التحدي الصعب: السُميّة المحتملة لحلول التغير المناخي

5 دقائق
حلول التغير المناخي
shutterstock.com/GreenOak

ما يزال التغير المناخي القضية الأكثر إلحاحاً في عالمنا اليوم؛ يرى الكثيرون أنه قضية القرن الحادي والعشرين، إذ يؤثر في حياة الناس جميعهم من خلال تغيرات الطقس التي تحد إنتاج الغذاء وتسبب ارتفاع منسوب مياه البحر الذي بدأ يؤثر فعلاً في حياة الملايين. ولذلك تأتي حلول التغير المناخي في طليعة الابتكار بجدارة، إلى درجة تقديم جوائز تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات لحلول التغير المناخي المبتكرة والفريدة من نوعها. لكن في الوقت نفسه، يمكن أن تسبب حلول التغير المناخي ضرراً كبيراً للسكان في جميع أنحاء العالم، وبخاصة سكان المجتمعات المحرومة والأقليات. وبالتالي، من المهم إجراء دراسة ناقدة على الحلول الحالية والمقترحة الهادفة إلى التصدي للتغير المناخي من أجل تحديد المجالات المثيرة للقلق، لا سيما في الوقت الذي يتزايد فيه الابتكار المتعلق بالحد من الآثار السامة للتغير المناخي.

التلوث السام الناجم عن استخراج المعادن المستخدمة في الحلول المناخية

يستخدم العديد من حلول التغير المناخي مواد ومعادن سامة تسبب التلوث وتحديات بيئية أخرى تؤثر في الحياة اليومية. وغالباً، تتطلب حلول التغير المناخي التي تستخدم البطاريات، مثل السيارات الكهربائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة النووية، استخدام مواد سامة وخطرة لا تهدد سلامة عمال المناجم فحسب، بل سلامة مَن حولهم والبيئة عموماً.

تؤدي بطاريات أيونات الليثيوم دوراً أساسياً في إنتاج مصادر الطاقة البديلة؛ الليثيوم والكوبالت عنصران أساسيان في البطاريات المستخدمة في السيارات الكهربائية، وإنتاج الطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية الأرضية أحياناً، لكن ثمة إشكالية كبيرة في استخراج الليثيوم، إذ يكون غالباً في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط وبأيدي عمال يتقاضون أجوراً متدنية جداً وبظروف عمل سيئة. ولعملية الاستخراج هذه آثار سامة على مجتمعات السكان الأصليين المحيطة بالمناجم، إذ تؤدي إلى تدهور التربة وتقليل إنتاج المحاصيل على مدى عدة سنوات، وإلى نقص المياه الذي يضر بصحة السكان، وفقدان التنوع البيولوجي، ما يحد قدرة السكان على التحمل، وتلوث مياه الأنهار بحمض المناجم.

وبالتالي تلوث مصادر المياه والنظام البيئي بأكمله، وتؤدي أيضاً إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري. والأسوأ من ذلك أنه في إحدى المراحل الأساسية من عملية التعدين، تُضخ المياه الملحية من طبقات المياه الجوفية تحت الأرض إلى برك تبخّر كبيرة، وتبقى هذه المياه سنوات طويلة، ما يؤدي إلى تلوث طبقات المياه الجوفية إلى الأبد. علاوة على ذلك، تخلف هذه العملية الكثير من الأملاح والمواد الأخرى، ما قد يؤدي إلى إتلاف النباتات المحيطة وإيذاء الحيوانات في المنطقة.

