اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

استراتيجيات ديناميكية لنجاح التعاونيات في القطاع الصحي

تناول بحثنا 19 جهداً لأصحاب المصالح في قطاع الصحة وحدد العوامل الأساسية وتحركات القيادة التي تؤدي معاً إلى النجاح أو الفشل.

إعداد : كيت إيزاكس، روث ويجمان، غاري هيرش

 

تم النشر 27 يونيو 2022

شارك
شارك

تقدم منصة "ستانفورد للابتكار الاجتماعي" الجزء الأول من سلسلة "استراتيجيات ديناميكية لنجاح التعاونيات في القطاع الصحي"، الذي سنتحدث فيه عن تجارب لإنشاء تعاونات صحية ناجحة توفر الرعاية لأفراد المجتمع الذين لا يمتلكون تأميناً صحياً من قبل قطاعات صحية وغير ربحية وضرورة تطوير القدرة التعاونية فيما بينها لإحداث تأثيرات فعالة.

لماذا تزدهر بعض التعاونيات الصحية بينما يتراجع البعض الآخر أو يفشل؟ لننظر إلى المثالين الواقعيين التاليين.

في شمال غرب المحيط الهادئ، كانت أربع مقاطعات تكافح من أجل تلبية احتياجات الرعاية الصحية للسكان الذين يفتقرون إلى التأمين الصحي المناسب. وغالباً ما كان المرضى لا يستطيعون الحصول على الرعاية عندما كانوا يحتاجون إليها أو كانوا يترددون في فعل ذلك. ولكن العديد منهم لم يكونوا قادرين على تحمل أعباء الرعاية الصحية الأولية والوقائية، وعندما كانوا يتلقّون الرعاية، عادة ما كانت تقدم إليهم بشكل عاجل في غرف الطوارئ. كان المرضى يعانون صحياً، وكانت تكلفة الرعاية الطبية مرتفعة.

قام قائد كبير من أحد المستشفيات، وهو طبيب يتمتع بالمصداقية في المجتمع الطبي، بدعوة قادة من أصحاب العمل المحليين الرئيسيين، والمستشفيات، وممارسَين للرعاية الأولية، وشركة تأمين كبرى. وشكّل هؤلاء القادة معاً تعاونية الصحة متعددة المقاطعات في منطقة المحيط الهادئ1، وحشدوا متطوعين من عاملي قطاع الرعاية الصحية لمعالجة الفئات المحرومة، وأنشؤوا مركزاً مجتمعياً صحياً جديداً لتوفير الرعاية الصحية الأولية والوقائية ميسورة التكلفة. تضمنت جهودهم المبكرة تحسين الرعاية السابقة للولادة للحوامل، والاستثمار المشترك في مركز رعاية الصدمات النفسية، وتأسيس نظام السجلات الطبية الإلكترونية لتمكين مقدمي الخدمات من مشاركة سجلات المرضى فيما بينهم. وقد أدت هذه المشاريع إلى بناء الزخم وتأسيس سجل حافل من التعاون الناجح الذي عزز رغبة الشركاء في التعاون.

وفي الوقت نفسه، في مدينة شمالية شرقية في الطرف الآخر من البلاد، اجتمعت إدارة الصحة العامة مع ثمانية قادة لمناقشة كيفية توفير الرعاية لأفراد المجتمع الذين لا يمتلكون تأميناً صحياً. وأنشؤوا تعاونية الرعاية الصحية في إقليم نيو إنجلاند (New England Healthcare Collaborative) الذي يتضمن ثلاثة رؤساء تنفيذيين لمستشفيات، بالإضافة إلى كبار القادة من عيادة للصحة النفسية، ومركز لصحة الأطفال، وشركة تأمين خاصة كبرى. اجتمعت المجموعة على صعيد شهري لمدة عامين، ولكن نشأت خلافات كبيرة بين الأعضاء حول ما إذا كان هدفهم يتعلق أساساً بـ "اقتسام عبء" توفير الرعاية دون الحصول على تعويض كافٍ، أو ما إذا كان لديهم مهمة أوسع لتعزيز قطاع الصحة. وقد وضعوا تقييماً عالي الجودة لاحتياجات الرعاية الصحية المحلية، لكن نظراً لعدم اتفاقهم على هدف محدد، فلم ينفذوا أبداً أي مبادرات مهمة لتلبية هذه الاحتياجات. لذلك كان شعورهم بالإنجاز منخفضاً، وسرعان ما تلاشت الثقة بين أعضاء المجموعة. لكنهم استمرا بحضور الاجتماعات لضمان ألا يتم اتخاذ أي قرارات يُمكن أن تؤثر على مؤسساتهم دون معرفتهم، في المقام الأول.

