كيف تسهم شبكات العمل التعاوني في العمل المناخي؟

8 دقيقة
شبكات العمل التعاوني

مع اقتراب عهد الطاقة النظيفة، من الضروري تبنّي الحلول القائمة على الشبكات لتسريع عملية الانتقال.

واجهت شركة جوجل مشكلة وجودية في أثناء نموها تتمثل في الحفاظ على الجودة وزيادة عدد عمليات البحث اليومية من الملايين إلى المليارات في الوقت نفسه، إذ لم يعد تركيز المعلومات في عدد محدود من مراكز البيانات أمراً ممكناً.

حلّت جوجل المشكلة عبر الشبكات، إذ وسّعت جوجل قدرات تكنولوجيا البحث الخاصة بها بدرجة كبيرة من خلال ربط مئات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر. الشبكات ليست ضرورية للسرعة والتوسع في قطاع التكنولوجيا وحده؛ فهي ضرورية في سياسات المناخ الطموحة أيضاً، والشبكات مناسبة للغاية لمعالجة "المشكلات المعقدة غير المتوقعة الواسعة النطاق مثل التغير المناخي" كما يرى خبراء التأثير الاجتماعي المخضرمون جون كليفلاند ومادلين تايلور وبيتر بلاستريك في كتاب "الترابط لتغيير العالم" (Connecting to Change the World). لأن كل عضو من أعضاء الشبكة يمكنه معالجة جزء من المشكلة والحفاظ على العلاقات التي تسمح بالتنسيق والتعاون وحل المشكلات. يتفق ذلك مع أبحاث أخرى تُظهر أن المؤسسات غير الربحية تعزز على نحو أكبر مهامها بفعالية وكفاءة من خلال الاستثمار في الشبكات الخارجية والاستفادة من الموارد الخارجة عن سيطرتها المباشرة.

الوقت عامل حاسم: في حال تبّنت الدول سياسات التحول إلى الطاقة النظيفة بمعزل عن الدول الأخرى، فثمة خطر حقيقي يتمثل في الاضطرار إلى البدء من الصفر مرات عدة، ما يؤدي إلى إبطاء التقدم الذي يحرزه العالم في مجال المناخ بدرجة كبيرة. ينبغي للعمل الخيري تسهيل الانتشار السريع للحلول من خلال استثماره في الشبكات.

لاحظت على مدار أكثر من 20 عاماً من عملي في مجال العمل الخيري 5 سمات أساسية للشبكة التي تقود الحلول المناخية السريعة النمو.

1. تتميز الشبكات العالية التأثير برؤية مشتركة للتغيير

يتحد الأعضاء بهذه الطريقة حول اهتمام مشترك ويتشاركون في نهج لمعالجة هذا الاهتمام، ويستطيع كل عضو منهم تقديم إسهامات فريدة من نوعها.

فمثلاً تتألف شبكة كروكس ألايانس (Crux Alliance) من 6 مؤسسات غير حكومية خبيرة في مجال السياسات، وقد أُسست على مبدأ ضرورة فهم تفاصيل السياسات المناخية بطريقة صحيحة لخفض الكربون على أرض الواقع. تتحد المؤسسات غير الحكومية في هذا النهج المشترك، ويجلب كل منها خبرة فريدة في قطاع معين من قطاعات الطاقة، مثل المعدات والمباني والكهرباء والصناعات وأنظمة النقل الحضري والمركبات. تكاتف الأعضاء بوصفهم تحالفاً يمكّنهم من وضع استراتيجيات حول سبل إحداث تأثير جماعي أكبر في الأقاليم أو البلدان، وحل التحديات المشتركة بين القطاعات.

لنأخذ السيارات الكهربائية على سبيل المثال، يجب أن تكون حلولنا مترابطة لأن أنظمة الطاقة مترابطة. سيؤدي تزويد الملايين من السيارات الكهربائية الجديدة بالكهرباء إلى زيادة الطلب على الطاقة، لكن مع اتباع السياسات الصحيحة يمكن أن تؤدي زيادة عدد السيارات الكهربائية إلى تحسين موثوقية نظام الكهرباء وليس الإضرار به. لذا، بدأ خبراء تزويد المركبات بالكهرباء في المجلس الدولي للنقل النظيف (International Council on Clean Transportation) التعاون مع خبراء كفاءة الشبكة الكهربائية في مشروع الدعم التنظيمي (Regulatory Assistance Project) لتصميم سياسات ذكية لتكامل المركبات مع الشبكة الكهربائية في الصين وأوروبا والهند والولايات المتحدة.

