية اجتماعية -فهناك دراسة جدوى لذلك أيضاً. ووجدت دراسة أجرتها شركة "أماديوس" (Amadeus) العالمية لتكنولوجيا السفر عام 2017 أن إزالة حواجز الوصول يمكن أن تزيد من ميزانية أصحاب الهمم للسفر بنسبة تصل إلى 34%.
كسر الصور النمطية
لاحظ جاناترا وجود فرصة. وقد كان بواباً متحمساً، فقد بصره بسبب مرض الزرق (الغلوكوما) عندما كان عمره 19 عاماً. وتوقف على الفور عن الجري وركوب الدراجات وتسلق الجبال -غالباً لأن شركات رياضات المغامرة لم تعد تسمح له بالمشاركة. واستغرقه الأمر سبع سنوات ليجد مدرباً يقبل تدريبه على الطيران الشراعي وحيداً. وفي شهر أبريل/نيسان من عام 2014، جذب انتباه الإعلام لأول طيار هندي مصاب بالعمى يطير شراعياً بشكل مستقل. وكان يعتقد أنه إذا أدى نجاح شخص ما إلى نشر هذا القدر من الوعي، فسيكون التأثير أكبر بكثير إذا أتيحت الفرصة لمزيد من أصحاب الهمم للمشاركة أيضاً.
يعتقد جاناترا أن رياضات المغامرة هي وسيلة فعالة لإبراز فئة أصحاب الهمم ودمجهم بشكل كامل في المجتمع. ومن خلال توفير الفرص لكل من أصحاب الهمم والأشخاص السليمين جسدياً للعمل معاً، تمكنت مؤسسة (ABBF) من توليد المشاركة الاجتماعية التي بدورها عززت الصداقات ونشرت الوعي حول قدرات أصحاب الهمم. ويشرح جاناترا الأمر قائلاً: "غالباً ما يأتي الأشخاص غير المعاقين مُحمّلين بمفاهيم خاطئة شائعة، مثل عدم قدرة الشخص الكفيف على الطيران بمفرده أو عدم قدرة الشخص المصاب بالشلل الرباعي على الاستمتاع بمتعة الغوص الحر. وبمجرد أن يلتقوا وتتحطم هذه الصور النمطية، يدركون أيضاً أن أصحاب الهمم يحملون درجات الدكتوراة أو ماجستير إدارة الأعمال ويتمتعون بمواهب متنوعة، ويمكن توظيفهم في مختلف التخصصات".
أسس جاناترا مؤسسة "مغامرات ما وراء الحواجز" (ABBF) بناءً على فرضية أن الناس يتعلم بعضهم عن بعض أشياء جديدة خلال ساعة من اللعب أكثر من عام من المحادثة. وكان جاناترا قد تحدث مراراً مع صديقه هاريش رايشانداني عن المواقف المجتمعية نظراً لأنها العائق الأكبر أمام معاملة أصحاب الهمم على قدم المساواة مع الأشخاص المُعافين جسدياً، وحول حقيقة أن العقليات بحاجة إلى التغيير لتمهيد الطريق للتقدم الاجتماعي. وكان جاناترا ملتزماً بهذا الاعتقاد لدرجة أنه أطلق المؤسسة غير الربحية باستخدام مدخراته الشخصية فقط، وقام رايشانداني، مستشار تطوير المؤسسات والآن مستشار مؤسسة (ABBF)، بالاهتمام براتب الموظف الأول.
تبدأ كل بعثة بمرحلة تخطيط، إذ يُجري أعضاء فريق مؤسسة (ABBF) استطلاعاً للمسار المخطط بأكمله لرسم خريطة تفصيلية حول تحديات التضاريس والطقس والسفر، بالإضافة إلى الإشارة إلى المرافق الطبية على طول الطريق في حالة الطوارئ. ثم يبدؤون العمل على إجراءات السلامة ويحددون العدد الأقصى للمشاركين قبل الإعلان عن الرحلة. وبمجرد الانتهاء من تسجيل الأشخاص، يقيم لهم جاناترا جلسة توجيهية حول إمكانية الوصول والسلامة، بالإضافة إلى جلسات تدريبية للمشاركين غير المعاقين حول التعامل مع المشاركين أصحاب الهمم.
في جلسات التدريب هذه، يتم تقسيم المشاركين إلى أزواج تضم شخصاً من أصحاب الهمم وشخصاً غير معاق لاكتشاف طرق للعمل معاً في أثناء المغامرة. فعلى سبيل المثال، يمكن لشخص كفيف يجلس خلف قائد مبصر على دراجة ترادفية أن يناقش طرقاً للحفاظ على مركز الثقل على دراجة طويلة أو كيفية المناورة مع شريكه على المنعطفات الحادة. كما يمكن لعدّاء الماراثونات الكفيف إجراء تجربة لتحديد ما إذا كان يفضل الإمساك بيد الشريك المبصر أو مرفقه، أو الارتباط بشريكه عن طريق حبل ربط دون استخدام اليدين.
توفر مؤسسة "مغامرات ما وراء الحواجز" معدات متخصصة لمختلف الإعاقات، مثل الأحزمة القابلة للتعديل لتسلق الجدران والصخور، والدراجات الفردية والمترادفة لمبتوري الأطراف، ومعدات الغوص المصممة للأشخاص الذين يعانون من شلل الأطراف، والكراسي المتحركة المجهزة لجميع التضاريس للمشي في الجبال.
