اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

كيف يمكن تنمية القدرات التعاونية في القطاع الصحي؟

إعداد : كيت إيزاكس، روث ويجمان، غاري هيرش

 

تم النشر 03 يوليو 2022

شارك
شارك

تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الثالث من سلسلة "استراتيجيات ديناميكية لنجاح التعاونيات في القطاع الصحي"، التي تحدثنا في جزئيها الأول والثاني عن ضرورة تطوير القدرات التعاونية بين التعاونيات الصحية لنجاح عملها وعن مسارات تطور هذه التعاونيات التي سنتابع شرح ما تبقى منها في هذا الجزء.

عقب ذلك فترة نمو طويلة، لكنها للأسف انتهت بتعثّر كبير، حيث إن الإخفاق في تطوير تدفقات تمويل مستدامة مستقلة عن المنح القصيرة الأمد تسبب في معاناة التعاونية من المشاكل المالية بشكل مستمر وحدّ من الخدمات التي كانت قد وفرتها في السابق.

توضح مثل هذه الحالات ما الذي يمكن أن يحدث عندما لا يستمر القادة بتحسين قدرة التعاونية على الاتفاق على رؤية مشتركة، وعندما يفشلون في صياغة أهداف نهائية يمكن قياس التقدم بالنسبة إليها، ويفتقرون إلى الموارد التي يحتاجون إليها لاستدامة الجهود القائمة. فالانطلاقة القوية قد تتعثر إذا التزمت التعاونية بمجموعة من المهام الفرعية التي تفوق القدرة الإدارية لبنيتها التحتية، أو إذا لم تطور التعاونية مصادر تمويل مستدامة وبدأت تفتقر إلى المال. ثم يؤدي فقدان الزخم إلى بدء تدهور سريع ينتج عنه انخفاض كبير في الحافز على استمرار التعاونية. وهنا يجب على قادة التعاونية أن يظلوا يقظين حيال الاهتمام بالتفاعل الديناميكي لهذه العوامل مع مرور الوقت، حيث إن العديد من التعاونيات تنطلق بتمويل أولي مبدئي ثم تنغمس في إنجاز العمل ولا تقوم بتخصيص وقت كاف للتخطيط على المدى الطويل. ويمكن للمراجعة الدورية لهدف التعاونية -أي سبب وجودها- أن تساعد القادة على مواءمة أولويات الاستراتيجية وتمويلها وقدراتها.

المسار الثالث يتضمن تعثرات مبكرة تتبعها مرحلة من التعافي.

مثل تعاونية تبادل المعلومات الصحية في الغرب الأوسط (The Midwest Health Information Exchange Collaborative)، وتدعى اختصاراً "التبادل" (the Exchange)، التي شهدت نجاحاً أولياً مع القليل من التركيز على توفير الوصول إلى الرعاية الصحية للمحرومين. إذ تقدم أعضاء الشراكة الأولية بطلب إلى الولاية للحصول على منحة تخطيط بعدما شجعهم قائد مجتمعي ذو شعبية واسعة للمشاركة في التعاونية، واستخدموا هذه المنحة لتطوير استراتيجية واسعة النطاق لرفع سوية الرعاية الصحية في المنطقة. وإن حجم رؤية وحضور تعاونية "التبادل" بالإضافة إلى وجود منحة من حكومة الولاية، اجتذب شركاء إضافيين من قادة المجتمع وقادة قطاعات الصحة العامة، وهذا الدعم عزز بدوره التحفيز على التعاون. ومع ذلك، بدأت تعاونية "التبادل" بالتدهور بشكل مفاجئ عندما سعت للحصول على موارد لإطلاق المزيد من المبادرات ووسعت نطاق تركيزها ليتجاوز توفير الرعاية للمحرومين من أجل التقدم للحصول على منحة ضخمة بموعد نهائي قصير. وعندما فشلت في الحصول على المنحة، كان النقص في التمويل يعني أن الاستمرار في تنفيذ مجموعة كبيرة من الجهود سرعان ما سيفوق قدرات البنية التحتية للتعاونية.

