التأثير الهادف: غياب دور المؤثرين الاجتماعيين في تحقيق العدالة البيئية والاستدامة

4 دقائق
العدالة البيئية
shutterstock.com/petrmalinak

أدّى الصعود المتسارع لوسائل التواصل الاجتماعي إلى تحويل الرأي العام إلى أقوى حركة اجتماعية سياسية على الإطلاق، إذ تتربّع ظاهرة المؤثرين الاجتماعيين في قلب هذه الحركة.

المسؤولية كبيرة

تنطبق هذه المعادلة على أي شخصية بارزة يُنظر إليها على أنها صوت موثوق به، بدءاً من المؤثرين الذين لهم عدد محدود من المتابعين وأغلبهم من الأصدقاء أو أفراد العائلة أو الأقران، والمؤثرين الذين لا يتجاوز عدد متابعيهم 10 آلاف متابع، إلى المؤثرين الكبار ونجوم وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهير الإنترنت. سواء كانوا يعتمدون على جاذبيتهم أو مدى ارتباطهم بمواضيع محددة أو بحس الفكاهة أو الرأي المتقن، فإن المؤثرين على مختلف المستويات لديهم بشكل جماعي قدرة كبيرة على التأثير في الرأي العام من خلال توجيه بعض جهودهم ونفوذهم نحو الصالح العام، وبالتالي تحسين حالة العالم.

على الرغم من التحديات البيئية والاجتماعية الملحّة التي تواجه العالم اليوم، إلا أن عدد المؤثرين الاجتماعيين الذين يستغلون تواجدهم القوي على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل المصلحة العامة يقل دائماً. يمكن لأي شخص منّا التأكد من صحة هذه الفرضية من خلال تفحّص عيّنة من المؤثرين الاجتماعيين الذين نتابعهم وتصفّح محتوياتهم ومنشوراتهم، وسوف ندرك أنه نادراً ما يكون هناك محتوى هادف بطبيعته.

التأثير من أجل العدالة البيئية والاجتماعية

في العام الجاري، من المتوقع أن يضفي المؤثرون الاجتماعيون مزيداً من النوايا الحسنة على محتوياتهم وحياتهم بشكل عام. قد يكون مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (COP26) بمثابة نداء للكثيرين للاستيقاظ من غيبوبة عدم المبالاة بالقضايا البيئية، إذ أدى المؤتمر دوراً مهماً في حث الفاعلين في مجال وسائل التواصل الاجتماعي على تحديد ودعم القضايا الاجتماعية والبيئية العزيزة على قلوبهم.

إن هذا التحوّل إلى "التأثير المستدام" سيقوم مع الوقت بتمكين المؤثرين من نقل الإحساس بالغرض إلى متابعيهم وإثراء أدوارهم كوكلاء تغيير يلهمون مجتمعاتهم عبر الإنترنت وعلى أرض الواقع. يدرك المؤثرون تدريجيًا أنه يمكنهم تسخير إمكاناتهم الكبيرة لصون الصالح العام.

ولكن لماذا لم نشهد حتى الآن استيعاب شامل لمفهوم الاستدامة ضمن ممارسات المؤثرين عالمياً؟ لماذا لا نرى عدد كاف من المؤثرين يدافعون بصدق واستمرارية عن العدالة الاجتماعية والبيئية؟

"الجمالية الفكرية"

إن انتقاد المؤثرين الاجتماعيين بسبب اعتمادهم على مظهرهم أو حيلهم الكوميدية بدلاً من فكرهم أمر شائع. يؤمن العديد من المؤثرين بأن مقاطع الفيديو والصور اللامعة والجذابة بصرياً تمثل الفئة الرئيسية من المحتوى الذي يحقق تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، يأتي قطاع الموضة والجمال في طليعة المحتوى الأكثر جاذبية على تطبيق إنستغرام. يؤكد معظم المؤثرين أن الجماليات وروح الفكاهة تمثل المحتوى الرئيسي الذي يحقق أكبر نسبة مشاركة، وبالتالي يحقق لهم عائدات مادية.

وعلى الرغم من بداية ظهور صفحات تتسم بأغراض اجتماعية هادفة، لم نشهد حتى الآن نقلة نوعية نحو تأثير هادف ذات نطاق أوسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وتعود إحدى الأسباب إلى عدم الفعالية الملحوظة للمحتوى الفكري والهادف فيما يتعلق بالمشاركة أو الإعجاب أو التعليق. واقعياً، إن النقّاد الذين يتهمون المؤثرين بإعطاء الأولوية للجماليات عوضاً عن الجوهر عادةً ما يفشلون في تقديم جدال مقنع عند حثهم للمؤثرين على اتباع قيادة الفكر وإبراز أصواتهم بهدف تحقيق أغراض هادفة بيئياً أو اجتماعياً.

على الرغم من صعوبة إثبات جدوة الجمالية الفكرية، حيث يناقش المؤثرون قضايا جوهرية بطرق يسهل استيعابها، من المتوقع أن نشهد انتشار أوسع للمحتوى الفكري والهادف ضمن مجتمع المؤثرين، لا سيما بالنظر إلى الضغط على الجميع للعمل من أجل العدالة البيئية وغيرها من القضايا الملحّة.

التخلّف عن المساهمة في تحقيق الاستدامة

يهيمن الفراغ على قاعدة الأصوات المؤثرة فكرياً واجتماعياً في عالم التواصل الاجتماعي، حيث يعدّ المؤثرون من أبطأ قواد الرأي في تبني مفهوم الاستدامة.