تنتهي كل رحلة بجلسة تفكير -وهي عنصر محدد لمهمة المؤسسة غير الربحية المتمثلة في "تقديم الشمول من خلال اللعب"- إذ يتبادل المشاركون الأفكار حول تجربتهم. ويقول العديد من المشاركين الأصحاء إنهم أصبحوا مدركين لجهلهم تجاه مجتمع أصحاب الهمم. ويرحل معظمهم مقتنعين بأنه يمكنهم تبني ممارسات الشمول في مجالات عملهم الخاصة.
تستضيف مؤسسة (ABBF) أيضاً جلسات عامة بعد الفعاليات التي تستغرق يوماً كاملاً مثل سباقات الماراثون، لتحقيق الظهور ونشر الوعي حول الإعاقة، حيث يتطوع المشاركون من أصحاب الهمم للتحدث مع الجماهير حول تجاربهم في المغامرات.
كل نشاط من أنشطة مؤسسة (ABBF) يتطلب من المشاركين دفع تعرفة مالية تختلف باختلاف النشاط. وإذا كان المشارك لا يستطيع دفع الرسوم، فإن المؤسسة تقدم الدعم المالي أو العيني أو تغطي التكلفة بالكامل.
يدعم التمويل من شركة الخدمات المالية "باجاج فينسرف ليمتد" (Bajaj Finserv Ltd) وبنك "آتش إس بي سي" (HSBC) وشركة الاستشارات الإدارية "كابكو" (Capco) أكبر نفقات مؤسسة (ABBF)، لا سيما تكلفة المعدات الخاصة والفريق الطبي المتنقل، منذ عام 2017.
وأصبح بعض المشاركين من أكبر ممولي المؤسسة. مثل فاعل الخير سودهير شينوي الذي موّل المؤسسة وجمع الأموال لصالحها، كما أنه قاد جهود المؤسسة في الإغاثة الغذائية والتلقيح ضد "كوفيد-19" في ولاية ماهاراشترا. ومن خلال عمله مع مؤسسة (ABBF)، شعر شينوي أن "ثمة الكثير الذي يجب فعله لمجتمع أصحاب الهمم أكثر من مجرد تقديم التبرعات" وربط العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة بفرص العمل.
على الرغم من هذا الدعم المالي، يظل التمويل هو التحدي الأكبر الذي تواجهه مؤسسة (ABBF) لأن المستفيدين المحتملين لا يعتبرون رياضات المغامرة مهمة لأصحاب الهمم، ولا يزال التحيز المتمثل في عدم تمكن الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من المشاركة في الألعاب الرياضية هو الفكر السائد. وقد كان جاناترا يجيب عن أسئلة المتبرعين المحتملين الذين يشككون في مهمة المؤسسة، على غرار "لماذا يحتاجون إلى تسلق جدار أو جبل؟ ما الهدف من أن يقوم شخص يستخدم الكرسي المتحرك بالغطس؟ ألا يجب أن يبقى هؤلاء الأشخاص في منازلهم حيث يكونون آمنين؟ ألا يجب أن يُصرف هذا المال على تعليم هؤلاء الأشخاص وتوظيفهم؟".
توفير المساحات
كانت فعاليات مؤسسة (ABBF) منذ انطلاقها محدودة لأنها اضطرت إلى جدولتها بناءً على توفر المكان وتكلفته. لذلك، قرر جاناترا في عام 2017 بناء أول مركز للرياضات المغامرة والتنمية في الهواء الطلق يمكن للجميع المشاركة فيه بالهند. إذ يتم بناء المركز على مساحة قدرها 3.5 فدادين في قرية دهانب التي تبعد 43 ميلاً (حوالي 70 كيلومتراً) عن مدينة بونا، وتتم عملية البناء على مراحل وفق توفر التمويل لدى مؤسسة (ABBF). وسيكون المركز مقراً لمعظم رياضات المغامرات في المؤسسة، ما سيجعل عملياتها مستدامة مالياً من خلال الرسوم التي تفرضها. وسيتيح المركز للمؤسسة فرصة إقامة الفعاليات والأنشطة بشكل أكثر انتظاماً.
بالإضافة إلى أنه مكان لرياضات المغامرة، سيقدم الموقع لأصحاب الهمم دورات مهنية معتمدة مجانية لتعزيز فرص توظيفهم. وتخطط مؤسسة (ABBF) لإطلاق المرحلة الأولى من مركز التنمية بدورات تدريبية مثل دورة إصلاح الدراجات بحلول منتصف عام 2022.
تسببت جائحة "كوفيد-19" بتعليق جميع أنشطة رياضات المغامرة لمدة عامين تقريباً، وخلال هذه الفترة قدمت مؤسسة (ABBF) خدمات الإغاثة الغذائية واللقاحات لذوي الاحتياجات الخاصة. وستعود الرحلات للانطلاق في هذا الصيف مع إطلاق المرحلة الأولى من مركز الرياضات. وتسعى مؤسسة (ABBF) إلى زيادة فريقها من 7 إلى 10 موظفين.
تأمل مؤسسة (ABBF) أن يكون المركز مكاناً حيث يمكن للشركات التواصل مع أشخاص لديهم قدرات مختلفة. ويقول جاناترا: "ستحفزهم تجاربهم في المركز على زرع ثقافات الشمول داخل مؤسساتهم. سيكون انتصاراً للجميع عندما تتخذ هذه الشركات عن عمد خطوات لإدراج أصحاب الهمم في قوتها العاملة وعندما تقوم أيضاً بتصميم منتجات لهم".
يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.