تعافت التعاونية في نهاية المطاف من خلال تقليل التزاماتها لتقتصر على حفنة من المشاريع المشتركة التي يمكن تنفيذها بموارد محدودة وبوجود مؤسسة أساسية. كما عملت تعاونية "التبادل" كجهة داعية، حيث ربطت بين مختلف قادة القطاعات الصحية في المجتمع وحملتهم على تنفيذ مشاريع إضافية بشكل مستقل عن تمويل "التبادل" الأساسي. وإن نجاح هذه المبادرات في توسيع الوصول إلى الرعاية الصحية وتحسين النتائج الصحية بشكل عام، زاد من مصداقية التعاونية ومكنها من التقدم بطلبات للحصول على تمويل من مصادر أخرى وتوسيع بنيتها التحتية لدعم العمل المستقبلي تحت إدارتها.

توضح لنا التعاونيات التي تعثرت ثم تعافت أهمية التوافق بين البنية التحتية (مثل المؤسسة الأساسية) ونطاق الأنشطة التي تنفذها التعاونية، فالالتزام بمجموعة كبيرة من المشاريع قد يبدو مُجزياً لتعزيز نمو التعاونية، لكنه أيضاً قد يحدّ من هذا النمو إذا لم تتمكن البنية التحتية من توفير مستويات الدعم والتنسيق اللازمة. وعبر وضع رؤية توسعية غير مركزة لما يمكن أن تحققه التعاونية، يمكن أن ينتج لدينا مجموعة مُبالغ فيها من المشاريع، حيث إن توزيع الموارد على العديد من المبادرات المختلفة قد يتسبب في افتقار كل منها إلى التمويل الكافي لإحداث تأثير.

إذا كان أصحاب المصالح متحمسين لتنفيذ المبادرات التي تختلف عن التركيز الرئيسي للتعاونية، فإن مساعدتهم في العثور على موارد إضافية هو الحل الأفضل، عوضاً عن توزيع تلك المخصصة للتعاونية.

لتجاوز التعثرات الأولية مثل التي واجهتها تعاونية "التبادل"، أو لتفاديها منذ البداية، يمكن اعتماد ركيزة استراتيجية أكثر انتقائية مبنية على المبادرات ذات العائد الأكبر والتي تعزز الروابط بين أصحاب المصالح. إذا كان أصحاب المصالح متحمسين لتنفيذ المبادرات التي تختلف عن التركيز الرئيسي للتعاونية، فإن مساعدتهم في العثور على موارد إضافية هو الحل الأفضل، عوضاً عن توزيع تلك المخصصة للتعاونية.

المسار الرابع هو النمو المستدام لقدرة التعاونية، وقد لاحظناه في سبع تعاونيات.

لقد تعلمنا أن هذا المسار ينتج عادةً عن الموازنة الدقيقة بين الاستراتيجيات التي تستفيد استفادة كاملة من آليات التعزيز لدعم نمو التعاونية مع تجنب العوائق والعواقب غير المقصودة أو تقليلها قدر الإمكان.

بعض التعاونيات ذات مسارات النمو المستدامة بدأت بمشاريع صغيرة اتفق عليها كافة المشاركين أو معظهم وانتقلوا إلى مشاكل أكثر جدلية، مثل معالجة المنافسة بين المستشفيات، وذلك بمجرد انتهائهم من بناء الثقة، وتحقيق التأثير الفعلي، والتعلم من التجارب والخبرات، وبناء القيمة في المجتمع. وقد اجتذبت بعض التعاونيات موارد إضافية، من بينها التمويل، والأعضاء الجدد، والموظفون الجدد، عبر قياس التأثيرات والفوائد التي حققتها في قطاع الصحة والرعاية الصحية ونشرها وإيصالها إلى المجتمع. وهذا النوع من النمو لا يظهر بنمط منتظم، بل إنه غالباً ما يشبه صعود الدرج أو يظهر على شكل سلسلة من التعثرات الصغيرة والتعافيات التي تتحرك بثبات صعوداً مع مرور الوقت.

إن تعاونية "روكي ماونتن" الصحية (Rocky Mountain Health Collaborative)، وهي التعاونية الأقدم من بين كافة الأمثلة التي درسناها، بدأت بقاعدة واسعة متنوعة من أصحاب المصالح. حيث وافقت المؤسسات الشريكة على المشاركة في نظام ضريبي داخلي كجزء من خطة صحية محلية. وقد وفر هذا النظام الضريبي تمويلاً مستداماً لدعم البنية الأساسية والإدارة التشغيلية لمبادرات الرعاية المبكرة. كما أطلق المؤسسون مؤسَّسة غير ربحية لتلقي الأموال، ووظّفوا موظفين لقيادة المبادرات الصحية، وجمعوا وقدموا بيانات حول الصحة وتكاليف الرعاية الصحية والمدّخرات.