2. يجب تنظيم الشبكة باعتبارها شبكة من الروابط المتبادلة

في الأنظمة الهرمية المتدرجة من القمة إلى القاعدة، يجب أن تمرر المعلومات والخبرات عبر المستوى الأدنى قبل أن تنتقل إلى المستوى الأعلى. لكن شبكات العلاقات المتداخلة تسمح للمعلومات بالانتشار عبر نقاط اتصال متعددة وفي اتجاهات متعددة، ما يسرّع عملية التعلم. في سياق السياسات المناخية تعمل الشبكات على تسهيل التبادل السريع للدروس المستفادة من مدينة أو ولاية أو دولة إلى أخرى. تتيح هذه الشبكات من العلاقات داخل الحدود وعبرها إمكانية نشر الخبرة في مجال السياسات لعدد أكبر من صانعي القرار.

ومن الأمثلة على هذا النوع من الشبكات المتداخلة شبكة درايف إليكتريك كامبين (Drive Electric Campaign) التي تضم أكثر من 100 عضو يتعاونون لدعم تبنّي السياسات التي من شأنها تحقيق مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 100% في كبرى أسواق السيارات في العالم. تستطيع الشبكة تحقيق مكاسب كبيرة في مجال السياسات لأن كل مؤسسة عضو فيها تضيف قيمة فريدة إلى جهود الشبكة المنسقة بدقة التي يمكن أن تتضاعف عند وضع السياسات. تسهم المؤسسات في البحث والتحليل والاتصالات والتواصل مع وسائل الإعلام وإشراك القطاع الذي تتبع له المؤسسة والمناصرة المباشرة مع صانعي السياسات، وغيرها من الجهود. ساعد هذا النوع من التنسيق الاستراتيجي الذي شارك فيه أكثر من 50 عضواً من أعضاء حملة قيادة السيارات الكهربائية على مدار العامين الماضيين في إقرار مطلب الاتحاد الأوروبي بأن تكون السيارات الجديدة المباعة خالية من الانبعاثات بحلول عام 2035، وهو إنجاز كبير سيؤثر في مسار سوق السيارات العالمية بأسرها. حقق شركاء الشبكة 72 إنجازاً سياسياً كبيراً في أوروبا والولايات المتحدة والصين والهند وأميركا اللاتينية منذ عام 2019.

3. شبكة من المؤسسات المترابطة تتسم بالحكمة والقدرة على التكيف

تتركز عملية صنع القرار في الهياكل الهرمية في عدد قليل من المؤسسات أو الأفراد، وذلك يفقدها المرونة إلى حد بعيد. وفي حال ضعف أحد الأعمدة يمكن أن ينهار العمل بأكمله، أما في الشبكة، فيمكن أن يتغير التركيز والموارد عند ظهور الفرص أو التهديدات.

أثبت ذلك صحته في عام 2016 عندما انتخبت البرازيل والولايات المتحدة رئيسين معارضين للعمل المناخي. تمكنت شبكات المؤسسات غير الحكومية القائمة من تحويل تركيزها بسهولة إلى المدن والولايات، ما سمح باستمرار التقدم إلى الأمام. أطلقت شبكات المناصرة القائمة في الولايات المتحدة تحالف وي ستل إن (We Are Still In) لدفع العمل المناخي على المستوى المحلي وحشد الدعم لتحقيق إنجازات بارزة مثل أول تشريع للطاقة النظيفة بنسبة 100% في جنوب البلاد. أُطلقت تحالفات مماثلة في البرازيل لدعم الولايات والمدن البرازيلية لتولي زمام القيادة المناخية. وعندما اُنتخبت حكومات تدعم العمل المناخي في عامي 2020 و2021، كانت شبكات المناصرة نفسها مجهزة للتحول إلى سياسة فيدرالية طموحة، ما أدى إلى قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة الأميركية الذي يعد علامة فارقة فيها، وفي البرازيل، تحقق انخفاض بنسبة 50% في إزالة الغابات بالإضافة إلى الاقتراب من اتخاذ إجراءات إضافية في مجال السياسات المناخية.

4. يجب ألا تكون الروابط سطحية، بل يجب أن تتكون من علاقات هادفة مبنية على الثقة

تعتمد القدرة على التبادل الحر للمعرفة والخبرة العملية والمعلومات الاستراتيجية وغيرها من المعلومات الحيوية على بناء الثقة والاحترام المتبادل. أضف إلى ذلك أنه لا يمكن الحصول على فوائد حل المشكلات في الشبكة إلا إذا كان الأعضاء يعرفون ممن يطلبون المساعدة ولا يجدون حرجاً في الإفصاح عن التحدي الذي يواجهونه. يجب أن تكون المشاركة هادفة ومستمرة للوصول إلى هذه المرحلة، ولا بد من الاجتماع وجهاً لوجه حتى لو مرة واحدة فقط في السنة. يستغرق الاستثمار في العلاقات وقتاً طويلاً، ولكنه يستحق الجهد المبذول لأن تأثيره العام يؤدي إلى تسريع الحلول.