كما هو الحال مع العديد من المشاكل الاجتماعية المعقدة الأخرى، لا يمكن حل مشكلة توفير رعاية صحية ممتازة للجميع من قبل مؤسسة واحدة أو قطاع واحد بمفرده. ففي العديد من الناطق في الولايات المتحدة، ظهرت تعاونيات صحية مؤلفة من مؤسسات عامة وغير ربحية ومملوكة للمستثمرين ومؤسسات مجتمعية بهدف تحسين صحة المجتمع وتقديم الرعاية الصحية. عندما يعملون بشكل جيد، فإنهم يعتمدون على نقاط القوة المشتركة لأعضائهم لتلبية احتياجات الرعاية الصحية غير المُلباة في المنطقة، وتقليل الازدواجية المُكلفة في البرامج والخدمات، وتحسين العوامل الاجتماعية المُحددة للصحة، ومنح الفئات المهمشة إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية.

لكن، ليست كل التعاونيات الصحية في الولايات المتحدة ترقى إلى مستوى إمكانياتها. ففي حين أن بعض هذه التعاونيات تنمو وتُستدام بمرور الوقت، إلا أن بعضها الآخر تعاني من القدرات والتأثير المتراجعين، أو أنها تنحلّ كلّياً. فكيف نُفسر الفرق بين النجاح والفشل؟ قمنا بدراسة تجارب 19 تعاونية في مجال الصحة والرعاية الصحية والتي اخترناها بعناية للتنوع الذي أظهرته في بلورة القدرات التعاونية بمرور الوقت. وقد تباينت الأمثلة بشكل كبير حسب الموقع الجغرافي، والوضع الاقتصادي للمجتمع الذي تخدمه كل تعاونية، ومدة حياة التعاونية، والدور الذي تلعبه في المجتمع. كما اختلفت المشاريع من ناحية مشاركة الممولين؛ حيث تم توجيه 13 مبادرة من خلال أطر عمل طورتها مؤسسات تمويل حكومية وغير ربحية، مثل مبادرة "بروجكت أكسس" (Project Access)، ومبادرة "آي اتش آي تريبل أيم" (IHI Triple Aim) التابعة لمعهد تحسين الرعاية الصحية، وبرنامج "بيكون" المجتمعي (Beacon Community Program)، بينما لم يتم تنظيم 6 مبادرات بشكل صريح حول أطر عمل يحركها الممولون.

تبعاً للمقابلات التي أجريناها، والأبحاث حول الخلفيات المهنية والثقافية، وتحليل البيانات، وجدنا أن جميع المتعاونين ذوي التأثير العالي يشتركون جميعاً في خاصية تطوير وتنمية القدرة التعاونية -أي قدرة الأطراف وحافزهم على العمل معاً لتحقيق النتائج المرجوة على مستوى المجتمع2. فالقدرة التعاونية هي مورد مجتمعي يتم بناؤه أو استنفاده كنتيجة لكيفية قيام أعضاء العمل التعاوني بالسعي لتحقيق هدف مشترك (أو عدم قيامهم بذلك إطلاقاً). وهذا النوع من القدرة أمر أساسي لمعالجة ما يُدعى بـ"المشاكل الملعونة"3، أو التحديات الاجتماعية التي يصعب حلها لأنها مدفوعة بقضايا متعددة وطارئة ومتضاربة وهي خارجة عن سيطرة أي مؤسسة واحدة4.

كيف يتم تطوير القدرة التعاونية؟ نعلم بناءً على الأبحاث السابقة التي أجراها آخرون أن العديد من الدوافع يمكن أن تؤثر على النتائج. لكن العلماء الذين يدرسون التعاونيات لم يكتشفوا حتى الآن كيف تتحد التفاعلات الديناميكية للدوافع المتعددة مع مرور الوقت لإنتاج نتائج ناجحة أو غير ناجحة، ناهيك بتقديم التوجيه لقادة التعاونيات حول الخطوات التي يجب القيام بها وبأي ترتيب. وبحثنا هذا يتخذ هذه الخطوات.

لقد طورنا إطار عمل أولياً، بالاعتماد على عناصر من الأبحاث الموجودة حول التعاونيات وتفكيرنا حول كيفية تفاعل هذه العناصر بالطرق التي تشكل مسارات التعاونيات. ثم قمنا بتعديل إطار العمل والتحقق من صحته من خلال دراستنا للتعاونيات التسعة عشر.

إن إطار العمل الديناميكي للتعاونيات الذي قمنا بصياغته في النهاية يدمج رؤيتنا حول كيفية تطوير القدرة التعاونية وإحداث تأثيرات فعالة. وقد حدد بحثنا عدداً صغيراً من التحركات الاستراتيجية الأساسية التي يجب القيام بها في بداية تشكيل تعاونية ما لإعدادها للنجاح، بالإضافة إلى اتخاذها لاحقاً لبناء زخم إيجابي مع مرور الوقت وتجنب المعوقات. وبالمثل، قمنا أيضاً بتحديد ديناميكيات سلبية يجب تجنّبها. يُعتبر عملنا وثيق الصلة بالتعاونيات الصحية، حيث إنها كانت محور بحثنا، لكننا نعتقد أن العديد من نتائجنا تنطبق أيضاً على التعاونيات التي تعمل على قضايا بيئية واجتماعية واقتصادية معقدة أخرى، والتي لا يمكن لمؤسسة واحدة أو قطاع واحد في المجتمع حلها.

إطار عمل للتعاون الناجح

إن إطار عملنا الديناميكي للتعاون الناجح بين أصحاب المصلحة المتعددين يستند إلى فرضية أن القدرة التعاونية تتطور بمرور الوقت كجزء من عملية تشبه الحلقة المغلقة والتي يُمكن فيها للقدرات التعاونية إحداث تأثير، وهذا التأثير بدوره يحفز الاستثمار في مزيد من بناء القدرات. فالقدرة التعاونية التي تُمكّن التعاونية من اتخاذ الإجراءات تنشأ من مزيج من دوافع المشاركين وقدرتهم على العمل معاً بشكل فعال. كما إن الإجراءات التي تتخذها التعاونية لها تأثيرات يدركها المشاركون، وتؤثر هذه التأثيرات بعد ذلك على دافعهم للمشاركة في التعاونية بالإضافة إلى قدرة التعاونية على اتخاذ إجراءات في المستقبل. وتُمكّن حلقات الملاحظات هذه القدرات التعاونية من النمو مع مرور الزمن.

ومع ذلك، قد تؤدي إجراءات التعاونية أيضاً إلى حدوث عواقب غير مقصودة تشكل حلقات مغلقة خاصة بها ويمكن أن تعرقل الأداء والنمو الفعال للتعاونية. ويمكن لحلقات العوائق هذه أن تتسبب في ركود التعاونية أو حلّها.

لقد وجدنا أن لكل عامل من العوامل في هذا النموذج تأثيره المباشر على العوامل الأخرى، وأن كل عامل بدوره يتأثر بمجموعة من المتغيرات التي يجب على القادة إدارتها أثناء نمو شراكتهم. ومن الأهمية بمكان بالنسبة لحافز أصحاب المصالح تجاه التعاونية ما إذا كان أصحاب المصالح لديهم هدف مشترك، وتعريف جماعي للمشكلة التي يتعين حلها، ورؤية واستراتيجية للتغيير، وقيم مشتركة حول مستقبل إيجابي، واعتقاد موحد حول كيفية ينبغي إنجاز العمل التعاوني. كما أن الثقة في أن الآخرين سيتعاونون -الدرجة التي يتوقع بها الأعضاء بثقة أن أصحاب المصالح الآخرين سيعملون لتحقيق المنفعة المتبادلة- هي مؤثر حاسم آخر على الحافز.

تتفاعل عدة مكونات مع بعضها البعض للتأثير على قدرة أصحاب المصالح على التعاون والتأثير. أولاً، يجب أن تحقق التعاونية سعة الرؤية الصحيحة لدفع التغيير الهادف. وتصف سعة الرؤية مدى التغيير الذي يرغب فيه أصحاب المصالح ويعتقدون أنه ممكن. بينما يمكن للرؤية الأضيق أن تتيح التقدم السريع وتبقي الأعضاء متفائلين بشأن قدرتهم على إحداث تأثير. إلا أن الرؤية الضيقة للغاية تُخاطر بتجاهل القضايا الحيوية والعوامل السببية والقيود، بالإضافة إلى إنتاج إنجازات محدودة فقط، وإلهاء الأعضاء عن السعي لتحقيق المزيد من التغييرات المثمرة، والصعبة، والتي تعمل على تحسين صحة السكان والحصول على الرعاية الصحية.

ثانياً، تحتاج التعاونية إلى بنية تحتية مناسبة لتحقيق التقدم في المهام المترابطة؛ غالباً ما يشير الباحثون إلى هذه البنية التحتية على أنها "مؤسسة أساسية". توفر هذه المؤسسات دعماً إدارياً أساسياً لدعم أعضاء التعاونية لديها، بالإضافة إلى عقد الاجتماعات، وتنسيق إجراءات أصحاب المصالح، كما تساعد على ضمان إحراز التعاونية تقدماً نحو أهدافها. وتحتاج المؤسسة الأساسية أو أي هيكل إداري آخر إلى الإدارة الصحيحة والموظفين لدعم كيفية إدارة الجهود، وكيف يتم جمع المعلومات الرئيسية ومواءمتها، وكيف يتم تحديد المهام المشتركة وتنسيقها. كما أن المؤسسات الأساسية مهمة للغاية في تحقيق التأثير الجماعي -الذي يُعرّفه جون كانيا ومارك كرامير على أنه "التزام مجموعة من الفاعلين المهمين من مختلف القطاعات بجدول أعمال مشترك في سبيل حل مشكلة اجتماعية محددة" 5. ويعتمد تطوير البنية التحتية الداعمة على رغبة المشاركين في استثمار موارد المبادرة بطرق متساوية بالنسبة للأعضاء دون الاعتماد بشكل مفرط على مصدر تمويل واحد.

ثالثاً، تحتاج التعاونية إلى هياكل مكافآت مناسبة. يحتاج الأعضاء إلى رؤية فائدة لزيادة الاستثمار في التعاونية. لذا يجب عليهم فهم أن النتائج الإيجابية بالنسبة للمجتمع هي نتائج إيجابية لهم أيضاً.

ويمكن للعلاقات السببية ذات الحلقة المغلقة أن تعزز بشكل إيجابي تنمية القدرة التعاونية وتعزز نموها.

ملاحظات

1 تم تغيير أسماء كافة التعاونيات المذكورة في هذا المقال للحفاظ على حجب هويتها.

2 بيني جي. فوستر – فيشمان وآخرون، "بناء قدرة التعاونية في التحالفات المجتمعية: مراجعة وإطار عمل متكامل"، "المجلة الأميركية لعلم النفس المجتمعي" (American Journal of Community Psychology)، العدد 29، رقم 2، 2001؛ ميشيل ليمبا وآخرون، "تطوير المقاييس لقياس قدرة المبادرات المجتمعية"، "مجلة الصحة والتعليم والسلوك" (Health Education & Behavior)، العدد 35، الرقم 3، 2006؛ إدوارد بي. ويبر، نيكولاس بي. لوفريتش، مايكل جيه. جافني، "تقدير قدرة التعاونية في عالم متعدد الأبعاد"، "مجلة الإدارة والمجتمع" (Administration & Society)، العدد 39، الرقم 2، 2007.

3 إدوارد بي. ويبر وآن إم. كاديميان، "المشاكل الخبيثة، تحديات المعرفة، وبناء القدرات التعاونية في الشبكات"، "مجلة الإدارة العامة" (Public Administration Review)، العدد 68، الرقم 2، 2008.

4 سونيا إم. أوسبينا وآنجل ساز – كارانزا، "التناقض والتعاون في إدارة الشبكات"، "مجلة الإدارة والمجتمع" (Administration & Society)، العدد 42، الرقم 4، 2010، وديفيد آر.

كونلي، جينغ زانغ، سو فيرمان، "الطبيعة المتناقضة للتعاون"، في كتاب ليزا بلومبيرغ بينغام وروزماري أوليري، "الأفكار الكبيرة في الإدارة التعاونية العامة" (Big Ideas in Collaborative Public Management)، نيويورك: روتليدج، 2008.

5 جون كانيا ومارك كرامير، "التأثير الجماعي"، "مجلة ستانفورد سوشال إنوفيشن"، شتاء 2011. انظر أيضاً ريتشارد كريسبن وهيلين موزر، "ست ممارسات مثبتة للمؤسسات الأساسية"، "مجلة ستانفورد سوشال إنوفيشن"، صيف 2018، وشيلوه تيرنر وآخرين، "فهم قيمة المؤسسات الأساسية في التأثير الجماعي: الجزء 2"، "مجلة ستانفورد سوشال إنوفيشن"، صيف 2012.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال دون إذن سابق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!