بالإضافة إلى ذلك، كان الكيان الجديد قادراً على إعادة الأموال إلى شبكة المشاركين، وبالتالي خلق دورة إيجابية من التحفيز لدى الأعضاء لدعم التعاونية. كما مكّنت البنية التحتية الأعضاء من إطلاق مجموعة متوسّعة من المبادرات الصحية، وقد ساعدت العديد منها على تخفيض تكاليف الرعاية مع توسيع الوصول. وفي نهاية المطاف، قادت هذه الدورة المحمودة التعاونية لإنتاج نتائج صحية ممتازة مع الحفاظ على واحد من أدنى معدلات تكاليف الرعاية الصحية للفرد في البلاد. يعزو قادة هذه المبادرة نجاحهم إلى ممارسة التفكير فيما حققوه، وما الذي أسهم في هذه الإنجازات، وما العوائق التي واجهوها، ثم إعادة تعديل الأهداف المشتركة بما يتوافق مع ذلك لضمان التزام كافة الشركاء بنجاح التعاونية.

توضح قصص النجاح هذه أهمية استخدام التأثير الأولي لتعزيز قدرة التعاونية في إحداث تأثير إضافي. وتبدأ هذه الاستراتيجية بقياس التأثيرات وتوضيحها لأصحاب المصالح والمجتمع ككل، ومن ضمنهم الممولون المحتملون والمشاركون الجدد. كما يجب على التعاونية ومؤسستها الأساسية إيجاد طريقة للاستفادة من الموارد الإضافية. ويمكنهم القيام بذلك عن طريق تخصيص أجزاء من المنح التي تدعم المؤسسة الأساسية على وجه التحديد. أو بدلاً من ذلك، يمكن أن تأتي الموارد من نظام ضريبي داخلي يوفر فيه بعض أصحاب المصالح تمويلاً مستداماً. ويمكن أن تأتي هذه الأموال، على سبيل المثال، من زيادة الإيرادات أو خفض التكاليف الناتج عن تأثيرات التعاونية (مثل المدخرات من برامج الصحة الوقائية). ولقد أصبحت ترتيبات المدخرات المشتركة سائدة بشكل متزايد في برامج مثل مؤسسات الرعاية صاحبة المسؤولية (ACOs). حيث تضم مؤسسات (ACOs) مجموعات من مقدمي الرعاية الصحية في منطقة معينة. وهي تعمل بميزانية إجمالية ثابتة، ويمكن أن تؤدي الكفاءة الأكبر إلى ادخار بعض الموارد التي يحتفظ بها مقدمو الخدمات هؤلاء ومؤسسات (ACO).

استراتيجيات لتنمية القدرة التعاونية

كما رأينا، أظهر بحثنا في إطار العمل الديناميكي وكيف يشكل المسارات المختلفة للتعاونيات دروساً مهمة يمكن لقادة التعاونيات تعلمها. وبشكل عام، وجدنا أربع استراتيجيات محددة لتطوير التعاونيات الناجحة واستدامتها.

أولاً، يجب أن تبدأ التعاونية بخلق الظروف اللازمة للنجاح. يجب أن تبدأ بدعوة الجهات الفاعلة التي تمثل مختلف الجهات المعنية بالمشاكل الصحية الرئيسية التي تواجه المنطقة التي تخدمها وتحشد القدرات اللازمة للتعامل معها. وبمجرد أن يجتمع أصحاب المصالح، يجب عليهم إنشاء بُنى حوكمة تنظيمية تضمن سماع أصوات جميع المشاركين واحترام مصالحهم. كما سيؤدي توزيع حقوق اتخاذ القرار بشكل عادل إلى بناء الثقة، وكذلك تبنّي الأهداف والأولويات والمقاييس التي يضعها الأعضاء بشكل مشترك. ويجب على الأعضاء صياغة هدف نهائي مشترك للمجموعة كلها، وغايات يجب العمل بشكل جماعي على تحقيقها في سبيل تحقيق الهدف النهائي المشترك. ثم يجب على المؤسسات الأعضاء تحديد الفرص لمواءمة أولوياتهم وحوافزهم مع هذه الغايات، ومن بينها هياكل المكافآت التنظيمية.