أثبتت الشبكة الدولية لمراكز دراسات تحول الطاقة (International Network of Energy Transition Think Tanks) قدرة شبكات العلاقات على تسريع تبادل المعرفة والتعلم في مجال السياسات. الشبكة الدولية لمراكز دراسات تحول الطاقة هي اتحاد (كونسورتيوم) لمراكز الدراسات في أوروبا وآسيا وإفريقيا والأميركيتين، ويركز كل منها على تعزيز سياسة الطاقة النظيفة الذكية في بلده. ومع أن السياقات السياسية تختلف من بلد لآخر، وجدت الشبكة أن الدول تواجه تحديات متشابهة في تحول الطاقة بصرف النظر عن اختلاف الأنظمة السائدة المعتمدة على الوقود الأحفوري. أنشأ أعضاء الشبكة علاقات تعاونية قوية من خلال مجموعات العمل المتخصصة والزيارات الميدانية واللقاءات المباشرة.

في بولندا التي استهلكت أكثر من ثلث الفحم في أوروبا في عام 2022، يعمل عضو الشبكة مؤسسة فوروم إنيرجي (Forum Energii) مع المؤسسات الحكومية والمفوضية الأوروبية لدعم التحول العادل في محافظة بولندا الكبرى التي تعتمد على الفحم. تعمل المؤسسة على تبادل الخبرات بين بولندا ومحافظة شانشي التي تعمل في مجال تعدين الفحم في الصين نظراً لتشابه التحديات التي تواجههما. اجتمع أعضاء الشبكة في إندونيسيا وجنوب إفريقيا وفيتنام لتبادل الدروس المستفادة من شراكات الانتقال العادل للطاقة (Just Energy Transition Partnerships) في بلدانهم، وهي اتفاقيات تمويل متعددة الأطراف للانتقال إلى طاقة خالية من الانبعاثات. وقد أدى بناء العلاقات هذا إلى إشراك المجتمع المدني والشركات والمؤسسات المحلية لتعزيز العدالة في خطط الشبكة.

كما تبرهن الشبكة العالمية لأداء المباني (The Global Buildings Performance Network)، التي تساعد صانعي السياسات على تصميم الاستراتيجيات الرامية إلى بناء مبانٍ منخفضة الكربون، على مدى أهمية علاقات الثقة في توسيع نطاق حلول السياسات المناخية داخل كل بلد على حدة. قبل عامين، دخل خبراء المباني الصديقة للبيئة في الشبكة العالمية لأداء المباني في شراكة مع مسؤولي مدينة ساماريندا في إندونيسيا تهدف إلى وضع قواعد كفاءة الطاقة في المنازل. وقد عرض مجلس المدينة فوائد القواعد الجديدة مثل خفض الانبعاثات والتكاليف والتحسينات الصحية على المسؤولين الإندونيسيين الآخرين من خلال اجتماعات مركز السياسات التابع للشبكة. نتيجة لذلك، التزمت الحكومة الإندونيسية بوضع خطة توجيهية وطنية لقطاع المباني الخالية من الانبعاثات الكربونية لدعم إسهامها المحدد وطنياً (Nationally Determined Contribution) في اتفاقية باريس للأمم المتحدة بشأن التغير المناخي. لم يكن توسيع نطاق المباني المراعية للاعتبارات المناخية ممكناً إلا بفضل العلاقات التعاونية التي عززتها الشبكة العالمية لأداء المباني.

5. يجب أن يكون تبادل المعرفة متكافئاً

ركّز النموذج التقليدي للعمل الخيري والمساعدة التقنية الذي يتجه من القمة إلى القاعدة التمويل والخبرة في مؤسسة واحدة أو عدد قليل من المؤسسات التي تتمركز غالباً في الدول المتقدمة. واستناداً إلى ذلك لا يشجع الاستثمار في الشبكات العالمية على المشاركة الواسعة للأصول المالية والفكرية فحسب، بل يُثبت أيضاً أنه نموذج عادل. تساعد العلاقات المتكافئة بين المؤسسات غير الحكومية الدولية والشركاء داخل البلد على تعزيز هذا النوع من التبادل المتكافئ الضروري لإحراز تقدم متعدد الأطراف في مجال المناخ.