قامت الحكومات مؤخراً بإطلاق برامج الاستدامة وكشف النقاب عن استراتيجيات صافي الانبعاثات الصفري. من جهتهم، ضخ المستثمرون رؤوس الأموال بشكل مسؤول ضمن الأعمال المتوافقة مع العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة. وتبنّت أيضاً الكثير من الشركات نموذج الربح الهادف. لقد ثابر العالم نحو استخدام المواد القابلة لإعادة التدوير ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى التحفيز الذي طال انتظاره من قبل العلامات التجارية، بينما كان القائمين على التسويق يدافعون بلا كلل عن الجهود البيئية والاجتماعية الأصيلة لشركاتهم.

ربما حان الوقت لأن يواكب المؤثرون الاجتماعيون هذا التوجه العام ويبدأوا في الاستفادة من تواجدهم القوي على الإنترنت من أجل الصالح العام. لا نتوقع منهم إصلاح مشاكلنا الاجتماعية والبيئية، ولكن قد يمتلكون دوراً رئيسياً في تعميم الحلول من خلال إثارة المحادثات باستمرار وممارسة الضغط على صانعي السياسات والشركات والمجتمعات، وبالتالي دفع عجلة الاستدامة.

لا يمكننا بلوغ طور التأثير الهادف عن طريق نشر محتوى معيّن مرة أو مرتين فقط، أو المشاركة في حملة خيرية لمدة شهر أو عام أو حتى عامين. يتطلب السعي وراء قضية اجتماعية أو بيئية التزام لمدى الحياة وتفاني نابع من الداخل. بغض النظر عن مدى صغر حجم المساهمة، يمكن للجهود الجماعية المتواصلة أن تحدث فرقًا كبيرًا على المدى الطويل.

من مؤثرين إلى مناصرين

لا تتعلق الدعوة لقضية ما بالكلام ونشر المحتوى فقط. يتمثّل مفتاح الدعوة الفعّالة والهادفة في الدافع الحقيقي وراء دعم القضية المختارة، واتخاذ الخطوات اللازمة وإلهام الآخرين ليحذو حذوها. يتميز كل من العلامات التجارية والمؤثرون الاجتماعيون ذوي الدوافع النابعة من القلب في مجال المسؤولية الاجتماعية بأصالة جهودهم. لذلك، ينظر إليهم كمواطنين مسؤولين.

يجب أن يتحلى المؤثرون الاجتماعيون بأكثر من مجرّد وجه جميل أو شخصية طريفة. هناك فرصة كبيرة ليصبحوا قادة فكر ومبدعين لمحتوى ذي مغزى وأفكار رائدة حول القضايا الحرجة التي تواجه الإنسانية.

ومن خلال الاستفادة من فكرهم بدلاً من التركيز على مظهرهم فحسب، يمكن للمؤثرين الاجتماعيين إدراك إمكاناتهم الكامنة ليصبحوا حقاً سفراء نوايا حسنة للعلامات التجارية ومبعوثين للاستدامة ومتحدثين رسميين موثوق بهم ضمن مجتمعاتهم. هناك الكثير من الجمال الداخلي والقدرات الفكرية التي يمكنهم الاستفادة منها.

ومع ذلك، يوجد اليوم مجموعة من المؤثرين الاجتماعيين الذين أصبحوا خبراء وقادة فكر في مجالاتهم، يشاركون الأفكار والنصائح، وفي بعض الأحيان يساهمون بأصواتهم وتأثيرهم في قضايا من اختيارهم.

على سبيل المثال، جيسيكا قهواتي هي عارضة أزياء وفاعلة خير ورائدة أعمال ومقرها دولة الإمارات. تعمل المؤثرة الاجتماعية اللبنانية الأسترالية في مجال عرض الأزياء منذ أن كانت في الرابعة عشرة من عمرها، لكنها الآن واحدة من القلائل الذين يستخدمون تأثيرهم لدعم الصالح العام.

عملت جيسيكا مع الأمم المتحدة لرفع مستوى الوعي حول القضايا الإنسانية من خلال الزيارات الميدانية إلى مخيمات اللاجئين. وبحكم عملها الخيري، وهي تعدّ عارضة الأزياء الوحيدة التي تشارك في المجلس القيادي لليونيسف والذي يعد هيئة فاعلة تسعى إلى تحسين وضع الأطفال على مستوى العالم.

أدت جيسيكا أيضاً دوراً رئيساً في الحملة الخيرية المشتركة لدار الأزياء لوي فيتون واليونيسيف والتي حملت عنوان "قدّم وعداً" (Make A Promise)، باستخدام تواجدها على منصات التواصل الاجتماعي من أجل رفع مستوى الوعي وزيادة حجم التبرعات لصالح اللاجئين السوريين.

يقوم المؤثرون مثل جيسيكا، جنباً إلى جنب المشاهير العالميين مثل المبعوثة الخاصة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنجلينا جولي والناشط البيئي ليوناردو دي كابريو، وكذلك الناشطة المناخية غريتا ثونبرج، من بين آخرين كثيرين، بتجسيد العناصر الأساسية التي تشكل مفهوم التأثير السليم: الشهرة والجاذبية والفكر والغرض في آن. يلتزم هؤلاء المؤثرون بإحداث تغيير إيجابي من خلال الدعوة والعمل المستمر.

يؤدي كل من المجتمع المدني والعلامات التجارية والمسوقون دوراً رئيسياً في توسيع نطاق هذه الفئة من المؤثرين، وذلك من خلال العمل جنباً إلى جنب قادة الرأي الهادفين منهم، مما يحفزهم على الإلمام بشتّى قضايا الاستدامة ونشر المحتوى الفكري الهادف. يتمثل الهدف النهائي في غرس عقلية الناشط الاجتماعي، حيث يكون الفكر والغرض على قدم المساواة مع المظهر والكوميديا.