ثانياً، يجب على التعاونيات الجديدة اختيار مشاريعها الأولية بشكل استراتيجي. يجب أن تبدأ بإنشاء عملية متقاربة لاختيار الأولويات والمشاريع الأولية. ويجب أن تصبح هذه العملية قيد التنفيذ بسرعة، وإلا فسيفقد الأعضاء تحفيزهم واهتمامهم. كما ينبغي أن تختار التعاونية المشاريع التي تتطلب مؤسسات متعددة ولا يمكن لأي منها تنفيذها بمفردها، ما سيعزز الهدف النهائي للتعاونية والمؤسسات الأعضاء، وهذا بدوره يمكن أن يُظهر تقدماً وفوائد قابلة للقياس خلال فترة زمنية معقولة، ويمكن تحقيق ذلك باستخدام الحد الأدنى من الموارد. ثم بعد اختيار المشاريع، ينبغي للتعاونية أيضاً أن تضع نظام تتبع لقياس التقدم وضمان أن هذه المشاريع الأولية تلبّي أهدافها. كما يجب على التعاونية نشر وتعميم نجاحاتها المبكرة بين الأعضاء وأفراد المجتمع لتحفيز استمرار الدعم.

نظراً لأن المشاريع المبكرة تنتج فوائد مُتصورة وتحفز الأعضاء على المشاركة بشكل أكثر التزاماً، يجب على أعضاء التعاونية بعد ذلك إجراء سلسلة من الاستثمارات التي تساعد على توسيع القدرات وتمهيد الطريق لمبادرات أكثر طموحاً. وينبغي أن توفر هذه الاستثمارات أساساً للتأثير المستدام للتعاونية. كما يجب أن تبدأ التعاونية عن طريق إنشاء بنية تحتية (مؤسسة أساسية) يمكنها تنسيق جهود الأعضاء والمشاريع المختلفة. وعلى هذه المؤسسة الأساسية أن تؤدي الوظائف المهمة أو تعيين الموظفين لتأديتها، مثل البحث عن التمويل والإعلان عن إنجازات التعاونية. وفي حين أنه من الممكن استعارة الموظفين والموارد الأخرى من المؤسسات الأعضاء، يجب على المؤسسة الأساسية أن توضح من هو المسؤول عن العمل.

إحدى الوظائف الأساسية لهؤلاء الموظفين هي المساعدة على تشكيل مجموعة متنوعة من الممولين الذين يسمحون للتعاونية بتجنب الاعتماد المفرط على مصدر واحد للدعم. فالجهود الناجحة التي تجتذب التمويل من مصادر خارجية يمكن أن تزيد من تحفيز الأعضاء على الاستمرار بالمشاركة في التعاونية والاستثمار فيها وفي مبادراتها بأنفسهم.

يجب على التعاونية الناجحة أن تراجع باستمرار كيفية عملها. هل يستمر الأعضاء بالمشاركة بفعالية؟ هل يدعمون أهداف التعاونية؟

كما يجب على المؤسسة الأساسية أن تطور أنظمة للبحث وتحليل البيانات. ويمكن لهذه الأنظمة على سبيل المثال أن تسلط الضوء على مشكلات المجتمع التي تؤثر على العديد من المشاركين ولا يُمكن حلها من قبل مؤسسة واحدة أو قطاع ما بمفرده، وبالتالي تساعد التعاونية على انتقاء المشاريع ذات الأولوية العليا. وبعد ذلك، يُمكن لطاقم عمل المؤسسة الأساسية تحديد المبادرات التي تعالج هذه المشكلات، ووضع استراتيجيات مستندة إلى الأدلة وتحديد أفضل الممارسات التي استخدمتها مجتمعات أخرى. بمجرد اختيار الموظفين لهذه المبادرات، يمكن للأنظمة تتبع تقدمهم، ومساعدتهم على التنسيق فيما بينهم بشكل جيد والالتزام بجداول المواعيد، وتمكين التعاونية من إيصال المنفعة المجتمعية الناتجة.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!