كما يسبب الكوبالت المستخدم في إنتاج بطاريات أيونات الليثيوم مجموعة متنوعة من التحديات وأشكال السُمية المختلفة: تحتوي جمهورية الكونغو الديمقراطية على أكبر احتياطيات الكوبالت، حيث تنتج 70% من الكوبالت في العالم، ويمثل استخراج الكوبالت في المنطقة تحدياً جسيماً، وثمة العديد من التقارير عن انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، مثل عمالة الأطفال وظروف العمل الخطرة والاستغلال. في الواقع، ذكرت منظمة العفو الدولية في عام 2016 أن ما يقرب من 20% من الكوبالت المستخرج في جمهورية الكونغو الديمقراطية يأتي من مناجم يستخدم العمال فيها أدوات بدائية للحفر واستخراج المعادن من الأرض، كما تفتقر هذه المناجم غالباً إلى التهوية المناسبة، ما يعرض العمال للمواد السامة مثل غبار الكوبالت الذي يسبب مشكلات في الجهاز التنفسي. بالإضافة إلى ذلك، يتقاضى بعض عمال مناجم الكوبالت أجوراً متدنية تصل إلى دولارين في اليوم، وهو أقل بكثير من خط الفقر. كما تُنتج عملية استخراجه كميات كبيرة من النفايات الملوثة للبيئة، وتُستخدم في عمليات تكريره مواد كيميائية ضارة، مثل حمض الكبريت، وهي تلوث الهواء والماء.

ومن الشائع استخدام معادن نادرة مثل النيوديميوم والديسبروسيوم والبراسيوديميوم في عملية تصنيع حلول التغير المناخي مثل توربينات الرياح والسيارات الكهربائية. تؤدي عملية تعدين هذه المعادن النادرة إلى إطلاق ملوثات مختلفة في البيئة؛ ومن أهم الأمثلة على ذلك منجم بايان أوبو في الصين، وهو أكبر منجم للمعادن النادرة في العالم، حيث تؤدي عمليات التعدين فيه إلى إطلاق كمية كبيرة من مياه الصرف الصناعي التي يكاد يكون من المستحيل تكريرها. ونتيجة لذلك، تتلوث التربة والموارد المائية المحيطة بهذا التصريف، ما يؤثر في المقام الأول على النساء والأطفال لأجيال قادمة.

ويعد اليورانيوم من الملوثات الخطرة والسامة، وهو العنصر الأهم في إنتاج الطاقة النووية الحديثة. الطاقة النووية فعالة جداً في إنتاج مستويات عالية من الطاقة بمعدل ضئيل أو معدوم من الانبعاثات كربونية؛ ومع ذلك، اليورانيوم المستخدم في الإنتاج خطر للغاية وله تأثيرات كبيرة على المناطق المحيطة، وبخاصة إذا لم يخزّن بطريقة جيدة. كما تطلق عملية تعدين اليورانيوم مستويات عالية من النفايات المشعة التي لا تصبح آمنة إلا بعد مليارات السنين. وفي الغالب يقع عبء تعدين اليورانيوم على عاتق مجتمعات السكان الأصليين، التي قد تواجه نتيجة لذلك تأثيرات صحية وبيئية وزراعية لملايين السنين. على سبيل المثال، عانى شعب النافاهو في الولايات المتحدة مشكلات صحية حادة بسبب تعدين اليورانيوم، مثل أمراض الكلى وسرطان الرئة وأمراض أخرى. وعلى المدى الطويل، يمكن لليورانيوم أن يلوث إمدادات المياه الصالحة للشرب، ويحد نمو المحاصيل، ويؤدي إلى تدهور التربة وتدهور طبقات المياه الجوفية على نحو دائم. تأثيرات هذه المواد السامة في المجتمعات شديدة التدمير حيث يمكن أن تؤدي إلى خسارة المعارف التقليدية والتراث الثقافي.

