اشترك
الوضع المظلم
الوضع النهاري

الاستمرار بالحساب الحالي

سلسلة الحرب الثقافية على علوم المناخ: المعالجة الثقافية لعلوم المناخ

التحدي الثقافي الذي يمثله التغير المناخي ضخم ويتألف من ثلاثة جوانب

إعداد : أندرو هوفمان

 

تم النشر 02 أغسطس 2012

شارك
شارك

تقدم منصة ستانفورد للابتكار الاجتماعي الجزء الثاني من سلسلة "الحرب الثقافية على علوم المناخ" التي تحدثنا في الجزء الأول منها عن مدى ارتباط التغير المناخي بالقيم والمعتقدات والثقافات السائدة. واليوم في هذا المقال نتحدث عن الجدل الثقافي حول التغير المناخي والاستنتاجات الحتمية المتعلقة بالجدل حول التغير المناخي.

نستعين بتعبير الخبير الاقتصادي هربرت سايمون، الحائز على جائزة "نوبل" التذكارية، لوصف الأشخاص عند تحليلهم للمعلومات العلمية المعقَّدة؛ حيث يكونون "عقلانيين بشكل محدود". ووفقاً لـ: سوزان فيسك، عالمة النفس في جامعة "كاليفورنيا لوس أنجلوس" (UCLA)، وشيلي تيلور، عالمة النفس في جامعة "برينستون" (Princeton University)، نحن "بخلاء في تقديم المعرفة"، ولدينا قدرة معرفية محدودة على التحقق الشامل من كل قضية نواجهها.

الجدل الثقافي حول التغير المناخي

يستخدم مختلف الأشخاص عوامل فرز فكرية تعكس هويتهم ونظرتهم إلى العالم وأنظمة معتقداتهم، وتتأثر عوامل الفرز هذه بشدة بالقيم الجماعية، وعموماً، نحن نؤيد الموقف الذي يعزّز بشكل مباشر العلاقة التي تربطنا مع الآخرين في مجموعتنا المرجعية، وهذا ما يشير إليه دان كاهان، الأستاذ في كلية "ييل للحقوق"، بعبارة "المعرفة الثقافية"، فعندما نقوم بذلك؛ نوطِّد علاقتنا مع مجموعاتنا الثقافية، ونعزِّز تعريفنا للذات. هذه النزعة تحرِّكها الرغبة الفطرية في الحفاظ على التوافق في المعتقدات، من خلال منح الأدلة والحجج التي تدعم المعتقدات الموجودة مسبقاً أهميةً أكبر، وبذل طاقة مفرطة في محاولة دحض الآراء أو الحجج التي تتعارض مع تلك المعتقدات، وبدلاً من التحقق من قضية معقَّدة، فإننا غالباً ما نتعلم معتقدات مجموعتنا المرجعية ببساطة، ونسعى إلى دمج هذه المعتقدات مع وجهات نظرنا الشخصية.

ومع مرور الوقت؛ تزداد عوامل الفرز الفكرية تلك ثباتاً ومقاوَمةً للتغيير من خلال آليات تعزيز متعددة، أولاً، لن نأخذ في عين الاعتبار إلا الأدلة التي تكون مقبولةً أو – في الحالة المثالية – عندما يقدِّمها مصدر مطَّلع من مجتمعنا الثقافي، وسنرفض المعلومات التي تؤيدها المصادر التي تمثِّل المجموعات التي نرفض قيمها.

ثانياً، سننتقي مصادر المعلومات التي تدعم موقفنا العقائدي، على سبيل المثال، يزداد احتمال قول مشاهدي قناة "فوكس نيوز" (Fox News) الدائمين إن درجة حرارة الأرض لم تكن ترتفع، وإن أي ارتفاع في درجة الحرارة ليس ناتجاً عن الأنشطة البشرية، وإن معالجة مشكلة التغير المناخي ستضرّ الاقتصاد، وقد يتوقع المرء قولاً نقيضاً لذلك من مستمعي "الإذاعة الوطنية العامة" (National Public Radio). تقودنا نتيجة هذه المعالجة الثقافية وآليات الترابط الجماعي إلى استنتاجَين حتميين عن الجدل حول التغير المناخي.

استنتاجات حتميان عن الجدل حول التغير المناخي

الاستنتاج الأول:

التغير المناخي ليس قضية "تلوث": على الرغم من قرار "المحكمة العليا في الولايات المتحدة" (US Supreme Court)، في عام 2007، اعتبار الغازات الدفيئة ملوثة للهواء قانونياً؛ فإنها من المفهوم الثقافي أمر مختلف تماماً. إن تخفيض انبعاث الغازات الدفيئة لا يماثل تخفيض أكاسيد الكبريت أو أكاسيد النيتروجين أو أول أكسيد الكربون أو الجسيمات المعلَّقة (جسيمات صلبة أو سائلة ذات أبعاد مجهرية معلقة في غلاف الأرض الجوي)، حيث إن هذه الأشكال من التلوث ناتجة عن النشاط البشري، وهي مضرِّة، وهي أيضاً مخلَّفات ناتجة عن الإنتاج الصناعي عن غير قصد، في الحالة المثالية، نود الحدّ من إنتاجهم من خلال حشد الموارد الاقتصادية والتقنية، لكن ثاني أكسيد الكربون، الغاز الدفيء الرئيسي، ناتج عن كل من النشاط البشري والطبيعة، فهو ليس ضاراً بطبيعته، بل هو جزء طبيعي من النظم الطبيعية، ولا نرغب في الحدّ من إنتاجه، فهو ليس من المخلَّفات السامة أو مشكلة تقنية بحتة يجب حلها، بل هو جزء متأصِّل من مجتمعنا وهويتنا، وهو ناتج مرغوب فيه بشدة إلى حدّ كبير، لأنه يرتبط بمستوى معيشتنا؛ إذتزداد انبعاثات الغازات الدفيئة مع ازدياد ثروة الأمة، وهي غاية جميع الناس، ويتطلّب تخفيض انبعاث ثاني أكسيد الكربون تغييراً في كل جانب من جوانب الاقتصاد تقريباً، وبالتالي كل جانب من جوانب ثقافتنا تقريباً. ولكي نعدّ الغازات الدفيئة مشكلة، يجب أن نغير بشكل جذري الطريقة التي ننظر بها للعالم ولأنفسنا ضمنه، وهذا يقودنا إلى المفارَقة الثانية.

الاستنتاج الثاني:

يمثِّل التغير المناخي تحدياً وجودياً لمنظورنا المعاصر للعالم: إن التحدي الثقافي الذي يمثله التغير المناخي ضخم ويتألف من ثلاثة جوانب، وكل جانب يؤدي إلى الجانب التالي، أما الجانب الأول، فيجب أن ننظر إلى مادة لم تكن مضرِّةً سابقاً، بل كانت مفيدة، بطريقة جديدة، فنعتبرها خطرة نسبياً وليس مطلَقاً، فهي لا تمثّل مشكلةً إلا عندما يختلّ توازن تركيز المادة، لكن لفهم هذا وتقبُّله، نحتاج إلى تصوِّر النظام البيئي العالمي بأسلوب جديد.

يقودنا هذا التحدي إلى الجانب الثاني: لا نحتاج إلى تغيير منظورنا عن النظام البيئي فحسب، بل علينا أيضاً تغيير منظورنا عن موقعنا ضمنه، هل بلغ الجنس البشري أعداداً، وهل تطورت التكنولوجيا لدينا لتصبح قويةً، بحيث يمكننا تغيير النظام البيئي وإدارته على مستوى الكوكب؟ هذا سؤال ثقافي ضخم يغير نظرتنا للعالم، ونتيجةً لذلك، يرى البعض السؤال والإجابة عنه غطرسةً فكريةً وروحيةً، على حين يراهما البعض الآخر من البديهيات.

إذا أجبنا عن هذا السؤال بالإيجاب، فإن الجانب الثالث يتحدانا للنظر في نماذج جديدة وربما لا سابق لها من الأخلاقيات والحوكمة العالمية لتناوله. يُعرِّف غاريت هاردين، عالم البيئة، التغير المناخي، بأنه "مشكلة العموم" الكبرى، حيث إن كل فرد لديه دافع ليكون مسبباً في انبعاث الغازات الدفيئة لتحسين مستوى معيشته، لكن دفع ثمن ذلك يقع على عاتق الجميع، ولسوء الحظ، إن توزيع دفع هذا الثمن في هذه القضية العالمية غير متكافئ؛ حيث تتحمل الفئة السكانية المستضعفة في البلدان الفقيرة العبء الأكبر، لذا، علينا إعادة التفكير في أخلاقياتنا لتواكب قدراتنا التكنولوجية؛ هل لجزّ العشب أو قيادة سيارة لا توفِّر في استهلاك الوقود في "آن أربور" في ولاية ميشيغان، انعكاسات أخلاقية على الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المنخفضة من بنغلاديش؟ إذا تقبَّلت حقيقة التغير المناخي الناتج عن الأنشطة البشرية، فالإجابة عن هذا السؤال هي نعم، ويجب علينا إنشاء مؤسَّسات عالمية لتعكس هذا الإدراك. هذه قضية أخلاقيات وحوكمة عالمية على نطاق لم نشهده من قبل، وتؤثر فعلياً في كل نشاط اقتصادي في العالم، وتتطلب عقد أكثر الاتفاقيات العالمية تعقيداً وتدخلاً جرى التفاوض بشأنها على الإطلاق.

تبين هذه الجوانب الثلاثة مجتمعةً لتحدينا الوجودي ضخامة الجدل الثقافي حول التغير المناخي الذي يثيره التغير المناخي؛ حيث يتحدانا في دراسة معتقدات ووجهات نظر للعالم لم تُدرَس من قبل. هو بمنزلة نقطة الوميض (وإن كانت ضخمة) للصراعات الثقافية والفكرية الأعمق التي تُعَدّ السبب الأساسي للعديد من مشاكلنا البيئية، وتشمل مفاهيم مختلفةً عن العلوم والاقتصاد والدين وعلم النفس والإعلام والتنمية والحوكمة، وكما يقول مايك هولم، عالم المناخ في جامعة "إيست أنجليا" (University of East Anglia)، في كتابه "لماذا نختلف حول تغير المناخ" (Why We Disagree About Climate Change): "إنه نائب عن الصراعات الأعمق حول الرؤى البديلة للمستقبل ومراكز السلطة المتنافِسة في المجتمع". وعلى هذا النحو، يثير موضوع التغير المناخي جدلاً محتدِماً بين المجتمعات الثقافية التي تعتقد أن التغيير يهدِّد مبادئها من جهة، والمجتمعات الثقافية التي تعتقد أن البقاء على الوضع الراهن يهدِّد مبادئها من جهة أخرى.

يمكنكم الاطلاع على النسخة الإنجليزية من المقال من خلال الرابط، علماً أنّ المقال المنشور باللغتين محمي بحقوق الملكية الدولية. إنّ نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!