على مدار سنوات عديدة من العمل على تعزيز سياسات الإضاءة الموفرة للطاقة، أسس برنامج كلاسب (CLASP) (المعروف سابقاً باسم البرنامج التعاوني لوضع العلامات ومعايير الأجهزة (Collaborative Labeling and Appliance Standards Program)، شبكة عالمية من المناصرين والخبراء وصانعي السياسات في مجال الإضاءة النظيفة. كما أسس بالاعتماد على هذه الشبكة تحالف الإضاءة النظيفة (Clean Lighting Coalition) في عام 2021 لدعم مطالبة البلدان الإفريقية بإنهاء بيع مصابيح الفلورسنت السامة التي تحتوي على الزئبق بموجب اتفاقية ميناماتا العالمية (Minamata Convention). كما نظّم مناصرو الشبكة وشركاؤها التقنيون على مدار عامين مناقشات مستندة إلى الأدلة مع الحكومات الأعضاء في الاتفاقية. كانت النتائج هائلة، فقد اتفق قادة العالم العام الماضي على التحول إلى بيع مصابيح "ليد" (LED) فقط بحلول عام 2027، وهو قرار من شأنه أن يجنب العالم ما يقرب من 3 غيغا طن من ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2050.

تساعد الشبكات في تصحيح الاختلال التاريخي في موازين القوى بين الدول المتقدمة والدول النامية وتستقطب الابتكارات من الاقتصادات الناشئة لتطور عملية صنع السياسات في الدول المتقدمة. على سبيل المثال، تعمل مكاتب معهد سياسات النقل والتنمية (Institute for Transportation and Development Policy) في أكثر من 60 مدينة على نحو وثيق مع صانعي القرار المحليين لتطوير النقل المستدام، وتعمل شبكته العالمية على نشر ابتكارات الدول النامية في مجال الاستدامة الحضرية وجودة الحياة في الولايات المتحدة وأوروبا، مثل نظام النقل العام السريع بالحافلات (BRT)، وهو نظام نقل عام يتسم بالكفاءة والتكلفة اليسيرة ويقدّم جودة نقل القطارات ومرونة الحافلات. أُنشئ نظام النقل العام السريع أول مرة في البرازيل في سبعينيات القرن العشرين، ولكنه انتشر الآن في أكثر من 200 مدينة في دول عدة منها كندا والمملكة المتحدة وفرنسا وولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة.

حلول الشبكات في الوقت المناسب لإنقاذ المناخ

نحن نعيش في مرحلة حرجة بالنسبة لمستقبلنا المناخي. عانى جميعنا في العام الماضي أياماً حارة بلغ عددها أكثر من 200 يوم ارتفعت فيها درجات الحرارة لتسجل أرقاماً غير مسبوقة، ما أدى إلى اقتراب عام 2023 على نحو خطر من حد الارتفاع الأقصى البالغ 1.5 درجة الذي يقول العلماء إنه يمكننا أن نحمي استقرار المناخ ما لم تتجاوز درجات الحرارة هذا الحد. لكن عام 2023 شهد أيضاً تقدماً كبيراً، إذ تنتشر التكنولوجيا النظيفة على نحو واسع، وتساعد السياسات الجريئة ملايين الأشخاص على جني فوائدها، واتفقت الدول جميعها أول مرة على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في محادثات الأمم المتحدة للمناخ في ديسمبر/كانون الأول. لدينا الزخم الكافي لتحقيق النجاح.

لكن التبرعات الخيرية الحالية لا تتناسب مع حجم الأزمة. يُظهر التحليل الأخير الذي أجرته مؤسسة كلايمت ووركس (ClimateWorks) أن التمويل المخصص للمناخ يشكّل أقل من 2% من إجمالي التبرعات الخيرية. يجب أن يزداد التمويل المخصص للحلول المناخية بدرجة كبيرة، ويجب أن يقابَل هذا العطاء بنهج استراتيجي رفيع المستوى. الممولون الذين يدركون قيمة نهج الشبكة لن يضمنوا تخصيص الموارد للمؤسسات الأعضاء فحسب، بل سيضمنون أيضاً دعم الموظفين الملتزمين الذين يمكنهم الإسهام في نمو الشبكة وتطويرها. يجب على الممولين والمؤسسات غير الحكومية على حد سواء أن يكونوا واثقين من أن الاستثمار في الشبكات يؤتي ثماره، ما يؤدي إلى تحقيق الإنجازات التي نحتاج إليها في الوقت المناسب لإنقاذ المناخ.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال من دون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.