تبعات استخدام الكتلة الحيوية (الوقود المستخرج من المواد العضوية)

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يطهو 2.4 مليار شخص في جميع أنحاء العالم، أي ما يقرب من ثلث سكان العالم، المواد الغذائية بإشعال النار في أماكن مفتوحة أو مواقد تفتقر للكفاءة تعتمد على الخشب أو النفايات الحيوانية أو النفايات الزراعية أو الفحم أو الكيروسين. وعلى الرغم من الإشادة باستخدامات الكتلة الحيوية بوصفها طرقاً صحية ومستدامة لإنتاج الوقود، فهي خطرة للغاية إذ تؤدي إلى إطلاق ملوثات مثل الجسيمات الصغيرة التي تسبب التهاب الشعب الهوائية وتفاقم الأمراض لدى البشر، أو تضر بصحة الكائنات الحية الأخرى، إذ تحد من عملية التمثيل الضوئي مثلاً. هذا الوقود، وبخاصة روث الحيوانات، يمكن أن يسبب عدة أمراض، مثل التي تنجم عن الإشريكية القولونية، والكريبتوسبوريديوم النيابة، والمتحولة الحالة للنسج. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي إشعال النيران في الأماكن المفتوحة وحرق مصادر الوقود هذه إلى إطلاق أول أوكسيد الكربون، والكربون الأسود، وغاز الميثان، وأكاسيد النيتروجين، والمركبات العضوية المتطايرة، التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التغير المناخي، وتضرر الأسواق الاقتصادية والتفاعلات الاجتماعية والرفاهة عموماً. ومن منظور بيئي، قد يؤدي الاستخدام المكثف للكتلة الحيوية إلى إزالة الغابات والتصحر، إذ تُدمر المواطن الطبيعية وتضعف التنوع البيولوجي بسبب القطع المستمر للأشجار لتلبية الطلب على الوقود. علاوة على ذلك، أكثر من يعاني تبعات استخدام هذه المصادر هم النساء والأطفال بسبب تعرضهم المكثف لهذه المواد الضارة، إذ يصابون بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض أخرى بسبب التعامل مع النفايات الحيوانية.

وعلى الرغم من أن الإيثانول ووقود الديزل الحيوي من مصادر الطاقة المتجددة، فهما مضران بالبيئة، حيث يؤدي استخراج زيت النخيل من غابات المطر الاستوائية إلى تدمير المواطن الطبيعية للعديد من النباتات والحيوانات. أضف إلى ذلك أن الأشجار تمتص الكربون، وإزالتها تسبب انبعاثات كربونية هائلة في الغلاف الجوي، ما يؤثر كثيراً في المناخ. كما أن زراعة محصول واحد على نطاق واسع لإنتاج الوقود الحيوي يؤدي إلى نزوح المجتمعات المحلية والسكان الأصليين وفقدان التنوع البيولوجي.

من الأهمية بمكان أن ندرك العيوب المحتملة بالمواد المستخدمة في التصدي التغير المناخي، ونعمل على تصميم حلول مستدامة تسبب أقل قدر من الضرر للبيئة

وصحة الناس، وبخاصة الفئات السكانية الضعيفة. يمكن تنظيم عملية تصنيع هذه المواد والتخلص منها والإشراف عليها على نحو أفضل، ويمكن اعتماد مواد بديلة أكثر استدامة لخدمة هذه الجهود، وينبغي لعمليات صناعة القرار التي تنطوي على استخدام الموارد الطبيعية في مواقعها أن تشمل المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية لضمان احترام حقوقها ومصالحها والحفاظ عليها.

ولتعزيز العدالة الاجتماعية والبيئية، يجب أن تكون معالجة الآثار الضارة للمواد الخطرة في حلول التغير المناخي أولوية فورية، وإدراك مدى تأثر الفئات الضعيفة الكبير بالتدهور البيئي والتغير المناخي والعمل على ضمان حصولها على ما تحتاج إليه من الموارد والدعم للتكيف والازدهار أمر بالغ الأهمية لمعالجة هذه الآثار.

ملاحظة: قُدّم هذا المقال بالنيابة عن مؤسسة آي كيور هيلث إنترناشيونال آند ذا سيتيزن آوتريتش كواليشن (iCure Health International and the Citizen Outreach Coalition)، وهي مؤسسة ذات صفة استشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة