ماذا يقدم علم التأثير لحل المشكلات الاجتماعية؟

5 دقائق
علم التأثير

ينتشر الجوع في الولايات المتحدة على نحو واسع وخفي وصعب الحل أكثر مما يتخيله كثير من الناس. إذ أفاد ما يقرب من ربع الأميركيين أنهم يواجهون تحديات غذائية دائمة، وأكثر من 10% من الأسر الأميركية "تعاني انعدام الأمن الغذائي"، ما يعني أنها لا تستطيع الحصول على ما يكفي من الغذاء يومياً لجميع أفراد الأسرة لكي يعيشوا حياة نشطة وصحية. ونتيجة لذلك، تلقى 37% من البالغين نوعاً من المساعدة الغذائية من مؤسسة غير ربحية أو هيئة حكومية لمساعدتهم على تقديم الطعام لأسرهم في العام الماضي، وذلك وفقاً لدراسة صدرت عام 2021 أجرتها مؤسستا إمباكت جينوم (Impact Genome) ونورك سنتر فور ببليك أفيرز ريسيرتش التابع لمؤسسة أسوشياتيد برس "أب نورك" (The Associated Press-NORC Center for Public Affairs Research).

وما تزال المشكلة مستمرة على الرغم من إنفاق المليارات على برامج الغذاء كل عام، وذلك لعدم علاج الأسباب الجوهرية لمشكلة الجوع. ومن الأسباب الرئيسية أن الباحثين لا يسألون غالباً من يعانون مشكلة الجوع عما يحتاجون إليه بدقة للحصول على طعام مغذٍ وعالي الجودة على نحو منتظم، وبالتالي فإن التدخلات لا تستهدف هذه الاحتياجات بدقة ولا يقاس تأثير التدخل وفقاً لها. أُركّز بصفتي باحثاً في مجال التأثير الاجتماعي على علم التأثير، الذي يدرس التدخلات التي تُحدث تأثيراً مستداماً في مجموعة من المشكلات الاجتماعية ويقيس كلفة كل نتيجة، ومن ضمن تلك المشكلات الأمن الغذائي. فعندما نتصدى للجوع، يجب أن يُصرف كل قرش في محله.

طورنا في مؤسسة إيمباكت جينوم أداة لمعالجة الجزء الأول من معضلة الأمن الغذائي، وهو تحديد النتائج التي يتم تحقيقها، ومن يحققها، وأين يحققها، وبأي كلفة. وأطلقنا عليها اسم سجل جينوم للتأثير، وهو مستودع لبيانات التأثير لأكثر من 2.2 مليون مؤسسة غير ربحية وبرنامج اجتماعي في الولايات المتحدة وكندا، من ضمنها مجموعة من البرامج التي تم التحقق منها والتي تعالج انعدام الأمن الغذائي. وهو الطريقة التي يمكننا بها البدء باستخدام علم التأثير لفحص التدخلات وقياس كلفتها وإنشاء أنظمة تقييم لتوجيه الأموال إلى الحلول الأكثر فعالية.

حساب كلفة التصدي للجوع

تتمثل فكرة سجل التأثير في القدرة على فهرسة البيانات ذات المعايير الموحدة للنتائج والاستراتيجيات والمستفيدين والسياق والكلفة وجودة الأدلة. وباستخدام سجل جينوم للتأثير، يمكننا تحديد التأثير السنوي لأي برنامج اجتماعي، أي عدد النتائج المحددة والتكلفة الإجمالية للوصول إليها. يساعد ذلك المعنيين على اتخاذ قرارات مستنيرة حول المكان الذي تحقق فيه إسهاماتهم الخيرية أقصى تأثيراً ممكناً.

وفي حالة الأمن الغذائي، ثمة عدد من النتائج المحددة التي تمكّنا من وضع معايير لها. وتنبع أهمية ذلك من أن كل نتيجة تمثل جانباً مختلفاً من جوانب الأمن الغذائي، وتختلف كلفة التدخلات اللازمة لتحقيقها بدرجة كبيرة. على سبيل المثال، تبلغ كلفة إحدى النتائج "الحصول على الوجبات حسب الحاجة"، من 5 دولارات إلى 10 دولارات للوجبة الواحدة (لا يشمل هذا الرقم كلفة الطعام فحسب، بل يشمل جميع النفقات الأخرى المرتبطة بهذه النتيجة، مثل النقل والتخزين والإدارة). لكن كلفة إطعام شخص واحد لمدة شهر (النتيجة المعيارية "الحصول المنتظم على الطعام") يمكن أن تتراوح بين 295 دولاراً و568 دولاراً. عندما نقارن الإنفاق الحالي بالحاجة المبلغ عنها، نجد نقصاً لا يقل عن 25 مليار دولار في الإنفاق الحكومي وغير الربحي عن المطلوب لتوفير وصول منتظم لكل أميركي إلى الغذاء الصحي.

وهذا يعني أننا لا ننفق بما فيه الكفاية. كما توصلنا إلى أننا لا ننفق معظم الأموال في محلها. وحسب إحصاء السجل، يُستثمر معظم أموال الضرائب وحتى الأموال الخيرية بشكل أساسي في منح الطعام الذي توفره بنوك الطعام أو مخازن الطعام المحلية، أي إعطاء السمكة. ويركز جزء ضئيل من الإنفاق على التعرف على الأسباب الجذرية للجوع وبالتالي تحقيق أمن غذائي حقيقي دائم، أي تمكين الناس من اصطياد السمك.

اكتساب الأفكار من الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي

عبر دراستنا المشتركة مع مؤسسة أب نورك، سألنا الأشخاص الذين عانوا الجوع عما يلزم لتحقيق الأمن الغذائي، سمعنا إجابات تتعلق بالتعليم والنقل، مثل الحصول على المعرفة الكافية لشراء طعام صحي باستمرار والقدرة على الوصول إلى الأماكن التي تبيع مكوناته. وطلب المستجيبون لأسئلة الدراسة المساعدة على تحديد الأطعمة المغذية أو تعلم طريقة تحضيرها. كما طالبوا بوسائل نقل معقولة الكلفة للوصول إلى متجر بقالة عالي الجودة والعودة إلى منازلهم. وقال بعضهم إنه لم يكن أمامهم خيار سوى شراء الطعام من المتاجر الصغيرة أو العادية، مع مجموعة ضيقة من خيارات الأطعمة الطازجة والصحية. وقالوا إنهم بحاجة إلى مزيد من المال لشراء الطعام ودفع الفواتير.

وكانت الإجابات صادمة لأنها لا تتطابق بدرجة جيدة مع ما تقدمه المؤسسات غير الربحية في العادة لمعالجة مشكلة الأمن الغذائي. تتمثل معايير الاستراتيجيات الأكثر استخداماً في سجل جينوم للتأثير في توفير غذاء مجاني أو وجبات طعام مجانية، عبر توفير الغذاء للتوزيع المحلي، واستخدام حملات الطعام أو التبرعات. وذلك مثال رائع على كيف يمكن أن يساعدنا علم التأثير في حل المشكلات الكبيرة. ونظراً لأننا كنا قادرين على وضع معايير للاستراتيجيات المستخدمة لحل مشكلة الأمن الغذائي، فقد تمكنا من مقارنة إجابات استقصاء مؤسسة أب نورك مع الاستراتيجيات التي تستخدمها المؤسسات غير الربحية. ولدينا الآن بيانات مهمة من الناس في الميدان حول ما يحتاجون إليه منظَّمة بطريقة يمكن أن تساعد الممولين في العثور على المؤسسات غير الربحية التي تلبي مباشرة تلك الاحتياجات. وهنا تبرز قوة علم التأثير، إذ يمكننا اتخاذ قرارات أفضل وأكثر تأثيراً بشأن تخصيص الموارد باستخدام طرائق دقيقة وذات معايير موحدة لوصف المشكلة وطريقة حلها.

أمثلة من سجل جينوم للتأثير

ما البرنامج غير الربحي الذي يستخدم الاستراتيجيات المطلوبة؟ تقدم مؤسسة ذا ترست فود (The Food Trust) في ولاية فيلادلفيا مثالاً من سجل جينوم للتأثير. إذ تدير هذه المؤسسة برنامج فود باكس (Food Bucks)، الذي يوفر لسكان فيلادلفيا ذوي الاحتياجات الكبيرة إمكانية الوصول إلى 22 سوقاً للمزارعين تقع في الأحياء ذات الدخل المنخفض حيث يندر الحصول على طعام صحي وطازج. وفود باكس هي قسائم تشجع عمليات شراء الأغذية الصحية بين المشاركين في برنامج مساعدة التغذية التكميلية "سناب" (Supplemental Nutrition Assistance Program) من أسواق المزارعين، ما يزيد قدرتهم الشرائية بنسبة 40%. على سبيل المثال، عندما ينفق أحد العملاء 5 دولارات في سوق المزارعين المشاركين ببرنامج سناب، يحصل على قسائم فود باكس بقيمة دولارين تستبدل بمزيد من الفواكه والخضروات الطازجة.

وهنا يأتي دور علم التأثير مرة أخرى، فنظراً لتوحيدنا معايير النتائج والاستراتيجيات التي تستخدمها البرامج في هذا المجال، يمكننا أن نكون دقيقين للغاية بشأن كل من المشكلة التي يحاول هذا البرنامج حلها، والاستراتيجيات التي يستخدمها في سبيل ذلك. لا تستهدف مؤسسة ذا فود ترست النتائج المعيارية والشائعة المذكورة أعلاه "الوصول حسب الحاجة إلى الوجبات" أو "الوصول المنتظم إلى الغذاء"، ولا تستهدف النتائج على مستوى الأنظمة مثل "شبكة توزيع الغذاء المحسّنة". وبدلاً من ذلك، فهي تستهدف النتيجة المعيارية "استهلاك وسلوك غذاء صحي". وذلك مهم لأنه لا يبيّن فحسب أن البرنامج يركز على الأمن الغذائي، بل يبيّن أيضاً على أي جانب يركز من جوانب الأمن الغذائي. وطبقاً للمثل الذي استخدمناه آنفاً، يساعد هذا البرنامج الناس على تعلم الصيد بدلاً من إعطائهم السمك. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم هذا البرنامج الاستراتيجيات المطلوبة وفقاً للاستقصاء الذي أجريناه، وذلك عبر تسهيل وصول الناس إلى مكان يبيع طعاماً صحياً عالي الجودة، وعبر توفير أموال إضافية لشراء ذلك الطعام.

توظيف علم التأثير لإحداث تأثير حقيقي

باختصار، يتيح لنا علم التأثير تحديد إذا ما كنا ننفق ما يكفي من المال، وإذا ما كنا ننفقه بمحله، وبطرائق يمكنها حل المشكلات. ومن الواضح أن الوصول إلى حلول للأسباب الجوهرية للمشكلة يتطلب تحديد التدخلات الفعالة ذات الكلفة التي يمكن أن يتحملها المجتمع. ويتطلب الاستماع إلى أصوات المستفيدين للتأكد من أن الحلول المقدمة هي المطلوبة.

يتمثل الحل الرئيسي لمشكلة الجوع، أو أي مشكلة مجتمعية كبيرة، في وضع معايير لبيانات برامج التأثير الاجتماعي بطرائق يمكن البناء عليها. يقوم سجل جينوم للتأثير بتنظيم بيانات التأثير غير الربحية لتحقيق هذه الغاية. وبحسب النتائج المحددة التي تهدف البرامج غير الربحية إلى تحقيقها، يمكن للممولين رؤية كلفة كل نتيجة ومعدلات فعاليتها، وكذلك الاستراتيجيات التي تستخدمها البرامج لتحقيق النتائج. إن الجمع بين تلك البيانات والمعلومات حول ما يحتاج إليه الناس بالفعل لحل المشكلة يرسم الصورة الكاملة لطرائق دعم الممولين لهذه الحلول على أفضل وجه. فهي البيانات المهمة التي تبحث عنها الهيئات الحكومية المحلية والمؤسسات والأفراد لمعرفة كيف يوظفون أموالهم بأكثر الطرائق فعالية.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.